المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

النجوى، إذ المناجاة تكلم خاص، وعدم الخاص لا يقتضي عدم - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: النجوى، إذ المناجاة تكلم خاص، وعدم الخاص لا يقتضي عدم

النجوى، إذ المناجاة تكلم خاص، وعدم الخاص لا يقتضي عدم العام.

والمعنى (1): أي أيها المؤمنون إذا أراد أحد منكم أن يناجي الرسول ويسارّه فيما بينه وبينه .. فليقدم صدقة قبل هذا؛ لما في ذلك من تعظيم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ونفع الفقراء والتمييز بين المؤمن حقًا والمنافق، ومن دفع التكاثر عليه صلى الله عليه وسلم من غير حاجة ملحة إلى ذلك.

ثم ذكر العلة في هذا فقال: {ذَلِكَ} التصدق بين يدي نجواكم {خَيْرٌ لَكُمْ} أيها المؤمنون من إمساكه؛ لما فيه من طاعة الله تعالى، {وَأَطْهَرُ} لأنفسكم من دنس الريبة ودرن البخل الناشىء من حب المال الذي هو من أعظم حب الدنيا، وهو رأس كل خطيئة. وتقييد (2) الأمر يكون امتثاله خيرًا لهم من عدم الامتثال وأطهر لنفوسهم

يدل على أنه أمر ندب لا أمر وجوب، لكن قوله فيما بعد:{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا} منبىء عن الوجوب؛ لأنه ترخيص لمن لم يجد، والظاهر: عدم الوجوب.

والمعنى: أن في هذا التقديم خيرًا لكم؛ لما فيه من الثواب العظيم عند ربكم، ومن تزكية النفوس وتطهيرها من الجشع في جمع المال وحب ادّخاره، وتعويدها بذله في المصالح العامة؛ كإغاثة ملهوف، ودفع خصاصة فقير، وإعانة ذي حاجة والنفقة في كل ما يرقي شأن الأمة ويرفع من قدرها ويعلي كلمتها، ويؤيد الدين، وينشر دعوته.

ثم أقام العذر للفقراء، فقال:{فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا} أيها الفقراء ما تتصدقون به بين يدي نجواكم، وعجزتم عن ذلك {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} لمن لم يجده {رَحِيمٌ} به حيث رخص له المناجاة بلا تصدق؛ لأنه ما أمر بها إلا من قدر عليها، وقد شرع هذا الحكم لتمييز المخلص من المنافق،

‌13

- فلما تمّ هذا الغرض انتهى ذلك الحكم، ورخص في المناجاة بدون تقديم صدقة، فقال:{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} ؛ أي: أبخلتم وخفتم العيلة والفاقة إن قدمتم الصدقات بين يدي نجواكم، ووسوس لكم الشيطان أن في هذا الإنفاق ضياعًا للمال. والاستفهام (3) فيه للتقرير، كأن بعضهم ترك المناجاة للإشفاق لا مخالفة للأمر. والإشفاق: الخوف من

(1) المراغي.

(2)

الشوكاني.

(3)

روح البيان.

ص: 46

المكروه. وجمع {صَدَقَاتٍ} هنا نظرًا إلى كثرة المخاطبين. قال بعض المفسرين: أفرد الصدقة أولًا لكفاية شيء منها، وجمع ثانيًا نظرًا إلى كثرة التناجي والمناجي.

والمعنى (1): أخفتم الفقر - يا أهل الغنى - من تقديم الصدقات، فيكون المفعول محذوفًا للاختصار. و {أَنْ تُقَدِّمُوا} في تقدير: لأن تقدموا. أو: أخفتم التقديم لما يعدكم الشيطان عليه من الفقر. قال الشاعر:

هَوِّنْ عَلَيْكَ وَلَا تُوْلَعْ بِإِشْفَاقِ

فَإِنَّمَا مَالُنَا لِلْوَارِثِ الْبَاقِيْ

{فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} ما أمرتم به، وشقّ عليكم ذلك {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بأن رخص لكم في أن لا تفعلوه، وأسقط عنكم تقديم الصدقة. وذلك لأنه لا وجه لحملها على قبول التوبة حقيقة؛ إذ لم يقع منهم التقصير في حق هذا الحكم، بأن وقعت المناجاة بلا تصدق، وهذا هو الناسخ للآية السابقة. وفيه إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله عنه لما رأى منهم من الانفعال ما قام مقام توبتهم. و {إذ} على معناها من الظرفية والمضي بمعنى: أنكم تركتم ذلك فيما مضى وتجاوز الله عنكم بفضله، فتداركوه بما تؤمرون به بعد هذا. وقيل: بمعنى (إذا) للمستقبل، كما في قوله:{إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} . أو بمعنى إن الشرطية، وهو قريب مما قبله إلا أنّ {إن} تستعمل فيما يحتمل وقوعه واللاوقوعه. وقوله:{وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} معطوف على {لَمْ تَفْعَلُوا} . وقوله: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} جواب {إذ} مسبب عن قوله: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا} ؛ أي: فإذا فرطتم فيما أمرتم به من تقديم الصدقات، وتجاوز الله عنكم .. فتداركوه بالمواظبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المفروضة. {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، في سائر الأوامر، فإن القيام بها كالجابر لما وقع في ذلك من التفريط. والتعميم بعد التخصيص لتتميم النفع. وفي "الفتوحات": قوله: {وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} جملة حالية، أو استئنافية معترضة بين الشرط وجوابه. وهذه الجملة هي التي فيها نسخ الوجوب كما تقدم، تأمل. انتهى.

والمعنى: أي فحين لم تفعلوا ما أمرتم به، وشق ذلك عليكم، وخفف عنكم ربكم فرخص لكم في المناجاة من غير تقديم صدقة، فأدوا الصلاة، وقوموها بأدائها

(1) روح البيان.

ص: 47

على أكمل الوجوه؛ لما فيها من الإخبات والإنابة إليه، والإخلاص له في القول والعمل، ونهيها عن الفحشاء والمنكر، ولما في الزكاة من تطهير النفوس وإزالة الشحّ بالمال المستحوذ على القلوب الدافع لها إلى ارتكاب الشرور والآثام، وأطيعوا الله فيما يأمركم به من الفرائض والواجبات وينهاكم عنه من الموبقات.

{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ؛ أي: عالم بالذي تعملون من الأعمال الظاهرة والباطنة، لا تخفى عليه خافية فيجازيكم عليه، فاعملوا ما أمركم به ابتغاء لمرضاته لا لرياء وسمعة، وتضرعوا إليه خوفًا من عقوباته خصوصًا بالجماعة يوم الجمعة. وقرأ عياش عن أبي عمرو (1):{يعملون} بالتحتية، والجمهور بالفوقية. ومن الأدعية النبوية:"اللهم: طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيني من الخيانة. إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور".

وفي تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر من بين العبادات المرادة بالأمر بالإطاعة العامة إشارة إلى علو شأنهما وإنافة قدرهما (2)؛ لأن الصلاة رئيس الأعمال البدنية، جامعة لجميع أنواع العبادات، من القيام والركوع والسجود والقعود، ومن التعوذ والبسملة والقراءة والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الدعاء الذي هو مخّ العبادة، ومن ذلك سميت صلاة، وهي الدعاء لغة. فهي عبادة من عبد الله تعالى بها .. فهو محفوظ بعبادة العابدين من أهل السماوات والأرضين، ومن تركها .. فهو محروم منها. فطوبى لأهل الصلاة، وويل لتاركها. وإن الزكاة هي أمّ الأعمال المالية، بها يطهر القلب من دنس البخل، والمال من خبث الحرمة، فعلى هذا هي بمعنى الطهارة، وبها ينمو المال في الدنيا بنفسه؛ لأنه:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} ، وفي الآخرة بأجره؛ لأنه تعالى يضاعف لمن يشاء. وفي الحديث:"من تصدق بقدر تمرة من كسب حلال - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوّه، حتى تكون مثل الجبل". فعلى هذا هي من الزكاء، بمعنى النماء؛ أي: الزيادة.

فإن قلت: لم قدم المعمول على عامله في قوله السابق: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ

(1) البحر المحيط.

(2)

روح البيان.

ص: 48

خَبِيرٌ}، وأخّره هنا حيث قال:{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} . فما الفرق بين الموضعين؟

قلتُ: فَعَلَ ما فَعَلَ في الموضعين رعاية للفواصل التي كانت بعدهما؛ لأنه بعد الأول وقع {غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، و {رَحِيمٌ} بوزن خبير - وإن كان الحرف الأخير مختلفًا - وبعد الموضع الثاني الفواصل نفس ما فيه.

وقيل: قدم في الأول تأكيدًا للتهديد المفهوم من الجملة؛ لأنها وقعت تعليلًا للأوامر العزائم قبلها، وفي الموضع الثاني لا حاجة إلى التأكيد المذكور؛ لأن الجملة وإن وقعت تعليلًا لما قبلها؛ لأن الأوامر قبلها إنما وقعت للترخي وقيل: للتفنن. فليتأمل، هكذا وقع في فهمي السقيم، والله أعلم بأسرار كتابه.

الإعراب

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)} .

{قَدْ} : حرف تحقيق. {سَمِعَ اللَّهُ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {قَوْلَ الَّتِي}: مفعول به، ومضاف إليه {تُجَادِلُكَ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الموصول، ومفعول به، والجملة صلة الموصول. ومن هذا سميت السورة سورة المجادلة بكسر الدال، على أنها اسم فاعل. وقيل: بفتحها وكسرها كما في "حاشية الشهاب على البيضاوي". والكسر أرجح على كل حال؛ لأنه أنسب بالسياق. {فِي زَوْجِهَا} : متعلق بـ {تُجَادِلُكَ} : ولا بد من حذف مضاف؛ أي: في شأن زوجها. {وَتَشْتَكِي} : معطوف على {تُجَادِلُكَ} . ويجوز أن تكون الواو حالية، والجملة في موضع نصب على الحال من فاعل {تُجَادِلُكَ}. {إِلَى اللَّهِ}: جار ومجرور متعلقان بـ {تشتكي} . {وَاللَّهُ} : {الواو} : حالية. {الله} : مبتدأ وجملة {يَسْمَعُ} خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {تُجَادِلُكَ} أيضًا. {يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}: فعل وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر عن الجلالة. {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، {سَمِيعٌ}: خبر أول له، {بَصِيرٌ}: خبر ثان. وجملة {إِنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، لا محل لها من الإعراب.

ص: 49

{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)} .

{الَّذِينَ} : مبتدأ، وجملة {يُظَاهِرُونَ} صلته. {مِنْكُمْ}: حال من فاعل {يُظَاهِرُونَ} ؛ أي: حال كونهم منكم {مِنْ نِسَائِهِمْ} : متعلق بـ {يُظَاهِرُونَ} . {مَا} : حجازية، {هُنَّ}: اسمها. {أُمَّهَاتُهُمْ} : خبرها، نصب بالكسرة نيابةً عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. وجملة {مَا} الحجازية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الابتدائية مستأنفة مسوقة لبيان أحكام المظاهر. {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ}:{إِنْ} : نافية، {أُمَّهَاتُهُمْ}: مبتدأ، {إِلَّا}: أداة حصر، {اللَّائِي}: اسم موصول للجمع المؤنث، في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة. {وَلَدْنَهُمْ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة صلة الموصول، {وَإِنَّهُمْ}:{الواو} : عاطفة. {إنهم} : ناصب واسمه، {لَيَقُولُونَ}:{اللام} : حرف ابتداء، {يقولون}: فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر {إنَّ} ، والجملة معطوفة على جملة قوله:{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} . {مُنْكَرًا} : صفة لمصدر محذوف؛ أي: قولًا منكرًا {مِنَ الْقَوْلِ} صفة لـ {مُنْكَرًا} ، {وَزُورًا}: معطوف على {مُنْكَرًا} ، {وَإِنَّ اللَّهَ}:{الواو} : عاطفة، {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، {لَعَفُوٌّ}:{اللام} : حرف ابتداء. {عفو} : خبر أول لـ {إنَّ} ، {غَفُورٌ}: خبر ثان لها، وجملة {إنَّ} معطوفة على جملة {إنّ} الأولى.

{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)} .

{وَالَّذِينَ} : {الواو} : استئنافية. {الذين} : مبتدأ، وجملة {يُظَاهِرُونَ} صلة الموصول. {مِنْ نِسَائِهِمْ}: متعلق بـ {يُظَاهِرُونَ} ، {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب مع تراخ، وجملة {يَعُودُونَ} معطوفة على جملة {يُظَاهِرُونَ}. {لِمَا}:{اللام} : حرف جر، {ما}: مصدرية، وجملة {قَالُوا}: صلة {ما} المصدرية، والمصدر المؤول من {ما} المصدرية وصلتها مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بـ {يَعُودُونَ} ، ولك أن تجعل {ما} موصولة، والعائد محذوف؛ أي: لما قالوه. {فَتَحْرِيرُ} : {الفاء} : رابطة الخبر بالمبتدأ؛ لما في المبتدأ من معنى الشرط، {تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}: مبتدأ، خبره محذوف تقديره: فتحرير رقبة واجب عليهم، والجملة الاسمية في محل

ص: 50

الرفع خبر عن الموصول، وجملة الموصول مستأنفة. {مِنْ قَبْلِ}: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الخبر؛ أي: فتحرير رقبة واجب هو عليهم حال كون ذلك التحرير من قَبْلِ تماسهما. أو متعلق بـ {تحرير} . {أَن} : حرف مصدر، {يَتَمَاسَّا}: فعل وفاعل، منصوب بـ {أَن} المصدرية، والجملة في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه؛ أي: من قبل تماسهما. {ذَلِكُمْ} : مبتدأ، وجملة {تُوعَظُونَ} من الفعل المغير، ونائبه في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة. {بِهِ}: متعلق بـ {تُوعَظُونَ} ، {وَاللَّهُ}: مبتدأ، {بِمَا}: متعلق بـ {خَبِيرٌ} ، وجملة {تَعْمَلُونَ} صلة لـ {ما} الموصولة أو المصدرية، {خَبِيرٌ}: خبر عن الجلالة، وجملة الجلالة مستأنفة أو معطوفة على ما قبلها.

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)} .

{فَمَنْ} : {الفاء} : حرف عطف وتعقيب، {مَنْ}: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، وجملة {لَمْ يَجِدْ}: صلة {من} الموصولة، {يَجِدْ}: فعل مضارع مجزوم بـ {لَمْ} : وفاعله ضمير يعود على {من} ، {فَصِيَامُ}:{الفاء} ؛ رابطة الخبر بالمبتدأ لشبهه الشرط، {صيام}: مبتدأ، {شَهْرَيْنِ}: مضاف إليه، {مُتَتَابِعَيْنِ}: صفة له، والخبر محذوف تقديره: واجب عليه، والجملة خبر لـ {مَنْ} الموصولة، وجملة {من}: الموصولة معطوفة على جملة قوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} . {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} : ظرف متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الخبر؛ أي: حال كون ذلك الصوم من قبل أن يتماسا، وجملة {أَنْ يَتَمَاسَّا} في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه. {فَمَنْ}:{الفاء} : حرف عطف وترتيب، {من} اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، وجملة {لَمْ يَسْتَطِعْ}: صلة لـ {مَنْ} الموصولة، {فَإِطْعَامُ}:{الفاء} : رابطة الخبر بالمبتدأ، {إطعام}: مبتدأ، {سِتِّينَ}: مضاف إليه، مجرور بالياء، {مِسْكِينًا}: تمييز لـ {سِتِّينَ} : منصوب به، والخبر محذوف تقديره: فإطعام ستين مسكينًا واجب عليه، والجملة الاسمية في محل الرفع خبر لـ {مَنْ} الموصولة، وجملة من الموصولة معطوفة على جملة قوله:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} . {ذَلِكَ} : مبتدأ، {لِتُؤْمِنُوا}:{اللام} : حرف جر وتعليل، {تؤمنوا} فعل مضارع، وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، {بِاللَّهِ}: متعلق بـ {تؤمنوا} ، {وَرَسُولِهِ}:

ص: 51

معطوف على الجلالة، والجملة الفعلية مع أن المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام: تقديره: ذلك واقع أو واجب لطلب إيمانكم بالله ورسوله، والجملة الاسمية مستأنفة. {وَتِلْكَ}:{الواو} : عاطفة. {تلك} : مبتدأ {حُدُودُ اللَّهِ} : خبره، والجملة معطوفة على جملة قوله:{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} . {وَلِلْكَافِرِينَ} : {الواو} : عاطفة، {للكافرين}: خبر مقدم، {عَذَابٌ}: مبتدأ مؤخر، {أَلِيمٌ}: صفة عذاب، والجملة معطوفة على ما قبلها.

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه، {يُحَادُّونَ اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول به، {وَرَسُولَهُ}: معطوف على الجلالة، والجملة الفعلية صلة الموصول، {كُبِتُوا}: فعل ماض مغير الصيغة، {و} نائب فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لزفّ البشرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بكبت أعدائهم وإذلالهم. {كَمَا}:{الكاف} : حرف جرّ وتشبيه، {ما}: مصدرية {كُبِتَ الَّذِينَ} : فعل مغير الصيغة ونائب فاعل. والمجملة صلة لـ {ما} المصدرية {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: كبتوا كبتًا كائنًا ككبت الذين من قبلهم. و {مِنْ قَبْلِهِمْ} : جار ومجرور، متعلق بمحذوف صلة الموصول، {وَقَدْ}:{الواو} : حالية، {قد}: حرف تحقيق، {أَنْزَلْنَا}: فعل وفاعل، {آيَاتٍ}: مفعول به، {بَيِّنَاتٍ}: صفة لآيات، والجملة الفعلية في محل النصب حال من واو {كُبِتُوا} ، والتقدير: كبتوا لمحادتهم، والحال أنا قد أنزلنا آيات بينات تدل على صدق الرسول كما في "أبي السعود". {وَلِلْكَافِرِينَ}:{الواو} : استئنافية، {للكافرين}: خبر مقدم، {عَذَابٌ}: مبتدأ مؤخر، {مُهِينٌ}: صفة عذاب، والجملة مستأنفة.

{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)} .

{يَوْمَ} : ظرف منصوب، متعلق بمحذوف تقديره: اذكرهم، أو متعلق بـ {مُهِينٌ} ، أو بـ {عَذَابٌ} ، أو بالاستقرار الذي تعلق به {للكافرين} . {يَبْعَثُهُمُ

ص: 52

اللهُ}: فعل ومفعول به، وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمَ}. {جَمِيعًا}: حال من مفعول {يَبْعَثُهُمُ} أو تأكيد له، {فَيُنَبِّئُهُمْ}:{الفاء} : عاطفة، {يُنَبِّئُهُمْ}: فعل مضارع، ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على {اللهُ}. والجملة في محل الجر معطوفة على جملة {يَبْعَثُهُمُ}. {بِمَا}: متعلق بـ {يُنَبِّئُهُمْ} على أنه مفعول ثان له، وجملة {عَمِلُوا} صلة الموصول، {أَحْصَاهُ اللهُ}: فعل ماضي، ومفعول به وفاعل، والجملة مستأنفة. {وَنَسُوهُ}:{الواو} : حالية، {نسوه}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل النصب حال من مفعول {أَحْصَاهُ} ، ولكنه على تقدير: قد. {وَاللهُ} : {الواو} : استئنافية. {اللهُ} : مبتدأ، {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ}: متعلق بـ {شَهِيدٌ} ، و {شَهِيدٌ}: خبر عن الجلالة، والجملة الاسمية مستأنفة مسوقة لتعليل الإحصاء.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)} .

{أَلَمْ} : {الهمزة} : للاستفهام التقريري التعجبي؛ {لم} : حرف جزم، {تَرَ}: فعل مضارع مجزوم بـ {لم} ، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على أي مخاطَب. والجملة مستأنفة. {أَنَّ اللهَ}: ناصب واسمه، وجملة {يَعْلَمُ}: خبره، وجملة {أَنَّ} في تأويل مصدر سادّ مسد مفعولي {تَرَ}؛ أي: ألم تعلم علم الله. {مَا} : اسم موصول في محل النصب مفعول {يَعْلَمُ} . {في السَّمَاوَاتِ} : صلة لـ {مَا} الموصولة، {وَمَا في الْأَرْضِ}: معطوف على {مَا في السَّمَاوَاتِ} ، {مَا}: نافية، {يَكُونُ}: فعل مضارع تام، {مِن}: زائدة، {نَجْوَى}: فاعل، {ثَلَاثَةٍ}: مضاف، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لتقرير سعة علمه تعالى، وبيان كيفيته. {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {هُوَ}: مبتدأ، {رَابِعُهُمْ}: خبره، والجملة في محل النصب حال من {ثَلَاثَةٍ}؛ أي: إلا حالة كونهم مصطحبين الله، فالاستثناء مفرغ من أعم الأحوال، كما مر. {وَلَا خَمْسَةٍ}: معطوف على ثلاثة {إلا} : أداة حصر، {هُوَ}: مبتدأ، {سَادِسُهُمْ}: خبر، والجملة في محل النصب حال من {خَمْسَةٍ} ، {وَلَا}:{الواو} : عاطفة. {لا} : نافية، {أَدْنَى}: معطوف على {نَجْوَى} ، {مِنْ ذَلِكَ}: متعلق بـ {أَدْنَى} ، {وَلَا أَكْثَرَ}: معطوف على أدنى. {إِلَّا} : أداة حصر،

ص: 53

{هُوَ} : مبتدأ. {مَعَهُمْ} : ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. والجملة في محل النصب حال من {أَدْنَى} و {أَكْثَرَ} . {أَيْنَ} : منصوب على الظرفية المكانية، و {ما}: زائدة، والظرف متعلق بالاستقرار الذي تعلق به {مَعَهُمْ}؛ أي: مصاحب لهم بعلمه في أي مكان استقروا فيه. {كَانُوا} : فعل تام، وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {أَيْنَ}؛ لأن {مَا} زائدة. {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب مع تراخ، {يُنَبِّئُهُمْ}: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول أول، {بِمَا}: جار ومجرور، متعلق بـ {يُنَبِّئُهُمْ} على أنه مفعول ثان له، وجملة {عَمِلُوا} صلة الموصول، و {يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: متعلق بـ {يُنَبِّئُهُمْ} أيضًا، وجملة {يُنَبِّئُهُمْ} معطوفة على جملة {يَعْلَمُ} في قوله:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} ، وما بينهما اعتراض. {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، {بِكُلِّ شَيْءٍ}: متعلق بـ {عَلِيمٌ} . و {عَلِيمٌ} : خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)} .

{أَلَمْ} : {الهمزة} : للاستفهام التقريري، {لم}: حرف جزم، {تَرَ}: فعل مضارع مجزوم بـ {لم} ، وفاعله ضمير مستتر يعود على محمد، أو على أي مخاطَب، والجملة مستأنفة. {إِلَى الَّذِينَ}: متعلق بـ {تَرَ} ؛ لأنه بمعنى النظر، فيتعدى بلى. وجملة {نُهُوا}: صلة الموصول، وهو فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعل {عَنِ النَّجْوَى}: متعلق بـ {نُهُوا} ، {ثُمَّ}: حرف عطف وتراخ، {يَعُودُونَ}: فعل وفاعل معطوف على {نُهُوا} . وعدل عن صيغة الماضي إلى المضارع لاستحضار صورة العود الماضي. {لِمَا} متعلق بـ {يَعُودُونَ} ، وجملة {نُهُوا} صلة لـ {ما} ، {عَنْهُ}: متعلق بـ {نُهُوا} ، {وَيَتَنَاجَوْنَ}: فعل وفاعل، معطوف على {يَعُودُونَ} ، وصيغة المضارع لاستحضار الصورة الماضية {بِالْإِثْمِ}: متعلق بـ {يتناجون} ، {وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ}: معطوفان على {الإثم} . {وَإذَا} : {الواو} : عاطفة، {إذا}: ظرف لِما يُستقبل من الزمان، {جَاءُوكَ}: فعل وفاعل ومفعول به. والجملة في محل الخفض بـ {إذا} على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {حَيَّوْكَ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة جواب {إذا} لا محل لها من

ص: 54

الإعراب، وجملة {إذا} معطوفة على جملة {وَيَتَنَاجَوْنَ}. {بِمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {حَيَّوْكَ} . {لم} : حرف جزم، {يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ}: فعل مضارع مجزوم بـ {لَمْ} وعلامة جزمه حذف حرف العلة، و {الكاف}: مفعول به، و {بِهِ} متعلق بـ {يُحَيِّكَ} ولفظ الجلالة فاعل، والجملة صلة لـ {ما} الموصولة. {وَيَقُولُونَ}: فعل وفاعل معطوف على {حَيَّوْكَ} ، أو حال من فاعل {حَيَّوْكَ} ، {في أَنْفُسِهِمْ}: متعلق بـ {يقولون} ، {لَوْلَا}: حرف تحضيض {يُعَذِّبُنَا} : فعل ومفعول به مقدم، {اللهُ}: فاعل، والجملة في محل النصب مقول لـ {يقولون} ، {بمَا}: متعلق بـ {يُعَذِّبُنَا} ، وجهملة {نَقُول} صلة لـ {ما} الموصولة، {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ}: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة. {يَصْلَوْنَهَا}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل النصب حال من {جَهَنَّمُ}. {فَبِئْسَ}:{الفاء} : عاطفة، {بِئْسَ الْمَصِيرُ}: فعل وفاعل والجملة معطوفة على جملة {يَصْلَوْنَهَا} ، ولكنها على تقدير القول؛ أي: حالة كونها يصلونها، وحالة كونها مقولًا فيها: بئس المصير. ويصح أن تكون الفاء استئنافية، والمخصوص بالذمِّ محذوف وجوبًا تقديره: هي.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} .

{يَا أَيُّهَا} : {يا} : حرف نداء، {أي}: منادى نكرة مقصودة، و {الهاء}: حرف تنبيه زائد، وجملة النداء مستأنفة. {الَّذِينَ}: صفة لـ {أي} أو بدل منه، وجملة {آمَنُوا}: صلة الموصول. {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، {تَنَاجَيْتُمْ}: فعل وفاعل في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، {فَلَا}:{الفاء} : رابطة لجواب {إِذَا} ، {لا}: ناهية، {تَتَنَاجَوْا}: فعل مضارع مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة جواب {إذا}: لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا} جواب النداء لا محل لها من الإعراب. {بِالْإِثْمِ}: متعلق بـ {تَتَنَاجَوْا} ، {وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ}: معطوفان على {الإثم} .

{وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)} .

{وَتَنَاجَوْا} : {الواو} : عاطفة. {تناجوا} : فعل أمر مبني على حذف النون، و {الواو}: فاعل، والجملة معطوفة على {فَلَا تَتَنَاجَوْا}. {بِالْبِرِّ}: متعلق

ص: 55

بـ {تناجوا} ، {وَالتَّقْوَى}: معطوف عليه، {وَاتَّقُوا اللَّهَ}: فعل أمر، وفاعل ومفعول به معطوف على {وَتَنَاجَوْا}. {الَّذِي}: صفة للجلالة {إِلَيْهِ} : متعلق بـ {تُحْشَرُونَ} ، وجملة {تُحْشَرُونَ} صلة الموصول. {إِنَّمَا}: أداة حصر {النَّجْوَى} : مبتدأ، {مِنَ الشَّيْطَانِ}: خبر، و {مِنَ}: فيه ابتدائية، والجملة مستأنفة. {لِيَحْزُنَ}:{اللام} : حرف جر وتعليل، {يحزن}: فعل مضارع، منصوب بأن مضمرة جوازًا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على {الشَّيْطَانِ} ، {الَّذِينَ}: مفعول به، والجملة الفعلية صلة (أن) المضمرة، (أن) مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لحزنه الذين آمنوا، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر ثان لـ {النَّجْوَى} ، وجملة {آمَنُوا} صلة الموصول. وقيل: إن الموصول فاعل بـ {يحزن} . {وَلَيْسَ} : {الواو} : حالية، {ليس}: فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على {الشَّيْطَانِ} ، {بِضَارِّهِمْ}:{الباء} : زائدة، {ضارهم}: خبر {ليس} . {شَيْئًا} : مفعول مطلق؛ أي: شيئًا من الضرر. {إِلَّا} : أداة حصر، {بِإِذْنِ اللَّهِ}: متعلق بـ {ضارهم} ، وجملة {ليس} في محل النصب حال من فاعل {يحزن}. {وَعَلَى اللَّهِ}:{الواو} : استئنافية، {عَلَى اللَّهِ}: جار ومجرور متعلق بـ {يتوكل} ، {فَلْيَتَوَكَّلِ}:{الفاء} : زائدة، و {اللام}: لام الأمر، {يتوكل}: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، {الْمُؤْمِنُونَ}: فاعل، والجملة مستأنفة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} تقدم إعرابه قريبًا. {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان. {قِيلَ} : فعل ماض مغير الصيغة، {لَكُمْ}: متعلق به، {تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ}: نائب فاعل محكي لـ {قِيلَ} ، والجملة في محل الخفض بإضافة {إذا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. وإن شئت قلت:{تَفَسَّحُوا} : فعل أمر، و {الواو}: فاعل، والجملة في محل الرفع نائب فاعل لـ {قِيلَ} ، {فِي الْمَجَالِسِ}: متعلق بـ {تَفَسَّحُوا} . {فَافْسَحُوا} : {الفاء} : رابطة لجواب {إِذَا} {افسحوا} : فعل أمر، وفاعل والجملة جواب {إِذَا} ، وجملة {إِذَا} جواب النداء لا محل لها من الإعراب، {يَفْسَحِ}: فعل مضارع مجزوم

ص: 56

بالطلب، {اللَّهُ}: فاعل، {لَكُمْ}: متعلق بـ {يَفْسَحِ} ، والجملة جوابية لا محل لها من الإعراب. {وَإِذَا}:{الواو} : عاطفة، {إِذَا}: ظرف لما يُستقبل من الزمان، {قِيلَ}: فعل ماض مغير الصيغة، {انْشُزُوا}: نائب فاعل محكي لـ {قِيلَ} ، والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. وإن شئت قلت:{انْشُزُوا} : فعل أمر، وفاعل والجملة في محل الرفع نائب فاعل لـ {قِيلَ}. {فَانْشُزُوا}:{الفاء} : رابطة، {انْشُزُوا}: فعل أمر، وفاعل، والجملة جواب {إِذَا} ، وجملة {إِذَا} معطوفة على جملة {إذَا} الأولى. {يَرْفَعِ اللَّهُ}: فعل وفاعل مجزوم بالطلب، لا محل له من الإعراب، {الَّذِينَ}: مفعول به، وجملة {آمَنُوا} صلته، {مِنْكُمْ}: حال من فاعل {آمَنُوا} ، {وَالَّذِينَ}: معطوف على الموصول الأول، {أُوتُوا}: فعل ماضى، ونائب فاعل، {الْعِلْمَ}: مفعول ثان لـ {أُوتُوا} ، والجملة صلة الموصول، {دَرَجَاتٍ}: منصوب بنزع الخافض أو تمييز. {وَاللَّهُ} : مبتدأ. {بِمَا} : متعلق بـ {خَبِيرٌ} ، وجملة {تَعْمَلُونَ} صلة لـ {ما} ، {خَبِيرٌ}: خبر عن الجلالة، والجملة الاسمية مستأنفة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)} .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} : تقدم إعرابه مرارًا. {إذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، {نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ}: فعل وفاعل ومفعول. والجملة في محل الخفض بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها. {فَقَدِّمُوا} : {الفاء} رابطة لجواب {إذَا} ، قدموا: فعل أمر، مبني على حذف النون، و {الواو}: فاعل، {بَيْنَ}: ظرف، متعلق بـ {قدموا} ، {بَيْنَ}: مضاف، {يَدَيْ}: مضاف إليه مجرور بالياء، {يَدَيْ}: مضاف، {نَجْوَاكُمْ}: مضاف إليه، {نجوى}: مضاف، والكاف: مضاف إليه. وكثرة الإضافة لا تخرج الكلام عن الفصاحة لورودها في الكتاب والسنة. وجملة {قدموا} : جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذَا} جواب النداء، {صَدَقَةً}: مفعول قدموا. {ذَلِكَ} : مبتدأ، {خَيْرٌ}: خبر والجملة مستأنفة. {لَكُمْ} : متعلق بخير، {وَأَطْهَرُ}: معطوف على {خَيْرٌ} ، {فَإِنْ}:{الفاء} : عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فقدموا بين يدي نجواكم صدقة إن وجدتم ما تتصدقون بهِ، فإن لم تجدوا إلخ. {إن}: حرف شرط جازم، {لَمْ}: حرف

ص: 57

جزم، {تَجِدُوا}: فعل مضارع مجزوم بـ {لَمْ} ، و {الواو}: فاعل، والجملة في محل الجزم بإن الشرطية، على كونها فعل شرط لها. {فَإِنَّ اللَّهَ}:{الفاء} : رابطة الجواب، {إن الله}: ناصب واسمه، {غَفُورٌ}: خبر أول لـ {إنَّ} ، {رَحِيمٌ}: خبر ثان لها، وجملة {إنَّ} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية معطوفة على الجملة المحذوفة.

{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)} .

{أَأَشْفَقْتُمْ} : {الهمزة} : للاستفهام التقريري، {أَأَشْفَقْتُمْ}: فعل وفاعل ومفعوله محذوف تقديره: أأشفقتم وخفتم الفقر والعيلة. والجملة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب. {أَنْ} : حرف نصب ومصدر، {تُقَدِّمُوا}: فعل مضارع، منصوب بـ {أن} ، و {الواو}: فاعل، {بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ}: ظرف متعلق بـ {تُقَدِّمُوا} ، {صَدَقَاتٍ}: مفعول {تُقَدِّمُوا} ، والجملة الفعلية مع {أن} المصدرية في تأويل مصدر مجرور بحرف جرّ محذوف، تقديره: أخفتم الفقر من تقديم الصدقات بين يدي نجواكم. والجار والمجرور متعلق بـ {أشفقتم} . {فَإِذْ} : {الفاء} استئنافية، {إذ}: ظرف لما مضى، {لم}: حرف جزم، {تَفْعَلُوا}: فعل مضارع مجزوم بـ {لَمْ} ، و {الواو}: فاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة {إذ} إليها على كونها فعل شرط لها. {وَتَابَ}:{الواو} : حالية، أو استئنافية، أو اعتراضية، {تاب الله}: فعل وفاعل، {عَلَيْكُمْ}: متعلق بـ {تاب} ، والجملة في محل النصب على الحال من فاعل {تَفْعَلُوا} أو معترضة بين الشرط وجوابه، {فَأَقِيمُوا}:{الفاء} : رابطة الجواب، {أَقِيمُوا}: فعل أمر مبني على حذف النون، و {الواو}: فاعل. {الصَّلَاةَ} : مفعول به، والجملة الفعلية جواب {إذ} الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذ} مستأنفة. {وَآتُوا الزَّكَاةَ}: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {أَقِيمُوا} ، {وَرَسُولَهُ}: معطوف على الجلالة. {وَاللَّهُ} : مبتدأ، {خَبِيرٌ}: خبر، والجملة مستأنفة. {بِمَا}: متعلق بـ {خَبِيرٌ} ، وجملة {تَعْمَلُونَ}: صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: تعملونه.

ص: 58

التصريف ومفردات اللغة

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} ؛ أي: أجاب وقَبِلَ، كما يقال: سمع الله لِمَنْ حمده. {تُجَادِلُكَ} ؛ أي: تراجعك الكلام في شأن زوجها، وما صدر منه في شأنها، وأصله من جدلت الحبل؛ أي: أحكمت قتله، فكأن المتجادلين يفتل كلّ واحد منهما الآخر عن رأيه. والمراد هنا: المكالمة، ومراجعة الكلام؛ أي: معاودته.

{وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} ؛ أي: تتضرع إلى الله تعالى، وتُظهر ما بها من المكروه. قال في "المفردات": الشكاية، والشكاة، والشكوى: إظهار البث. يقال: شكوت واشتكيت. وأصل الشكوى: فتح الشكوة وإظهار ما فيها. وهي سقاء صغير يجعل فيه الماء. وكان في الأصل استعارة، كقولك: بثثت له ما في وعائي، ونفضت ما في جرابي، إذا أظهرت ما في قلبك. وفي "كشف الأسرار": الفرق بين الشكوى والاشتكاء: أن الاشتكاء إظهار ما يقع بالإنسان من المكروه، والشكوى: إظهار ما يصنعه غيره به. والمعنى هنا أي: تبث إليه ما انطوت عليه نفسها من غم وهم، وتتضرع إليه أن يزيل كربها.

{تَحَاوُرَكُمَا} ؛ أي: تراجعكما الكلام، وتخاطبكما، وتجاوبكما في أمر الظهار. والحوار في الكلام معروف. وفي "المصباح": وحاورته: راجعته الكلام، وتحاورا وأحار الرجل الجواب بالألف: رده، وما أحاره: ما رده، انتهى. والتحاور: المرادة في الكلام، والكلام المردد. كما يقال: كلمته فما رجع إليّ حوار؛ أي: ما رد عليّ بشيء.

{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} : مضارعُ ظاهَرَ، من باب فاعل. والظهار لغة: مصدر ظاهَرَ، ويراد به معان مختلفة باختلاف الأغراض، فيقال: ظاهر فلان فلانًا؛ أي: نصره وظاهر بين ثوبين؛ أي: لبس أحدهما فوق الآخر، وظاهر من امرأته؛ أي: قال لها: أنت علي كظهر أمي؛ أي: محرمة، وكان هذا أشد طلاق في الجاهلية. والظهار شرعًا: تشبيه المرأة أو عضو منها بامرأة محرمة نسبًا، أو رضاعًا، أو مصاهرة، بقصد التحريم لا بقصد الكرامة، ولهذا المعنى نزلت الآية.

{مُنْكَرًا} : والمنكر: ما ينكره الشرع والعقل والطبع، {وَزُورًا}؛ أي: كذبًا. {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ؛ أي: عتق عبد أو أمة. والتحرير: هو جعل الإنسان حرًا،

ص: 59

وهو خلاف الرقيق. والرقبة: ذات مرقوق مملوك كما مر.

{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} أي: من قبل أن يجتمعا اجتماع الأزواج. أصله: يتماسَسَا، فكرهوا توالي المثلين فأدغمت السين الأولى في الثانية.

{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} والياء في الصيام منقلبة عن واو؛ لأنّ أصله: صوام فقلبت الواو ياء لوقوعها بعد كسرة كقوام في قيام. {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} الوعظ: زجر يقترن بتخويف.

{فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} والإطعام: جعله الغير طاعمًا. والمسكين بكسر الميم، وقد تفتح: من لا شيء له من المال، أو له ما لا يكفيه، سمي به لأنه أسكنه الفقر أي: قلل حركته وأذله، {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي: أحكام شرعه.

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ} أي: يشاقون، ويعادون. وأصل المحادة: الممانعة، ومنه قيل للبواب: حداد. وأصله: يحادون بوزن يفاعلون بدالين، أدغمت الأولى منهما في الثانية لكراهة توالي المثلين.

{عَذَابٌ أَلِيمٌ} والأليم بمعنى المؤلم؛ أي: الموجع، كالبديع بمعنى المبدع أو بمعنى المتألم، كما مر.

{كُبِتُوا} وفي "المفردات": الكبت: الرد بعنف، وتذليل. وفي "القاموس": كبته يكبته - من باب ضرب - صرعه، وأخزاه، وصرفه، وكسره، ورد العدو بغيظه، وأذله، اهـ.

{مُهِينٌ} اسم فاعل من أهان الرباعي أصله: مهون بوزن مفعل، نقلت حركة الواو إلى الهاء فسكنت إثر كسرة فقلبت ياء حرف مد.

{أَحْصَاهُ اللَّهُ} أي: أحاط الله به علمًا، وحفظه كما عمله، لم يفت منه شيء، ولم يغب. قال الراغب: الإحصاء: التحصين بالعدد، يقال: أحصيت كذا. وذلك من لفظ الحصي، واستعمال ذلك فيه؛ لأنهم كانوا يعتمدون اعتمادنا فيه على الأصابع. وقال بعضهم: الإحصاء: عد بإحاطة وضبط؛ إذ أصله: العدد بآحاد الحصى للتقوي في الضبط، فهو أخص من العد لعدم لزوم الإحاطة فيه. وفيه إعلال بالقلب، أصله: أحصي بوزن إفعل، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا.

ص: 60

{وَنَسُوهُ} أصله: نسيوه، استثلقت الضمة على الياء فحذفت فلما سكنت حذفت لالتقائها ساكنة مع واوٍ الجماعة، وضمت السين لمناسبة الواو.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} أصله: نهيوا بوزن فعلوا استثقلت الضمة على الياء فحذفت ثم حذفت لما التقت ساكنة بواو الجماعة، وضمت الهاء لمناسبة الواو.

{وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} أصله: يتناجيون بوزن يتفاعلون، قبلت الياء فيه ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت الألف لالتقائها ساكنةً مع واو الجماعة. والمناجاة: المحادثة سرًا، والنجوى مصدر بمعنى التناجي، كالشكوى بمعنى الشكاية. يقال: نجاه نَجوى ونِجوى: سارّه كناجاه مناجاة. والنجوى: السر الذي يكتم، اسم مصدر كما في "القاموس". وأصله: أن تخلو في نجوة من الأرض؛ أي: مكان مرتفع منفصل بارتفاعه عما حوله، كأن المتناجي بنجوة من الأرض لئلا يطلع عليه أحد. والفرق بين الإثم والعدوان، ومعصية الرسول: أن الإثم مخالفة أوامر الله ونواهيه؛ بتركها أو بارتكابها، والعدوان: التحدي على المؤمنين، ومعصية الرسول: إساءة أدبه وعدم احترامه؛ بالطعن فيه وسبه.

{وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ} : أصله: حييوك، بوزن فعلوك، قلبت الياء الأخيرة لام الفعل ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. {يَصْلَوْنَهَا}: أصله؛ يصليونها، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين. {فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أصله: المصير، بوزن مفعل، نقلت حركة الياء إلى الصاد، فسكنت إثر كسرة، فصارت حرف مدّ.

وقوله: {حَيَّوْكَ} : أيضًا أي: خاطبوك بتحية، {بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ}؛ أي: بتحية لم يأذن الله أن تخاطب بها. والتحية في الأصل: مصدر حياك، على الإخبار، من الحياة، فمعنى: حياك الله: جعل لك حياة، ثم استعمل للدعاء بها، ثم قيل لكل دعاء فغلب في السلام، فكل دعاء تحية، لكون جميعه غير خارج عن حصول حياة أو سبب حياة، إما في الدنيا، وإما في الآخرة.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا} : أصله: تتناجيون، حذفت منه نون

ص: 61

الرفع لدخول أداة الجزم {لا} عليه، ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح، لكنها حذفت لما التقت بواو الجماعة لالتقاء الساكنين. {وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} أصله: تناجيون، حذفت نون الرفع لبناء الأمر، ثم قلبت الياء ألفًا، وحذفت لالتقاء الساكنين.

{لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} : وفي "القاموس": الحزن بالضم، ويحرك: الهم والجفع: أحزان، وحزن كفرح، وحزنه الأمر حزنًا - بالضم - وأحزنه: جعله حزينًا، وحزنه: جعل فيه حزنًا. وقال الراغب: الحُزْنُ والحَزَن: خشونة في الأرض، وخشونة في النَّفْس؛ لما يحصل فيها من الغم، ويضاده الفرح، ولاعتبار الخشونة بالغمّ قيل: خشنت بصدره، إذا أحزنته.

{بِضَارِّهِمْ} : الأصل: بضاررهم، أدغمت الراء في الراء للقاعدة المقررة عندهم؛ وهي: أن كل مثلين متحركين في كلمة يدغم الأول منهما في الثاني إلا ما استثني من ذلك، كما هو مقرر في محله.

{إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا} ؛ أي: توسعوا، وليفسح بعضكم عن بعض، ولا تتضاموا من قولهم: أفسح عني؛ أي: تنحّ، وأنت في فسحة من دِينك؛ أي: في وسعة ورخصة، وفلان فسيح الخلق؛ أي: واسع الخلق. {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} ؛ أي: في رحمته، ويوسع لكم في أرزاقكم. {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا}؛ أي: انهضوا للتوسعة على المقبلين. {فَانْشُزُوا} ؛ أي؛ فانهضوا، ولا تتباطؤوا. يقال: نشز الرجل إذا نهض، وارتفع في المكان نشزًا. والنشز كالفلس، وكذا النشز - بفتحتين -: المكان المرتفع من الأرض، ونشز فلان إذا قصد نشزًا، ومنه: نشز فلان عن مقره، وقلب ناشز: ارتفع عن مكانه رعبًا.

{فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} : أصل {تاب} : توب بوزن فعل، تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا، نظيرَ: قال. {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} الأصل فيه: أقوموا بوزن افعلوا، نقلت حركة الواو إلى القاف فسكنت إثر كسرة، فقلبت ياء حرف مدّ. {وَآتُوا الزَّكَاةَ} أصله: أأتيوا، استثقلت الضمة على الياء فحذفت، فلما سكنت حذفت لالتقاء الساكنين، وضمت التاء لمناسبة الواو، وأبدلت الهمزة الساكنة ألفًا حرف مدّ للهمزة المفتوحة. {الزَّكَاةَ}: الألف منقلبة عن واو؛ ولذلك ترسم بالواو.

ص: 62

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ} أصله: أطوعوا، بوزن أفعلوا، نقلت حركة الواو إلى الطاء، فسكنت إثر كسرة، فقلبت ياء حرف مد، والله أعلم.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: المجاز المرسل في قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} ؛ لأنه مجاز عن (أجاب الله) بعلاقة السببية.

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} ؛ لأن الشكوى حقيقة في فتح الشكوة، وإخراج ما فيها، وهي: سقاء صغير يجعل فيه ماء، ثم استعير لإظهار ما في قلب الإنسان من الغم والحزن، على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.

ومنها: الإتيان بصيغة المضارع في قوله: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} للدلالة على استمرار السمع حسب استمرار التحاور.

ومنها: التغليب في قوله: {تَحَاوُرَكُمَا} حيث نظمها في سلك الخطاب مع أفضل البريات تشريفًا لها؛ إذ القياس: يسمع تحاورها وتحاورك.

ومنها: صيغة المبالغة في قوله: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، وفي قوله:{غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

ومنها: الإطناب في قوله: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} زيادة في التقرير والبيان.

ومنها: التنكير في قوله: {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ} إفادة أنه منكر عند العقل والطبع، كما أنه منكر في الشرع.

ومنها: فن السلب والإيجاب في قوله: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} . وهو فن عجيب من فنون البلاغة، وهو: بناء الكلام على نفي الشيء من جهة وإيجابه من جهة أخرى. وفي الكلام هنا نفي لصيرورة المرأة أمًا بالظهار، وإثبات الأمومة للتي ولدت الولد.

ص: 63

ومنها: التشبيه في قوله: {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} .

ومنها: الطباق في قوله: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} ؛ لأن المعنى: عَلِمَهُ اللهُ وجهِلُوهُ، وفي قوله:{وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ} ؛ لأن معنى {أَدْنَى} : أقل، فحصل الطباق بينه وبين {أَكْثَرَ} .

ومنها: الاستفهام التقريري في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} ، والاستفهام التعجبي في قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} .

ومنها: جناس الاشتقاق بين {النَّجْوَى} ، {وَيَتَنَاجَوْنَ} في قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ} . وفيه الإطناب أيضًا بتكرار {نُهُوا} .

ومنها: الاستهزاء في قولهم: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} ؛ لأن فيه استخفافًا بشأنهم، لكفرهم وعدم إيمانهم.

ومنها: عطف الخاص على العام في قوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} للدلالة على علو شأن العلماء وسمو مكانتهم، حتى كأنهم جنس آخر.

ومنها: صيغة المضارع في قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} للدلالة على تمكن عودهم وتجدده واستحضار صورته العجيبة. وكذلك صيغة المضارع في قوله: {وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} .

ومنها: الجناس المماثل في قوله: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} ، وفي قوله:{وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} .

ومنها: الاستعارة بالكناية في قوله: {بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ} . فإن اليدين استعيرت لمعنى (قبل) على سبيل التخييل، فقوله:{نَجْوَاكُمْ} استعارة بالكناية و {بَيْنَ يَدَيْ} تخييلية، كذا في "الروح".

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 64

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)} .

المناسبة

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه (1) لما ذكر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتنافسون في القرب من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلقي الدِّين عنه والاهتداء بهديه، حتى كان يضيق بهم المجلس فأمروا أن يتوسعوا ولا يتضاموا .. ذكر هنا حال قوم من المنافقين يوادّون اليهود، ويطلعونهم على أسرار المؤمنين، فهم عيون لهم عليهم، وإذا لاقوا المؤمنين .. قالوا لهم: إنا معكم نؤيدكم على أعدائكم بكل ما أوتينا من قوة وهم كاذبون في كل ما يقولون، وقد جعلوا الأيمان وقاية لستر ما يبطنون، فأمنوا من المؤاخذة، وجاسوا خلال ضعفاء المؤمنين يصدونهم عن الدِّين، ويذكرون لهم ما يبغضهم فيه. ثم أبان أن الله قد أعد لمثل هؤلاء عذابًا شديدًا يوم القيامة، وما هم فيه من مال وولد في الدنيا لن يغني عنهم شيئًا حينئذٍ. ثم ذكر أن

(1) المراغي.

ص: 65

الذي جرأهم على ما فعلوا هو الشيطان؛ فقد استولى على عقولهم وزين لهم قبيح أعمالهم، فأنساهم عذاب اليوم الآخِر. ثم ذكر أن أولئك هم جند الشيطان، وجنود الشيطان لن تفلح في شيء، وسيرد الله سبحانه عليهم كيدهم في نحورهم، ويحبط سعيهم، ويظهر نور دينه ولو كره الكافرون.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ

} إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حال أولئك المنافقين الذين يحلفون كذبًا أنهم مؤمنون، ويمالئون المؤمنين طورًا واليهود طورًا آخر اكتسابًا لرضا الفريقين، ثم بين أن الذي حملهم على ذلك هو الشيطان؛ إذ غلبهم على أمرهم حتى أنساهم ذكر الله وما يجب له من تعظيم والإيمانَ باليوم الآخر، ثم حكم عليهم بأن صفقتهم خاسرة؛ لأنهم باعوا الباقي بالفاني، والزائل الذي لا دوام له بما هو دائم أبدًا سرمدًا .. بين هنا سبب خسرانهم، وهو: أنهم شاقّوا الله ورسوله، وعصوا أمرهما، فكتب عليهم الذلة في الدنيا والآخرة؛ إذ قَضى بأن العزة والغلب له ولرسله، والذلة لأعدائه. ثم ذكر أن الإيمان الحق لا يجتمع مع موالاة أعدائه، مهما قرب بهم النسب، بأن كانوا آباء أو أبناء أو إخوانًا أو من ذوي العشيرة؛ لأن المحادين كتبت عليهم الذلة، وأولئك كتبت لهم العزة، وقواهم ربهم بالطمأنينة والثبات على الإيمان، وهم جند الله وناصرو دينه، وحزب الله مفلح لا محالة، وقد كتبت لهم السعادة في الدارين، كما قال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} .

أسباب النزول

قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ

} الآية، سبب نزول هذه الآية (1): ما أخرجه أحمد، والبزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظلّ حُجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين فقال: "إنه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاءكم .. فلا تكلموه"، فلم

(1) لباب النقول.

ص: 66