الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معتمدًا جاز الوضوء بالنِّيء، فلا يكون عدمه متحقِّقًا، وإن لم يكن دليلًا معتمدًا امتنع الاستدلالُ به على جواز التوضوء بالمطبوخ، فعُلِمَ أن الاستدلالَ به على الجواز في المطبوخ دون النِّيء غير ممكن، فيكون الجوازُ هنا وعدمُه هناك متنافيين.
وإما بقياس صحيح، أو تلازم صحيح، مثل أن يبيِّن أن المقتضي للجواز في إحدى الصورتين موجود في الأخرى، أو المانع في إحداهما موجود في الأخرى، أو أنَّ إحداهما تستلزم الحكم في الأخرى، فيتنافى الجواز
(1)
وعدمه في إحدى الصورتين ونقيضه في الأخرى، أو يبيِّن أن بتقدير الحُكْم في إحدى الصورَتَيْن يقوم مانع في الأخرى، أو بتقدير عدم المانع في إحداهما يُسَلَّم المقتضي في الأخرى عن المانع، فيتنافى الحُكْمان فيهما وجودًا وعدمًا.
مثل أن يُقال: إيجابُ الزكاةِ في مال الصبيّ، وعدم الإيجاب في مالِ المجنون لا يجتمعان، أو يقال: إجبار
(2)
الصغيرة الثيب، والبكر البالغة يتنافيان أو لا يجتمعان، أو يقول: إيجابُ العبادة وقضاؤها يتنافيان، أو عدم إيجاب الوضوء وعدم إيجاب التيمم يتنافيان، أو يقال: إيجاب قتل الجماعة بالواحد ومنع ....
(3)
لا يجتمعان.
و
يُسْتَدل على التنافي بالأدلة المعلومة في كل مسألة
من هذه المسائل،
(1)
كتب الناسخ أولًا: «فيتنافيان» ثم جوَّدها بما هو مثبت.
(2)
رسمها في الأصل: «احار» !.
(3)
ثلاث كلمات لم تتبين.
سواء كانت إجماعيَّة أو خلافية، ومثاله أن يقول في المال الذي
(1)
ذكره؛ لأن عدم الوجوب على من له دون النصاب إنما كان لنفي الضرر الحاصل بالإيجاب، فإن المالَ القليلَ لا يحتمل المواساة؛ لأنه مشغول بحوائج مالكه، ومالُ المدين يشاركه في هذا المعنى، فيتنافى وجودُ أحدِهما، وعدمُ الآخر. أو يقول: الوجوبُ على المدين إن ثبتَ فإنما يكون رعايةً لجانب السبب الموجِب، وهو المال الموجود، وترك النظر إلى كونه مشغولًا بمصالح المالك، وهذا المعنى موجود في قليل المال، فيجب ثبوت الوجوب فيه، وليس الغرضُ تقريرَ صحَّة هذا التنافي على الخصوص، فإن مادَّة الكلام في هذا المثال قد تقدَّم في التلازم. وعامة
(2)
المُمَوِّهين يثبتون التنافي بنحوٍ مما يثبتون [ق 228] به التلازم.
قال المصنف
(3)
: (والدليل على عدم الاجتماع متعدِّد، فإنه يمكن أن يتمسَّك بالنص والقياس والتلازم وغيرها، لكن نفي الاجتماع بِنَفْي أحدهما في مثل ما ذكرنا من المثال لا
(4)
يتم لوجهين:
أحدهما: أنه دعوى أحد الأمرين اللذين أحدهما لازم الانتفاء، وهذا باطل يُعْرف
(5)
من بعد.
والثاني: أنه معارَض بمثله، فإن الخصمَ يقول: العدمُ هنا مع العدم ثَمَّةَ
(1)
غير بينة في الأصل، وهذا الذي استظهرته، ويبقى في العبارة شيء.
(2)
غير واضحة ولعلها ما أثبت.
(3)
«الفصول» (ق/3 أ).
(4)
الأصل: «مالا» والمثبت من «الفصول» .
(5)
«الفصول» : «سَيُعرف» .
مما لا يجتمعان بعينِ ما ذكرتُم).
وهو كما قال، فإنهم تارة يثبتون نفي اجتماع العدم والوجوب بالنص الدال على الوجوب مثلًا في صورة العدم، كما تقدَّم من أدلتهم على الوجوب على الفقير في التلازم، كقوله:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، أو {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] والدالُّ على الوجوب في تلك الصورة دالٌّ على أن العدم فيها والوجوب في الأخرى لا يجتمعان؛ إذ لو اجتمعا لثبتَ العدمُ فيهما
(1)
، وهو خلاف مدلول الدليل.
أو بالنصِّ الدالِّ على العدم في صورة الوجوب المختَلَفِ فيها، كقوله:«لا صَدَقَة إلا عن ظَهْرِ غِنًى»
(2)
، و «ابدأ بنفسِك»
(3)
، ونحو ذلك. ومتى ثبتَ العدمُ فيها ثبتَ أن الوجوب فيها والعدمَ في الأخرى لا يجتمعان.
وتارةً يثبتونه بالقياس، سواءٌ كان وجوديًّا أو عدميًّا، مثل: أن يقيس الوجوب على الفقير على الوجوب على المَدِيْن، أو عدم الوجوب على
(1)
الأصل: «فيها» .
(2)
أخرجه بهذا اللفظ أحمد: (12/ 69 رقم 7155)، والنسائي في «الكبرى» كما في «تحفة الأشراف» (10/ 262)، وذكر الحافظ في «التغليق»:(3/ 420) أنه لم يقف عليه بهذا اللفظ لا في «المجتبى» ولا في «الكبرى» . وعلَّقه البخاري في كتاب الوصايا «الفتح» : (5/ 443) مجزومًا به من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي سنده عبد الملك بن أبي سليمان العرزَمي، فيه كلام من جهة حفظه، وباقي رجاله ثقات. وقد أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رقم (1426) بلفظ: «خير الصدقة ما كان عن غنًى
…
».
(3)
أخرجه مسلم رقم (997) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.