الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتناوبان في الحكايات حتى أتى أحدهما بِبِدْع من الأكاذيب، فأعجزَ الآخر عن معارضته.
وحَسْبُك بمن يكون فَلْجُه وظهورُه بالاقتدار على الاختلاق والحذق في الافتراء، و
سبيل هذه الدعاوى أن تُقَابل بالمنع الصحيح
من غير معارضة، فإنَّ المبْطِل [لا] يجوز أن يُقَابَل بباطِل مثل باطله، بل بِدَفعِ باطِلِه، إما لعدم ما يصححه، أو ببيان
(1)
ما يُفْسِده.
نعم قد يُعارَض بمثل باطِلِه ليستبين له أن الذي جاء به باطل لمجيئه بالنقيضين، فيُقال لمن ادَّعى إرادة الحقيقة، أو إرادة صورة النزاع: لا نسلِّم جواز إرادة أحدهما، أو لا تقدر على دفع هذا المنع إلا ببيان جواز إرادتهما، وحينئذٍ فذلك يدلُّ على إرادة صورة النزاع من غير ترديد، وكذلك إذا ادَّعى إرادة أحدهما على تقدير غير واقع عنده، قيل له: لا نُسَلِّم إرادة أحدهما، ولا تَقْدر على دفع هذا المنع إلَّا ببيان أنه لا بد من إرادة أحدهما على هذا التقدير، ولا يمكنه ذلك إلا ببيان جواز إرادة أحدهما، وهو محلّ النزاع مثلًا، وذلك الدليلُ مُغْنٍ له عن هذا الترديد.
فإن قيل: في هذا التقدير له فائدة، وهو أن يقول: إنما أُسَلِّم أن الحقيقة أو صورة النزاع غير مرادة إذا كان هذا التقدير منتفيًا، ويلزم من انتفائه ثبوت المدَّعى إما بتقدير أن هذه النصوص لم يرد منها صورة النزاع، فلا أُسَلِّم أن أحدَهما غير مراد.
قيل له: الإجماع النافي للحقيقة قول غيرك، وهو ثابت على كلِّ تقدير
(1)
الأصل: «لبيان» ولعل الصواب ما أثبت.
لا ينافيه، فإنَّ المُجْمِعِين الذين أجمعوا أن الحقيقة ليست مرادة لم يخصُّوا ذلك بما ذكَرْته من التقدير، وليس الإجماع قولك حتى تتصرَّف فيه [ق 267]. وأما كونك تمنع عدم إرادة كلٍّ منهما فإنّ
(1)
هذا المنع لم يضرّنا، لأنَّا لم نستدلَّ بشيءٍ، ولكن أنت المستدلّ، فعليك بيان لزوم أحدهما، إما في نفس الأمر، أو على هذا التقدير، وأنت لا تقدر على ذلك إن قَدَرْت عليه إلا بما يُغنيك عن هذا الترديد. ثم إنه يمكن أن يُعارض هذا بما هو من نوعِه، بأن يدَّعي إرادة الحقيقة، أو عدم إرادة صورة النزاع، على تقدير انتفاء ملزومٍ من ملزوماتِ عدمِ الحكم بأن يقول: أحدُهما مراد على تقدير عدم انتفاء عدم الذم عمن لم يُزَكِّ الحلي، وانتفاء عدم وجوب ضمِّه إلى المضروب، أو تقدير عدم إرادة عدم الحكم من قوله:{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«لا ضَرَرَ ولا ضِرار»
(2)
فإن هذا التقدير [إن] لم
(1)
الأصل: «فإنَّا» .
(2)
هذا الحديث جاء من طريق جماعة من الصحابة.
فجاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أخرجه الدارقطني: (3/ 77)، والحاكم:(2/ 57)، والبيهقي:(6/ 69).
قال الحاكم: «صحيح الإسناد على شرط مسلم» ، ولم يتعقبه الذهبي. وفيه نظر.
وجاء من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخرجه أحمد: (5/ 55 رقم 2864)، وابن ماجه رقم (2341)، والدارقطني:(3/ 228)، والبيهقي:(6/ 69). وفي سنده جابر الجُعْفي، وهو ضعيف، ومنهم من اتهمه.
وروي من حديث عائشة وعبادة بن الصامت وأبي هريرة، وبمجموع طرقه وشواهده حسَّنه النووي في «الأربعين» برقم (32) وابن الصلاح، وابن رجب في «جامع العلوم والحكم»:(2/ 210). وهذا الحديث استدل به الإمام أحمد، وتقبَّله جماهير أهل العلم، وذكر أبو داود أنه من الأحاديث التي يدور الفقهُ عليها.
وذكر ابن عبد البر في «التمهيد» : (20/ 158) أن هذا الحديث لا يستند من وجهٍ صحيح، إلا أنه صحيح من جهة المعنى، وذكر ما يشهد له.
وانظر «نصب الراية» : (4/ 384 - 386)، و «السلسلة الصحيحة» رقم (250).
يكن ثابتًا فقد لزم إرادة عدم الحكم من هذا النص، ولزم انتفاء عدم
(1)
ذم المزكّي، فيثبت عدم ذمّه، فلا يكون الوجوب حاصلًا، وإن كان ثابتًا فقد لزم أحدهما.
قوله
(2)
: (وإن كان كلُّ واحدٍ من الأمرين محتمل الثبوت والانتفاء، فلا حاجة إلى هذا التكلُّف، وكذلك إذا كان أحدهما منكرًا).
حاصله: أنه إذا كان أحد الأمرين اللذين كل منهما محتملُ الثبوت والانتفاء، أو كان أحدهما منكرًا، بأن يدَّعي إرادة صورة النزاع، أو إرادة نوعٍ مُقَيَّد تدخل فيه صورةُ النزاع، أو يدَّعي إرادة صورة النزاع، أو إرادة ما يلزم منه الحكم في صورة النزاع= كان أحدهما منكرًا، وتكون الحقيقة ممكنة الإرادة، فيدَّعي إرادتَها، أو إرادة صورة النزاع، فإنَّ كلًّا منهما ــ من الحقيقة ومن صورة النزاع ــ ممكن الثبوت والانتفاء، فلا يحتاج أن يتكلَّف دعوى ذلك على تقدير غير واقع يلزمُ من وقوعه الحكمُ في صورة النزاع، بحيث يثبت المدَّعى على ذلك التقدير وعلى عدمه.
* * *
(1)
كذا في الأصل.
(2)
«الفصول» : (ق/10 أ).
(فصل
(1)
ثم الأمرُ هو اللفظ الدالُّ على طلبِ الفِعْل بطريقِ الاستعلاء)
هذا الرسمُ للأمر قريبٌ.
وقد قيل: هو طلبُ الفِعْل بالقول على وجه الاستعلاء.
وهذا الحدُّ أجَوْدُ من حَدِّه؛ لأنه جعل الأمر اسمًا لنفسِ اللفظ الدالِّ على الطلب الاستعلائي، ومعلومٌ أن المدلول غير الدالِّ، فيكون الطلب خارجًا عن حقيقةِ الأمر.
ومن قال: «هو طلب الفعل بالقول» جعلَ الطلبَ القوليَّ الاستعلائي هو الأمر، وهذا أَجْود؛ لأن هنا ثلاثة أشياء:
أحدها: الطلب القائم
(2)
بقلب الطالب الذي لا يتبدَّل بتبَدُّل العبارات.
والثاني: اللفظُ الدالُّ عليه.
والثالث: مجموعُ الأمرين.
وقد قيل: إن الأمر اسم لذلك الطلب من حيث هو كذلك، وقال: هذا
(3)
هو اسم اللفظ.
(1)
«الفصول» : (ق/10 أ).
وانظر «شرح المؤلف» : (ق/94 ب- 96 أ) و «شرح السمرقندي» : (75 ب- 76 أ)، و «شرح الخوارزمي»:(ق/87 أ- 89 أ).
(2)
الأصل: «القديم» تصحيف.
(3)
هكذا قرأتها. ولعلها: «بعضهم» .
والصوابُ الذي عليه الفقهاء وجماهير أهل العلم: أنه اسم للمجموع، وكذلك كل اسم لنوع من أنواع الكلام، مثل النهي والخبر، أو لجميعه كالكلام [ق 268] والقول، أو لمفرداته كالاسم، فإن هذه الأسماء لا يستحقُّها مجرَّدُ الألفاظ مع قطع النظر عن معانيها، ولا المعاني مع قطع النظر عن الألفاظ، وإنما يستحقُّها اللفظ المتضمِّنُ للمعنى، والمعنى المتضمِّن اللفظَ، وهو كالجسد
(1)
والروح للإنسان، أو كالبطانة والظهارة للجبَّة، فإنَّ الاسم لا يستحقه في الأصل أحد هذين.
قوله
(2)
: (ولئن منع فنقول: هذا أو اللازم أَمْرٌ بالنقل، فإنه يدلُّ على كونِ أحدهما أمرًا، أو يقول: اللازم [لا يخلو]
(3)
إما أن كان أمرًا، أو لم يكن، فإن كان أمرًا فظاهر، وإن لم يكن أمرًا
(4)
يكون ذلك أمرًا بالدليلِ السالم عن معارضة كون اللازم أمرًا).
يقول: إذا ادَّعى المستدل أن هذا مأمور به، أو أن هذا القول يدلُّ على الأمر فمنع ذلك، قال هو:«الأمر اللفظ الدال على طلب الفعل بطريق الاستعلاء» ، وهذا القول كذلك، فإن منَعَ ذلك قال: هذا اللفظ أو لازم هذا اللفظ أمر بالنقل عن أهل اللغة، فإنَّ عباراتهم في بيان الأمر يدل على أنه هذا، أو هو أمر لازم لهذا، كقول من يقول: هو اقتضاء طاعة المأمور بفعل المأمور به، أو هو صيغة «افعل» وما يقوم مقامها إذا تجرَّدَت عن القرائن، أو
(1)
الأصل: «كالحر» !
(2)
«الفصول» : (ق/10 أ).
(3)
من «الفصول» .
(4)
سقطت من «الفصول» .