الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنع في نفس الأمر؛ لأن هذا التقدير غير واقع عندي؛ لأن الحكمَ في صورة النقض غير مضاف إلى المشترك لوجود ما يمنع إضافته إليه، فإن الإضافة إلى المشترك مشروطة بعدم المانع. ولا شك أن هذه الدعوى تُرَدّ بعين ما رُدَّ به الكلام الأول، مع ضعف الأول.
[ق 182] قوله
(1)
: (أو يقال: لا يُضاف إلى المشترك؛ إذ لو أُضيف لكان المشترك علة، ولو تحقَّق أحدُهما ــ وهو إما الإضافة أو العلية
(2)
ــ لثبتَ الحكمُ ثمةَ عملًا بالعلة، ولم يثبت فلا يضاف).
هذا
توجيهٌ ثانٍ للنقض
، وهو أن يقول: لا يضاف الحكمُ إلى المشترك بين الصور؛ لأنه لو أُضيف لكان المشترك علة؛ لأن الحكمَ إنما يضاف إلى علَّته، ولو تحقَّقَت إضافتُه إلى المشترك، أو كون المشترك علة= لثبتَ الحكمُ في صورة النقض عملًا بالعلة، ولم يثبت الحكمُ في صورة النقض، فلا يضاف إلى المشترك. يعني أنَّ كلَّ واحد من هذين وجبَ
(3)
الحكمُ في صورةِ النقض.
قوله
(4)
: (أو يقول
(5)
: لو أُضيف لكان الحكم ثابتًا هنا، ولو ثبت أحدُهما ــ وهو إما اللازم أو الملزوم ــ لثبت ثَمَّة).
هذا توجيهٌ ثالثٌ، يقول: لو أُضيفَ إلى المشترك لكان الحكم ثابتًا هنا ــ
(1)
«الفصول» (ق 7 ب).
(2)
الأصل: «العلة» ، والمثبت من «الفصول» وشروحه.
(3)
كذا، ولعلها:«يوجب» .
(4)
«الفصول» (ق 7 ب).
(5)
«الفصول» : «يقال» .
يعني صورة النزاع ــ ولو ثبتَ اللازم وهو صورة النزاع، أو الملزوم وهو الإضافة إلى المشترك ــ فظاهر. وأما على تقدير ثبوت الحكم هنا فلأنَّ ثبوتَه هنا مستلزم لِعلِّية المشترك، إذ لو فُرِضَ عدمُ ذلك لَعُدِم الحكم هنا، وعلِّية المشترك مستلزمة للحكم في صورة النقض، ولازم اللازم لازم.
هذا الذي يُفهم من هذا الكلام، وفيه تطويل لا حاجة إليه كما ترى، وإن كان عَنَى بقوله:«لكان الحكم ثابتًا هنا» صورةَ النقض، فهو أيضًا تطويل بارد، ويكون اللازم في المقدمة الثانية هو الملزوم على أحد التقديرين؛ لأن معنى الكلام حينئذٍ: لو أُضيفَ لكان الحكم ثابتًا في صورة النقض، ولو ثبت أحدُهما إما الإضافة أو الحكم في صورة النقض، لثبت في صورة النقض.
قوله
(1)
: (هذا إذا تمسَّك بدليلٍ خاصٍّ، أما إذا تمسَّك بالدليل العام، فذاك معارَضٌ بمثله، فلا تفاوتَ في التوجيه بين ما ذكرناه).
اعلم أنَّ الكلام الذي ذكره هذا الجدليُّ لا فرق فيه بين التمسُّك على علَّة الأصل بدليل عامٍّ أو خاص، والخاصُّ ما يدلُّ بخصوصه على أن المشترك بين الأصل والفرع علة، والعام هي المناسبات العامة ونحو ذلك، كما ذكره المصنف في فصل القياس
(2)
، لكن الدليل العام
(3)
يُعَارَض بمثله، بأن يقال: لا تجب الزكاة في الحلي بالقياس على الحلية؛ بجامع ما يشتركان فيه من دفع المفسدة الناشئة من الإيجاب، وهو الضرر الحاصلُ منه للمكلَّف، وهو تنقيصُ ماله وتعريضه [ق 183] للعقاب بتقدير الترك،
(1)
«الفصول» (ق 7 ب).
(2)
«الفصول» : (ق 5 أ- 5 ب).
(3)
الأصل: «العارم» !
وتعريضُه للحاجة إلى الناس وغير ذلك من المفاسدِ المشهود
(1)
لها بالاعتبار في صُور عدم الوجوب، فإذا انقضت عِلِّية صور
(2)
الوجوب قال: التخلُّف هناك لمانع، وهو المقتضي للوجوب.
فيقال له: هذا يلزم منه التعارُض بين المقتضي والمانع، ويُسَاقُ الكلامُ إلى آخره، وهو قوله:«ولا تفاوت في التوجيه» .
واعلم أنه إن كان الدليل على صحة القياس عامًّا فهو فاسد؛ لأنه معارَضٌ بمثله أيضًا، وهو أن يقاس الفرع على صورة النقض بجامع خاصٍّ مدلولٍ على علِّيَّته بدليل خاص، لكن هذه المعارضة لا تُخرج القياسَ عن أن يكون دليلًا صحيحًا؛ لأنه
(3)
الدليلُ الدالُّ على صحة الجامع بين الفرع وصورة النقض، لكن هذه معارضة بدليل آخر، كما لو عارضه بالقياس على أصلٍ آخر غير صورة النقض، أو بالقياس على أصل المستدل إما بعلِّيَّة أو بغير عِلِّيَّة، ومنه القلب، أو عارَضَه بعموم أو مفهوم، ونحو ذلك، وحينئذٍ فيحتاج المستدل إما إلى إفسادِ ما عارضَ به المعترض، أو إلى ترجيح دليله على دليله، ومتى لم يطعن فيما عارضَ به المستدل ولم يرجِّحْه كان منقطعًا.
وأما الدليلُ العامُّ فإنه بعينه يدلُّ على الشيءِ ونقيضِه، فيعلم أنه في نفسه باطل؛ لأن الحق لا يستلزم النقيضين، فمتى رأينا الشارع قد أثبتَ الوجوب في بعض الأموال، ونفاه في بعض الأموال، ثم تنازعنا في مالٍ ثالث؛ فمَن أَلحقه بصورة الإيجاب بمعاني يشترك فيها عموم الأموال كان بمنزلة من
(1)
الأصل: «والمشهود» ، ولعل الصواب حذف الواو.
(2)
تحتمل قراءتها: «تصور» ، أو «بصور» .
(3)
الأصل: «لأن» .
نفى عنه الوجوب بمعاني يشترك فيها عموم الأموال؛ لأن المعاني التي يشترك فيها جميع الأموال موجودة في صُوَرٍ في الوجوب وعدمه، فليس إلحاق مال ثالث بأحدهما للمعاني التي اشتركت فيها بأولى
(1)
من إلحاقه بالآخر، للمعاني التي اشتركت فيه.
وأيضًا: فإن المعاني المشتركة هي المقتضية للحكم الموجبة له، فلو جاز إضافة الحكم إليها للزم أن يُضاف إليها الوجوب وعدمه، فتكون موجبة للنقيضين، فعُلِمَ من هذا أن الموجِبَ أمورٌ خاصَّة توجد في بعض الأموال، وأنَّ المانع أمور خاصَّة تختصُّ ببعض الأموال، ويبقى النزاع؛ هل صورة الخلاف من قبيل ما فيه الأمور الموجبة، أو مِن قبيل ما فيه الأمور المانعة؟
واعلم أنَّا قد بيَّنَّا من قبل أنه إذا بيّن صحة القياس بدليل خاص وجمع بين الحُلِيّ [ق 184] والمضروب بوصفٍ يختصُّ بهما= امتنعَ النقضُ على المعترض؛ لعدم وجود المشترك الخاص بينهما في صورة النقض، فقول المصنِّف: «هذا إذا تمسَّك
(2)
بدليل خاص» ليس بجيِّدٍ في هذا المثال، وهو قد مثَّل به، وإنما أُتيَ من حيث إن هذا الكلام يتمُ في صورة أخرى.
ثم
(3)
أن يقول في مسألة البكر البالغ: بالغة فلا تُجْبَر على النكاح قياسًا على الثيِّب.
(1)
الأصل: «ولي» !
(2)
الأصل: ««استل» ! وصوابه ما أثبت كما تقدم نقله.
(3)
كذا، ولعل صوابه:«مثل» .
فيقال له: ينتقض بالمجنونة.
فيقول: التخلُّفُ هناك لمانع مختصٍّ وهو الجنون.
أو يقال في مسألة المثقَّل
(1)
: قَتْل
(2)
عَمدٌ عدوان محض فأوجب القَوَد كالقتل بالمحدَّد.
فيقال له: ينتقضُ بقتل الكافر والعبد والابن.
فيقول: التخلُّف هناك لفوات الشرط، وهو المكافأة، وفوات الشرط مانعٌ مختصٌّ.
أو يقول في زكاة الحليّ أو زكاة مال الصبيّ: مالكٌ لنصاب نامٍ
(3)
فوجبت فيه الزكاة، قياسًا على المضروب وعلى مال المكلَّف. فإذا نَقَضْتَ عليه بمال المدين، أو بالمغصوب والمجحود، وكل ما لم يَقْتَضِ ولم يمنع الحكم= قال: التخلُّفُ هناك لمانعٍ مختصٍّ وهو الدَّين، أو لفوات شرط وهو اليد.
واعلم أنه إذا دل
(4)
المستدلُّ على صحة علته، وبيَّن أن التخلُّف لمانعٍ
(5)
مختص بين وجوده على وجه الاختصاص في صورة النقض وبين
(1)
الأصل: «المستدل» تحريف، وسيأتي على الصواب (ص 343).
(2)
الأصل: «قيل» والصواب ما أثبت، وتقدم مثله.
(3)
الأصل: «نامي» .
(4)
كذا، ولعل صواب:«استدل» ، أو «دلل» .
(5)
الأصل: «مانع» ولعل الصواب ما أثبتناه.
أنه مانع، كان الجوابُ الذي ذكره المصنف باطلًا
(1)
، وهو لزوم المعارضة بين المقتضي والمانع، كما تقدم تقرير مثل ذلك في الملازمة وغيرها من وجوه.
مثل أن يقال: التعارُضُ بين المقتضي والمانع ثابت في نفس الأمر، فلا يضرني التزامه؛ لأن الشيءَ إذا وقع لم يجز أن يستدل على عدم وقوعه ألبتة.
ومثل أن يقال: ما ذكره من الدليل على علة المشترك راجحٌ على النافي؛ لأن النافي للتعارض إذا تُرِك لم يلزم منه إلا ترك أضْعَف
(2)
الدليلين لوجود أقوى منه، وهذا كثير، أما الدليلُ على عِليَّة المشترك فلو تركته لتركته لتعارضٍ، وذلك لا يجوز.
ومثل أن يقال: التعارض واقع لا محالة؛ إما بين ما ذكرته دليلًا على العلة وبين النافي للتعارض، وإما بين العلة وبين المانع، وإذا كان لازمًا لك كلزومه لي، لم يجز إبطال دليلي به.
ومثل أن يقال: الدالُّ على صحة العلة إنما يدل على إثباتها للحكم إذا استجمع شروطَه، وسَلِمَ من موانعه، فإذا وُجِدَ مانعٌ مختصّ كان وجوده مخلًّا بشرط اتباع موجب العلة، فلا يكون ذلك معارضة، ولهذا ترجح المانع على المقتضي، وإنما المعارضة: أن يكون كلٌّ من الدليلين يقتضي العمل مطلقًا. وهذا تحقيقٌ جيِّد، لكنه يحتاج [ق 185] إلى بيان أن دليلَ العلةِ لا يثبُت مع وجود المعارِض.
(1)
بالأصل: «باطله» تحريف.
(2)
الأصل: «ضعف» .
ومثل أن يقال: التعارض وإن كان على خلاف الأصل لكن القول بوجوده واجب إذا قام دليل وجوده، وقد قامَ دليلُ وجود التعارض؛ لأني قد أقمتُ الدليلَ على وجود المقتضي لوجوب الزكاة ووجود المانع منها في صورة النقض.
ومثل أن يقال: لازم التعارض ترك الدليل في صورة النقض، ولازم ترك ما ذكرتُه من الدليل ترك العمل في صورتي الأصل والفرع، وترك العمل بالدليل مرَّتين أشد محذورًا من ترك العمل به مرة واحدة. وهنا أجوبة كثيرة، وقد تقدَّم بعضُها، واللبيبُ يتفطَّنُ لباقيها.
قوله
(1)
: (والمركَّب كحليِّ الصبيَّةِ ــ مثلًا ــ غير أنَّ الجواب عنه أن يقال: [الوجوب]
(2)
في المضروب من أموال الصبية لا يخلو إما أن يكون
(3)
ثابتًا، أو لم يكن، فإن كان ثابتًا فلا نُسَلِّم تحقُّق العدم في تلك الصورة، وإن لم يكن ثابتًا فيها كان
(4)
الفرع راجحًا على النقض، وإلا لثبتَ الوجوبُ
(5)
ثمةَ بالقياس على الأصول ولم يثبت).
هذا هو الكلامُ في النقض المركَّب، والقولُ في صحته كالقول في صحة القياس عليه، وقد تقدَّم
(6)
أنَّ المحققين لا يستحسنون الكلام عليه لا
(1)
«الفصول» (ق 7 ب).
(2)
سقطت من الأصل واستدركناه من «الفصول» .
(3)
«الفصول» : «أن كان» .
(4)
«الفصول» : «فإن لم يكن ثابتًا لكان
…
».
(5)
ليست في «الفصول» .
(6)
(ص 315).
قياسًا ولا نقضًا؛ لأن حاصله استدلال بِغَلَطِ خصمِك في مسألةٍ على صواب نفسك في مسألة أخرى، ومعلومٌ أن هذا ليس بدليل، ولهذا أجمعَ الناسُ على أنه لا يجوزُ الاستدلالُ
(1)
به على الأحكام الفقهيَّة للناظر
(2)
المجتهد بحيث يُسْنِدُ إليه اعتقادَه قولًا وفعلًا، فتوى وحكمًا. وذلك لأنك إذا قِسْتَ عدم الوجوب على العِلِّية أو نقضت به، فإن المجادل لك يقول: أنا إنما نفيتُ
(3)
الوجوب عن حُليِّها؛ لاعتقادي أن الزكاة إنما تجبُ في مال المكلَّفين، فإن كنت موافقي على صحة هذا الاعتقاد لزمك عدم الإيجاب في ماشيتها، وأنتَ لا تقولُ به، وإن كنتَ معتقدًا لخطئي في هذا الاعتقاد، فليس لك أن تبني
(4)
على أصلٍ تعتقد خطأ مؤصِّله، أو تنقض به قياسًا قامَ دليلُ صحته.
وذهبت طوائفُ من الجدليين المتقدِّمين من نحو المائة الرابعة والمتأخرين إلى استعماله في المجادلات والمناظرات؛ لأن المستدلَّ يقول: قد توافقتُ أنا وخصمي على أن حُلِيّ الصبيَّة لا زكاة فيه، وإن [ق 186] كان مَدْرَكي غير مَدْركه، فمتى انتقضَ قياسُه بهذه الصورة كان قياسًا فاسدًا، ومتى قِسْتُ عليه كان قياسي صحيحًا، ومَنْعُ الحكم فيه على تقدير صحة عِلَّتي غير مقبول، لأن إمامه أو لأنه يُثبتُ الحكمَ فيه مطلقًا، فإذا بان فسادُ مأخَذِه تعيَّن صحةُ مأخذي، ولأني وإياه اتفقنا على الحكم فيه، وهو يدَّعي القولَ به
(1)
الأصل: «والاستدلال» ، ولعل صوابه ما أثبتُّ بحذف الواو.
(2)
الأصل: «الناظر» .
(3)
الأصل: «بقيت» !
(4)
غير بينة بالأصل، ولعلها ما أثبته.
منضمًّا إلى جملةِ أقواله، فإذا أثبتُّ أنه يلزمه ترك القول به، أو ترك القول ببعض أقواله التي هي من لوازم مأخَذِه، فقد حصل الغرض.
وهذه المنفعة حاصلها بيانُ فسادِ أحدِ مذهبَي الخصم من غير تعيين، ولا يدلُّ ذلك على صحة قولٍ مُعيَّن للمستدل.
واعلم أنه إذا كان التركيبُ بين المتناظرين فقط، كانت مناظرةً جدليَّةً محضة، ولعلَّ الحقَ يكونُ في غير القولين، وإن كان التركيبُ بين الأمة فهو أقوى؛ لامتناع أن يكون الحكم في صورة التركيب خلافَ ما أجمعوا عليه.
ورُبَّما يُجْعَل دليلًا حقيقيًّا على المسألة بأن يقال: هذه الحادثة قد اتفقت فيها أقوالُ العلماء على هذا الحكم بأن يُقال: الصبيَّةُ لا زكاة في حُليِّها بالاتفاق، وخضروات الأرض الخراجيَّة لا عُشْرَ فيها بالاتفاق، والإجماعُ حجةٌ قاطعة، فالعلةُ إما كونه حُليًّا، وإما كونه مالَ صغير، لكن كونه مالَ صغيرٍ لا يجوز أن يكون علة، فتعيَّن القولُ الآخر، ويلزم من صحَّته سقوطُ الزكاة في جميع الحُلِي.
وهل لأحدٍ أن يوجبَ الزكاةَ فيها بناءً على موافقة أحدهما في مسألة والآخر في مسألة أخرى؟ هذه من فروع ما إذا اختلفوا في مسألتين على قولين، لكن هنا القول بالتفريق أبعد؛ لكونه مستلزمًا لمخالفة الإجماع في صورةٍ من الصور.
لكن جواب هذا: أن الإجماع هنا يمنع من توابع ذلك الخلاف، وفيه نظر، ولا يكاد هذا ينضبط، إلا أن يُعْلَم أن كلَّ من كان في إحدى المسألتين من طرف كان في المسألة الأخرى من الطرف الذي بانضمامه إلى ذلك الطرف يتأتَّى ذلك الحكم، وإن لم يُعَلَم هذا يصير اتفاقًا بين المتناظرين فقط، وتلك مناظرة إلزامية لا علمية.
واعلم أن مسألة الحلي
(1)
قد يمنع فيها؛ لأن للشافعي وأحمد قولًا بوجوبِ الزكاةِ في الحلي، فيحينئذٍ يصيرُ في حُليِّ الصبيَّة خلافٌ
(2)
.
مثال ذلك إذا قال: الزكاة [ق 187] واجبة في الحليِّ قياسًا على المضروب، بجامع ما يشتركان فيه من كونهما من جنسِ الأثمان، ونحو ذلك من الجوامع.
قال المعترض: ينتقضُ بحليِّ الصبيَّة، فإن الزكاة لا تجب فيها إجماعًا، وكذلك ــ أيضًا ــ لو ادَّعى وجوبَ الزكاة على المَدِيْن، فنقض عليه بالصغير والمجنون المَدِيْنَين، وكذلك لو ادَّعى وجوب الزكاة فيما لم تَثْبُت عليه اليدُ من عِوَض الخُلع والصَّدَاق، وثمن المبيع والموروث، أو وجوبَ الزكاة فيما لا يقدر على قبضِه، كالضالّ والمغصوب ونحو ذلك، فنقض عليه بمال غير المكلَّف. أو نقضتَ عليه في صورةٍ ادَّعى فيها الوجوب، بعدم الوجوبِ قبل الحول، أو بعدم الوجوب فيما دون النصاب، أو بعدم الوجوبِ قبل بعثة الرسول.
وهذا نقضٌ باردٌ جدًّا يتبيَّنُ
(3)
من له أدنى فَهْم أنه كلامٌ ركيك، وفيه تضييع الزمان، وخروجٌ عن مقصود المسألة، وهو في الحقيقة ليس بنقضٍ أصلًا. وبيانُ ذلك من وجوه:
(1)
الأصل: «الحل» !
(2)
الأصل: «خلافًا» .
(3)
غير واضحة في الأصل.
أحدها: أن المستدلَّ يقول: لم أدَّع وجوبَ الزكاة في كلِّ حُليٍّ، ولا نصبتُ الدليلَ على ذلك، فإنه من المعلوم أن
(1)
حليَّ الكفار الذي في المغانم، وبيت المال، ونحو ذلك، لا زكاة [فيه]، وعبارتي لم تدل على ذلك؛ لأني إنما قلتُ: الحلي تجب فيه الزكاة، واللام في «الزكاة» للتعريف، والزكاةُ المعروفة هي التي أوجبها الله، وهي إنما تجبُ على مالكٍ مخصوصٍ بشروط مخصوصةٍ. أو الزكاة المعروفة إنما تجب على من تجب عليه زكاة المضروب، إذ عندي أن الزكاة التي أوجبها الله لا تجب في مال الصبي والمجنون، ومن قال: الزكاةُ تجب في هذا أو لا تجبُ لم يكن عليه أن يتعرَّض بشروط
(2)
الوجوب التي لا تختصُّ بتلك المسألة، للعلمِ بأن ما لم يوجد فيه تلك الشروط لم يكن فيه زكاة.
الثاني: أن يقول: إنما قلتُ: الزكاةُ واجبة في حليِّ النساءِ، ومعلومٌ أن هذا يحصل بإيجابه في حليِّ امرأة واحدةٍ؛ لأن اللام لتعريف الحقيقة والماهية، والحقيقة تحصل بحصول فردٍ من أفرادها، فإذا وجبت زكاةٌ في حليِّ امرأة صحَّ أن يقال: وجبتِ الزكاةُ في حُليِّ النساء، وذلك لأن اللام ليست للاستغراق؛ لأن الزكاةَ الواجبةَ في النوع الواحد ليست أنواعًا، وإنما هي نوع واحد.
الثالث
(3)
: أن يقال: من فصيح الكلام وجيِّدِه الإطلاقُ والتعميمُ عند ظهور قصد التخصيص والتقييد، وعلى هذه الطريقة [ق 188] الخطابُ
(1)
الأصل: «أنه» .
(2)
كذا في الأصل، ولعلها «لشروط» .
(3)
وانظر في تقرير هذا الوجه: «درء التعارض» : (5/ 231 - 234)، و «بيان الدليل» .
الواردُ في الكتاب والسنة وكلام العلماء، بل وكلِّ كلامٍ فصيح، بل وجميع كلام الأمم، فإن التعرُّضَ عند كلِّ مسألةٍ لقيودها وشروطها تَعَجْرُف وتكلُّف، وخروج عن سَنَن البيان وإضاعةٌ للمقصود، وهو يُعَكِّر على مقصود البيان بالعكس.
فإنه إذا قيل: تجب الزكاة في الحُليِّ، فقال: إن كان لامرأة مسلمة، ليس عليها دين حالٌّ لآدمي يُنقِصُ زكاةَ المال عن أن يكون نصابًا، وحالَ عليه حولٌ، لم يخرج عن ملكها، ويدُها ثابتةٌ عليه، وجَبَتْ فيه الزكاة= كان
(1)
ذلك لُكْنَةً وعِيًّا.
وقد لا يستحضر المتكلِّمُ جميعَ الشروط والموانع، فإنَّ هذا في كثير من المواضع لا يكاد ينضبط، بل من فصيح الكلام: أن من تكلَّم في شيءٍ؛ كجهة من الجهات لم يلتفت إلى غير تلك الجهة، وإ ذا كان كذلك، فقد عُلِمَ أنَّ قصدي إنما هو الكلامُ في إيجاب الزكاة في الحُليِّ المعدِّ لاستعمالِ المباح في الجملة، من غير تعرُّضٍ لشروط
(2)
الوجوب وموانعه، فلا يجوز أن يُنْقَض كلامي عليَّ بِصُورة عُدِمَ فيها شرطُ الوجوب، أو وُجِدَ فيها مانِعُه، فإنَّ كلامَ صاحب الشريعة خارجٌ على هذا الوجه، كقوله صلى الله عليه وسلم:«في كلِّ أربعين شاةً شاةٌ، وفي خمس وعشرين [من الإبل] بنتُ مَخاض، وفي ثلاثين من البقر تَبيْع، وفي الرِّقَة رُبْعُ العشر»
(3)
،
ولم يقل: إذا كانت ملكًا لمسلم لا دَيْن
(1)
الاصل: «عند» ، والصواب ما أثبت.
(2)
الأصل: «بشروط» .
(3)
ساق المصنف هذه الألفاظ مَسَاقَ حديثٍ واحد، ولم أعثر عليها كذلك.
أما زكاة الإبل والغنم والرِّقَة فقد جاءت في سياق واحدٍ عند البخاري رقم (1454) في كتاب أبي بكر الصديق لأنس ــ رضي الله عنهما ــ لما وجَّهه عاملًا على البحرين ولفظه: «
…
فإذا بلغت ــ أي الإبل ــ خمسًا وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى
…
، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة
…
، وفي الرِّقَة ربعُ العُشْر
…
». وأما قوله: «وفي ثلاثين من البقرة تبيع» فجاء في حديث معاذ أخرجه أبو داود رقم (1570)، والترمذي رقم (623)، والنسائي (5/ 25) وابن ماجه رقم (1803) وغيرهم.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن» ، وصححه ابن عبد البر، كما في «الأحكام الكبرى»:(2/ 582) لعبد الحق.
وجاء من حديث ابن مسعود أخرجه الترمذي رقم (622)، وابن ماجه رقم (1804) وغيرهما من طريق أبي عبيدة عن أبيه، وهو لم يسمع منه، وبه ضعَّفه البخاري والترمذي. انظر «العلل الكبير»:(1/ 101).
عليه، وحالَ عليها الحول، وكانت ملكًا لمكلَّف، ونحو ذلك؛ لعلمه صلى الله عليه وسلم بأن الناس يعلمون أنه إنما قَصَد بيان مناصب الصدقة وفرائضها، دون التعرض لسائر أحكامها.
وكذلك قولُه: «ليس فيما دون خمسةِ أوسُقٍ صَدَقة، وليس فيما دون خمس ذَودٍ صَدَقة، وليس فيما دُون خمسِ أوَاقٍ صدقة»
(1)
ولم يقل: إلا أن تكون للتجارة؛ لعلمه بأنهم يعلمون أنه إنما [يكون]
(2)
في الزكاة المتعلِّقة بالعين.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «فيما سَقَتِ السَّماءُ والعيونُ أو كان عثريًّا العشر، وفيما سُقِي بالدوالي والنواضح نصف العشر»
(3)
، ولم يقل: إذا كان مكيلًا
(1)
تقدم تخريجه (ص 35).
(2)
رسمها في الأصل: «يكفي» ثم ضرب عليها الناسخ، ولعل ما أثبته يستقيم به السياق.
(3)
تقدم تخريجه (ص 204).
مدَّخرًا أو مكيلًا مقتاتًا مدَّخرًا، وإلا الحطب والحشيش والقصب؛ لعلمه بأنهم يعلمون أنه إنما قَصد بيان ما يختلف به مقدار الواجب، لا بيان أنواع ما يجب فيه، ومن تعرَّض للكلام في مقدار الواجب لا يستوفي الكلامَ في الأنواع الواجبة.
الرابع: أن اللام في «الحلي» يجوز أن تكون للجنس، ويجوز أن تكون للعهد، وإذا كان معهودًا
(1)
فهو أولى من الجنس، وهنا [ق 189] معهودٌ يعودُ الكلام إليه، وهو الحُلي الذي فيه النزاع، أو الحلي الذي لو صِيغ لوجبت فيه الزكاة، أو الحلي الذي تجب الزكاة في سائر ملك مالكه، أو الحلي الذي اجتمعت فيه شروط الوجوب. وهذا ظاهر.
الخامس: الجواب الذي ذكره المصنف، وهو أن يقال: إما أن يكون الوجوب في مضروب الصغيرة ثابتًا أو غير ثابت، فإن كان ثابتًا
(2)
فلا يُعلم تحقق العدم في حُلِيها؛ لأني إنما استدللتُ على وجوب الزكاة في حُلِيّ من تجب الزكاة في مضروبه، فإذا كانت ممن تجب الزكاة في مضروبها وجبت الزكاة في حليِّها، وإن لم يكن الوجوب في مضروبها ثابتًا فأولى أن لا تجب الزكاة في حليها، وإذا لم تجب الزكاةُ في مضروبها ولا حُلِيِّها كان الفرع ــ وهو حُلي المكلَّفة ــ راجحًا على النقض ــ وهو حلي الصبية ــ في الوجوب؛ إذ المكلَّفة وجب في مضروبها، والصبيَّة لم يجب في واحدٍ منها؛ لأنه لو لم يكن حُلِيّ المكلَّفة راجحًا على حليِّ الصبيَّة رُجْحانًا يقتضي الوجوب كان
(1)
الأصل: «معهود» ، والجملة بعدها مكررة.
(2)
الأصل: «كابتًا» ! سبق قلم.
مساويًا له، ولو ساواه لثبت
(1)
الوجوب في حُلي الصبيَّة بالقياس على مضروب المكلَّفة، كما قِسْتَ حليَّ المكلَّفة على مضروبها، وإذا كان الفرعُ راجحًا في صورةِ النقضِ بما يقتضي انفراده بالحكم، عُلِم اختصاص صورة النقض بما يوجب اختصاصها بعدمِ الحكم، فلا يتعدَّى ذلك الحكم إلى الفرع، فلا يصح النقضُ به.
وحاصلُه أن يُقال للناقِض: أنتَ بين أمرين: التسوية بين المكلَّفة وغيرها، أو التفريق بينهما، فإن سوَّيت
(2)
بينهما لم يسلَّم عدم الوجوب في حُلِيِّ الصبية، وإن فرَّقْتَ بينهما لم يصح النقضُ بها؛ لاعترافك أن الوجوب على المكلَّفة يثبت مع عدم الوجوب على الصبيَّة حيث فرَّقْتَ بينهما في المضروب، ويلزم من ذلك أن يكون الفَرْع راجحًا على صورة النقض؛ إذ لولا رُجْحانه عليه لألْحِقت صورة النقض بالأصل لمساواتها الفرع.
وبيانُه بعبارةٍ أخرى أن يقال: ما ذكرتَه من الدليل يقتضي التسوية بين المضروب والحلي، فإن وجبتِ الزكاةُ في مضروب الصبيَّة مَنعْت عدم الوجوب في حُليها، وإن لم تجب الزكاة في مضروبها لم يصحَّ النقضُ بحليها؛ لأن حليها دون حُلي البالغة؛ لأنه لو كان مثله لوجبت الزكاةُ فيه، وبما ذكرته من الدليل.
وكان كثير
(3)
من العلماء يُجيبُ عن هذا النقض بالتسوية، ويقول: أنا مقصودي [ق 190] التسوية بين الحلي والمضروب، فإذا استويا في الوجوب
(1)
الأصل: «الثبت» !
(2)
الأصل: «سويته» ، والصواب ما أثبته.
(3)
الأصل: «كثيرًا» .
في الصورة التي قِسْت عليها فاستويا في عدم الوجوب في الصورة التي نقضتَ بها، كان ذلك دليلًا على صحة الجمع بينهما.
وهذا كلامٌ صحيح من جهة الفقه، وإنَّما اختلفوا في قبوله في الجدل، على خلافٍ مشهورٍ في الأصول
(1)
والجدل.
فإن قيل: قولُ المستدل: إن كان الوجوب ثابتًا في مضروب الصبيَّة لم أُسَلِّم أنَّ الحكم في الحلي مُنِع على خلاف الأصل، فلا يُسْمع، فإنَّ الحليّ لا زكاة فيه اتفاقًا، والحكمُ إذا اتُّفِق عليه لم يَجُز منعُه على تقديرٍ من التقادير، لاسيَّما وهو منع الجمع عليه على تقديرٍ ممكن، فإن الوجوبَ في مضروبها ممكن؛ لأنه مختلَفٌ فيه.
فالجواب من وجوه:
أحدها: لا نُسَلِّم أن عدمَ الوجوب في حُلِيِّها متفقٌ عليه، بل هو قولٌ معروفٌ، وهو قول الشافعي، ورواية عن أحمد، ومذهب كثير من العلماء كإسحاق بن راهويه وغيره ممن يوجبُ
(2)
الزكاةَ في الحلي، وفي مال الصبيِّ والمجنون، لكن هذا المنع يختصُّ بمثل هذه الصورة.
الثاني: أنِّي إنَّما منعتُ الوجوبَ على تقدير الوجوبِ في مضروبها، وهذا التقديرُ غيرُ واقعٍ عندي؛ لأن عندي لا تجبُ الزكاة في مضروبها. فإذا قلتُ: تجب الزكاة في حليِّها ــ وهو قول باطل ــ على تقدير الوجوب في
(1)
بالأصل: «الأصل» !
(2)
كذا في الأصل، وهو لا يصح! لأن إسحاق ومن ذكرهم المصنف قبله يرون أنه لا زكاة في الحلي، كما في «المغني»:(4/ 220) وغيره، فيكون صواب العبارة:«ممن [لا] يوجب» . أو أن الساقط غير ذلك فاختل بسببه المعنى.
مضروبها ــ وهو قول باطل ــ لم أكن قد التزمتُ مُحالًا، وهو كقوله:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81]، وقوله:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94]. وليس يلزمني إذا ثبتَ بطلانُ الباطل على أصلي أن أُثْبته على أصلِ غيري!
الثالث: أن الذي ذكرتُه مطابقٌ لمعتقدي، فإني إنما نفيتُ الوجوبَ في الحلي، لاعتقادي انتفاءه في المضروب، فإن صحَّ اعتقادي الثاني لم يصح النقض به؛ لوجود الفرق بين الصغير والكبير، وإن لم يصح اعتقادي الثاني أكونُ مخطئًّا
(1)
في نفي الوجوب عن حُلِي الصبيّ، إذ لا مستند عندي لانتفائه سوى عدم التكليف، وهو يشمل القسمين، فإذا لم يكن مستندًا صحيحًا بَطَل قولي في صورة النقض، فلا يجوز أن يُحتج بخطئي في تلك الصورة على حكم هذه المسألة. وهذا كلام من لا يصحِّح النقضَ المركَّب، والقياسَ المركَّب.
ومن صحَّحه قال له: أنتَ قد سوَّيتَ بين الحلي والمضروب وجوبًا على المكلَّفة، وسقوطًا عن الصبيَّة، وعدمُ [ق 191] الوجوب في حُلي الصبيَّة ينقضُ استدلالَك على التسوية في الوجوب. فإن صحَّ قولُكَ في نفي الوجوب على حُلي الصبيِّ بطَل استدلالُك، وإن صحَّ استدلالُك بطَل قولُك في صورة النقض، فليس تصحيح
(2)
استدلالِك ــ بتقدير خطئك في صورة النقض ــ بأولى من تصحيحِ قولك في صورة النقض بإبطال استدلالك؛ بل
(1)
الأصل: «محيطًا» !
(2)
الأصل: «بصحيح» ، ولعل الصواب ما أثبت بدليل ما بعده.
هو أولى، لأن صورة النقض لا يمكن انتفاءُ الحكم فيها ألبتة؛ لأن الحكم فيها ثابتٌ إجماعًا، يقال
(1)
ذلك في موضع مجمعٍ عليه بين الأمة، والأمةُ معصومةٌ عن الخطأ، ففي تخطئتكَ في الحكم تخطئةٌ لجميع الأمَّة، وذلك باطل بخلاف تخطئتك في المأخَذِ فإنه شيءٌ انفردْتَ به، والخطأُ جائز على أبعاضِ الأمة.
ويجوزُ أن تجتمعَ الأمة على حكم، ويكون مستند بعضهم فيه ما ليس بدليل، وإن لم يَجُز ذلك [على]
(2)
جماعتهم؛ لأن العصمة إنما شَمِلَتْهم فيما أجمعوا عليه، وهم لم يُجمعوا على ذلك المأخَذِ، وصاحبُ ذلك المأخَذِ وإن كان مخطئًا في نسبة الحكم
(3)
إليه، لكن لمَّا وافق الجماعةَ شملته بركةُ الجماعة، فأصابَ الحقَّ في تلك الواقعة، لموافقةِ الجماعة، لا لمأخَذه. وهو غير آثم؛ لأنَّ غايةَ وُسْعه كانت إدراك ذلك المأخَذ، وبناء الحكم عليه، إنما كُلِّف بما في وُسْعه.
وجوابُ هذا أن يقال: إنما يبطل استدلالي بالإيجاب في حُلي الصبيَّة إذا أوجَبْتُه في مضروبها، وأما إذا نفيتُ الوجوب في حُليّ الصبيَّة على وجهٍ يستلزم النفيَ في مضروبها، فإنَّ استدلالي صحيح؛ لأن النقض حينئذ لا يصح، لكون صورة النقض تكون أولى بعدم الوجوب في حُلي البالغة، ومختصَّة بمانع يمنعُ الوجوب فيها، وأنا لم أنفِ الحكمَ الثابت إجماعًا في نفس الأمر، وإنما نفيتُه على تقديرٍ هو عندي غير واقع، وعندي أني مصيبٌ
(1)
كذا في الأصل.
(2)
زيادة يستقيم بها السياق.
(3)
الأصل: «للحكم» .
في الأمرين. ولو فرضنا أني أخطأتُ في أحدهما، فدليلي في هذه المسألة إنما يبطل إذا عُلم أني أخطأتُ في نفي ذلك التقدير، وهو الوجوب في مضروب الصبيَّة؛ لأنه بتقدير أن أكون أصبتُ في نفي ذلك التقدير، فالدليل صحيح
(1)
لاستلزام عدم الوجوب في المضروب عدمَ الوجوب في الحلي، فتترجح صورةُ النقض على الفرع، وأنتَ لم تُقِمِ الدليل على خطئي في تلك المسألة، فلا يكون نقضُك صحيحًا. وهذا كلامٌ محقَّقٌ في نفسه.
واعلم أنه يمكنُ [ق 192] الاعتراضُ على الجواب الذي ذكره المصنف بأن يقال: قولك: «لو لم يكن ثابتًا فيها كان الفرع راجحًا على النقض» .
قلنا: لا نُسَلِّم قولك، وإلا لثبتَ الوجوبُ ثمَّة بالقياس على الأصل.
قلنا: إنما يلزم من عدم رُجحان حُلي البالغة على حُلي الصغيرة الوجوبُ في حلي الصغيرة، بالقياس على مضروب البالغة، إذا ثبتَ أن الحُلي بمنزلة المضروب. وإنما يثبتُ هذا إذا سَلِمَ قياسُك عن النقض، وهو لا يَسْلم عن النقض إلا بهذا الجواب، وهذا الجواب لا يتم إلا بالقياس، فيلزم تصحيح الشيء بنفسه. وذلك مُصَادَرة، وهي غير جائزة. ولو سلَّمنا الرُّجحان فإن ذلك لا يمنع من النقض.
وتقريرُ هذا الجواب أن يقال: إن لم يكن الوجوبُ ثابتًا في مضروب الصغيرة، فقد ثبتَ رُجحان الكبيرة على الصغيرة بالوجوب في مضروب هذه دون هذه، وإذا ثبتَ رُجحان مضروب هذه على مضروب هذه، لَزِم رُجحان حُليها على حُليها؛ لأن نسبةَ المضروبِ إلى المضروب كنسبة
(1)
الأصل: «الصحيح» ولعل الصواب ما أثبت.
الحُلي إلى الحُلي. والعلمُ به ضروريٌّ، وإذا ترجَّح الفرعُ على صورة النقض عُلِمَ اختصاص النقض بوجود مانع أو بفوات شرط، فيكون انتفاءُ الوجوب كذلك.
والفرقُ بين هذا التقرير وتقرير المصنف: أنه قاسَ حُلي الصغيرة على مضروب الكبيرة، بتقدير عدم الوجوب في مضروب الصغيرة، وعدم رُجحان حُليها على حُليها، وهو عَوْد إلى أصلِ الدليل، وهذا قياسٌ لنسبة حُليِّ هذه إلى حُلِّي هذه، على
(1)
نسبة مضروب هذه إلى مضروب هذه، ولا ريبَ أن قياس النسبة على النسبة لا يمكن منعُه.
قوله
(2)
: (أو يقال: إذا لم يكن ثابتًا ثمَّة يكون ثابتًا هنا إجماعًا، ولو ثبتَ هنا لكان الحكمُ في الأصل مضافًا إلى المشترك على ما عُرِف).
وهذا جوابٌ بأنَّ النقضَ على تقدير عدم الوجوب في مضروب الصبية.
يقول: إذا لم يكن الوجوبُ ثابتًا في مضروب الصبيَّة، يكون ثابتًا في الفرع، وهو حُلي البالغة إجماعًا لعدم القائل بالفَرْق؛ لأن القائل قائلان، قائل
(3)
يقول: إنه يجبُ في مضروب المكلَّف وغير المكلَّف دون الحلي، وقائل يقول: يجب في مضروب المكلَّف وحُليِّه دون مال الصبي.
فإذا قيل: إنه لا يجب في مضروب الصبيَّة، فإنه يجب في حُلي البالغة ومضروبها، ولو ثبتَ الوجوبُ في حُلي البالغة؛ لكان الحكم في الأصل ــ
(1)
الأصل: «إلى» والصواب ما أثبت.
(2)
«الفصول» (ق 7 ب).
(3)
الأصل: «قائلًا» .
وهو مضروبها ــ مضافًا إلى المشترك بين الحليِّ والمضروب.
وهذا الجواب [ق 193] مُسْتَدْرَك من وجوه:
أحدها: أنه مبنيٌّ على عدم القائل بالفرق بين مسألتين مختلِفَتَي
(1)
المأخَذ والطريقة، وهو مَسْلك رديءٌ جدًّا، لم يسلكه أحدٌ من أهل الفقه والأصول، ولا سلكه أحدٌ من أهل الجدل المحقِّقين، وإنما يسلكه من لا خَلاقَ له من المغالطين.
وبيانُ ذلك: أن العلماء إذا اختلفوا في مسألتين على قولَيْن؛ فهل يجوز لمن بعدهم أن يأخذ بقول هؤلاءِ في مسألةٍ، وبقولِ هؤلاء في مسألة
(2)
؟
فإما أن يكونَ مأخذُهما وطريقةُ الحكم فيهما
(3)
متشابهًا؛ كزوج وأبوين وزوجة [وأبوين]، ونحو ذلك، فهنا قد اختلف الناسُ؛ فمنهم من قال: له أن يأخذ بقول هؤلاء في مسألة، وقول هؤلاء في مسألة، كما فعل مَسْرُوق
(4)
، وهذا قول أكثر الفقهاء، وهو قول أكثر الشافعية والحنبلية، وهو المختار.
(1)
الأصل: «مختلفي» .
(2)
انظر: «المسوَّدة» (ص 327 - 328)، و «دراء التعارض»:(2/ 238)، و «التسعينية»:(2/ 624)، و «العدة»:(4/ 1113 - 1114) للقاضي، و «البحر المحيط»:(4/ 544 - 546)، و «مناقشة الاستدلال بالإجماع» (ص 186 - 187) للسدحان.
(3)
الأصل: «مأخذها
…
فيها» بالإفراد ولعل الصواب بالتثنية بدلالة السياق.
(4)
كذا بالأصل و «المسوَّدة» ، والذي في بقية المصادر و «مصنف ابن أبي شيبة»:(6/ 241)، و «قواطع الأدلة»:(3/ 265)، و «الواضح»:(5/ 165)، و «المغني»:(9/ 23) نِسْبَة هذا القول لابن سيرين، إذ اختار أنَّ للأم ثلث الباقي في زوج وأبوين، ولها ثلث المال كله في زوجة وأبوين.
ومنهم من قال: ليس له أن يُفَرِّق بينهما، وهو قول طوائف من الفقهاء.
وأما إن صرَّحوا بالتسوية بينهما، أو كانت إحداهما من فروع الأُخرى أو كانت جميعًا أصلًا لفرعٍ واحد، بحيثُ يكون أهل الإجماع قد
(1)
صرَّحوا بذلك، فهنا لا يجوز التفريق بلا ريب، كوجوب الزكاة في مال الصبيِّ والمجنون، وكالردِّ وتوريث ذوي الأرحام.
وذهبَ طائفةٌ من الناس إلى جواز التفريق مطلقًا وإن صرحوا بالتسوية.
وأما إن كانت التسويةُ بين المسألتين
(2)
، أو كون إحداهما فرعًا للأخرى، أو كونهما فرعين
(3)
لأصلٍ واحدٍ مما يُعْلَم بالاستدلال، وقد ينقدح خلاف ذلك= فهذا كالقسم الأول، كإيجاب الزكاة في جميع أموال الصبيِّ أو نفيها عن جميع أمواله. وفرَّق أبو حنيفةَ بين الغِرِّ
(4)
وغيره.
وأما إن كان مأخَذ المسألتين مختلفًا متباعدًا، بحيثُ لا تعلُّق لأحدهما بالأخرى؛ كإيجابِ الزكاة في الحُلِي، وإيجابها في مال الصبيِّ والمجنون، وإيجاب الزكاة على المَدِيْن، وإيجابها في الخُضروات، ووجوب القَوَد بالمُثَقَّل، وقَتل المسلم بالكافر، وإيجاب الحدِّ على الكافر المُحصَن، وعلى من زنى بذوات محارمه، ونفيه عنهما، ونحو ذلك من المسائل= فقد اتفق الفقهاءُ ــ بل العقلاءُ ــ على أنه لا يلزم الموافقةُ في إحدى المسألتينِ الموافقةَ في الأخرى، وليس على من قال بقول قومٍ في مسألة أن يقول بقولهم في
(1)
بالأصل: «وقد» ، و «الواو» زائدة.
(2)
تحرفت في الأصل إلى: «من المساكين» .
(3)
في الأصل: «وعين» !
(4)
أي: الغافل الذي لم يُجرب الأمور «المصباح المنير» (ص 169).
المسألة الأخرى وإنَّما عليه أن يَتْبَع في كلِّ مسألةٍ دليلَها اللائقَ بها، [ق 194] والعلم بهذا ضروريٌّ عقلًا وشرعًا.
ومع هذا، فقد حُكِيَ عن بعض من يتكلَّم في أصول الفقه: أنه لا يجوز التفريق، وكذلك بعضُ هؤلاء الجدليين المُغالِطين يسلُكُ مثل هذه الطريقة. وأقلُّ لوازم هذا أنه يُستدلَّ بدليلٍ واحدٍ في جميع مسائل الخلاف؛ لعدم القائل بالفَرق، ولا يخفى على ذي عقلٍ أنَّ هذا هذيانٌ يجب ألَّا
(1)
يُلْتَفَتَ إلى فاعله
(2)
!
ويُقال لقائلِ هذا: ولا قائل بالجمع، فإنهم لم يجمعوا بين حُكْم المسألتين حتى جعلوا الحكمَ المعيَّن في هذه مستلزمًا للحكم المعيَّن في هذه، فمن جمعَ بينهما، فقد خالفَ الإجماعَ، ومن استدلَّ بقوله:«لا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»
(3)
في مسألة الإدالَةِ فقد خرج عن مسالك العقل والدين والحياء!
ويقال له: الجمعُ والفَرْقُ إنما يكون بن شيئين اشتركا فيما يقتضي الحكم فيهما ولو بَعُدَ، وليس بين هاتين المسألتين جَمْعٌ ولا فَرْقٌ.
ويُقالُ له: الفرقُ إنما يكونُ عند الاشتراك في الحكم، وكذلك الجمع، فأما إذا كان حُكم إحداهما الوجوب، وحُكْم الأُخرى عدم الوجوب، فكيف تنفي الفَرْق؟!
(1)
الأصل: «لا» .
(2)
كذا في الأصل، ولعلها:«قائله» .
(3)
أخرجه البخاري رقم (6915) من حديث علي رضي الله عنه.
ويقال له: بل قد أجمعوا على الفَرْق؛ لأن هؤلاء يوجبون الزكاة على الصبيان، ولا يوجبونها في الحُلِي. وهؤلاء يوجبونها في الحُلي، ولا يوجبونها على الصبيان. فقد أجمعوا على أنَّ حكم إحدى المسألتين نَفْيٌ، والأخرى إثبات، فكيف يصحُّ نَفْي الفرق فيما فيه الفرق؟!
ويقال له: هَبْ أنَّا سلَّمنا ألَّا
(1)
قائلَ بالفرق، فَلِم قلتَ: إن القولَ بالفرق باطل؟ وليس في هذا إلا دعوى محضة وكلمة تُقال لا حاصل تحتها، وإنما القولُ الباطل: ما قال أهل الإجماعِ خلافَه، أما ما لم يقولوا بما يوافقه ولا ما يخالفه فيجوز أن يكون صحيحًا، ويجوز أن يكون باطلًا.
نعم، لو قال أهلُ الإجماع بالجمع
(2)
بين المسألتين والتسوية؛ لكان الفرقُ باطلًا.
فإن قال: الفرقُ إحداثُ قولٍ ثالث
(3)
.
قلنا: لا نُسَلِّم، بل هو موافقة هؤلاء في مسألة، وموافقة هؤلاء في أخرى، ومن فعل ذلك لم يخرج عن قول الأُمة.
ويُقال له: لفظُ الفرق مشتركٌ، فإنه يُقال: فَرَّق فلانٌ بين الشيئين إذا كانا مشتَبِهَيْن نوع اشتباه، فيقال: قد قال بالفرق إذا فرَّق بين الحادثتين، ويقال: قال بالفرق إذا فرَّق بين القائلَين، بأنْ كان مع هذا تارةً، ومع هذا أخرى. فالفرقُ تارةً يكون بين الحوادث لما بينها من التشابه، وتارةً يكون بين
(1)
في الأصل: «لأن» ! ولعل الصواب ما أثبت.
(2)
في الإصل: «بالإجماع» ولعل الصواب ما أثبت.
(3)
في الأصل: «ما لنا» والصواب ما أثبت.
الأقوال لاشتراكها في قائل واحد، فإن عنيْتَ أن لا قائل بالفرق [ق 195] بين قولَي عالمٍ واحدٍ في مسألتين متبايِنَتَين، فهذا خلافُ إجماع الأمة، بل خلاف إجماع العقلاء
(1)
، بل خلاف المعلوم بالاضطرار، فإنه ما من أحدٍ من علماء الصحابة والتابعين وسائر الأئمة إلا وقد قال بالفرق بين مقالاته في المسائل خلقٌ من العلماء بَعْدَه، بحيث يفرِّقون بين أقواله في الحوادث المتابينة. وهذا إجماعٌ من الأمة على ثبوت القول بالفَرْق بين الأقوال.
وإن قلتَ: إنما أعني به: أن لا قائل بالفرق
(2)
بين قولَي هذَيْن العالِمَين في هاتين المسألتين، فإني أُخْبر بأن هذا لم يقع.
قيل لك: وليس من شرط التفريق بين قولَي العالم في المسائل المتباينة تقدُّم قائلٍ بالفَرْق، فإن ذلك لو كان شرطًا لزم التسلسل، أو بطل جواز التفريق بين قولَي القائل في حادِثَتَين مُخْتَلِفَتين بعده، وكلاهما معلوم الفساد.
وإذا تبيَّن فسادُ هذا الأصل، فقوله:«إذا لم يكن ثابتًا ثمَةَ يكون ثابتًا هنا إجماعًا» .
قلنا: لا نُسَلِّم التلازم، والعلمُ بعَدم التلازم بديهيُّ ضروريُّ، وهو مُجْمعٌ عليه، فإنَّ الأُمةَ مُجمعة على أنه لا يلزم من القول بعدم إيجاب الزكاة في الحلي إيجاب الزكاة في
(3)
مال الصبيِّ والمجنون؛ إذ الدليل لابُدَّ أن
(1)
الأصل: «العلماء» ، وهو سهو، والذي يقتضيه سياق العبارة ما أثبتّ، ويدل عليه ما سيأتي (ص 365 - 366).
(2)
الأصل: «فرق» ولعل الصواب ما أثبت.
(3)
الأصل: «وفي» ، والصواب حذف «الواو» .
يناسبَ المدلول عليه نوع مناسبةٍ، ولا مناسبةَ بين هذين الحكمَين، ودعوى الإجماع على التلازم كَذِبٌ وزُور، بل الأمة مجمعةٌ على بطلان هذا التلازم، وكتب الفقه وأصوله مشحونة بذكر هذا، والعلمُ به من دين الإسلام وتصرُّفاتِ العلماءِ في علمهم ضروريٌّ.
وإن قيل: أُريد به: أنهم أجمعوا على قولين في هذه المسألة، وعلى قولَين في هذه المسألة، ولم يضمُّوا حكمَ إحدى المسألتين إلى الأخرى، والإجماعُ حكايةٌ عن الأمة، فلا يحلُّ أن يُحكى عنهم الجمع بين شيئين لم يتكلَّموا بالجمع بينهما، ولعلَّه لم يخطر على قلوبهم في هذه المسألة المفروضة، [و] قد
(1)
قيل بالوجوب في المسألتين في جماعة العلماء، وأظنه قد قيل بعدم الوجوب فيهما.
الثاني
(2)
: أن يقال: إن ثبتَ لك الإجماعُ على هذا التقدير على ثبوت الوجوب في الكبيرة، فأنت على أحد التقدِيْرَين تُثْبِت الوجوب في مضروب الصغيرة وحُليها، وعلى التقدير الآخر تدَّعي الإجماع على الوجوب في حُلي الكبيرة، فهذا يغنيك عن دعوى الإضافة إلى المشترك.
قوله
(3)
: (أو يقال: الوجوبُ في إحدى الصورتين راجح على الوجوب في حُلِيِّ الصبيَّة، بدليل [ق 196] الافتراق
(4)
في الحكم، والوجوبُ
(5)
في
(1)
الأصل: «قد» ، والزيادة يستقيم بها السياق، ويحتمل غير ذلك.
(2)
الوجه الأول تقدم (ص 342).
(3)
«الفصول» (ق 7 ب).
(4)
الأصل: «الإفراق» ، وكذا ما بعده، والمثبت من «الفصول» .
(5)
«الفصول» : «فالوجوب» .
المضروب من أموال الصبيَّة لا يخلو إما أن يكون
(1)
ثابتًا أو لم يكن، فإن كان ثابتًا فظاهر، وإن لم يكن فلا يترجَّح على النقض، فيترجَّح الفرعُ عليه حينئذٍ
(2)
).
هذا الجوابُ يعودُ إلى الجواب الأول الذي ذكره. وحاصِلُه: أن الوجوب في إحدى الصورتين ــ الأصل والفرع حُلي البالغة أو مضروبها ــ راجحٌ على الوجوب في حُلي الصبيَّة؛ لأنَّ الوجوبَ في الأصل راجحٌ على الوجوب في حُليها بالإجماع، بدليل الافتراق في الحكم، ويَصْدُق عليه أنه إحدى الصورتين، وإنما أبهمه
(3)
لغرضٍ له، وهو: أن يقيس على القدر المشترك بين الأصل والفرع؛ لأن عنده الفرق بين صورة النقض وبين كلِّ واحد من الصورتين ــ صورة الأصل والفرع ــ ثابت.
ثم قال: «والوجوب في مضروب الصبية إن كان ثابتًا فظاهر» ، يعني: أنه يَمنع على هذا التقدير الوجوب في حُليها، فلا يصح النقض كما تقدَّم، وإن لم يكن الوجوب ثابتًا فلا يترجَّح على النقض؛ لأن الوجوبَ مُنْتفٍ
(4)
فيهما في مضروبها وحُليها، وإذا استويا في عدم الوجوب لم يترجَّح أحدُهما على صاحبه، فيترجَّح الفرعُ عليه حينئذٍ.
يقول: فيترجَّح الفرعُ على النقضِ حينئذٍ، قياسًا لإحدى الصورتين وهي الفرع، على الأخرى وهي الأصل، كأنه على هذا التقدير تستوي صورةُ
(1)
«الفصول» : «أن كان» .
(2)
«حينئذٍ» ليست في «الفصول» .
(3)
الأصل: «اتهمه» !
(4)
الأصل: «منتفي» .
الفَرْع
(1)
وصورةُ النقض في عدم الوجوب، وقد ثبتَ أن إحدى الصورتين راجحٌ
(2)
على صورة النقض، فتترجَّح الأخرى عليها بالقياس.
وهذا الكلامُ هو الأوَّل مع التطويل في أوَّله الذي لا حاجة إليه، فإنَّ قوله:«الوجوب في إحدى الصورتين راجح على الوجوب في حُلي الصبيَّة» ، لا يُفِيْده شيئًا، فإن رُجْحان إحدى الصورتين لا يقتضي رُجْحان الأخرى إلا بِضَمِيمة القياس، وحينئذٍ فيكون جوابُ النقض موقوفًا على صحَّةِ القياس، وصحةُ القياس موقوفةً على جواب النقض، وهذا دَوْرٌ يوجبُ بطلان الدليل، كما تقدم بيانُه
(3)
، والله سبحانه هو الهادي إلى سواءِ الصراط.
(1)
الأصل: «الفرق» ولعل الصواب ما أثبت.
(2)
كذا في الأصل.
(3)
(ص 340).