الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المنافقون
سورة المنافقون مدنية، قال القرطبي: في قول الجميع، نزلت بعد الحج. وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والنحاس والبيهقي: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة المنافقين بالمدينة، وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
وآيها: إحدى عشرة آية، وكلماتها: مئة وثمانون كلمة، وحروفها: تسع مئة، وستة وسبعون حرفًا.
مناسبتها لما قبلها: أنه ذكر (1) في السورة السابقة حال المؤمنين الذي بعث إليهم النبي الأمي يتلو عليهم كتابه ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأمرهم بالصلاة وترك البيع حين أدائها، وفي هذه ذكر أضدادهم، وهم المنافقون الذين يشهدون كذبًا بأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحلفون الأيمان المحرجة على ذلك، ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بسورة الجمعة، فيحرض بها المؤمنين على العبادة، وفي الركعة الثانية بسورة المنافقين فيقرع بها المنافقين.
وعبارة أبي حيان: مناسبة هذه السورة لما قبلها (2): أنه لما كان سبب الانفضاض عن سماع الخطبة ربما كان حاصلًا عن المنافقين واتبعهم ناس كثير من المؤمنين في ذلك، وذلك لسرورهم بالعير التي قدمت بالميرة، إذ كان وقت مجاعة .. جاء ذكر المنافقين، وما هم عليه من كراهة أهل الإيمان، وأتبعه بقبائح أفعالهم وقولهم:{لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} إذ كانوا هم أصحاب أموال والمهاجرون فقراء، قد تركوا أموالهم ومتاجرهم وهاجروا إلى الله سبحانه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، طلبًا لمرضاته.
تسميتها: سميت سورة المنافقين لذكرهم فيها.
فضلها: ومن فضائلها: ما أخرجه (3) سعيد بن منصور، والطبراني في
(1) المراغي.
(2)
البحر المحيط.
(3)
الشوكاني.
"الأوسط" - قال القرطبي -: بسند حسن عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة في الركعة الأولى، فيحرض بها المؤمنين، وفي الثانية بسورة المنافقين، فيقرع بها المنافقين. وأخرج البزار والطبراني عن أبي عنبة الخولاني مرفوعًا نحوه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "من قرأ سورة المنافقين .. برىء من النفاق".
الناسخ والمنسوخ فيها: وقال أبو عبد الله محمد بن حزم: سورة المنافقين كلها محكم ليس فيها منسوخ، وفيها ناسخ، وهو قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ
…
} الآية (6). فإنه لما نزلت آية براءة: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد رخص لي فيهم، فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم" فأنزل الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية نسخًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرن لهم أكثر من سبعين".
سبب نزولها: سبب نزول (1) هذه السورة مذكور في قصة طويلة من مضمونها: أن اثنين من الصحابة ازدحما علي ماء، وذلك في غزوة بني المصطلق، فشج أحدهما الآخر، فدعا المشجوج: يا للأنصار، والشاج: يا للمهاجرين، فقال عبد الله بن أبيّ ابن سلول، ما حكى الله تعالى، عنه من قوله:{لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} ، وقوله:{لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} وعنى بالأعز نفسه وكلامًا قبيحًا، نسمعه زيد بن أرقم، ونقل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي، فحلف ما قال شيئًا من ذلك، فاتُّهِمَ زيد، فأنزل الله تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إلى قوله: {لَا يَعْلَمُونَ} تصديقًا لزيد وتكذيبًا لعبد الله بن أبيّ. هذا خلاصة ما في القصة الطويلة ذكره أبو حيان في "البحر المحيط".
والله أعلم
* * *
(1) البحر المحيط.
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
تقدم لك بيان مناسبة هذه السورة للسورة المتقدمة قريبًا.
قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (1) ذكر كذب المنافقين في قولهم للرسول صلى الله عليه وسلم: نشهد إنك لرسول الله، وبيّن أنهم يسترون نفاقهم بالأيمان الفاجرة، ثم أعقبه بذكر جبنهم وصلفهم، وأنهم أجسام البغال وأحلام العصافير، ثم أردفه ببيان أنهم أعداء الله حقًا. أعقب هذا بذكر ما صدر منهم مما يثبت كذبهم ونفاقهم بما لا يدع شبهة لمن يلتمس المعاذير ويبرئهم من النفاق، فمن ذلك:
(1) المراغي.
1 -
أنهم إذا طلب منهم أن يتقدموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم على ما فرط منهم من الذنوب .. أمالوا رؤوسهم وأعرضوا استكبارًا وأنفة أن يفعلوا.
2 -
أنهم قالوا: لئن رجعنا من وقعة بني المصطلق - قبيلة من اليهود - إلى المدينة .. لنخرجن الأذلاء محمدًا وأصحابه منها.
ثم نعى عليهم ما قالوا بأنهم قوم لا حلوم لهم، ولا هم يفقهون جليل قدرة الله وبديع صنعه.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما حكى مقال المنافقين من أنهم الأعزاء وأن المؤمنين هم الأذلاء اغترارًا بما لهم من مال ونشب، وأن ذلك هو الذي صدهم عن طاعة الله وجعلهم يعرضون عن الإيمان بالله إيمانًا حقًا، ويؤدون فرائضه ويقومون بما يقربهم من رضوانه .. أردف ذلك نهي المؤمنين أن يكونوا مثلهم في ذلك، بل عليهم أن يلهجوا بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، ويؤدوا ما فرض عليهم من العبادات، ولا يشغلهم عن ذلك زخرف هذه الحياة من مال ونشب أولاد وجاه، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل. ثم أمرهم أن ينفقوا أموالهم في أعمال البر والخير ولا يؤخروا ذلك حتى يحل الموت فيندموا، حيث لا ينفع الندم، ويتمنوا أن يطيل الله أعمارهم ليعوضوا بعض ما فاتهم، ولكن أنى لهم ذلك؟ ولكل نفس أجل محدود لا تعدوه، والله خبير بما يعملون، وهو مجازيهم على أعمالهم، إن خيرًا وإن شرًا.
أسباب النزول
قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ
…
} الآية، سبب نزولها (1): ما أخرجه البخاري (ج/
10 -
ص/ 296) عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم قال: كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت لعمي أو لعمر، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني فحدثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبيّ
(1) البخاري.