الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلامٍ مقصودُه تركيبُ عباراتٍ يُقْتَنَصُ بها الباطل أو يُفْحَمُ بها الجاهل، متى سُوْمِحَ صاحبُها في الإطلاق تمكَّن من الرواج والنفاق.
واعلم أن العموم والخصوص وإن كانا في الأصل مصدرين فقد يُوصَف بهما إمّا الفاعل أو المفعول، فيقال: هذا من الخصوص وهذا من العموم، إمّا من المعمومين والمخصوصين، وإمّا من العامّ والخاصّ.
وقول المصنِّف «العمومية»
(1)
، كأنه ــ والله أعلم ــ جعل العمومَ صفةً، ثم نسبَها على ما [ق 147] أوجبَها، كما يقال: فيه عاميَّةٌ أي حالٌ منسوبة إلى العامَّة، فجعلَه من العموم [على] تقدير «ولئن منع كونه عمومًا» أي كونه عامًّا. وهذا كلام معترض، ليس هو المقصود.
اعلم أن
منع العموم يحتمل شيئين:
أحدهما: منع عموم اللفظ العام لصور التخصيص، وهذا منعٌ صحيح يَستحقُّ الجواب، إذ اللفظ لا يثبت أنه متناول لذلك الفرد حتى يثبت عمومُه. والذي دلَّ عليه جميعُ السلف وعامَّةُ الخلف من طوائف العلماء على اختلافِ اعتقاداتِهم وتفنُّنِ عُلُومِهم، بل الذي عليه طبقاتُ بني آدم أن هذه
(1)
الأصل: «العموم» ، والمثبت يقتضيه السياق، وهو لفظ المصنف، والكلام كلّه حول تحقيق مثل هذه الكلمات.
الألفاظ المعروفة بصِيَغِ العموم دالَّةٌ عند تجرُّدِها عن القرائن على الشمول والاستغراق، ولم يُخالِف في ذلك إلّا الواقفةُ والمرجئةُ، مع أن بعض الواقفة خرجَ عنهم في صيغ العموم، وقد قال بعضُ من حرَّر قولَ الواقفة: إن متبوعهم لم يُنكِر صَيغَ العموم، وإنما أنكر أن تُستعمل الظنون في مواضع القطع، وهو إنجاز الوعيد، وهذا أجْدَر
(1)
أن يُظَنَّ بالعاقل، فإن إنكار أصل العموم كأنه خروجٌ عن عقول العقلاء. وإذا سلَّم أن اللفظ عام لم يُقْبل منه في المباحث الفقهية أن يقول: لا أسلِّم أن العموم حجة، لكن إذا أنكر العموم فعلى المستدلِّ بيان العموم ببيان أن هذه الصيغة من صيغ العموم بالنقل أو الاستعمال وغير ذلك من الطرق. وسيأتي هذا السؤال في قوله: لِمَ قلتم: إن اللفظ تناوله؟ فإنَّه إذا ثبت أن اللفظ تناولَه ثبت العموم، إذ لا معنى للعموم إلّا ذلك.
الثاني: أن يمنع عموم المعنى موارد الاستعمال اسم التخصيص، وهو المقصود هنا، بأن يقال: لا أسلِّم أنَّ عدمَ الإرادة مع تناول اللفظ معنًى يعمُّ صورَ التخصيص، بل جاز أن يكون موجودًا في بعض صور التخصيص دون بعض.
فيقال له: هذا المعنى ثابتٌ في كل صورةٍ من
(2)
الصور التي يُستعمل فيها لفظ التخصيص، لأن التخصيص ليس ثابتًا بدونه بالأدلة [المقتضية]
(3)
للتخصيص، وإذا لم يثبت التخصيص مع عدمِه فحيثُ
(1)
الأصل: «انحدر» !
(2)
الأصل: «بين» .
(3)
بياض في الأصل بقدر كلمة.
تحقق التخصيص تحقَّق هذا المعنى، ولا معنى لعمومه موارد التخصيص إلّا هذا.
وإن شئتَ قلتَ: لأنه لو لم يكن ثابتًا لم يثبت لفظ التخصيص، لأن التخصيص على خلاف [ق 148] الأصل، فهو منفيٌّ بالموجب للعموم وباستصحابِه الحالَ، فلو لم يكن المعنى الذي ذكرناه من عدم الإرادة مع التناول ثابتًا في الموضع الذي يقال له تخصيص ــ إمّا بأن تكون الإرادة حاصلةً أو بأن لا يكون التناول حاصلًا ــ لم يثبت التخصيص للأدلة الدالّةِ على نفيه السالمةِ عما يُعارِضُها. وهذا الجواب يختصُّ بهذا الموضع وما أشبَهه من المواضع التي تكون على خلاف الأصل.
ويمكن أن يُجعَل عامًّا، بأن يقال في كل معنًى يُدَّعى عمومُه مواردَ الاستعمال: اللفظ غير ثابت بدون هذا المعنى بالأصل النافي، لأن الأصل عدم استعمال اللفظ فيما عدا صور هذا المعنى، لأن الاستعمال كان معدومًا، والأصل بقاء ما كان على ما كان. وإذا كان اللفظ غير ثابت بدون هذا المعنى، فحيثُ ما كان اللفظ فقد وُجِدَ المعنى العام، فيكون المعنى عامًّا.
هذا تقريرٌ ثانٍ لأنَّ المعنى المذكور عامٌّ لموارد الاستعمال، يقول: لأنّ التخصيص غير ثابتٍ بدونِه في نفس الأمر، فهو لازمٌ للتخصيص، فيكون عامًّا له بالضرورة، لأن اللازم عامٌّ لصور الملزوم، وإنما قلنا ذلك لأن أحد الأمرين لازم: إمّا عدمُ النصّ العام أو تحقّق موجبه بالضرورة أو بالنص، نقول: إن الضرورة أو النصّ تحقق أحد الأمرين: عدم العام أو موجب العام،
لأنه إن لم يكن العام موجودًا فقد تحقَّق أحدُهما بالضرورة، وهو عدم العام، وإن كان موجودًا تحقَّق موجبُه بالنصّ، لأنّ النصّ العام يقتضي تحقُّقَ موجبه، فيكون النصّ محقِّقًا لأحدهما، وأيُّهما تحقَّق لزمَ عدمُ التخصيص، لأنه إن تحقَّق عدمُ العام فلا تخصيص، وإن تحقق موجبه فلا تخصيص.
واعلم أنّ هذين التقريرين فاسدان:
أما الأول فمن وجوه:
أحدها: قوله «التخصيص غير ثابت بدونه» قلنا: هذا حكمٌ على التخصيص بعدمِه عند عدمِ هذا المعنى، والحكم على الشيء فرعُ تصوُّرِه، وكلامنا في تصوُّرِ اسمِ التخصيص وحَدِّ هذا اللفظ بحسب اللغة والاصطلاح، فلا يخلو إمّا أن يكون اسم التخصيص مما قد عُرِف معناه ومفهومُه، أو لم يكن قد عُرِف، فإن كان قد عُرِفَ فلا حاجة إلى الاستدلال عليه، كيف والخصمُ قد نازعَ فيه! وإن لم يكن قد عُرِف لم يجز الحكمُ عليه بعدمٍ أو وجودٍ.
فإن قلتَ: إنما أحكُم على اسم التخصيص، وذلك إنما يتوقف على تصوُّر اللفظ فقط، لا على تصوُّر [ق 149] معنى اللفظ.
قلتُ: فالأدلة النافية لا تنفي اللفظ، إنما تنفي المدلول عليه باللفظ، لأن الأدلة النافية هي المُفضِية للعموم والشمول، وهذه إنما تنفي إخراجَ بعض العام، لا تنفي أن ينطق ناطقٌ بلفظ تخصيص، وإذا كانت إنما تنفي ما هو المعنيُّ بلفظ التخصيص لم يلزم من نفي هذا المعنى نفيُ الاسم المذكور، حيث يثبت أن هذا المعنى لازم هذا الاسم، ولن يثبت أن هذا المعنى لازمٌ
لهذا الاسم إن لم يثبت، إذ
(1)
الاسم لا يثبت بدون المعنى، فلو أثبت هذا بما ذكر لأثبتَ الشيء بنفسه، وهو غير جائز.
الثاني: قوله «لا يثبت بدونه بالنافي للتخصيص» ، قلنا: هذا حكمٌ بتحقُّق النافي للتخصيص، ولا يمكن ذلك إلّا بعدَ معرفةِ التخصيص، فلو أثبتنا معرفة التخصيص بهذا لَزِمَ الدور.
الثالث: أن النافي للتخصيص إما أن ينفي إطلاق اللفظ على غير هذا المعنى، أو ينفي ما قد عَناه بالتخصيص، أو ينفيهما معًا. أما الأول والثالث فلا سبيل له، لأن ما ينفي التخصيص إنما هو المقتضي للعموم وإرادة كل فردٍ من أفراد العام، وذلك لا يتعرض لهذا اللفظ بنفي ولا إثبات، فإن إطلاقَ هذا اللفظ على ذلك المعنى أمرٌ يتبع الوضعَ والاصطلاحَ في لفظ التخصيص، وما يُوجِبُ إجراءَ العموم على عمومِه لا يتوقف على النطق بلفظ التخصيص كما ينفيه، مع كون هذا المعنى لا يتحقق بدونه لفظ التخصيص، فلا اختصاصَ للنافي للتخصيص بمطابقة اللفظ المعنى وجودًا ولا عدمًا.
وأما التقرير الثاني فنقول: قولك: «التخصيص غير ثابت بدونه» وقولك: «يلزم من تحققِ أحدِهما عدمُ التخصيص» غير معقولٍ حتى يُعقَل معنى لفظ التخصيص، فلو أثبتَّ ما يُعقَل من لفظ التخصيص بهذا لَزِم الدور.
وأيضًا فقوله: «إذا عُدِمَ هذا المعنى لزِمَ إما عدم العموم أو تحقّق موجبه» ، قلنا: هَبْ أنه كذلك، لكن من أين يلزم [من] تحقُّق أحدِهما عدم
(1)
الأصل: «إن» .