المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني رسول الله صلى الله عليه - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني رسول الله صلى الله عليه

وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك، فأنزل الله تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} ، فبعث إليّ النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ فقال: إن الله قد صدقك يا زيد .. الحديث. أخرجه مسلم، والترمذي، وأحمد، والحاكم أطول مما هاهنا، وقال: صحيح، وأقرّه الذهبي وابن جرير.

قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ

} الآيات، سبب نزولها: ما أخرجه البخاري - أيضًا - عن محمد بن كعب القرظي قال: سمعت زيد بن أرقم رضي الله عنه لما قال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله، وقال أيضًا: لئن رجعنا إلى المدينة، أخبرت به النبي صلى الله عليه وسلم، فلامني الأنصار، وحلف عبد الله بن أبي ما قال ذلك، فرجعت إلى المنزل، فنمت، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته، فقال: إن الله قد صدقك ونزَّل: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ

} الحديث أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

التفسير وأوجه القراءة

‌1

- {إِذَا جَاءَكَ} وحضرك {الْمُنَافِقُونَ} ؛ أي (1): حضروا مجلسك ووصلوا إليك. جمع منافق، والمنافق: هو الذي يضمر الكفر اعتقادًا ويظهر الإيمان قولًا. والنفاق: إظهار الإيمان باللسان وكتمان الكفر في الجنان. وفي "المفردات": النفاق: الدخول في الشرع من باب والخروج منه من باب. {قَالوا} : مؤكدين كلامهم بـ {إن} و {اللام} : للإيذان بأن شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم وخلوص اعتقادهم ووفور رغبتهم ونشاطهم.

والظاهر: أنه الجواب؛ لأن الآية نظير قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} . وقيل: جوابه محذوف، و {قَالوا} حال، والتقدير: جاؤوك قائلين كيت وكيت، فلا تقبل منهم. وقيل: الجواب {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} وهو بعيد، وقيل: جوابه قوله: {فَصَدُّوا} ، وقيل: استئناف لبيان طريق خدعتهم؛ أي: قالوا:

(1) روح البيان.

ص: 321

{نَشْهَدُ} الآن أو على الاستمرار {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} والشهادة قول صادر عن علم حصل بشهادة بصر أو بصيرة. والمراد بالمنافقين: عبد الله بن أبي وأصحابه. ومعنى {نَشْهَدُ} (1): نحلف، فهو يجري مجرى القسم، ولذلك يتلقى بما يتلقى به القسم. ومن هذا: قول قيس بن ذريح:

وَأَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّهَا

فَهَذَا لَهَا عِنْدِيْ فَمَا عِنْدَهَا لِيَا

ومثل نشهد: نعلم، فإنه يجري مجرى القسم، كما في قول الشاعر:

وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَتَأْتِيَنَّ مَنِيَّتِي

إِنَّ الْمَنَايَا لَا تَطِيْشُ سِهَامُهَا

وجملة قوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} اعتراض (2) مقرر لمنطوق كلامهم؛ لكونه مطابقًا للواقع، ولإزالة إيهام أن قولهم هذا كذب؛ لقوله: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ

} إلخ. وفيه تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو الليث: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} من غير قولهم: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} .

واعلم: أن كل ما جاء في القرآن بعد العلم من لفظة {أن} فهي بفتح الهمزة لكونها في حكم المفرد، إلا في موضعين:

أحدهما: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} في هذه السورة.

والثاني: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} في سورة الأنعام. وإنما كان كذلك في هذين الموضعين لأنه يأتي بعدهما لام الخبر، فانكسرا.

أي: لأن اللام لتأكيد معنى الجملة، ولا جملة إلا في صورة المكسورة. وقال بعضهم: إذا دخلت لام الابتداء على خبرها .. تكون مكسورة؛ لاقتضاء لام الابتداء الصدارة، كما يقال: لزيدٌ قائم. وأخرت اللام لئلا يجتمع حرفا التأكيد، واختير تأخيرها لترجيح إن في التقديم لعامليته، فكسرت لأجل اللام.

{وَاللَّهُ يَشْهَدُ} شهادة حقة {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} ؛ أي: إنهم لكاذبون فيما أضمروه من أنك غير رسول. والإظهار (3) في موضع الإضمار لذمهم والإشعار بعلية الحكم. أو لكاذبون فيما ضمنوا مقالتهم من أنها صادرة عن اعتقاد وطمأنينة قلب.

(1) الشوكاني.

(2)

روح البيان.

(3)

روح البيان.

ص: 322