المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفاجرة تروج الكذب لديه تعالى، كما تروجه لدى المؤمنين في - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٩

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الفاجرة تروج الكذب لديه تعالى، كما تروجه لدى المؤمنين في

الفاجرة تروج الكذب لديه تعالى، كما تروجه لدى المؤمنين في الدنيا. ونحو الآية قوله تعالى:{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)} .

‌19

- ثم بيّن السبب الذي أوقعهم في الردى، وأوصلهم إلى قرارة جهنم فقال:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ} ؛ أي: غلب على عقولهم {الشَّيْطَانُ} بوسوسته وتزيينه {فـ} اتبعوه حتى {أَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} تعالى، فلم يُمكنهم من ذِكر الله واتباع أوامره وترك نواهيه بما زين لهم من الشهوات فأوقعهم في دركات جهنم، وبئس المصير.

وقرأ الجمهور: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} ؛ أي: غلب عليهم، واستعلى واستولى. قال المبرد: استحوذ على الشيء حواه، وأحاط به؛ أي: أحاط بهم من كل جهة، وغلب على نفوسهم، واستولى عليها. وقيل: قوي عليهم. وقيل: جمعهم، يقال: أحوذ الشيء؛ أي: جمعه، وضم بعضه إلى بعض. والمعاني متقاربة؛ لأنه إذا جمعهم فقد قوي عليهم وغلبهم واستعلى عليم واستولى وأحاط بهم. وتقدمت هذه المادة في قوله تعالى:{أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} في سورة النساء، وأنها من حاذ الحمار العانة إذا ساقها وجمعها غالبًا لها، ومنه كان عمر أحوذيًّا نسيج وحده كما سيأتي، وقرأ عمر (1):{استحاذ} . أخرجه على الأصل والقياس. واستحوذ: شاذ في القياس، فصيح في الاستعمال. {فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} فهم لا يذكرونه لا بقلوبهم ولا بألسنتهم. وقيل:{فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} ؛ أي: أوامره والعمل بطاعته، فلم يذكروا شيئًا من ذلك. وقيل: زواجره في النهي عن معاصيه. و {ذِكْرَ اللَّهِ} مصدر مضاف إلى المفعول؛ أي: كان سببًا بالاستيلاء لنسيانه تعالى، فلم يذكروه بقلوبهم ولا بألسنتهم.

{أُولَئِكَ} المنافقون الموصوفون بما ذكر من القبائح {حِزْبُ الشَّيْطَانِ} ؛ أي: جنود الشيطان وأتباعه الساعون فيما أمرهم به. والحزب: الفريق الذي يجمعه مذهب واحد، كما سيأتي. {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}؛ أي: الموصوفون بالخسران الذي لا غاية وراءه؛ حيث فوتوا على أنفسهم النعيم المقيم، وأخذوا بدله العذاب الأليم.

(1) البحر المحيط.

ص: 73