المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في التنافي بين الحكمين) - تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌[فصل في التلازم]

- ‌جوابُه من وجهين:

- ‌ كلُّ تقديرٍ لا ينشأ منه قيامُ مقتضٍ ولا نفيُ معارضٍ فإنه غير مفيد

- ‌ معارضة المستدلّ بما ينفي التلازم على وجوهٍ كثيرة

- ‌ كلام المستدلّ إنما يصحّ إذا كان قد بيَّن التلازمَ بطريقٍ صحيح

- ‌(فصل في الدوران)

- ‌ الدوران يفيد كونَ المدار علةً للدائر، بشرطِ أن لا يُزاحمه مدارٌ آخر

- ‌ المثال الذي ذكره صاحبُ الجدل غيرُ مستقيم أن يحتج فيه بالدوران

- ‌ تخلُّف العلّيةِ مع وجود الدوران كثيرٌ لا يُحصَى

- ‌[فصل في القياس]

- ‌ أكثر الأفعال تجتمع فيها الجهات الثلاث

- ‌ كيف يجوز تعليلُ أحكام الله بالمصالح

- ‌معنى قولنا: «إنه يفعل لا لغرضٍ ولا لداعٍ ولا لباعثٍ»

- ‌ المصالح إنما تكون مصالح إذا تجردت عن المفاسد أو ترجحتْ عليها

- ‌ إثباتَ العلّة بالمناسبة أقوى من إثباتها بالدوران

- ‌ هذا الكلام يقدح في القياس القطعي والظني، وما قَدَح فيهما فهو باطلٌ

- ‌ ثبوت المشترك له ثلاث(2)اعتبارات:

- ‌ مناقشة جدلية

- ‌ الدعاوي إذا تعدَّدت لم ينفع تعدُّدها أن يكون الدليلُ على كلٍّ منها غيرَ الدليل على الأخرى

- ‌ الجدل الباطل لا يُفلِحُ فيه مَن سَلكَه استدلالًا وسؤالًا وانفصالًا

- ‌ قَويَّ العمومِ مقَدَّمٌ على ضعيف القياس، وقويّ القياسِ مقدَّم على ضعيف العموم

- ‌ الشارع لا يُخصِّص العام حتى يَنْصِبَ دليلًا دالًّا على عدم إرادة الصورة المخصوصة عقليًّا أو سمعيًّا أو حسّيًّا

- ‌ التخصيص مشتملٌ على أمر وجودي وعدمي

- ‌الدليل يجوز أن يكون عدميًّا باتفاق العقلاء

- ‌ لفظ المصدر يدلُّ على تمام المقصود

- ‌ منع العموم يحتمل شيئين:

- ‌ المرجع في ذلك إلى استقراء صور الاستعمال

- ‌(فصل في تعدية العدم)

- ‌ تقريرُ كلامِه

- ‌(فصلٌ في تَوْجِيْه النُّقُوض)

- ‌ توجيهٌ ثانٍ للنقض

- ‌(فصل في النقض المجهول

- ‌ اقتضاءَ العلةِ المعلولَ أمرٌ فطريّ ضروري

- ‌ صحَّة الحكم لا يستلزم صحةَ الدليل المعيَّن

- ‌ أصل هذا الفساد: دعوى التلازم بين مسألتين لا مناسبة بينهما

- ‌(فصل

- ‌الواجب في مثل هذا الكلام أن يُقابل بالمُنُوعِ الصحيحة

- ‌(فصل

- ‌ صورة أخرى للجواب عن المعارَضَةِ بالقياس المجهول

- ‌(فصلٌ في التنافي بين الحُكمَين)

- ‌ التنافي إذا صحَّ بطريقٍ شرعيٍّ فإنه طريق من الطرق الصحيحة كالتلازم

- ‌ الطرق الصحيحة في تقرير التنافي

- ‌يُسْتَدل على التنافي بالأدلة المعلومة في كل مسألة

- ‌بيانُ ذلك من وجهين:

- ‌الأمرُ الاتفاقي لا يدلُّ على التنافي؛ لجواز تغيُّر الحال

- ‌(فصل في التمسُّكِ بالنص، وهو الكتابُ والسنة)

- ‌النصُّ له معنيان

- ‌جميعُ وجوه الخطأ منفيةٌ عن الشارع

- ‌أحدها: دعوى إرادة الحقيقة إذا لم ينعقد الإجماع على عدم إرادة الحقيقة

- ‌العمومات على ثلاثة أقسام:

- ‌(الثاني(3): دعوى إرادة صورة النزاع

- ‌(الثالث: دعوى إرادة المقيد بقيدٍ يندرج فيه صورة النزاع

- ‌(الرابع: دعوى إرادة شيء يلزمُ منه الحكم في صورة النزاع)

- ‌ معارضة الدعوى الرابعة

- ‌(فصل

- ‌ مُدَّعي الإرادة لا بدَّ أن يبين جواز الإرادة

- ‌سبيل هذه الدعاوى أن تُقَابل بالمنع الصحيح

- ‌ الاستدلال بالأمر على الوجوب له مقامان:

- ‌فصلُ الخطابِ في هذه المسألة:

- ‌ الشرائع لم تشتمل على قبيح

- ‌لا يجوز أن يراد به نفي الأحكام الشرعية

- ‌ لا يجوز أن يُراد به نفي الإيجاب أو التحريم

- ‌ لا يصح اندراج الإيجاب أو التحريم فيه إلا بإضمار الأحكام

- ‌(فصلٌ في الأثر)

- ‌(فصلٌ في الإجماع المركَّب)

- ‌ التركيب المقبول فُتيا(4)وجدلًا

- ‌(فصلٌ في الاستصحاب)

- ‌ الاستصحاب في أعيان الأحكام

- ‌الطريق الثاني في إفساده:

- ‌الطريق الثالث لإفساده:

الفصل: ‌(فصل في التنافي بين الحكمين)

(فصلٌ في التنافي بين الحُكمَين)

(1)

اعلم أنَّ التنافي عكس التلازم؛ لأنه عبارة عن كون الشيئين بحيث كلٌّ منهما ينفي الآخر ويمنعه ولا يجامعه، وهو التضاد والتنافي والتعاند والترديد والتقسيم والشرطيّ المنفصل

(2)

.

(1)

هذا الفصل مكانه في «الفصول» : (ق/3 أ)، وفي جميع شروحه: في أول الكتاب بعد (فصل التلازم)، وهو المناسب من جهة المعنى إذ التنافي عكس التلازم. والذي وقع هنا في كتاب شيخ الإسلام ذِكْر هذا الفصل بعد فصل المعارضة بالقياس المجهول، وقبل فصل التمسُّك بالنص.

ولم نجد للشيخ أيَّ إشارة إلى هذا الأمر؛ هل وقع باجتهادٍ منه لمناسبة يراها، أو وقع له هكذا في نسخته التي نقل منها «الفصول» أو غير ذلك؟ وعليه فقد أبقينا هذا الموضع على النحو الذي وصل إلينا، ولم نتصرف فيه بتقديم أو تأخير.

وانظر: «شرح المؤلف» : (ق/51 أ- 54 أ)، و «شرح السمرقندي»:(ق/52 أ- 54 ب)، و «شرح الخوارزمي»:(ق/33 أ- 38 ب). ووقع في شرح المؤلف والخوارزمي «بين الشيئين» .

(2)

قال شيخ الإسلام في «الرد على المنطقيين» (ص 205): «وأما الشرطي المنفصل، وهو الذي يسميه الأصوليون «السبر والتقسيم» ، وقد يسميه أيضًا الجدليون «التقسيم والترديد» فمضمونه الاستدلال بثبوت أحد النقيضين على انتفاء الآخر، وبانتفائه على ثبوته، أو الاستدلال بثبوت أحد الضدين على انتفاء الآخر، وبانتفائه على ثبوته، أو الاستدلال بثبوت أحد الضدين على انتفاء الآخر

» اهـ وانظر أيضًا (ص 295، 376)، و «درء التعارض»:(2/ 278).

وفي تعريف التقسيم انظر أيضًا: «العدة» : (4/ 1415)، و «الواضح»:(1/ 472 و 2/ 69) لابن عقيل، و «كتاب الجدل» (ص 304) له، و «إحكام الإحكام»:(4/ 329) للآمدي.

ص: 397

وأصلُ اللفظ: أن يكون كلٌّ منهما ينفي الآخر كالضدين؛ لأن التنافي تفاعُلٌ من النفي، فأصله أن يكون كلٌّ منهما يفعل مع الآخر مثل ما يفعل الآخرُ معَه، فيكون معناه عدم اجتماعهما قط، فعلى هذا أيُّ المتنافيين تحقَّقَ انتفى الآخر، ولا يجوز أن يكون النفي من أحد الجانبين دون الآخر؛ لأن أحد الشيئين متى نُفِيَ الآخر لم يجتمع معه، فلو فرَضْنا تحقُّقَ المنفيِّ امتنع تحقُّقُ النافي، وإلا لاجتمع مع المنفيِّ، وهو خلاف المفروض

(1)

، وكذلك لو تحقَّق النافي امتنع تحقق المنفي

(2)

، بخلاف اللزوم فإنه قد يتحقَّق اللازم بدون ملزومِه؛ لأن مقتضى اللزوم إنما هو وجودُه مَعَه، فيجوز وجوده بدونه، لأن ذلك لا ينافي وجوده معه، وأما النَّفي فمقتضاه عدم الاجتماع، فيمتنع اجتماع الوجُوْدَين.

ثم التنافي على ثلاثة أقسام؛ لأن المُنَافي إما أن ينافي الآخر وجودًا فقط، أو عدمًا فقط، أو وجودًا وعدمًا. فإن تنافيا وجودًا وعدمًا فهو الذي يُقال له: الشَّرْطيُّ المنفصلُ الحقيقيُّ الانفصال [ق 224] إذا صيغ التنافي بصيغة الشرط، ويقال فيه: استثناء عين كلِّ واحد من الأقسام يُنْتِج نقيضَ الآخر، واستثناء نقيضِه يُنْتِج عينَه، فله في الأصل أربعة استثناءات

(3)

، وهو الذي يقال له: مانعُ الجمع والخلوِّ، أي يمنعُ اجتماعَ القِسْمَين، ويمنع خلوَّهما، وربَّما عُبِّر عنه بالمتناقِضَين، وإن كان التناقض في الأصل عبارةً عن الإثبات والنفي؛ لأنه متى انحصر الأمرُ في قسمين فلا بدَّ من إثبات

(1)

في الأصل: «العروض» .

(2)

في الأصل: «النافي» ولعل الصواب ما أثبت.

(3)

الأصل: «أربع» . وانظر: «الرد على المنطقيين» (ص 205 - 206).

ص: 398

أحدهما ونفي الآخر، كما يُقال: العددُ إما شفع وإما وتر، والماءُ إمَّا طاهر وإمَّا نجس، والعباداتُ والعقودُ إمَّا صحيحة وإما فاسدة أو باطلة، وهذا الفعل إمَّا حلالٌ وإمَّا حرام، والخبر إمَّا صدق وإما كَذِب، وهذا إمَّا موجودٌ أو معدوم، وأمثلته كثيرة.

فنقول: لكنَّه طاهر فليس بنجس، أو لكنه نجس فليس بطاهر، أو لكنه ليس بطاهر فهو نجس، أو لكنه ليس بنجسٍ فهو طاهر.

وإن صُغْتَه بصيغة الحمل والإخبار

(1)

قلتَ: الطهارةُ والنجاسةُ لا ترتفعان ولا تجتمعان، أو تقول: الطهارةُ والنجاسةُ حاصران أو لازمان متنافيان، ونحو ذلك من العبارات.

وإن تنافيا وجودًا فقط أو عَدَمًا، فهو الذي يقال له: الشَّرْطيُّ المنفصلُ الذي ليس بحقيقيِّ الانفصال

(2)

.

ثم ما تنافَى وجودُهما فهو الذي يقال له: مانع الجمع، ويُعَبَّر عنه في المعنى بالضدَّين، واستثناءُ عين أحدهما يُنْتج نقيضَ الآخر، فأما استثناءُ نقيضِه فعقيمٌ من هذه الجهة، فإن وجود أحدِهما مستلزمٌ لعدمِ الآخر، وهذا إنَّما يُستعمل في موضعٍ يكون المقصودُ نفي اجتماع الشيئين والاستدلال بوجود أحدِهما على عدمِ الآخر، وكلامُ المصنِّف في النافي يدخل في هذا القِسْم، فإنه مفهوم التنافي في أصلِ اللغة، وهذا يكونُ في الأضداد، مثلُ قولنا: إما أن يكون أَسودَ أو أبيض، وإما أن يكون واجبًا أو حرامًا، وإما أن تكون الصلاةُ صحيحةً أو الطهارةُ فاسدةً، وإما أن تكونَ العلةُ موجودةً، أو الحكمُ منتفيًا.

(1)

كلمة لم تتبين، وكأن رسمها:«الصحاح» .

(2)

انظر «الرد على المنطقيين» (ص 205).

ص: 399

وإن شئت عبَّرتَ به بأن كذا وكذا مما لا يجتمعان، أو بأنَّهما متنافيان.

وإن تنافيا عَدَمًا فقط فهو الذي يُقال له: مانع الخلوِّ

(1)

، أي يمنع خلوَّهما جميعًا، أي عدمهما جميعًا، فأيهما عُدِم دلَّ على وجود الآخر، ولهذا يقال: استثناءُ نقيض أحدِهما يُنتجُ عينَ الآخر، وأما استثناءُ عينه فعقيم.

وهذا إنما يُستعمل في الموضع الذي يكون المقصود بيان وجودِ أحدِ الأمرين أو كلاهما

(2)

، وبيانُ الحصرِ في شيئين أو أشياء، والاستدلال بعدم أحدِهما على وجودِ الآخر، أو بأنَّه إذا عُدِم وُجِدَ الآخر ردًّا على من زعم عدمَهما جميعًا. كما أنَّ الذي قبله ردٌّ على من زعم اجتماعهما، كما يقال: الاستنجاء إما أن يكون بالماء أو بالجامد، وطهارة الحدث

(3)

إمَّا بالماء أو بالتراب، والأدلة الشرعية إما الكتاب أو السنة أو الإجماع [ق 225] أو القياس، أو الاستصحاب.

والغالبُ أن يُستعمل في هذا القسم: «لا يخلو» ، كما يُستعمل في الذي قبله:«إما أن يكون» ، كما يقال: العلةُ لا تخلو إما أن تكون منصوصةً أو مستنبطة. أو يقال: الموجِبُ للغسل إما الجناية أو الحيض أو النفاس

(4)

، أو الإسلام، أو الموت. وموجَبُ العمد إما القَود وإما الدِّيَة. والحكمُ إما بالبيِّنة، أو بالإقرار، أو باليمين، أو بالنكول.

وكثيرًا ما يقع الترديد بين شيئين أحدهما أعمُّ من الآخر، أو أحدُهما

(1)

انظر: «الرد على المنطقيين» (ص 206).

(2)

كذا، والصواب:«كليهما» .

(3)

كلمة غير واضحة، ولعلها ما أثبت.

(4)

الأصل: «القياس» !

ص: 400

مستلزمٌ للآخر، أو أحدهما مغاير للآخر لفظًا فقط بلا معنى؛ لأن المقصود بيانُ وجودِ أحدِهما على التقدِيرَين، أو بيان وجود مقصود تحصيل أحدهما. وأما في القِسمَين الأوَّلَيْن فلا يجوز ذلك؛ لأن قسيم الشيء ليس قسمًا منه، والمتلازمان لا يتنافيان. وكثيرًا ما يسلُكُ الجدليون هذا المسلك. وإذا كان كذلك لم يُنْتِج استثناء نقيضِ كلٍّ منهما عينَ الآخر؛ لأن نفي الأعم أو الملزوم لا يصحُّ معه ثبوتُ الأخصِّ اللازم

(1)

، كما يقال: الشيءُ إمَّا أن يكون ممكنًا الإمكان العام، أو الإمكان الخاص، فإن لم يكن ممكنًا الإمكان الخاصَّ فهو ممكن الإمكان العام، ولا يصحُّ العكس.

والسرُّ في ذلك: أن الترديد في المعنى بين الخاص منفردًا وبين العامِّ مع الخاص، فكأنه قيل: إما أن يكون الإمكان الخاص فقط، أو الخاص والعام. ومعلوم أنه لو قيل كذلك ظهر المقصود. فافهم الفرقَ بين هذه الأقسام وموادِّها وصورِها فإنه نافع في العلوم جميعًا.

واعلم أن التنافي كما يكون بين الأحكام، فإنه يكون بينها وبين الدلائل والعلل، كما يُقال: القولُ بموجبِ هذا الدليل وعدمُ الحكم الفلاني لا يجتمعان، أو كون الوصف الفلاني علة وعدم الحكم الفلاني لا يجتمعان، وذلك لا يخفى على مُحَصِّل.

قال المصنف

(2)

: (وهو امتناع الاجتماع بينهما في محلٍّ واحد في زمانٍ واحد).

وهو كما قال؛ لأنه يعني بالمتنافيين المتضادَّين، وهما ما لا يجوز

(1)

الأصل: «الالزام» ولعل الصواب ما أثبت.

(2)

«الفصول» (ق/3 أ).

ص: 401