الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصلٌ في تَوْجِيْه النُّقُوض)
(1)
اعلم أن النقض في باب القياس هو: وجود الوصف المدَّعَى علةً بدون الحكم، فيقال
(2)
: قد انتقضت العلةُ، وهو خلاف انبرامها وانتظامها واطرادها؛ لأن اطرادها جريانها في معلولاتها بحيث تكون [إذا] وُجِدت وُجِد الحكم، كما يقال: البيعُ الصحيحُ موجِبٌ لانتقال الملك إلى المشتري، والقتلُ العَمْدُ العدوان المحض للمكافئ موجبٌ لثبوت القَوَد، فإذا تخلَّف الحكمُ عن وصفٍ فقد انتقض، كما ينتقض السلك بذهاب بعض حبَّاته، وكما ينتقض البناء بذهابِ بعضِ أركانه، وكما تنتقض الدُّوَل بذهاب بعض أركانها.
فالنقضُ ضدُّ الإبرام، ومنه قوله:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} [النحل: 92]، وقوله:{وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91]، وقوله:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [الرعد: 25]، وقوله [ق 174]:
(1)
«الفصول» : (ق 7 أ).
وانظر: «شرح المؤلف» : (ق 73 ب- 77 ب)، و «شرح السمرقندي»:(ق 66 ب - 68 ب)، و «شرح الخُوَارَزْمي»:(ق 66 أ- 70 ب).
ووقع في الأصل: «فصلٌ في موجبة التفويض» ! وهو خطأ وتصحيف، والتصويب من «الفصول» وشروحه.
والتوجيه في المناظرة: أن يوجِّه المناظر كلامه إلى كلام غيره، وذلك بتحقيق المناقضة بين السلف والإيجاب. انظر المصادر السابقة، و «التعريفات» (ص 69) للجرجاني، و «التوقيف على مهمات التعاريف» (ص 213) للمناوي.
(2)
في الأصل: «فقال» ولعل الصواب ما أثبت.
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}
(1)
[الرعد: 20].
ومثله النَّكْث؛ لأن العهود والعقود إنما تتم بإبرامها والوفاء بها، فإذا قُسِّمت فقد انتقضت وانتكثت.
والنقضُ يَردُ على الحدود، وعلى الأدلة، وعلى الشروط، وعلى العلل، وعلى كلِّ قضيّة كلية.
وقد اختلفَ الناسُ قديمًا وحديثًا في العلة إذا انتقضت، هل يكون ذلك دليلًا على فسادها
(2)
؟ مثل أن يقال: القتل العمد موجِبٌ للقَوَد، فيُقال: ينتقض بقتل غير المكافئ.
أو يقال: مِلْك النصاب النامي موجبٌ لوجوب الزكاة، فيقال: ينتقض بملك المدين، أو ملك الحلي، أو ملك الصبي والمجنون، ونحو ذلك مما يُسَلِّمه
(3)
.
أو يقال: الموتُ علة لنجاسة الميت، فيقال: ينتقض بما لا نفسَ له سائلة، وبموت الآدمي ــ إن سَلَّم ذلك ـ.
أو يقال: سفح الدماء موجب لطهارةِ
(4)
الجلد، فيقال: ينتقِضُ بذبح
(1)
وقع في الأصل: (والذين ينقضون الميثاق)، ولا توجد آية بهذا السياق، وأقرب ما يكون إليه ما أثبتناه.
(2)
انظر: «مجموع الفتاوى» : (20/ 167 - 169)، (21/ 335 - 357)، و «بيان الدليل» (ص 295 - 298).
(3)
أي: الخصم.
(4)
الأصل: «الظهارة» !
المجوسيِّ والمرتدِّ والمُحْرِم الصيدَ، وبالذكاة في غير المحلِّ المشروع.
وتسمَّى هذه المسألة: مسألة تخصيص العلة. فأطلقَ أكثرُ المالكية والشافعية والحنبلية وبعضُ الحنفية القولَ بأن العلة لا يجوز تخصيصُها، وأنَّ تخصيصَها ونقضَها دليلٌ على أنها ليست بعلَّةٍ تامَّة، وهو أشهر الروايتين عن أحمد
(1)
.
ثم اختلفَ هؤلاء في العلة المنصوصة على وجهين:
أحدهما: أنه يجوز تخصيصُها، فلا يكون انتقاضها دليلًا على فسادها، كتخصيص الصِّيَغ العامة.
والثاني: أنه لا يجوز تخصيصُها، وهي [إن] تخصَّصت عُلِم أن المذكور في لفظ الشارع إنما هو بعضُ العلة، وتمامها وصفٌ يُخْرج صورةَ النقض، وهذا قولُ محقِّقِيهم.
وأطلقَ أكثرُ الحنفية وبعضُ الطوائف الثلاث: أنه يجوز تخصيصُها وأنَّ انتقاضها لا يُفْسِدُها، إذا
(2)
قام الدليل على صحتها، وذكروه رواية عن أحمد.
ثم من هؤلاء من يقول: والنقضُ لا يفسدها أصلًا، ومنهم من يقول: إنما لا يفسدها إذا دلَّ دليلٌ على صحتها، أما إذا ادَّعى أنها علةً بمجرَّد المقارنة فإن الانتقاض يُفْسِدها، وهذا قول المعتبرين منهم، والأولُ لا يقوله لبيبٌ.
(1)
انظر: «العدة» : (4/ 1386) لأبي يعلى، و «التمهيد»:(4/ 69) لأبي الخطاب، و «المسوَّدة» (ص 410 - 412) لآل تيميَّة.
(2)
الأصل: «وإذا» .
وفي المسألة أقول ثلاثة أُخَر، منهم من يجعلها تفسيرًا لكلامِ الأُوَل، ومنهم من يجعلها تفسيرًا لكلام الآخرين، ويحملون إطلاقاتهم عليها، ومنهم من يجعلها أقوالًا أُخر:
أحدها: أن التخصيص لا يجوز إلا لفوات شرط، أو وجود مانع، فإذا انتقضت العلةُ فعلى المستدلَّ أن يُبَيِّن أنَّ صورةَ النقض اختصت بفوات شرط أو وجود [ق 175] مانع من ثبوت الحكم فيها، بخلاف الفرع، فإنه ليس فيه المانع الموجود.
ومن الجدليين من لا يُلزم المستدل بأن يعكس علة صورة النقض في الفرع، ولا يكلِّفه بيان عدم المانع في الفرع، لكن يكلِّف المعترضَ بيانَ وجود المانع فيه حسب وجوده في صورةِ النقض.
والأمرُ في ذلك قريب، والأول أقربُ إلى الإنصاف، وقلةِ الأسولة والأجوبة، وانضباط الكلام، وهذا القولُ ــ في الجملة ــ قولُ طوائف من الناس، حتى إن من الناس من يقول: هو قول الأئمة الأربعة، وهو قول عامَّة الجدليين المتأخرين العراقيين والخراسانيين؛ حنفيهم وشافعيهم وحنبليهم، وهو أصوب الأقوال، وعليه يُحمل ما اختلف من كلام الأئمة.
الثاني: أنه إن انعطف من صورة النقض على الوصف المشترك قَيْد لا يمنع القياس لم تفسد العلة وإلا فسدت، وهذا القول قريبٌ من الذي قبله، بل هو هو عند التحقيق.
الثالث: إن كان التخصيص لازمًا على كل قول، كاستثناء
(1)
العقل من
(1)
الأصل: «كاشفنا» !
وجوب الجناية على الجاني، واستثناء العرايا من بيع الربويّ خرصًا وبيع الرطب باليابس= لم تفسُد العلة، وإلا أفسدها، وهذا ــ كما تقدَّم ــ من الناس من يجعله متفقًا عليه
(1)
، ومنهم من صَوَّر الخلاف، وهو التحقيق.
والكلامُ في ذلك طويلٌ معروف في مظانِّه، لكن نحن نذكر أصلَيْن تَقِفُ اللبيبَ على الحق.
أحدهما: أنَّ العلة إذا انتقضت في صورة ليس بينها وبين الفرع فرقٌ، أو ليس بينها وبين بقية
(2)
الصور فرق= فلا يشك لبيبٌ أنها ليست بعلَّة حتى لو كانت منصوصةً، للعلم أن
(3)
النصَّ إنَّما بَيَّن بعضَ أوصافِ العلةِ التي يُحتاج إلى بيانها وتَرَك ذكر الباقي لظهوره والعلم به، فإنَّ كونَها عِلة أنها موجِبةٌ للحكم ومقتضيةٌ له، فإذا رأيتها قد وُجِدَت مقارِنةً للحكم تارة، ووجدناها قد وُجِدت مفارِقةً للحكم في مثل ما قارَنَتْه= عُلِمَ قطعًا أنها ليست موجِبةً للحكم ولا مقتضيةً له؛ إذ الإيجاب والاقتضاء حقيقة واحدة ومعنًى واحد لا يقبل التجزُّؤ والانقسام.
الثاني: إذا تخلَّف الحكمُ عنها في صورة من الصور، لاختصاص تلك الصورة بما ينفي الحكمَ، فإنَّ ذلك لا يمنع من اقتضائها للحُكم في صورةٍ ليس فيها ما ينافي الحكم، فإنَّ مَن قال: أكرمتُ زيدًا لِعِلْمه، أو فقرِهِ، أو رَحِمِه، ثم إنه لم يُكْرِم
(4)
مَن ساواه في العلم أو الفقر أو الرَّحِم، لفسقِه،
(1)
الأصل: «متفق عليها» .
(2)
الأصل: «نفيه» .
(3)
الأصل: «العلم أن» ، ولعل الصواب ما أثبت أو نحوه مما تستقيم به العبارة.
(4)
الأصل: «يلزم» ، والصواب ما أثبته.
أو لعداوته، أو لكفره، لم يمنع تخلُّفُ الإكرامِ في هذه الصورة أن يوجَدَ في محلٍّ وُجِد فيه العلم، أو الفقر، أو الرحم [ق 176] منفكًّا عن هذه الموانع والصوارف.
والعلمُ بذلك ضروري، لكن يبقى أن يُقال: فهل العِلَّةُ في الحقيقة مجموعُ وجودِ الصفات الباعثَة، وعدمِ الصفاتِ المانعة؟ أو العلةُ ما ينشأ منه الباعث، مع قَطْع النظر عن غيره؟
هذا محلُّ الاختلاف بين مَن يُجَوِّز تخصيصَ العلة، والأمر في ذلك قريبٌ يرجعُ إلى اختلافٍ في عبارةٍ واختلافٍ في اصطلاحٍ، لا يرجعُ إلى اختلافٍ في استدلالٍ ولا حكم
(1)
.
فمن الناس من يقول: العلةُ هي مجموع الأمور التي إذا تحقَّقَت تحقَّقَ الحكمُ، ومنهم من يقول: العلةُ هي الأمر الذي يكون وجوده مقتضيًا للحكم، بحيث يُعْقَل أن يقال: وُجِدَ هذا فوُجِدَ هذا، ولا شكَّ أن الأول يسمَّى علة، والثاني يُسَمَّى علة، والأولُ أخصُّ من الثاني، فلذلك
(2)
قيل: هو اختلافٌ في التَّعْبير.
وأمَّا الاصطلاح؛ فمن قال بالأول كلَّفَ المستدلَّ أن يحترِزَ في كلامه عن جميع الصورِ التي يتخلَّف الحكمُ فيها، بحيث لو أورَد صورةً واحدةً قد تخلَّفَ الحكمُ فيها لوجودِ مانع ونحوه عُدَّ منقطعًا. وهؤلاء لا يقبلون
(1)
وقد فصَّل المصنف رحمه الله في «بيان الدليل» (ص 295 - 297) هذه المسألة وبَسط القولَ فيها، وذكر مذاهب الفقهاء والأصوليين وأهل الجدل، بما يتطابق مع كلامه هنا.
(2)
الأصل: «فكذلك» .
الجواب عن النقض بالفرق، ولا شكَّ أن هذا وإن كان يضمُّ الكلامَ، لكن فيه تطويل عظيم في العبارة، وتضييع لمطلع النظر الذي هو مأخَذ المسألة، وتفريق للذِّهن بالاحتراز عن أمورٍ ليس تحتها فقه، وكثير من [أهل] هذه الطريقة من يقنع من المستدلّ بوصفٍ مطَّرِدٍ لا يَرِدُ عليه نقضٌ وإن لم يُقِم دليلًا على صحته. ولا شكَّ أن من قَنِع بالطَّرْد المحض فإنه لا بد أن يمَكِّن المعترض من الاعتراض بالنقض، ولا بدَّ أن يجعل النقض دليلًا على البطلان، وإلا لوضع
(1)
كلُّ أحدٍ له مذهبًا من غير دليل. وهذه الطريقة كانت هي الغالب على العراقيين وكثير من الخراسانيين في حدود المائة الرابعة وقبلها وبعدها.
ومن قال بالثاني لم يكلِّف المستدلَّ الاحتراز عن صورة النقض، لكن يكَلِّفه بيان الفرق بين
(2)
صورة النقض وبين الفرع وغيره من صور وجود الحكم، ومتى لم يُفَرِّق انقطع، وهؤلاء لا يطالبون المستدلَّ بالطَّرْد، لكن يطالبونه بما يدل على تأثير العِلَّة وصحتها، ويبقى النظرُ في الجوامع والفوارق، وأنها أحقّ بالاعتبار.
وهذه الطريقة التي اصطلح عليها عامَّةُ المتأخرين من الجدليين في عامة الأمصار، ولا شكَّ أنها أقرب إلى طريقة الأوَّلين من السلف، فإنهم لم يكونوا يُحَرِّرُون العبارات الطويلة الجامعة بين الأصل والفرع، وإنما يذكرون الجوامع والفوارق مُنَبِّهين على مآخِذ الأحكام ومشيرين إلى مدارك الشريعة.
(1)
الأصل: «ولا لوضع» !
(2)
الأصل: «في» والصواب ما أثبت.
وهي ــ أيضًا ــ أقربُ إلى طريق النظر والاجتهاد [ق 177] فإن المستدلَّ بينَه وبين نفسِه لا يحتاج إلى النظر في الأشياء الخارجة عن المقصودِ الخاصِّ بتلك المسألة، لكن آفةُ هذه الطريقة الاستدلالُ على عِلِّية المشترك بمجرَّد ما يدَّعِيه من المناسبة العامة والدوران العام، كما يفعلُه هؤلاءِ أربابُ الجدلِ المُحدَث، وأن هذا لا يُقبَل حتى يُبَيِّن أن الشارع يعتبر مثل ذلك المناسب بِعَينه في غير الأصل المقيس عليه، فإن أقرَّ أنَّ الحُكْمَ به في الأصل يعارضه تخلُّفُ الحكم عنه في صورةِ النَّقْض، فليس أن يكون علة للمقارنة في صورةٍ بأولى من أن لا يكون علة للمفارَقة في صورة أخرى، فإنَّ عدم الاقتران يدلُّ على عدم التأثير أبلغ من دلالة الاقتران على التأثير، فلا بُدَّ حينئذٍ من تحقيق المناسب، ولا يُكْتَفَى ممن يدَّعي المناسبةَ مجرَّدُ ذِكر صفة عامة تختلف
(1)
الحكم لمراتٍ متعددة.
وأما الدوران فأبعد وأبعد، فإنَّ الحكم لم يَدُر مع الوصف في جميع الصور غير صورة النزاع، ليستدل بكونه مَدَارًا في تلك المواضع على العِلِّية، فإذا رأينا الوصفَ موجودًا ولا حكم ثمَّةَ
(2)
لم يكن مدارًا.
قال الجدليُّ
(3)
: (ثم النقض قد يكون معيَّنًا مفردًا كان أو مركبًا، وقد لا يكون كذلك
(4)
).
واعلم أنَّ المعترض إذا ذكر أن الحكم متخلِّف عن الوصف المدَّعَى
(1)
كذا بالأصل. ولعلها: «تقارن» أو «تجامع» .
(2)
الأصل: «لمن» ولعل الصواب ما أثبتناه.
(3)
«الفصول» (ق 7 أ).
(4)
«كذلك» ليست في «الفصول» .
علةً، فإمَّا أن يعيِّن الصورة التي تخلَّف فيها، وإما أن يبهمها
(1)
. والثاني هو النقض المجهول ــ كما سيأتي
(2)
ــ، والأول على قسمين؛ لأنه إما أن يُنقضَ بصورةٍ يختلف الحكم فيها
(3)
والمأخَذُ واحد عند الاثنين، وإما أن ينقضَ بصورةٍ اتفقَ الحكمُ فيها مع الاختلاف في المأخذ، كحُلِيِّ الصَّبِيَّة، فإنَّ عدمَ الوجوبِ فيه عند أهل العراق لكونه مالَ غيرِ مكلَّفٍ، وعند كثير من أهل الحجاز لكونه حُلِيًّا.
وكذلك بنت خمس عشرة إذا كانت بكرًا، فإنَّ العراقيَّ يُجْبرها
(4)
؛ لاعتقاده أنها لم تبلغ، والحجازيُّ يُجبرها؛ لاعتقاده أنها بكر
(5)
.
ثم قد يكون الاتفاق في الحكم ثابتًا بنفسه مع قطع النظر عن المأخذ، وذلك بكون الحكم منصوصًا عليه، أو مجمعًا على عين تلك الصورة إجماعًا متلَقًّى عن السَّلَفِ الذين لم يُفصِحوا بالمأخَذِ، كالإجماع على أنَّ المُعْتَقة
(6)
تحتَ عبد لها الخيار، مع الاختلافِ في المأخَذِ، هل هو لكونها ملكتْ نفسَها، أو لكون الكفاءة قد سُلِبت
(7)
، وقد يكون الاتفاق في الحكم تابعًا للمأخَذ، وإنما وقع الاتفاقُ بحكم الاتفاق، وهذا هو التركيبُ الحقيقيُّ
(1)
الأصل: «يهما» .
(2)
(ص 350).
(3)
ثلاث كلمات غير بينة في الأصل، ولعلها ما أثبت.
(4)
الأصل: «يخيرها» . وهو تصحيف. ومثلها ما بعدها.
(5)
الأصل: «بكرًا» ، وانظر ما سيأتي (ص 325).
(6)
الأصل: «المتعلقة» ! وما أثبته الصواب.
(7)
غير واضحة، وهكذا استظهرتها.
كالصورة الممثَّل بها، وأما الأول [ق 178] فليس في الحقيقة بتركيبٍ.
ومن المركبات ما هو أشنع من هذا، وهو أن يجمع بين صورتين، مثل أن يقول: مسَّ ذكرَه، أو أكَلَ لحمَ الإبل فانتقضَ وضوؤه، كما لو مسَّ وقَهْقَه، أو أكَلَ لحمَ الإبل، ومسَّ النساءَ لغير شهوة.
والتركيبُ على قسمين: تركيب في الأصل ــ كما ذكرناه ــ، وتركيبٌ في الوصف.
والقياسُ المركَّب قد اختُلِف في جواز استعماله في الجدل، والمحقِّقُون لا يرضونه، وأما بناءُ الأحكام عليه فتوى وحكمًا للناظر المجتهد، فقد حكوا الاتفاقَ على المنع من ذلك.
وأما أصحاب هذا الجدل فإنهم يعنون بالنقض المفرد ما كان على أحد المذهبين، وبالنقض المركب ما كان على المذهبين جميعًا.
قال المصنف
(1)
: (أما المعيَّن؛ فمثاله
(2)
أن يقال: لا يضاف الحكمُ إلى المشترك فيما إذا قاس الحُلِيّ على المضروب بدليل التخلُّفِ في فصل اللآلئ والجواهر
(3)
؛ إذ المشترك متحقِّق، ولا حكمَ فيه).
اعلم أن النقض المعروف عند أهل الفقه والأصول والجدل إنما يكون على الوصف الذي ادعاه المستدلُّ جامعًا، وذلك إنما يكون غالبًا بعد تصريحه بالجامع، فأما إن وُجِد معنى الوصف المذكور ولم يوجد لفظُه
(1)
«الفصول» (ق 7 أ).
(2)
الأصل: «فمثال» ، والمثبت من «الفصول» .
(3)
«الجواهر» ليست في «الفصول» .
فإنهم يسمونه كسرًا، ومبناه: على أن يحذف المعترضُ لفظًا من الجامع ببيان عدم تأثيره، ثم يبين انتقاض العِلَّة بدونه.
مثال ذلك: إذا قال: مالٌ من جنس الأثمان بلغ نصابًا فوجبت الزكاة فيه كالمضروب، فهذا لا ينتقض بالحلية الجوهرية؛ لأنها ليست من جنس الأثمان، ولم يتخلَّف الحكمُ عند المستدلِّ في صورة من الصور، فإن أراد إيراد الكسر على وقوع تعسف قال: قولك: «من جنس الأثمان» لا أثرَ له لوجوب الزكاة في الماشية
(1)
، يبقى قولك:«مال بلغ نصابًا» ، وهذا منتقضٌ بالحِلْية الجوهرية. أو يقول ابتداء: هذا ينكسر باللآلئ والجواهر، على أنه لا فرق بين كسره بالحلية الجوهرية وبسائر الأموال غير الزكوية، فلا وجه لتخصيصه باللآلئ والجواهر.
على أن جوابَ هذا أن يقال: ما ذكرتَه من العلة فقد دلَّ عليها إيماءُ الشارع، بل نصُّه، ودلت عليها المناسبة. وثبوت الحكم بدونها لعلةٍ أخرى، وهو أنَّ كلَّ من ملك النصاب من جنس الأثمان ومن الماشية ومن عروض التجارة موجبٌ للزكاة، فتكون العلةُ غيرَ منعكسة، والعكسُ غيرُ واجب لجواز تعليل الحكم الواحد بالنوع بعللٍ متعددة.
إذا علمتَ هذا تبيَّن لك أن النقض في هذا المثال [ق 179] المذكور لا يَرِدُ على قياس صحيح، وإنَّما صورةُ ورود النقضِ أن يقيس القائس بجامع جُملي
(2)
، كما تقدَّم ذِكْر المصنف له في فصل القياس
(3)
بأن يقول:
(1)
الأصل: «المناسبة» تحريف، ويأتي على الصواب قريبًا.
(2)
الأصل: «حمل» ، ولعل الصواب ما أثبته.
(3)
«الفصول» : (5 أ).
الوجوبُ ثابت في المضروب فكذا في الحُلِي بالقياس عليه، بجامع ما يشتركان فيه من تحصيل المصلحة الناشئة
(1)
من الإيجاب؛ من تطهير المزكِّي، وتحصين المال، وشُكْر النِّعمة، وإغناء المحاويج، ونحو ذلك من الجوامع التي لا تختصُّ بمالٍ دون مال، ولا بحالٍ دون حال.
وقد عرفت فيما تقدم أن هذا قياسٌ فاسد، والنقضُ الذي ذكره المصنف يَرِدُ على هذا الضرب من القياس بأن يقال: لا يضاف الحكمُ إلى المشترك ــ وهو تحصيل المصالح المذكورة ــ بدليل تخلُّف الحكم عن تحصيل هذه
(2)
المصالح في فصل اللآلئ والجواهر؛ إذ المشترك وهو تحصيل المصالح بتقدير الوجوب، أو كونه سببًا لحصول المصالح بتقدير الإيجاب متحقِّق في الجوهر، والوجوبُ منتفٍ. وهذا نقضٌ صحيحٌ لمثل ذلك القياس، فإنَّ الأمرَ الجامع الذي به جَمَع المقابلة بين الأصل والفرع موجودٌ في عدة مواضع قد اقترنَ الحكمُ به في بعضها، وتخلَّف عنه في بعضها، فلو كان علة لما تخلَّف الحكم عنه؛ لأن معنى العلة هو الأمر الذي يكون موجِبًا للحُكم؛ ولأنه ليس الاستدلال على اعتبار الشرع المشترك العام لاقتران الحكم بِه في صورة، بأولى من الاستدلال على إهداره وإلغائه لانفصال الحكم عنه في صورة أخرى، بل دلالة التخلُّف على عدم كونه علةً أولى من دلالة الاقتران على كونه علة؛ لأن علة الحكم قد تقترن بها صفات كثيرة، إما أعمّ منها، أو أخص منها، أو مساوية لها غير مؤثرة في الحكم، أمَّا أنَّ الموجِب المقتضي للحكم
(1)
غير محررة. وهكذا استظهرتها.
(2)
الأصل: «هذا» .
يتخلَّف الحكم عنه لا
(1)
لمانع فهذا لا يكون أبدًا.
قوله
(2)
: (ولئن قال: لا نسلِّم بأنَّ التخلُّف مما يُخْرِج المعنى من العِلِّية، بل التخلف لا لمانع مختص؛ إذ التخلُّف لمانع مختص يصادف مطلق التخلُّف، والمانعُ المختصُّ متحقِّق في فصل اللآلئ والجواهر
(3)
، وإلا لثبتَ الحكمُ فيه.
فنقول: لا يتحقَّق، وإلا لوقع التعارض بين المقتضي والمانع حنيئذٍ، على ما عُرِف في التلازم سؤالًا وجوابًا).
اعلم أن كلامَ هؤلاء مبنيٌّ على أن تخصيصَ العلةِ لمانعٍ مختصٍّ بصورة التخصيص جائزٌ، وهذا مذهب حَسَن، فقال السائل: لا نسلِّم أن مطلق التخلُّف يخرج المعنى من العِلِّية، بل إنما يخرجه التخلفُ لا لمانع مختصٍّ بصورةِ النقض؛ [ق 180] لأنه إذا كان التخلُّف لمانعٍ مختصٍّ بصورةِ التخلف أُحِيْل التخلُّفُ حينئذٍ على وجودِ ذلك المانع، وكان في ذلك جَمْع بين الدليل المقتضي لصحةِ العِلَّة، والدليل المقتضي لعدم الحكم في صورة النقض، بخلافِ ما إذا أبطلنا العلة بالكلية، فإنَّه يكون إبطالًا لدليلِ صحة العلة، ولأن الأدلة جميعها من الأصل الموجب للحقيقة، والنافي للاشتراك والتخصيص والتقييد
(4)
والإضمار والتقديم والتأخير، والموجب لحَمْل الأمر على الإيجاب والإجزاء، وحَمْل النهي على التحريم والفساد؛ كلُّها قد
(1)
الأصل: «إلا» وهو خطأ.
(2)
«الفصول» (ق 7 أ- ب).
(3)
«الجواهر» ليست في «الفصول» .
(4)
غير محررة في الأصل.
تتخلَّف عنها مدلولاتُها لمانع ومعارضٍ= فكذلك العلة؛ لأنها دليل من أدلة الشرع، وبين العلة والدليل فرق، لكن ليس هذا موضعَ إشباعِ الكلام في ذلك.
وقوله: «إذ التخلُّفُ لمانعٍ مختصٍّ يصادف مطلق التخلف» .
كأنه ردٌّ لقوله: «التخلُّف يمنع الإضافة إلى المشترك» .
يقول: التخلُّف لا
(1)
لمانعٍ مختصٍّ يصادفُ مطلقَ التخلُّف؛ لأن وجودَ المعيَّن مستلزم لوجود المطلق، ومع هذا لا يكون مانعًا، فلا يكون مطلق التخلُّف مانعًا. هذا كلامٌ جيد.
ثم قال: «والمانع المختصُّ متحقق في فصل الجوهر» .
لأنه لو لم يكن متحقِّقًا لوجبت الزكاة فيه، عملًا بالمقتضي لوجوبها التي تقدمت الدلالة عليه.
وهذا الكلام يتوجَّه في موضع ثبتت [فيه] المناسبةُ بتأثير الوصف المناسب وحدَه في موضع آخر، أما في مثل هذه المناسبات التي توجد في صُوَرِ وجودِ الحكم وصُوَر عدمه فلا يصح؛ لوجوه:
أحدها: ما ذكرَه المصنِّف، وهو أن يقال: لو تحقق المانع في صورة التخلُّف مع قيام المقتضي فيها، لوقعَ التعارض بينهما، وتعارضُ الأدلة على خلاف الأصل، وهذا الكلام هنا جيد، بخلاف ما تقدم في التلازم، فإنَّا قد بيَّنَّا هناك أنه يلزم المستدل مثل ما يلزم المعترض، وهنا لا يلزم موجِّه النقض مثل هذا الكلام؛ لأنه يقول: عدم الوجوب في صورة التخلُّف إما أن يكون
(1)
كذا الأصل، وبحذف «لا» يصح السياق.
لعدم المقتضي، أو لوجود المانع، فإن كان لوجود المانع لزم محذور الترك، وإن كان لعدم المقتضي لم يلزم المحذور، فيكون أولى.
الثاني: أن يقال: المناسبة التي ادَّعيتها مقتضية للوجوب، وهي موجودة في الأصل وفي صورة التخلف، ومعلومٌ قطعًا أنَّ مثل هذا لا يفيدُ ظنَّ كون ذلك المناسب هو العلة [ق 181] فإن مَنْ دَخل عليه رجلان عالمان أو فقيران، فأعطى
(1)
أحدَهما ولم يعطِ الآخر، لا يمكن بمجرَّد ذلك أن يقال: إنما أَعطى هذا لكونه عالمًا أو فقيرًا، وحَرَم الآخر لمانع فيه من فِسْق أو عداوة، بل ذلك معارضٌ بأن يقال: يجوز أن يكون أعطى المُعْطَى لقرابته أو صداقته أو إحسانه إليه، لاسيما إذا عَلِم وجود هذه الأسباب المناسبة. وفي هذا الموضع، كما أن عمومَ تحصيل المصلحة مناسب، فتحصيل المصلحة من المال النامي مناسبٌ أيضًا، والحكم مقارن لخصوص هذا الوصف دون عموم الآخر.
الثالث: أن يقال: الأصل ينفي وجود المقتضي، ووجود المانع، وأنت تدَّعي ثبوتَهما جميعًا، فيكون قولُكَ مدفوعًا بالأصل النافي.
الرابع: قولُك: لو لم يكن المانعُ موجودًا لثبتَ الحكمُ في البعض، إنما يصحّ إذا ثبتَ أن المشترك العامَّ علة، وإنما يتم كونه علة
(2)
إذا علم أن التخلُّف إنما هو لمانع، فلو استدللنا على كون التخلف لمانع بكون المشترك علةً لزم الدور؛ لأنَّا لا نعلم العلة.
(1)
الأصل: «أعط» !
(2)
مكانها في الأصل بعد «التخلّف» وهو خطأ من الناسخ، وهذا مكانها الصحيح.
فلئن قال: المناسبةُ دليلُ العلة.
قلنا: إنما تكون المناسبة دليلًا مع الاقتران، وإنما يتم الاقتران إذا لم يتخلَّف الحكم إلا لمانع، فعاد الدورُ جَذَعًا
(1)
.
الخامس: أن يقال: المناسبة والتخلُّف دليلان على عدم العِلِّية؛ لأن الإيجاب ضرر، والمناسبة مع الاقتران دليل واحد على الإيجاب، والعمل بدليلين أولى من العمل بدليل واحد.
فإن قال: لا أُسَلِّم ثبوتَ المناسب لعدم الوجوب، لئلا يلزم التعارض.
قيل: المعارض
(2)
لازم على ما ادَّعيتَه وعلى ما ادعيناه، ونفي رجحان الدليلين من جهتنا.
قوله
(3)
: (وكذلك إذا ادَّعى الحُكم في النقض على تقدير الإضافة، والخصمُ يمنعه).
معناه: أن المستدلَّ يدَّعي الحُكم في صورة النقض بتقدير إضافة الحكم إلى المشترك بين الصُّوَر ــ أعني: الأصل والفرعَ وصورة النقض ــ والحكم يمنعه الخصمُ
(4)
مطلقًا بأن يقول: الحكم في صورة النقض إما أن يكون مضافًا إلى المشترك أو لا يكون مضافًا، فإن لم يكن مضافًا إليه لم يلزم النقض، وإن كان مضافًا امتنع الحكم على هذا التقدير، ولا يلزمني
(1)
الأصل: «خدعا» والصواب ما أثبتناه.
(2)
كذا، ولعل الصواب:«التعارض» .
(3)
«الفصول» (ق 7 ب).
(4)
الأصل: «الحكم» والصواب ما أثبتناه.