المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الطلاق سورة الطلاق مدنية، نزلت بعد سورة الإنسان. قال القرطبي: - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌سورة الطلاق سورة الطلاق مدنية، نزلت بعد سورة الإنسان. قال القرطبي:

‌سورة الطلاق

سورة الطلاق مدنية، نزلت بعد سورة الإنسان. قال القرطبي: مدنية في قول الجميع. وهي إحدى عشرة آية، وقيل: اثنتا عشرة. وكلماتها: مئتان وتسع وأربعون كلمة. وحروفها: ألف ومئة وسبعون حرفًا.

ومناسبتها لما قبلها: أنه قال في السورة السابقة: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} ، ولما كانت هذه العداوة قد تفضي إلى الطلاق .. أرشد هنا إلى أحكام الطلاق والانفصال عن الأزواج على أجمل وجه.

وقال أبو حيان (1): مناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر الفتنة بالمال والولد أشار إلى الفتنة بالنساء، وأنهن قد يعرضن الرجال للفتنة حتى لا يجد مخلصًا منها إلا بالطلاق .. فذكر أنه ينفصل منهن بالوجه الجميل؛ بأن لا يكون بينهن اتصال لا بطلب ولد ولا حمل، انتهى.

التسمية: وسميت سورة الطلاق لذِكر الطلاق فيها، وتسمى سورة النساء الصغرى.

الناسخ والمنسوخ: وقال أبو عبد الله محمد بن حزم: سورة الطلاق كلها محكم، ليس فيها منسوخ ولا ناسخ.

والله أعلم

* * *

(1) البحر المحيط.

ص: 398

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)} .

المناسبة

قد تقدم لك آنفًا بيان المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها. وأما قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما

ص: 399

أمر (1) بإيقاع الطلاق واحدة فواحدة، ومنع الخروج من المنزل والإخراج منه إلا إذا أتين بفاحشة مبينة، ونهى عن تعدي تلك الحدود حتى لا يحصل الضرر والندم .. خيّر الرجل إذا شارفت عدة امرأته على الانتهاء بين أمرين: إما أن يراجعها ويعاشرها بحسان، وإما أن يفارقها مع أداء حقوقها التي لها من التفضل والإكرام. فإذا اختار الرجعة .. فليشهد على ذلك شاهدين عدلين، قطعًا للنزاع ودفعًا للريبة، ثم أبان أن هذه الأحكام إنما شرعت للفائدة والمصلحة، وأرشد إلى أن تقوى الله تفتح السبل للمرء وتخرجه عن كل ضيق وتهديه إلى الطريق المستقيم في دينه ودنياه، وأن من يتوكل على ربه يكفيه ما أهمه ويفرج عنه كربه. ثم ذكر أن أمور الحياة جميعًا بقضاء الله وقدره، فلا يجزع المؤمن مما يصيبه من النوائب، ولا يفرح ولا يبطر بما يناله من خيراتها.

قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فيما سبق أن الطلاق السني إنما يكون في طهر لا وقاع فيه ولم يبين مقدار العدة، وكان قد ذكر في سورة البقرة التي نزلت قبل هذه أن عدة الحائض ثلاثة قروء .. ذكر هنا عدة الصغار اللاتي لم يحضن والكبار اللاتي يئسن من المحيض تكون ثلاثة أشهر، وعدة الحامل تكون بوضع الحمل، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها.

قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر مقدار العدة للصغار والكبار والحوامل .. أرشد إلى ما يجب للمعتدة من النفقة والسكنى على مقدار الطاقة. ثم أردف ذلك ببيان: أن الحوامل لهن النفقة والسكنى مدة الحمل بالغة ما بلغت، فإذا هن ولدن .. وجب لهن الأجر على إرضاع المولود، فإن لم يتفقا عليه أتى بمرضع أخرى يدفع الأب نفقتها، والأم أحق بالإرضاع إذا هي رضيت بمثل أجرتها. والنفقة لكل من الموسر والمعسر على قدر ما يستطيع فالله لا يلف نفسًا إلا ما تطيق.

قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه (2) لما ذكر أن الطلاق لا يكون إلا في أوقات مخصوصة، وأنه يجب انقضاء العدة حتى تحل المرأة لزوج آخر، وذكر مدة العدة

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

ص: 400

وما يجب للمعتدة من النفقة والكسوة، ونهى عن تجاوز حدود الله تعالى، وأن من يتجاوزها يكون قد ظلم نفسه .. توعد هنا من خالفوا أمره وكذبوا رسله، وسلكوا غير ما شرعه، وأنذرهم بأن يحل بهم مثل ما حل بالأمم السالفة التي كذبت رسلها فأخذها أخذ عزيز مقتدر وأصبحت كأمس الدابر وصارت مثلًا في الآخرين.

قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما أنذر مشركي مكة بأنهم إن لم يتبعوا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم يحل بساحتهم مثل ما حل بسائر الأمم قبلهم ممن كذبوا رسلهم وعتوا عن أمر ربهم فاستؤصلوا وبادوا في الدنيا، وسيحل بهم العذاب الذي لا مرد له في الآخرة .. ذكر هنا عظيم قدرته وسلطانه وبديع خلقه للعالم العلوي والسفلي؛ ليكون ذلك باعثًا لهم على استجابة دعوة الرسول والعمل بما أنزل عليه من تشريع فيه سعادة الدارين.

أسباب النزول

قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ

} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق قتادة عن أنس قال: (طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، فأتت أهلها، فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ

} الآية. فقيل له: راجعها، فإنها صوامة قوامة). وأخرجه ابن جرير عن قتادة أيضًا مرسلًا.

قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا

} الآية، سبب نزولها (1): ما أخرجه الحاكم عن جابر قال: نزلت هذه الآية، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} في رجل من أشجع كان فقيرًا، خفيف ذات اليد، كثير العيال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال له:"اتق الله واصبر"، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى جاء ابن له بغنم، وكان العدو أصابوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبرها، فقال:"كلها"، فنزلت الآية. قال الذهبي: حديث منكر له شاهد.

وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:

(1) لباب النقول.

ص: 401