الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة التحريم
سورة التحريم مدنية، قال القرطبي في قول الجميع: نزلت بعد الحجرات، وتسمى (1) سورة النبي.
وأخرج ابن الضريس، والنحاس، وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة التحريم بالمدينة، ولفظ ابن مردويه: سورة المحرم. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال: أنزلت بالمدينة سورة النساء: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} .
وآيها (2): اثنتا عشرة آية، وكلماتها: مئتان وسبع وأربعون كلمة، وحروفها: ألف وستون حرفًا.
ومناسبتا لما قبلها (3):
1 -
أن سورة الطلاق في حسن معاشرة النساء والقيام بحقوقهن، وهذه السورة فيما حصل منهن مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ تعليمًا لأمته أن يحذروا أمر النساء وأن يعاملوهن بسياسة اللين، كما عاملهن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن ينصحوهن نصحًا مؤثرًا.
2 -
أن كلتيهما افتتحت بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم.
3 -
أن تلك في خصام نساء الأمة، وهذه في خصام نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أفردن بالذكر تعظيمًا لمكانتهن.
وقال أبو حيان (4): والمناسبة بينها وبين السورة التي قبلها: أنه لما ذكر جملة من أحكام زوجات المؤمنين .. ذكر هنا ما جرى من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الناسخ والمنسوخ فيها: وقال أبو عبد الله محمد بن حزم: سورة التحريم ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
(1) الشوكاني.
(2)
البيضاوي.
(3)
المراغي.
(4)
البحر المحيط.
التسمية: وسميت سورة التحريم؛ لأنه ذكر فيها تحريم النبي صلى الله عليه وسلم ما احل الله له مع العتاب عليه.
فضلها: وذكر في فضلها أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ سورة التحريم .. آتاه الله توبة نصوحًا". وفيه مقال.
قال العلماء (1): والصحيح في سبب نزولها: أنها في قصة العسل لا في قصة مارية المروية في غير "الصحيحين"، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح. قال النسائي: إسناد حديث عائشة في العسل جيد صحيح غايةً.
والله أعلم
* * *
(1) البيضاوي.
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
تقدم لك بيان المناسبة بين هذه السورة والتي قبلها. وأما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر (1) بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة عما فرطن من
(1) المراغي.
الزلات، وأبان لهن أن الله كالىء رسوله وناصره فلا يضره تظاهرهن عليه، ثم حذرهن من التمادي في مخالفته صلى الله عليه وسلم خوفًا من الطلاق وحرمانهن من الشرف العظيم بكونهن أمهات المؤمنين، ومن استبدال غيرهن بهن من صالحات المؤمنات .. أمر المؤمنين عامة بوقاية أنفسهم وأهليهم من نار وقودها الناس والحجارة يوم القيامة، يقال للكافرين: لا تعتذروا فقد فات الأوان، وإنما تلقون جزاء ما عملتم في الدنيا، ثم أمر المؤمنين أن يقلعوا عن زلّاتهم وأن يتوبوا توبة نصوحًا، فيندموا على ما فرط منهم من الهفوات، ويعزموا على عدم العودة فيما هو آت، ليكفر الله عنهم سيئاتهم ويدخلهم جنات النعيم.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّار
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر (1) المؤمنين بالتوبة النصوح والرجوع إلى الله والإخبات له .. أمر رسوله بقتال الكفار الذين يقفون في سبيل الدعوة إلى الإيمان بالله، وبوعيد المنافقين والغلظة عليهم حتى يثوبوا إلى رشدهم، وذكر أن جزاءهم في الآخرة جهنم وبئس المقيل والماوى.
قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ
…
} إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر عباده المؤمنين بالتوبة النصوح، بالندم على ما فات وعدم العودة فيما هو آت، وأمر رسوله بجهاد الكافرين والمنافقين والغلظة عليهم في القول والعمل .. ذكر هنا أن النفوس إن لم تكن مستعدة لقَبول الإيمان وفي جوهرها صفاء ونقاء .. فلا يجدي فيها الغلظة والعبرة ولا مخالطة المؤمنين المتقين، وضرب لذلك المثل بامرأة نوح وامرأة لوط، فقد كانتا في بيت النبوة ولم يلن قلبهما للإيمان والإسلام، كذلك إذا كان جوهر النفس نقيًا خالصًا من كدورة الكفر والنفاق فمجاورتها للكفرة وعشرتها إياهم لا تغير من حالها شيئًا، ولا يؤثر فيها ضلال الضالين، ولا عتو الظالمين، وضرب لذلك مثلًا بامرأة فرعون التي ألحف عليها فرعون وقومه أن تعتنق الوثنية التي كانوا يدينون بها، وتعتقد ألوهيته هو، فأبت وجاهدت في الله حق جهاد حتى لاقت ربها، وهي آمنة مطمئنة قريرة العين بما دخل في قلبها من نور الإيمان،
(1) المراغي.
وكذلك مريم ابنة عمران التي عفت فآتاها الله سبحانه الشرف والكرامة وأنجبت نبي الله عيسى، وصدقت بجميع شرائعه وكتبه، وكانت من العابدين القانتين.
وفي هذا المثل إيماء إلى أن قرابة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم لا تجديهم نفعًا بعد كفرهم وعداوتهم له وللمؤمنين، فإن الكفر قد قطع العلائق بينه وبينهم، وجعلهم كالأجانب بل أبعد منهم، كحال امرأة نوح وامرأة لوط لما خانتاهما، كما تضمن التعريض بأُمَّي المؤمنين حفصة وعائشة لما فرط منهما، والتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده.
أسباب النزول
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى
…
} الآيات، سبب نزول هذه الآيات: ما أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنة جحش ويشرب عندها عسلًا، فتواصيتُ أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني لأجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال:"لا بأس، شربت عسلًا عند زينب بنة جحش، ولن أعود له" فنزلت: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لعائشة وحفصة {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} لقوله: "بل شربت عسلًا". الحديث، أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه مختصرًا ومطولًا.
وأخرج النسائي كما في "تفسير ابن كثير"، والحاكم، وقال: على شرط مسلم، عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حرامًا، فأنزل الله هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ
…
} إلى آخر الآية.
وفي "مجمع الزوائد" عن ابن عباس قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} قال: نزلت هذه في سريته، رواه البزار بالإسنادين والطبراني، ورجال البزار رجال الصحيح غير بشر بن آدم، وهو ثقة.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": يحتمل أن تكون الآية نزلت في السببين
معًا. اهـ. أي: بسبب تحريمه العسل وتحريمه جاريته. وقال الشوكاني في "تفسيره": فهذان سببان صحيحان لنزول الآية. والجمع ممكن بوقوع القصتين، قصة العسل وقصة مارية، وأن القرآن نزل فيهما جميعًا، وفي كل واحد منها أنه أسر الحديث إلى بعض أزواجه.
قوله تعالى: {عسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ
…
} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه مسلم عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه قال: دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب - فقلت: لأعلمن ذلك اليوم، قال: فدخلت عليَّ عائشة فقلت: يا ابنة أبي بكر! أقد بلغ شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما لي وما لك يا ابن الخطاب عليك بعيبتك، قال: فدخلتُ على حفصة فقلت لها: يا حفصة؛ أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت أشد البكاء، فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خزانته في المشربة، فدخلت فإذا أنا برباحٍ - غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا على أُسْكُفَّةِ المشربة مدلٍّ رجليه على نقير من خشب - وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر - فناديت: يا رباح! استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة، ثم نظر إليّ فلم يقل شيئًا، ثم قلت: يا رباح! استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة، ثم نظر إلي فلم يقل شيئًا، ثم رفعت صوتي فقلت: يا رباح! استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنّ أني إنما جئت من أجل حفصة، والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها، ورفعت صوتي، فأومأ إليَّ أن إرقه، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير، فجلست فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثّر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظًا، وإذا أفيق معلق، قال: فابتدرت عيناي، قال:"ما يبكيك يا ابن الخطاب" قلت: يا نبي الله! وما لي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثر في جسمك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذلك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته وهذه خزانتك، فقال: