الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في التلازم]
(1)
فيه. وأكثر
(2)
هؤلاء المغالطين في الجدل إنما يستغفلون الخصمَ أن يُسلِّم
…
(3)
قبل وجوب تسليم ما يذكرونه من العبارات التي لا حاصلَ لها، وقد يقدح في نتيجة التلازم بعد تسليم التلازم، وهذا يظهر إن شاء الله بالكلام الآتي:
قال المجادل
(4)
: (واعتبر ما ذكرناه
(5)
في المناظرة، متى قلت: لو وجبت الزكاةُ على المديون لَوجَبَت على الفقير، إمّا بالنصّ أو بالقياس أو بغيرهما من الدلائل، فإنه يلزم من الوجوب هنا الوجوبُ ثَمَّهْ، ومن العدم ثَمَّهْ العدمُ هنا، فإنّ عدمَ الملزوم من لوازم عدمِ اللازم).
قلت: اعلم أن العلماء اختلفوا في مَن ملكَ نصابًا زكويًّا وحالَ عليه الحولُ وعليه دَيْنٌ حالٌّ لآدمي لا يتبقى معه بعد قضائه نصاب، فأكثر العلماء لا يُوجبون عليه الزكاة في الأموال الباطنة، وهي النقدين
(6)
وعروض التجارة، والشافعي في الجديد من قوله أوجبها عليه.
(1)
"الفصول"(ق 2 أ- 3 أ). وانظر: "شرح المؤلف"(ق 44 ب- 51 أ)، و"شرح السمرقندي"(ق 44 أ- 52 أ)، و"شرح الخوارزمي"(ق 8 ب- 32 ب).
(2)
من هنا بداية نسخة الكتاب، وقد ضاع من أولها عشر ورقات كانت تحتوي على المقدمة والكلام على أوائل "الفصول" للنسفي، ومنها "فصل في التلازم".
(3)
هنا كلمة غير واضحة في الأصل.
(4)
"الفصول"(ق 2 أ).
(5)
"ما ذكرناه" ساقطة من "الفصول".
(6)
كذا في الأصل بالياء والنون.
واختلف الأولون في الأموال الظاهرة، وهي الحرث والماشية، فعن أحمد فيها روايتان، إحداهما: لا زكاة عليه فيها كالباطنة، وهي المنصورة عند أصحابه. والثانية: عليه فيها الزكاة، وهي قول مالك. وقال أبو حنيفة: لا يجب عليه زكاة الماشية، ويجب عليه عُشُرُ الخارج من الأرض بناءً على أصلِه في أنه ليس بزكاةٍ، وإنما هو حقّ الأرض، ولهذا أوجبَه في مال الصبي والمجنون والقليل والكثير وجميع ما تُرك من الخارجات، ولم يَجمع بينه وبين الخراج. والكلام العلمي في هذا معروف في موضعه.
واعلم أن المصنف يستعمل لفظ "المدْيُون" وهي لغة قليلة
(1)
، والصحيح أن يقال:"المَدِيْن"، وكذلك كل اسم مفعولٍ صِيغَ من فعلٍ عينُه ياءٌ، مثل مَبِيع ومَسِيل ومَعِين من عانه يَعِينُه ومَعِيب، وإن كان العينُ واوًا مثل مَصُون فإن التصحيح فيه أضعف.
وكذلك يستعمل "ثَمَّه"، وهذه الهاء هاء السكت، وهي تدخل على كل حركة غير إعرابية، لكن إنما تُستعمل عند إرادة الوقوف والسكوت، فأما إذا أريد وَصْلُ الكلام فلا حاجةَ إليها لظهور الحركة
(2)
بما بعدها، وربّما حرَّكَها [بعض]
(3)
الناسِ وهو لحنٌ.
فإذا قال المستدل: وجوب الزكاةُ على المدين [يستلزم وجوبها] على الفقير فعليه بيانُ الملازمة، فإن أقامَ دليل الملازمةَ و ..... المعارضة لم يَرِد عليه سؤال صحيح إلا المعارضة بما يدل على نفي الزكاة
…
ومن عادة
(1)
في لسان العرب (دين) أنها لغة تميمية.
(2)
هذه الكلمة غير واضحة في الأصل.
(3)
هنا طمس في الأصل، وكذا في المواضع الآتية.
أصحاب هذا الجدل
…
واستدلوا بما ..... [ق 2] .... استدلال بعضهم من النصّ بقوله صلى الله عليه وسلم: "أدُّوا زكاةَ أموالكم"
(1)
، فإذا نُوزِعوا في شمولِه للفقير إذ لا مالَ له قالوا:[المراد]
(2)
به مَن ملك دون النصاب أو مالًا غير زكوي.
وهذا الحديث بهذا اللفظ لا أصلَ له، ولا يُعرف في شيء من كتب الحديث والفقه المعتبرة
(3)
، وبتقدير صحته فقد انعقد الإجماعُ على أن الفقير غيرُ مرادٍ منه، فلا يصحُّ الاستدلالُ به على الوجوب على الفقير. وقد انعقد الإجماعُ على أن المرادَ به الأموالُ الزكويّةُ قدرًا ونوعًا دون ما سِوى ذلك، فلا يكون مَن ليس كذلك داخلًا فيه.
فإن قيل: هو مرادٌ على هذا التقدير، وهو تقدير الوجوب على المدين، لأنه جائز الإرادة على هذا التقدير، لأنَّ من يسوِّي بين المدين والفقير يقول: إن النصَّ الموجبَ للزكاة في أحدهما موجبٌ للزكاة في الآخر، فلو كان الموجبُ
(4)
على المدين مرادًا لكان الوجوب على الفقير مرادًا.
قيل: كون الشيء مرادًا معناه أن الشارعَ أرادَه بكلامه، وهذا أمرٌ قد استقرَّ وثبتَ، فلا يُمكن انقلاب مرادِه غيرَ مُرادٍ له، ولا ما ليس بمرادٍ له مرادًا له. ونحن قد علمنا قطعًا أن الفقيرَ ليس بمرادٍ، فلا يُمكن الاستدلال على وقوع الإرادة بعدَ ذلك بكونه جائزَ الإرادة، أو بكون اللفظِ عامًّا له، أو بغير ذلك من الأدلة، لأن ما ليسَ بواقعٍ لا يقوم دليلٌ صحيح على وقوعِه.
(1)
سيأتي تخريجه (ص 476).
(2)
زيادة ليستقيم المعنى.
(3)
هو جزء من حديث كما ذكرنا، وسياقه بتمامه ينافي شمولَه للفقير.
(4)
كذا في الأصل، ولعل الصواب:"الوجوب" كما يدل عليه السياق.
نعم، الذي يمكن أن يُقالَ: لو وجبَتْ على المدينِ لوجبَ كونُ الفقير مرادًا من هذا النصّ، إذا بيَّن أن النافي للإرادة يزول على هذا التقدير، فيعمل مقتضي الإرادة عمله، فيحتاج أن يبيِّن أن النافي لإرادة الفقير يزول على هذا التقدير. وحينئذٍ يحتاج إلى الخوض في فقه المسألة، ولا تُغنيه الأدلة العامةُ، لأنّا قد علمنا أن الفقير ليس بمرادٍ من النصّ، فدعوى إرادته على تقديرٍ يحتاجُ إلى دليلٍ ينشأُ من ذلك التقدير.
فلو قال: هو جائز الإرادة على ذلك التقدير، فلا نسلِّم أنه جائز الإرادة على ذلك التقدير، ولئن سلَّمنا جواز الإرادة [فلا نُسلم أنه]
(1)
يقتضي الإرادة، كما سيأتي إن شاء الله. ولو سلَّمنا له أنّ جواز الإرادة [يقتضي] الإرادة فإنما تقتضيه
(2)
إذا كان الجواز ثابتًا في نفس الأمر، أما إذا كان جائز الإرادة على تقدير غير واقع لم يلزم أن يكون مرادًا.
وهنا وجوب الزكاة على المدين ليس واقعًا عند المستدل، وإنما يجوز كون الفقير مرادًا بتقدير الوجوب على المدين، فإذَنْ هو جائز الإرادة بتقدير غير واقع عنده، ومعلومٌ أن ما هو كذلك [ق 3] لا يكون مرادًا، لأن ذلك الجواز منتفٍ في نفس الأمر لانتفاء تقديره في نفس الأمر، وإذا كان الجواز منتفيًا كان غيرَ واقع، فلا يكون جائز الإرادة في نفس الأمر، فلا يصحّ الاستدلالُ به على الإرادة، لأن ذلك الدليل إنما يدلُّ على الواقع لا على غير الواقع.
أو يقال: ليس جائز الإرادة على هذا التقدير بالإجماع، أما عند المستدل
(1)
هنا طمس في الأصل، وكذا في المواضع الآتية، ولعل الساقط ما أثبته.
(2)
كذا في الأصل، ولعل الصواب:"يقتضيها".
فلانتفاءِ هذا التقدير، وأما عند المعترض فلأنه غير جائز الإرادة عنده على هذا التقدير.
وأيضًا فلا بدَّ أن يقول: المقتضي للإرادة ــ وهو شمولُ اللفظ أو صلاحيته مثلًا ــ قائمٌ، وإنما تُرِك العملُ به للمعنى المشترك بين الفقير والمدين، أو لمعنًى هو في الدين أو بالمنع، فلو وجبت على المدين لزال هذا المانعُ، ولو زال لوجبَ أن يكون مرادًا من هذا النص، فلا يتمُّ كلامُه حتى يبيّن أن الوجوب على المدين يقتضي الوجوب على الفقير من جهة المعنى، وحينئذٍ فلا يكون مثبتًا للتلازم بالنصّ. فعلمت
(1)
أن النصّ بنفسه يمتنع أن يَدُلَّ على الوجوب، مع العلم بأنه في نفس الأمر غيرُ دالٍّ حتى يتبيَّن قيامُ مقتضٍ للوجوب أو زوالُ مانعٍ له. وهذا إذا وُجِد كان استدلالًا صحيحًا، ولسنا نطعنُ فيه.
واعلم أنه يُمكِن إبطال
…
(2)
من كل نصّ يدعى بما يختصه، فإن عدم الإرادة بالإجماع دليلٌ عام، وذلك أنه يمتنع أن تدل النصوص دلالةً مسلَّمةً على ما يخالف الإجماع، مثلَ أن يقال على هذا الحديث: لو كان له أصلٌ فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرَ بأداءِ زكاة المال، والفقير ليس له مالٌ تكون له زكاةٌ، أو له مالٌ لكن لا زكاةَ له. أو يقال: لا نُسلِّم أن للفقير زكاةَ مالٍ حتى يؤمرَ بأدائها، فإنّ الأمر بأدائها فرعٌ تحقُّقِها، فلو أُثبت تحققُها بالأمر بأدائها لزمَ الدورُ.
فإن قال: يجوز أن يكون مرادًا.
(1)
كذا في الأصل، ولعله "فعُلِمَ".
(2)
هنا طمس في الأصل.
قلنا: لا نسلِّم، فإن زكاةَ المال لا يُعرف لغةً، وإنما يعرف شرعًا، فإن لم يثبت من جهة الشرع أنَّ لهذا المال زكاةً امتنع أن يُراد أداء زكاةٍ فيه من هذا الخطاب.
واعلم أن اللفظ لو كان "في أموالكم زكاة" ونحو ذلك احتجنا إلى جواب آخر، وإنما أمر بأداء زكاة الأموال، والإضافة إلى المعرفة تقتضي التعريف، فلا بدَّ أن تكون زكاةُ الأموال معروفة، حتى ينصرفَ الخطابُ إليها. وسواءٌ أُريدَ الزكاة المعتادة أو جنس الزكاة فالاستدلال به موقوف على ثبوت هذا الاسم في حق الفقير، ولا سبيل إلى ذلك.
واعلم أنه يمكن إثباتُ التلازم بالقياس الصحيح، كما سنذكره إن شاء الله تعالى، وهو الذي يعتمد عليه في هذا [ق 4] الباب. وعادةً هؤلاء يُثبِتونه بقياسٍ عام، كما أثبتوه بنصٍّ عام، وربَّما أثبتوه بالنصّ والقياس جميعًا، وبعضهم يقول: لا يُستدلُّ به مع وجودِ النصِّ، وهذا ليس بشيء، فإنه لو فرض وجود قياس يوافق مقتضى النص لم يمتنع الاستدلال به، فإن توارد الأدلة القوية والضعيفة على مدلولٍ واحدٍ ليس بممتنع، إنما القياس الباطل ما خالف مقتضى النصّ لا ما وافقه.
وربّما قال بعضهم: يجب الزكاة على هذا التقدير، وإلا يلزم تركُ العمل بالنصوص المعمول بها في إحدى الصورتين، والأقيسة المخصوصة بالصورتين، فإنه على هذا التقدير قد عمل بالنصوص في المدين، وبينه وبين الفقير جامعٌ يوجب اشتراكهما في الحكم.
وهذا أيضًا ليس بشيء، فإن هذه النصوص متروكة في هذه الصورة بالإجماع، ومتروكة في صورة النزاع عند المستدل، فهو تارك للعمل بها في
الموضعين، فكيف يفرُّ من ترك العمل بشيء في صورةٍ وقد ترك العمل به في صورتين؟ وأما السائل فقد ترك العمل بها في صورة، فلا يلزمه ترك العمل بها في أخرى، لأن ترك العمل بالدليل على خلاف الأصل، فكثرته على خلاف الأصل.
والنكتة فيه أن يقال: إذا تركنا العمل بنصّ قد عملنا به في صورةٍ أيّ محذورٍ في هذا؟
فإن قال: لأن فيه مخالفة النصّ.
قيل له: هذه المخالفة ثابتة في نفس الأمر بالاتفاق منا ومنك، وما هو ثابت في نفس الأمر لا يضرُّني التزامُه على تقدير صحة مذهبي، بل هو أدلُّ على صحة المذهب منه على فساده، فيحتاج حينئذٍ إلى أن يبيّن أن العمل به في إحداهما
(1)
يقتضي العمل به في الأخرى بمعنى فقهيّ، وهذا مقبول إذا أبداه. وأما القياس فإن قاس بوصف مجهول ونحو ذلك من الأقيسة العامة فسيأتي إفساده. فإن ذكر قياسًا فقهيًّا فهو مقبولٌ. ومتى وقع التحقيق في هذا المقام تعذَّر على المستدل إثبات اللازم
(2)
بنص عام أو بقياس عام.
وربما يثبتونه بغير النص والقياس، مثل تلازم آخر أو ترديد أو دوران أو غير ذلك، فما أفاد منها معنًى فقهيًّا فهو مقبول، وإلّا فهو مردود، مثل قولِ بعضهم: لو لم تجب الزكاة على الفقير على تقدير وجوبها على المدين لم يَخْلُ إما أن يكون العدم لازمًا للوجوب في الجملة أو لا يكون لازمًا،
(1)
الأصل: "أحدهما".
(2)
كذا في الأصل، ولعل الصواب:"التلازم".
والتقديران باطلانِ، فيبطل الملزوم وهو عدم الوجوب، فيثبت الوجوب على الفقير على ذلك التقدير.
بيان الأول أنه لا يخلو إما أن يكون الوجوب في الجملة مستلزمًا [ق 5] للعدم أم لا؟ بيان الثاني أنه لو استلزم الوجوبُ في الجملة العدمَ لكان الوجوب على الفقير مستلزمًا عدمَ الوجوب على المدين، وهو باطلٌ قطعًا، فإنه من المحال أن تجب على الفقير غيرَ مستلزم للوجوب على المدين، وهو باطلٌ أيضًا، إذ التقدير وجوبها على المدين دون الفقير.
وهذا الكلام ركيك، فإن كلا المقدمتين باطلة:
أما الأولى فلا نسلّم لزومَ أحد الأمرين على هذا التقدير، وذلك أن قوله:"العدم" إما أن
(1)
يُعنَى به عدم الوجوب فيهما، أو في أحدهما بعينه، أو في أحدهما بغير عينه، أو مطلق العدم. فإن عُني به الأول كان التقدير إما أن يكون عدم الوجوب في الصورتين من لوازم الوجوب في الجملة أم لا؟ وهذا مع رِكَّته ظاهر، فإن جوابه أن يقال: ليس من لوازمه، فإن عدم الوجوب في الموضعين يمتنع أن يكون من لوازم الوجوب في أحد الموضعين، فإنه يلزم منه أن يكون الوجوب في صورة ملزومًا لعدم الوجوب في كل صورةٍ، وذلك جمعٌ بين النقيضين. وإذا لم يكن العدم فيهما من لوازم الوجوب بطلت الملازمة الثانية، وهو قوله: لو يستلزم العدم الوجوب لكان عدم الوجوب على الفقير غير مستلزم للوجوب على المدين، فإن العدل إنما هو عدم الوجوب فيهما لا عدمه على الفقير خاصّة، ولا شك أن عدمه عليهما غير مستلزم للوجوب على المدين.
(1)
في الأصل: "بان ما".
وأيضًا فلو كان عدم الوجوب على الفقير غير مستلزم للوجوب على المدين لم يلزم عدم الوجوب على المدين، بل قد تكون واجبةً على المدين لا من جهة التلازم، بل من جهة أخرى، فإن نَفْيَ الدليل المخصوص لا يلزمُ منه نَفيُ الحكم، فيجوز أن يكون التقدير وجوبها على المدين دون الفقير، ولا يكون وجوبها على المدين من لوازم العدم على الفقير، بل ثابت بنفسه، واجتماعهما أمرٌ اتفاقي، كجميع الأمور التي هي ثابتة وليس بعضها من لوازم البعض.
وإن عُنِي عدم الوجوب في أحدهما بعينه، فإن أراد الفقير ــ وهو مقتضى كلامه ــ كان التقدير: إما أن يكون عدمُ الوجوب على الفقير لازمًا للوجوب في الجملة أو غيرَ لازمٍ، وحينئذٍ فإن قيل: هو لازم، لم يصحّ قوله:"الوجوب على الفقير يستلزم العدمَ على المدين"، لأن التقدير: العدم على الفقير. وإن قيل: ليس بلازم، فقد تقدم أنه لا يلزم عدم الوجوب عدم
(1)
المدين.
وإن أراد المدين بطل التلازم الثاني من وجهين.
وإن أراد أحدهما لا بعينه أو أراد مسمًّى قيل: لا يخلو في نفس الأمر: إما أن يدّعي عدمَهما أو عدمَ كل منهما أو عدم [ق 6] أحدهما بعينه أو عدم أيهما كان، وعلى التقديرات كلِّها فالتلازمُ المدَّعَى باطلٌ. وإنما جاء هذا التلبيس من كون لفظ "العدم" فيه إبهامٌ وإطلاقٌ واشتراكٌ، واللبيب لا يخفى عليه هذا.
(1)
كذا، ولعلها:"على".
وإن شئت قلت: لا نُسلِّم لزومَ أحدهما، بل يمكن أن لا يكون العدم على التعيين لازمًا، وأنت لم تُثبِت لزومَ أحدهما بعينه. وقد تقدم منعُ التلازم في المقدمة الثانية.
ومثل قول بعضهم: الوجوب على الفقير من لوازم لزوم ما هو مستلزم له على ذلك التقدير، فيكون لازمًا، إذ المستلزم لا يفارق الشرط في اللزوم، وهو ما يناقض العدمَ فيهما، وذلك لأن عدمَ اللزوم لا يخلو من أن يكون شاملًا لهما أو لا يكون، فإن كان شاملًا فظاهرٌ، وإن لم يكن فكذلك، لأن من اللوازم ما يكون مستلزمًا له على تقدير عدم الشمول، وإلّا لكان الشمول من لوازم اللزوم في الجملة، وإنه محال.
وهذا الكلام على تعقيده وقُبْح التعبير به ــ لما فيه من الألفاظ المشتركة الخالية عن قرينة التمييز، ولما فيه من حشْو كلماتٍ لا حاجةَ إليها ــ فهو مع خُلُوِّه عما يُحتاج إليه في البيان واشتماله على ما لا يُحتاج إليه= خالٍ عن الفائدة. وذلك يظهر بتفسيره، وذلك أنه يقول: الوجوب على الفقير لازم من لوازم الشيء الذي يستلزم الوجوب، أي من لوازم كونه لازمًا في نفس الأمر وثابتًا
(1)
، ولا شك أن الوجوب على الفقير إذا كان من لوازم شيء هو لازمٌ في نفس الأمر كان لازمًا، وذلك أن المستلزمَ للوجوب لا يفارق شرط ما يكون لازمًا به، بل هو لازمٌ له، وشرط اللزوم ما يُناقض العدمَ فيهما، والذي يناقضه هو الوجوب فيهما، ومعلومٌ أن المستلزم للوجوب على الفقير لازمٌ للوجوب عليهما، فيكون لازمًا في نفس الأمر.
(1)
قراءة ظنية، والكلمة غير منقوطة في الأصل.
وذلك لأنه إما أن يكون عدم اللزوم في نفس الأمر شاملًا لهما أي للمستلزم للوجوب ولما يناقض العدم، أو لا يكون شاملًا، وإن كان شاملًا فظاهرٌ، لأنه قد ثبت أنه لا يفارقه، وإن لم يكن العدم شاملًا لهما فظاهرٌ أيضًا، لأن من الأمور اللازمة في نفس الأمر ما يكون مستلزمًا للوجوب على تقدير عدم شمول العدم. وإذا كان من الأمور اللازمة ما يكون مستلزمًا للوجوب على هذا التقدير ثبتَ لزوم المستلزم، وذلك لأنه لو لم يكن من اللوازم ما يكون مستلزمًا له على تقدير عدم الشمول لكان شمولُ العدم من لوازم اللزوم في الجملة، وهو محال. وذلك لأنه إذا فُرِض عدمُ شمولِ العدم فلا بدَّ أن يتحقَّق وجودُهما أو وجودُ أحدهما، أعني وجود المستلزم [ق 7] للوجوب أو وجود الشرط في اللزوم، وهو ما يناقض العدمَ فيهما، إذ لولا وجودهما أو وجودُ أحدهما لشمِلَهما العدمُ، ومتَى وُجِدا أو أحدُهما لزمَ ما يستلزم الوجوب، ولو لم يلزم ما يستلزم الوجوب لعُدِم ما يستلزم الوجوب وعُدِم ما يناقض العدم أيضًا، فإنه لا يفارقه، وإذا عُدِما كان شمولُ العدم لهما من لوازم لزوم ما يناقض العدم، وهو محال، فإن ما يعدمهما لا يلزم ما يناقض عدمهما.
هذا تفسير كلامه، وترجمته أنه يقول: الوجوب على الفقير من لوازم لزوم المستلزم للوجوب، فإنه لا يفارق الوجوب فيهما، فيعود حاصلُه إلى أن يقول: الوجوب على الفقير من لوازم الوجوب عليه وعلى المدين، أو من لوازم ما يناقض عدمَ الوجوب فيهما، ثم قرّر هذا التلازم بأن قال: العدم للمستلزم والوجوب إن كان شاملًا فقد ثبت أنه لا يفارقُه، وإن لم يكن شاملًا فقد ثبت إمّا المستلزم أو الوجوب، وأيهما حصلَ ثبتَ المدَّعَى.
وإفسادُ هذا الكلام له وجوهٌ، لكن نُنبِّه على نكتة التغليط، فنقول:
قوله: "المستلزم لا يفارق الشرط في اللزوم، وهو ما يناقض العدمَ فيهما"، يعني به ما يُناقِض العدم في كلِّ منهما أو ما يُناقِض العدمَ في مجموعهما، فإن الذي يناقض العدمَ في كلٍّ منهما الوجوبُ في كلّ منهما، والذي يناقضه في مجموعهما الوجوبُ فيهما أو في أحدهما.
فإن قال: أريد به ما يناقض العدم في كل منهما، كان معنى كلامه أن الشرط في لزوم المستلزم للوجوب على الفقير الوجوبُ على المدين والوجوب على الفقير.
فيقال له: نحن نسلِّم أن الوجوب عليهما شرط للزوم المستلزم للوجوب على الفقير، لكن لِمَ قلتَ: إن هذا الشرط متحققٌ ولازمٌ في نفس الأمر حتى يكون لازمُه متحققًا، فإن التلازم لا يقتضي وجودَ اللازم ولا وجودَ الملزوم، فتسليم التلازم لا يُفيد إن لم يثبت تحققُ الملزوم.
وقوله بعد ذلك: "إن كان العدم شاملًا فظاهرٌ".
قلنا: لا نُسلِّم أنه ظاهر، وذلك لأن شمول العدم معناه أنه عُدِم المستلزم للوجوب على الفقير، وعُدِم الوجوب على الفقير والمدين الذي هو مناقضٌ عَدَمَ الوجوب، ومعلومٌ أن هذين إذا عُدِما لم يُفِدْ ذلك تحقُّقَ الملزوم. أكثرُ ما يفيد تلازمَهما، ونحن قد سلمناه.
وقوله: "وإن لم يكن العدم شاملًا لهما فكذلك هو ظاهر".
قلنا: لا نُسلِّم أنه ظاهر، لأنّ العدم إذا لم يشملهما جاز وجود أحدهما، فإن كان الموجودُ
(1)
....
(1)
في هامش الأصل: "هنا بياض في الأصل نحو السطر".
[ق 8] وإن قال: أراد به ما يناقض العدم في مجموعهما، كان معناه أن المستلزم للوجوب على الفقير لا يفارق الوجوب عليهما أو على أحدهما، بل لا بدَّ أن يكون لازمًا للوجوب على أحد التقديرات الثلاث.
فيقال له: هذا عينُ محلِّ النزاع، فلا نُسلِّم أن المستلزم للوجوب على الفقير لازم للوجوب على المدين، فإن هذا أول الدليل، فإن أثبته بهذا الدليل كان دورًا، وإن ذكر دليلًا آخر كان ذلك كافيًا في تحقيق التلازم، وما سواه ضياعًا وحشوًا.
وقوله في تقرير ذلك: "إن شملَهما العدمُ فظاهرٌ".
قلنا: لا نُسلِّم، لأنه إذا عدم المستلزم للوجوب على الفقير والوجوب عليهما وعلى أحدهما لم يدلَّ ذلك على لزوم أحدهما للآخر، لأن الأشياء التي لا تلازمَ بينها بل الأشياء المتضادة المتنافية قد تشترك في عدم جميعها، فبتقدير عَدَمِها لا يثبتُ تلازمها.
وإن قال: "فظاهر" أردتُ به ثبوتَ المدَّعَى، وهو عدم الوجوب على المدين.
قيل: أنتَ في تقرير التلازم وبيان أن الوجوب على المدين يستلزم الوجوب على الفقير، فإذا أثبتَّ عدمَ الوجوب على المدين لم يثبت التلازمُ، لأن صحةَ المدعَى لا يستلزم صحةَ الدليل المعيَّن، لجواز أن يكون القول حقًّا وما يُستدَلُّ به باطل، لثبوته بدليل آخر، فلا بدَّ لك من تصحيح الدليل الذي زعمتَ أنه يُفيد ثبوتَ المدعى، وإلّا فنحن قد نُسَلِّم لك الحكمَ ونُنازِعُك في الدليل.
وقوله: "إن لم يكن العدم شاملًا فظاهرٌ أيضًا".
قلنا: ليس كذلك، لأنه إذا لم يشملهما العدمُ فلا بدَّ من ثبوت أحدهما، فإن كان الثابت هو الوجوب على المدين خاصةً الذي يناقض عدم مجموع الوجوبين لم نُسلِّم أن ذلك موجب للوجوب على الفقير، إذ هو أول الدليل.
وقوله: "لأن من اللوازم ما يكون مستلزمًا له على تقدير عدم الشمول".
قلنا: لا نُسلِّم.
قوله: "وإلّا لكان الشمولُ من لوازم اللزوم في الجملة".
قلنا: لا نُسلِّم أيضًا، فإن شمولَ العدم إنما يكون من لوازم اللزوم، إذا كان المراد باللزوم لزوم ما يناقض عدم كلٍّ منهما وهو الوجوب فيهما، فإنه على هذا التفسير يثبت المستلزم للوجوب على الفقير، لأنه إما أن يكون موجودًا أو الوجوب فيهما موجودًا، وأيّهما كان فقد لزم المستلزم للوجوب على الفقير، فلا يكون عدم الشمول لازمًا لهذا اللزوم.
أما إذا كان المراد باللزوم لزوم ما يناقض عدمَ [ق 9] مجموعهما، وهو مطلق الوجوب، سواء جعل فيهما أو في أحدهما الذي نتكلم نحن على تقديره، فإن العدم إذا لم يكن شاملًا له وللمستلزم فلا بدَّ من وجود أحدهما، فيجوز أن يكون هو الموجود، وإذا كان الموجود مطلقَ الوجوب ولو على المدين كان التقدير: أنَّ مطلق الوجوب ولو على المدين مستلزمٌ للوجوب على الفقير، وهذا أول الدليل، وهو عينُ المقدمة الممنوعة في الدليل.
فيقال: لا نسلِّم ذلك، ومعلومٌ أنه إذا لم يلزم ذلك لا يكون شمول العدم من لوازم لزوم المستلزم للوجوب، لأن ذلك أيضًا هو نفس هذه المقدمة، فلا يلزم من عدم الشيء وجودُه.
فقد تبيَّن أنَّ مدارَ النكتة على الدعوى المحضة وجَعْلِ المطلوبِ مقدمةً في إثباتِ نفسِه، وهو من المصادرات القبيحة المردودة بإجماع العقلاء.
ومن ذلك قول بعضهم: الوجوب على الفقير على ذلك التقدير من لوازم المساواة بينهما في اللزوم، وأنه أخصُّ بالنسبة إلى الوجوب عليه أي على الفقير، فلا يكون مدارًا له وجودًا وعدمًا، وحينئذٍ يلزم الوجوب عليه، إذ الوجوب لازم على تقدير تحقق المساواة بالضرورة، فلو لم يكن لازمًا على تقدير العدم في الجملة لكان المساواة مدارًا له وجودًا وعدمًا، والتقدير بخلافه.
وحاصله أنه يقول: الوجوب على الفقير من لوازم تساويهما في اللزوم، فإنهما لو تساويا في اللزوم لَلَزِمَ الوجوب، وهذا التساوي أخصُّ من الوجوب على الفقير، فلا يكون مدارًا له وجودًا وعدمًا، لأن المدار هو ما يُوجد الدائرُ بوجودِه ويُعدَم بعَدَمِه، فالأخصُّ قد يُعدَم ولا يُعدَمُ الأعمُّ، فلا يكون مدارًا له عدمًا. وإذا لم يكن مدارًا له في الحالين لَزِمَ تحقُّقُ الوجوب في صورةِ وجود التساوي ضرورةَ تساويهما في اللزوم وفي صورة عدمه، إذ لو لم يتحقق الوجوبُ لعُدِمَ عند عدمِ التساوي، فكان مدارًا له، والتقدير خلافه.
وهذا الكلام أيضًا من أبطل الباطل، وجوابُه أن يقال: قولك "إنّ لزوم المساواة أخصُّ من الوجوب على الفقير" ممنوعٌ، وذلك لأن المساواة بينهما في اللزوم إذا وُجدتْ وُجِدَ الوجوبُ على الفقير، لأنه إذا عُدِمَت المساواةُ بينهما في اللزوم ثبتَ عدمُ المساواة، وإذا ثبتَ عدمُ المساواة في اللزوم ــ والتقديرُ تقدير الوجوب على المدين ــ ثبتَ بالضرورة عدمُ