الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا ظاهر على أصل من يقول: إن في الحادثة حكمًا معينًا على
(1)
المجتهد طلبُه، كما هو قول جماهير الفقهاء وعامة السلف.
وكذلك من قال: ليس فيها حكم مُعَيَّن، فإن عنده على المجتهد اتِّباع ما يغلب على ظنِّه، فهو مقيَّد بالأدلة والأمارات غير مطلق في الآراء والاختيارات.
وكذلك من قال: عليه طلب الأشبه بالحق، وإذا كان كذلك فإن كان معنى الكلام نهيًا لم يجز أن ينهى عما ليس من أفعالنا، وإن كان نفيًا فليس من إخبارنا بأن الله إذا حَكَم بحكمٍ لم يكن في ذلك الحكم ضررٌ ولا إضرار أيُّ
(2)
فائدة؛ لأن هذا أمر معلومٌ علمًا ظاهرًا أن الله سبحانه لم يضر عباده بدينه وشرعه.
الوجه الرابع:
لا يجوز أن يُراد به نفي الإيجاب أو التحريم
؛ لأن الإيجاب أو التحريم ليس بضرر ولا إضرار، إذ لو كان ضررًا أو إضرارًا= لكان الله سبحانه إذا أوجب شيئًا أو حرَّمه فقد حكم في دينه بالضرر والإضرار، ولكانت الرسل إنما بُعِثت بالضرر والإضرار؛ لأن أكثر الشرائع إنما هي إيجاب أو تحريم، ولكان دين الله وشرعه عامته ضررًا للخلق وإضرارًا بهم، ولكان تَرْكُ إنزال القرآن وترك بعث الرسل دفعًا للضرر والإضرار، فيكون ذلك أقربَ إلى رحمة الخلق ونفعهم، ويكون ترْك الناس كالبهائم
(3)
يفعلون ما يشتهون أنفع لهم وأصلح وأقرب إلى رحمتهم
(1)
الأصل: «عن» ولعل الصواب ما أثبتّ.
(2)
رسمها قريب من «ليس» ولعل الصواب ما أثبت.
(3)
بعده في الأصل «ثم» ! وكأنه تكرار للجزء الأخير من الكلمة قبلها.
وتكميلهم واستقامة أمورهم من تقييدهم بقيود الأمر والنهي. ولكان الرسول لم يُبْعَث رحمةً للعالمين؛ لأنَّه بُعِث بالضرر والإضرار، ولكان الشارع قد أراد العُسْر، ولم يُردِ اليُسْر؛ لأنه إنما أتى بالضرر والإضرار، ولكان المنزل من القرآن ليس شفاءً ورحمةً للمؤمنين، إلى غير ذلك من اللزوم
(1)
التي يقشعر منها الجلد، بل هي كفر واضح قد أجمعَ المسلمون على بطلانها، بل قد دلَّت القواطِعُ السمعيةُ والعقلية على انتفائها، فَعُلِمَ أن الإيجاب والتحريم ليس بضرر ولا إضرار، فبطل دخوله في العموم.
الوجه الخامس: أن الإيجاب والتحريم ليس بداخل في الحديث؛ لأنه لو كان داخلًا لاكتفى بقوله: «لا ضرر» ، أو بقوله:«لا إضرار» ؛ لأن أحد اللفظين يدلُّ على انتفاء ذلك، كما يدلُّ عليه الآخر، فإعادة اللفظ في مثل ذلك تكرير محض، ولا يُقال: ذلك توكيد؛ لأن التوكيد نوعان:
أحدهما: إعادة اللفظ بعينه كقوله: «والله لأغزونَّ قريشًا، والله لأغزونَّ قريشًا، والله لأغزونَّ قريشًا»
(2)
، وقوله: «عدَلَت شهادةُ الزُّورِ الإشراكَ
(1)
كذا ولعل الصواب: «اللوازم» .
(2)
أخرجه ابن حبان «الإحسان» رقم (4343)، وأبو يعلى في «مسنده»:(3/ 143)، والطبراني في «الكبير» رقم (11742)، والبيهقي:(10/ 47) وغيرهم من طرقٍ عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.
وأخرجه أبو داود رقم (3286)، والبيهقي:(10/ 48) من طرقٍ عن سماك عن عكرمة مرسلًا.
ورواية سِماك عن عكرمة مضطربة، ورجَّحَ الحفَّاظ الإرسال، كأبي حاتم كما في «العلل»:(2/ 138) لابنه، وابن عدي في «الكامل»:(2/ 330)، وغيرهم. انظر:«نصب الراية» (3/ 302)، و «التلخيص الحبير»:(4/ 184).
بالله»
(1)
مرتين أو ثلاثًا، وقوله في تعديد الكبائر:«ألا وقَوْل الزُّور، ألا وشهادة الزُّور» فما زال يكرِّرُها حتى قلنا: ليته [ق 283] سكت
(2)
، وهذا كثير في كلامه صلى الله عليه وسلم، فإنه كان إذا تكلَّم بكلمةٍ أعادها ثلاثًا، وإذا سلَّم على قومٍ سلم عليهم ثلاثًا
(3)
. فلو قصد هذا لقيل: لا ضرر، لا ضرر
(4)
.
والثاني: توكيد المعنى الأول بما يزيل عنه شبهة بأن يكون المؤكِّد أنصَّ على المقصود من المُؤكَّدِ، كقوله:{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص: 73]، وقولهم:«جاءَ زيدٌ نفسُه» ، ونحو ذلك، وهذا أيضًا منتفٍ هنا؛ لأنه ليس في أحد اللفظين من الدلالة
(5)
على نفي الإيجاب أو التحريم ما ليس في الآخر.
الوجه السادس: أن المقصود بهذا الحديث نفي الضرر والإضرار في أفعال العباد، لا في أحكام الله؛ لأنه إذا قصد الأول كان الحديث باقيًا على عمومه، سواء قصد به النهي أو النفي، فإنه لا يحلُّ لأحدٍ أن يفعل ضررًا ولا
(1)
أخرجه أحمد (31/ 194 رقم 18898)، وأبو داود رقم (3599)، وابن ماجه رقم (2372) وغيرهم من حديث خُرَيم بن فاتِك رضي الله عنه وسنده ضعيف.
وأخرجه أحمد: (29/ 145 رقم 17603)، والترمذي رقم (2299) وغيرهما من حديث أيمن بن خُريم بن فاتك.
قال الترمذي: «حديث غريب» . وأيمن بن خُريم مختلف في صحبته، وفيه أيضًا: فاتك بن فضالة مجهول.
(2)
أخرجه البخاري رقم (2654)، ومسلم رقم (87) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(3)
كما في حديث أنسٍ رضي الله عنه عند البخاري رقم (95).
(4)
الأصل: «لا ضرر ولا إضرار» والسياق يقتضي ما أثبتناه.
(5)
الأصل: «الدالة» !