الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل في تعدية العدم)
(1)
[ق 157] اعلم أن القياس تعدية حكم الأصل إلى الفرع، والحكم قد يكون وجودًا وقد يكون عدمًا، كما يُعدَّى عدمُ
(2)
الوجوب أو عدم التحريم أو عدم الصحة ونحو ذلك. وإذا كان عدمًا جاز أن يكون وصفًا وجوديًّا، وهو في الغالب وجود مانع منه، وجاز أن يكون عدميًّا، وهو في الغالب عدم المقتضي له أو عدم شرطه. ومن الناس من يمنع القياس بعدم المقتضي، لأنه متوقف على نفي المقتضي عنهما، وذلك إذا حصل في الفرع أغنى عن القياس. والصحيح أنه يصح القياس به كما يصحّ القياس بوجود المانع، وإن كان وجوده لو ثبت [كان] كافيًا، وكما يصحّ القياس بالمقتضي للحكم، وإن كان لو ثبت اقتضاؤه [كان] كافيًا للحكم. وذلك أن الأصل بمنزلة الشاهد، وذلك أنه قد لا يمكن بيان عدم المقتضي في الفرع إلّا بتوسُّطِ عدمِه في الأصل، وقد تكون الدلالةُ على عدمِه في الفرع بواسطة القياس أسهل، فإن الصورتين إذا تماثلتا وقد عُدِمَ المقتضي في إحداهما عُدِم في الأخرى، مثل أن يُستدلّ على عدم وجوب الزكاة فيما إذا نقصَ نصابُ النقدين نقصًا يسيرًا، بأن يقال: نقص يسير في النصاب، فلا تجب الزكاة معه، كنقص نصاب السائمة أو كنقص الكثير. أو يُقاس عدمُ وجوبِ الوتر على [عدم] وجوب ركعتي الفجر بجامعِ فِعْلِهما على الراحلة في السفر، وإن كان وجود نقص النصاب يُوجب عدمَ المقتضي.
(1)
«الفصول» : (ق 6 ب- 7 أ)، وانظر «شرح المؤلف»:(ق 71 أ - 73 ب)، و «شرح السمرقندي»:(ق 65 ب- 66 ب)، و «شرح الخوارزمي»:(ق 64 أ- 66 أ).
(2)
في الأصل: «حكم» . والمثبت يقتضيه السياق.
وقد يمكنه أن يجمع بين الأصل والفرع بالمشترك، سواء كان عدم مقتضٍ أو وجود مانع، بأن يقول: إن لم يكن المقتضي موجودًا لزمَ عدمُ الوجوب، وإن كان موجودًا امتنع الحكم لوجود المانع، قياسًا على الأصل.
واعلم أن القياس في الأحكام العدمية مع تجويزه في الوجود.
فإن قيل: كيف صحَّ تعدية العدم؟ والتعدية فرعُ تعليل الحكم، والعدم لا يمكن تعليلُه بعلةٍ وجوديَّة ولا عدمية، لأن العلة لابدَّ أن تكون سابقةً للمعلول سبقًا ذاتيًّا، والعدم لا يَسبِقه شيء بالذات لا وجودٌ ولا عدمٌ، فإنه قبل كلّ وجودٍ حادثٍ، مع كلِّ عدمٍ.
فيقال: الجواب من وجوه:
أحدها: أن العلل قد تكون أدلَّةً وعلاماتٍ، والأمر العدمي يجوز أن يُعلم بغيره وإن لم يكن سابقًا عليه، لأن المتأخر يجوز أن يدلَّ على المتقدم. والأمور العدمية إنما عللها في الحقيقة علاماتٌ وأدلة على بقاء العدم.
الثاني: [ق 158] أنه يجوز تعليله بالوجود وبالعدم، أما بالأول فإن المانع أمر وجودي يقتضي عدمَ الحكم، وهذا العدم عدمٌ خاصٌّ، وهو عدمٌ انعقد بسبب الوجود الذي يناقضه، فيكون حادثًا متخصصًا، فيجوز أن يُعلَّل بالوجودي. وأما بالثاني فلأن عدم الحكم يُعلَّل بعدم العلة المتحدة وإن اقترنا في الزمان، ويكون عدم العلة متقدمًا بالذات على عدم المعلول، كما كان وجودُها بالذات متقدمًا على وجودِه، إذ التقدم هنا إنما يُعرَف بالعقل، بأن يقال: وُجِدَ هذا فوُجِد هذا، ويقال: عُدِم هذا فعُدِمَ هذا، وهذا كذلك.
الثالث: أن يقال: العلة في العدم هي علم الله سبحانه بأن المصلحة في
إبقاء عدم الحكم
(1)
على ما كان، وبأن المصلحة في أن يكون معدومًا لا موجودًا.
الرابع: أن عدم الحكم يتضمن أمرًا وجوديًّا، لأن عدم الوجوب يتضمن إباحة الترك، والتلبُّس
(2)
بالأضداد، واعتقاد عدم الإيجاب، وهذه أمور وجودية.
الخامس: أن عدمَ الإيجاب الذي [في] علم الشارع
(3)
مغايرٌ لعدم الإيجاب الذي يستفاد باستصحاب دليل العقل، والشارع إنما يقرر عدم الإيجاب على ما كان، ويخصُّ بعض الأشياء بالوجوب لأمورٍ تفصِل بين ما أوجبَه وبين ما لم يوجِبْه، وإلّا لكان تخصيصًا من غير مخصّص. وحينئذٍ فلا يُعنَى بالعلة سوى ما أوجب الفرق بين الموضعين، سواء كان وجوديًّا أو عدميًّا في أحدهما أو في الآخر.
السادس: أن عدم الوجوب مستلزم لقيام ضدٍّ من أضداد الوجوب، كما أن عدم الفعل مستلزم لضدٍّ من أضداد الفعل، فكما جاز أن ينهى عن الفعل ويكون الطلب متوجّهًا إلى الاشتغال بضدّ الفعل جاز أن يكون هذا الترك مستندًا إلى علة، وأن يكون عدم الوجوب لذلك بمعنى أن عدم وجوب الفعل متضمن لضدٍّ من أضداد هذا العدم.
السابع: أنه إذا عُلِّل عدمُ الوجوب مثلًا، فلا بدَّ أن يُعلَّل بعدم مصلحةٍ في الوجوب أو بقيام مفسدةٍ فيه، وكونُه خاليًا عن المصلحة أو متضمنًا للمفسدة والعلمُ بذلك يمنع الشارعَ من هذا الإيجاب، فيكون الإيجاب
(1)
الأصل: «العلم» !
(2)
الأصل: «التلبيس» .
(3)
الأصل: «الشرع» .
ممتنعًا، والتعليل لامتناع الوجوب لا بمجرد عدمه، ولا شكّ أن كونَه ممتنعًا أخصُّ من كونِه معدومًا، وليس ذلك لامتناعه في ذاته، فلا بدَّ أن يكون لسببٍ منفصلٍ. وهذا الامتناع قد يكون حادثًا، فإن الشيء الجائز قد يصير ممتنعًا، وإذا كان حادثًا جاز تعليلُه كغيره.
واعلم أنّا إنما تكلمنا في هذا بناءً على أن الأحكام الوجودية قد توصف بالحدوث إذا عُنِيَ بالحكم نفس الوجوب أو الحرمة القائمان بالفعل [ق 159] أو المضافان إليه، ولم يُعنَ بهما نفس الإيجاب أو التحريم الذي هو كلام الله، فإنه إذا عُنِيَ بها ذلك فالأحكام كلُّها قديمةٌ وجوديُّها وعدميُّها
(1)
، والسؤال على الجميع واحد، وإن كان بينهما فرقٌ من وجهٍ آخر. واعلم أن استقصاء الكلام في هذا السؤال غيرُ لائقٍ بمقصودِ هذا الكتاب.
قال المصنف
(2)
: (كما يقال: العدم ثابت في فصل اللآلئ والجواهر، فكذا في الحُلِيِّ بالقياس عليه
(3)
، إذ
(4)
العدم في اللآلئ والجواهر
(5)
يدلُّ على أن المشترك بين الوجوبين لا يكون علةً أصلًا، أو المشترك بين العدمين مانعٌ عن الوجوب قطعًا، فإنه إذا لم يتحقق أحدُهما تحققَ الوجوب
(6)
(1)
هذا مبني على أن كلام الله كله قديم، وهو خلاف ما قرره شيخ الإسلام من مذهب أهل السنة في كتبه المتأخره: أن كلام الله ليس معنًى واحدًا قديمًا قائمًا بذاته، بل لم يزل متكلمًا إذا شاء. انظر:«مجموع الفتاوى» : (12/ 567).
(2)
«الفصول» (ق 6 ب).
(3)
«عليه» لا توجد في «الفصول» .
(4)
في الأصل: «إذا» .
(5)
«والجواهر» ليست في «الفصول» .
(6)
في «الفصول» : «وإلّا لتحقق الوجوب» .
[فيهما]
(1)
بالمقتضي السالم عن المعارضَينِ القطعيَّينِ
(2)
، أحدهما عدم علّية المشترك، والثاني مانعيته)
(3)
.
اعلم أنه إذا قاس الحُليَّ على الحلية من الجوهر مثلًا في عدم الوجوب، فعليه أن يبيّن أن المشترك بينهما دليلٌ على عدم الزكاة، إمّا باشتماله على عدمِ مقتضٍ أو فواتِ شرطٍ أو وجودِ مانع، فيقول: المشترك بينهما ــ وهو التحلِّي ــ مانعٌ من الوجوب أو مشتملٌ على عدم الموجب، لأن التحلي من الأمور المباحة المأذون فيها، وإيجابُ الزكاة فيه يُخِلُّ بمقصود هذا المباح، لأنه ليس لها نماءٌ يَسُدُّ مَسَدَّ ما يُخرَج منها. وهذا المعنى مناسبٌ لعدمِ الوجوب، إمّا لكونه مانعًا للسبب، فلا يكون السبب معه سببًا، أو مانعًا للحكم، وقد شهد له بالاعتبار عدمُ الوجوب في الأصل، وغيره من الأصول.
أو يقول: الحلية مالٌ مقطوعٌ عن النماء، والزكاةُ إنما تجب في مالٍ نامٍ بالدوران، فإن الإبل والبقر والغنم والعروض والنقدين لما كان مالًا مُرصَدًا للنماء بنفسه أو قابلًا للتنمية من غير فواتِ مقصودٍ أوجبَ الشرعُ فيه الزكاة، والعبيد والمساكن لما لم يكن قابلًا للنماء لم يُوجِب فيه الزكاة. ودوران الحكم مع الوصف أو دوران الأثر مع المؤثر وجودًا وعدمًا آية
(4)
كون المدار علةً للدائر، فيكون كونُ المالِ ناميًا بمعنى أنه ينمي بنفسه أو بتصريفه
(1)
زيادة من «الفصول» .
(2)
في الأصل: «المعارضتين القطعيتين» .
(3)
في «الفصول» : «أحدهما مانعية المشترك بين العدمين والثاني شمول العدم» .
(4)
الأصل: «أنه» ، والمثبت الصواب.
من غير فواتِ مقصودٍ علةً لوجوب الزكاة. وقد دلَّ على اعتبار القيد الأخير عدم الإيجاب في المعلوفة والعوامل، فإنها تقبل النماء، وقد تنمي لكن مع فوات مقصودٍ، وهو الاستعمال ونحوه، والحليُّ ليس كذلك.
هذا ونحوه تقرير علّية المشترك، وللمعترض أن [ق 160] يتكلم على المناسبة أو الدوران بوجوهٍ معروفةٍ لم يتعرض لها المصنف فلذلك لم نذكرها، إذ الغرضُ التنبيهُ على المسلك الصحيح والتكلم على مسلكه، ليظهر الفرق بين الجدل الصحيح والباطل.
وهؤلاء إنما يسلكون الكلام العامّ المموّه في تعدية العدم، كما قال:«إذ العدم في اللآلئ والجواهر يدلُّ على أن المشترك بين الوجوبين لا يكون علة أصلًا، أو المشترك بين العدمين مانعٌ عن الوجوب قطعًا» إلى آخره. يقول: عدمُ الوجوب في اللآلئ والجواهر يدلُّ على أحد أمرين: إمّا على أن المشترك بين الوجوبين لا يكون علةً، أو على أن المشترك بين العدمين مانعٌ من الوجوب، وعلى التقديرين يلزم انتفاء الوجوب في الحليّ، لأن اللازم إن كان عدم كون المشترك بين الوجوبين علةً لزمَ عدمُ الحكم لعدم علته، وإن كان اللازم كون المشترك بين العدمين مانعًا فقد تحقق مانعُ الحكم، فيجبُ عدمُه. ويعني بالمشترك بين الوجوبين كونَ الوجوب فيهما محصّلًا للمصالح المتعلقة بالوجوب، ويعني بكونه لا يكون علةً أي لا يكون علةً راجحةً، لا في الأصل ولا في الفرع. كذلك يعني بكون المشترك بين العدمين مانعًا، أي مساويًا راجحًا فيهما، ومعلومٌ أنه على هذا التفسير يكون عدم المقتضي قاطعًا، والمانع كذلك.
قال: وإنما قلت: إن أحدَ الأمرين لازمٌ؛ لأنه إذا لم يلزم واحد منهما،
أعني من عدم عِلِّيَّة
(1)
المشترك، ووجود مانعيَّة المشترك، فقد خلا الأصل والفرعُ من تحقُّق عدم عِلِّيَّة المشترك للوجوب، ومنع المشترك للوجوب، فتجبُ الزكاةُ في الحِلْية الجوهرية بالمقتضي لوجوبها من النصِّ والقياس ونحوهما، السالم عن المعارِضَيْن القطعيَّيْن؛ وهو معارضةُ تحقُّق عدم كون المشترك علة، وتحققُ كون المشترك مانعًا، بالتفسير الذي ذكرناه، ومضمون العدم هو معارِضٌ قطعيٌّ للعلة الموجبة وللحكم= لعَارَضَ ذلك بما يوجب الزكاة.
هذا تفسيرُ كلامه، وسيتضح في حَلِّه بيانُ فسادِه والاعتراضِ عليه، وذلك من وجوه:
أحدها: قوله: «العدم في اللآلئ والجواهر يدل على أن المشترك بين الوجوبَيْن ليس بعلة، أو أن المشترك بين العدَمَيْن مانع» .
قلنا: لا نُسَلِّمِ، ولم يذكر على ذلك دليلًا سوى قوله:«بالمقتضي السالم عن المعارضَيْن» .
قلنا: لا نُسَلِّم وجودَ المقتضي على هذا التقدير، ولم يذكر [ق 161] على وجوده دليلًا فنتكلَّم عليه، ولا يحتاج أن يمنع الوجوب كما منع السائل بالمانع، بل يمنع الوجوبَ، ويمنع وجودَ مُقْتضيه حتى يثبتَه.
وإن قال: المقتضي واقع في الواقع، فيجب أن يكون واقعًا على هذا التقدير بـ?ستصحاب الواقع.
يقال له: واقع على كلِّ تقدير، أو على تقدير واقع؟ فإن ادَّعى الأول؛
(1)
رسمها: «غلبة» .
فهو باطل بالضرورة والإجماع، وإن ادعى الثاني؛ قيل: لا نُسَلِّم أن التقديرَ الذي ذكرتَه واقعٌ
(1)
، لأنه تقدير أن ليس له علة لعدم الحكم، أو أنه مانع من ثبوت الحكم، وتقديرُ عدم عِلِّيَّته أو مانعيَّته لا نُسَلِّم أنه واقع؛ لأن المشترك عندنا لا تأثير له وجودًا ولا عدمًا، ولا يمكنُه بيانُ كونِ التقدير واقعًا إلا ببيان تأثير المشترك، وحينئذٍ يكون ذلك دليلًا مستقِلًّا، فيُسْتَغْنَى به عن هذا الكلام.
هذا هو المنعُ المحقَّق، وإن شئتَ قلت: لا نُسَلِّم أن المقتضي واقع في الواقع، ولا دليل له على ذلك، بل الدليلُ على عدمه، وذلك لأن المراد به ما يقتضي وجوبَ الزكاة في اللآلئ والجواهر؛ لأنه إن عَنَى بالمقتضي: النصوصَ العامةَ، فقد علم عدم إرادة اللآلئ والجواهر منها، فلا تكون مُقْتَضية، وإن عَنَى به نوعَ قياسٍ فيه مناسبة أو نحو ذلك إبطال
(2)
ذلك بطريقه، فإنَّه من المحال أن يقومَ دليلٌ شرعيٌّ على وجوب الزكاة في اللآلئ والجواهر في الواقع.
وإن قال: إنما هو مقتضٍ على هذا التقدير، وهو تقدير كون المشترك لا يدلُّ على منع الزكاة.
قال له المعترِضُ: ولا أُسَلِّم أن شيئًا من الأدلة مقتضٍ على هذا التقدير؛ لأن هذا التقدير واقع عندي، فإن المشترك لا أثر له في مَنْع الزكاة، وإنما امتنعت الزكاةُ في الحلية من الجواهر لمعنًى اختصَّ بها. وإذا كان هذا التقديرُ واقعًا امتنع أن يقوم المقتضي للوجوب على تقدير عدم اختصاص الحِلْية بما يمنع الوجوب، بل الواقعُ أحدُ الشيئين؛ إما عدم المقتضي
(1)
الأصل: «واقعًا» !
(2)
كذا بالأصل، ولعلها:«أبطل» .
للوجوب في الحلية، أو اختصاصها بالمانع، فيمكن أن ينازع في هذا المقام في عدم المقتضي. أو يقال: أحد الأمرين واقع: عدم المقتضي للوجوب في الحلية الجوهرية، أو مانع مختصٌّ بها، فإن كان الواقع عدم المقتضي بطل قولُه بتحقُّق الوجوب فيهما بالمقتضي، وإن كان الواقع مانعًا مختصًّا بها بطل قوله: «العدمُ في اللآلئ يدلُّ على أن المشترك ليس بعلة
(1)
[ق 162] الوجوب، أو هو مانع من الوجوب»؛ لأن المانع إذا اختصَّ بالحلية الجوهرية، لم يكن للمشترك بانفراده أثر في عدم الاقتضاء، أو اقتضاء العدم، بل يكون الحكم مضافًا إلى المختص.
فإذا قال المعترِض: لا أُسَلَّم أن المقتضي واقع في الواقع؛ لأن الواقع في الواقع واقع؛ مِن جملةِ الأمور التي هي واقعة حتى يجب العمل به على تقدير نفي تأثير المشترك.
الوجه الثاني: لا نُسَلِّم قيامَ المقتضي في الحِلْية؛ لأنه لو كان قائمًا لزم التعارضُ بينَه وبين المانع منها، بل لزم ترك العمل به؛ للإجماع على عدم الوجوب فيها. على عدم المقتضي لم يلزم التعارض المذكور، فيكون أولى، وطرده الحُلي لمَّا قام المقتضي للوجوب فيه ثبتَ الوجوب؛ لئلا يلزم ترك العمل بالدليل.
وهذا الكلام في غايةِ الحُسْن من جانب المعترض، وهو يقطع دابر المستدلِّ؛ لأن المعترض يقول: أنا عملتُ بالمقتضي في الحُليِّ
(2)
من غير معارضةٍ بمانع، وقد عملتُ بعدم المقتضي في الحِلْية من غير إثباتٍ لمقتضٍ
(1)
الأصل: «بعد» .
(2)
الأصل: «الحلية» والصواب ما أثبتّ.
مستلزمٍ تركَ العمل به لمانع، فقد احتَرزْتُ عن محذورَيْن كلاهما خلاف الأصل، وأنت التزمتَ مخالفةَ الأصل؛ لأنك ادَّعيتَ أن المشترك مؤثِّر في عدم الوجوب، وقد ادَّعيتَ قيامَ المقتضي للوجوب، فقد تعارض في دليلكَ ما يقتضي الوجوب وما ينفيه، والتعارضُ على خلاف الأصل.
أو يقول: لا يخلو إما أن يكون المقتضي للوجوب فيهما قائمًا
(1)
، أو غير قائم، فإن لم يكن قائمًا بطل دليلُكَ وقولُكَ بتحقُّقِ الوجوب فيهما بالمقتضي، وإن كان قائمًا قال: فإما أن تعمل به وهو خلاف الإجماع في الأصل، وخلاف قولك في الفرع، وعلى التقديرَيْن بطل مذهبُك.
وإما أن لا تعمل به، فقد التزمتَ تَرْك المقتضي، وتركُ الأدلَّةِ على خلافِ الأصل، وليس في التعارض محذورٌ
(2)
أشدّ من الترك.
فلئن قال: هذا التعارض موجود في الأصل، فكذلك في الفرع.
قيل: لا نُسَلِّم وجودَ المقتضي في الأصل كما ذكرناه، وعلى تقدير التسليم فلا يلزم من ترك العمل بالدليل في موضعٍ تَرْكُ العمل به في موضع آخر، إلا أن تُبَيِّن أنه مثله، وأنتَ لم تُبَيِّن أنه مثله بهذا الدليل. وهذا الدليل إنما يتمُّ إذا ثبت أنه مثله، فصرتَ محتجًّا على الشيء بما لا يتمُّ إلا ببيان الشيء، وهذه مصادرةٌ على المطلوب، وكثيرًا ما يَسْتَعْمِلها هذا الجدليُّ في أغالِيْطِه، بل كثيرٌ من الأغاليط إنما ترْوْجُ بها، فإنه يُغَيِّر العبارة، ويُكَثِّر الأقسام، ويُطِيْل المقدِّمات، ويجعلُ الشيءَ مقدمةً في إثبات [ق 163] نفسه
(1)
الأصل: «قائم» .
(2)
في الأصل: «محذورًا» .
من حيث لا يشعر الغبيّ، فافطن
(1)
لهذا المعنى.
الثالث: أن يقال: المقتضي للوجوب في الأصل؛ إما أن يكون ثابتًا، فهو مدفوعٌ بالمانع بالإجماع، وذلك المانع إما المشترك أو غيره، فلِمَ قلتَ: إنه المشترك دون غيره؟ فإنَّ عدمَ الحكم في الأصل يدلُّ على عدم موجِبه، أو وجود مانعه، فإنه إذا لم يتحقق أحدُهما، تحقَّقَ الموجبُ السالمُ عن المعارِض فيعملُ عملَه. هذا هو الذي يدلُّ عليه عدمُ الحكم، فلِمَ تحكَّمْتَ بتعيين كون ذلك المؤثِّر في عدم الحكم هو المشترك، دون غيرِه من غيرِ دليل؟
وهذا كمن قال: زيدٌ جائعٌ، فإن لم يأكل هذا الرغيفَ يموت؛ لوجود الجوع المقتضي.
فيقال له: الجوعُ يندفع بما يسدُّ الرَّمَقَ من هذا الرغيف أو غيره. فَلِمَ خصَّصْتَ الحكمَ مع أن المقتضي لا اختصاص له؟ ونحو ذلك من كلِّ أمرٍ يدلُّ على موجَب مُجْمَل.
ولو ادَّعى مدَّع
(2)
أنَّ المؤثِّر في عدم الحكم هو ما يختص بالأصل، أو مشترك
(3)
آخر بينَه وبينَ فرع آخر= لم يكن بينك وبينه فرقٌ إلّا التحكُّم. وذلك: أنَّ كلَّ تقدير ينشأ منه ثبوتُ مقتضٍ أو عدمُه، أو انتفاءُ مانعٍ، فلا يُقْبل من أحدٍ تعيين المقتضي أو المانع إلّا بدليل. وتقديرُ عدم الوجوب في
(1)
الأصل: «ففطن» ، والصواب ما أثبت، ويمكن أن تكون أيضًا:«فتفطَّن» .
(2)
رسمها في الأصل: «يدعي» .
(3)
الأصل: «مشتركًا» .
الأصل ينشأ منه ذلك.
وقد عيَّنت المشتركَ عدمَ مقتض أو وجودَ مانع بغير دليل، فلا يُقْبل منك ذلك. أن
(1)
يقال: الوجوب في كذا يقتضي الوجوب في كذا؛ لأنه يقتضي كون المشترك علة، إذ لو لم يكن علة للزم انتفاء الحكم عن الأصل؛ لقيام النافي السالم عن معارضة عِلِّيَّته وتثبيت
(2)
موجبيَّتِه، ومعلوم أن هذا فاسد بالبديهة.
الرابع: أن هذا الكلام معارَضٌ بمثله، وهو أن يُقال: العدم في الحلية الجوهرية يدلُّ على أن ما اختصَّت به الحلية لا يكون عِلَّة لوجوب الزكاة، أو هو مانع من وجوب الزكاة، فإنه إذا لم يتحقَّق أحدهما ــ وهو كون المختص ليس بعلة للوجوب، أو هو مانع للوجوب ــ تحقَّقَ الوجوبُ بالمقتضي
(3)
له السالم عن المعارضتين، فتقف الدلالة.
وهذا التعارض إنما نشأ لأنَّ عدمَ الوجوب في الأصل لا يدلُّ على شيءٍ بعينه، لا على مشترك، ولا على مختصٍّ، فالاستدلال
(4)
به على أحدهما كالاستدلال به على الآخر، وقد يُعارض بأشياءَ كثيرةٍ، مثل أن يُقال: عدمُ الوجوب يدلُّ على أن كونَه جوهرًا يؤثِّر في عدم الوجوب، أو يدل على أن المشترك بينها وبين البقر العوامل مؤثِّر في عدم الوجوب، أو تذكُرُ أيَّ شيءٍ
(5)
(1)
كذا بالأصل، ولعلها: «إلا أن يقال
…
» أو نحوها.
(2)
غير بينة بالأصل، وهكذا قرأتها.
(3)
الأصل: «المقتضي» .
(4)
الأصل: «بالاستدلال» ، والصواب ما أثبتناه.
(5)
تكررت في الأصل.
[ق 164] مِن كلِّ ما يؤثِّر في عدم الوجوب في موضع من المواضع إذا كان موجودًا فيها، وإذا عُلِم أن هذا القياس تَنْقاس به أمورٌ باطلة عُلِمَ أنه باطل.
الخامس: أن يقال: المقتضي يكفي سلامتُه عن هاتين المعارضتين، أم لا بد من سلامته عن جميع المعارضات؟ فإذا ادَّعيتَ الأول؛ فهو محالٌ، وإن ادَّعيت الثاني؛ فهو معارَض بما ينفي الحكم في الأصل على تقدير عدم تأثير المشترك، وهذا هو الجواب الذي حكاه عن المعترض، وأجاب عنه بأن هذا يلزم منه تعارض الأدلة. وجواب هذا الجواب أن يقال: التعارضُ هنا ثابتٌ بالإجماع كما مضى، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
السادس: قوله: «العدمُ في اللآلئ والجواهر يدلُّ على أن المشترك بين الوجوبَيْن لا يكون علة أصلًا، أو على أنَّ المشترك بين العدمين مانعٌ من الوجوب قطعًا» .
قلنا: هب أنَّا سلَّمنا أنَّ عدم الوجوب في الدليل يدلُّ على أن المشترك بين الوجوبين لا يكون علة أصلًا، بل نحن نُسَلِّم ذلك، فأيُّ فائدةٍ في ذلك؟ وذلك أنَّ المشترك بين الوجوب في حكم
(1)
الحُلِيّ والحلية لا حقيقة له، إذ لا وجوب في الحلية حتى يكون بينه وبين وجوبٍ آخرَ مشترك. ولو سُلِّم أن فيها وجوبًا
(2)
وقيل: المشترك بين الوجوبَيْن ــ أو قيل: المشترك بين الوجوبين المقدَّرين، أو اللذَين أحدهما محقق والآخر مقدَّر ــ ليس بعلة أصلًا.
(1)
في الأصل: «الحكم» .
(2)
في الأصل: «وجوب» .
قلنا: لا يلزم من عدم كونِ المشترك بين الوجوبَيْن علة
(1)
، عدمُ كون المشترك بين الصورتين علة؛ لأن الوجوبَيْن عند المدَّعي لا حقيقة لهما، فالمشترك بينهما أمرٌ عَدَميّ، فلا يلزمُ من عدمِ إيجابِ عدمِ الوجوبَيْن، عدمُ إيجابِ الحُكْمَين العَدَمِيَّيْنِ لأمرٍ وجوديّ، [أو] عدمُ إيجابِ الصُّورتين الوجوديَّتَين لأمرٍ وجوديّ.
أو يُقال: عدمُ الوجوب في الجوهر مستَنِدٌ إلى عدم علَّةِ الوجوب، أو علة عدم الوجوب، وهو دليل على هذا المستند دلالةَ المعلولِ على علته، والمشتركُ بين الوجوبَيْن جزءٌ من الوجوبَين، وذلك يمنع أن يكون علة للوجوب لذاته، فإنَّ جزءَ الشيءِ لا يكون علةً لوجوده، وإذا كان هذا ممتنعًا في نفسه لم يكن امتناعُه مدلولًا عليه بعدمِ الوجوب؛ لأن الدليل أن يفيدَ العلمُ به العلمَ بالمدلولِ، وهنا عدمُ كونِ المشترك بين الوجوبَين علةً أمرٌ ثابتٌ، لا يستفاد من عدم الوجوب.
وهذه مناقشةٌ لفظيَّةٌ؛ إذ كان حقُّه أن يقول: المشترك بين الصورتين [ق 165]، ومثل هذا يَرِدُ عليه في قوله: المشترك بين المقدِّمتَين، فإن العلة اقتضاءً ومنعًا لا تكون من نفس الوجوب وعدم الوجوب، وإنما تكونُ من نفسِ الصورتين وجودًا وعدمًا، وهذا ظاهر.
الوجه السابع: سَلَّمنا أن المشترك بين الوجوبَين
(2)
لا يكون علةً، ولا يلزم من نفي عِلَّيَّة المشترك نفي عِلِّيَّة المختصّ بالأصل، والعلةُ عندنا هي المختصُّ بالأصل، وليس في نفي كون المشترك بين الوجوبَين علةً للوجوب
(1)
جملة «عدم كون المشترك بين الوجوبين علة» تكررت في الأصل مرتين.
(2)
في الأصل: «الوجودين» في هذا الموضع والذي يليه، والصواب ما أثبت.
أو بين الصورتين فائدة أصلًا، فضمها إلى كون المشترك مانعًا كلام ضائع، فإنَّ الترديدَ إنما يكونُ إذا كان الحكمُ ثابتًا على التقديرين.
يوضِّح هذا: أن قولَه «بالمقتضي السالم عن المعارضتين» كلامٌ باطل، فإن المعارضة بِعَدم عِلِّيِّة المشترك لا تتأتَّى؛ لأن المقتضي إن كان قياسًا فلا بدَّ أن يكون المشترك عِلّة، فكيف يُعارِضُ الشيءُ نفسَه؟! وإن لم يكن قياسًا، كان عدمُ علِّيَّة المشترك نفيًا محضًا، والنفيُ المَحضُ ليس بدليلٍ يُعارضُ الأدلة القائمة.
قوله
(1)
: (ولئن منعَ الوجوبَ بالمانع فنقول: المانعُ غير مُتحقِّق على ذلك التقدير، وإلا لوقعَ التعارضُ بين المقتضي والمانع إلى آخر ما مرَّ
(2)
في التلازمُ
(3)
».
معنى هذا: أنَّ المعترض إن قال: الوجوب على تقدير عدم تأثير المشترك منتفٍ بالمانع، قيل له: لا يكون المانعُ متحقِّقًا على ذلك التقدير، لئلا يلزم التعارض. وهذا المنع صحيحٌ من جهةِ المعترض، وليس الجوابُ عنه بسديد. وذلك: أن المعترِض يقول: لا أُسَلِّم الوجوبَ على تقدير تأثير المشترك، أعني: على تقدير أن لا يكون علة للوجوب فيهما، أو يكون مانعًا للوجوب بالمانع للوجوب، ولا يلزم من ذلك تعارض الأدلة؛ وذلك لأن التقدير غير واقع عندي، والأدلة لا تتعارض على تقدير غير واقع، ولا
(1)
«الفصول» (ق 6 ب- 7 أ).
(2)
«الفصول» : «ما ذكرناه» .
(3)
انظر مبحث التلازم في «الفصول» (ق 2 أ- ب)، وفي كتابنا هذا:(1/ 9 وما بعدها).
لتعارُض
(1)
أدلة فسادِ العالم وأدلة صحته على تقدير الأدلة.
أو يقول: كون المانع إذا وقع تحقَّق
(2)
[التعارض]، فيقع التعارض بين الأدلة على كلِّ تقدير، أو على كلِّ تقديرٍ واقع.
أما الأوَّل؛ فباطل بالضرورة.
وأما الثاني؛ فلا نسلِّمُ أنَّ المانع إذا [وقع] تحقَّق التعارضُ، إلا إذا سَلَّمنا وقوعَهما جميعًا، ونحن لا نسلِّم وقوعَ أحدهما، وهو قيام المقتضي مع تأثير المشترك؛ لأن تأثير المشترك غير واقع، أو لا نسلِّم أنه واقع، فلا يمكنه إثبات التعارض حتى
(3)
يثبت وقوع ما ادَّعاه من الدليل، ولا يمكن وقوعه إلا بوقوع ما ذكره من تأثير المشترك، ولو أثبتَ ذلك استغنى عن هذا كلِّه.
ثم إنه إنما أثبتَ تأثيرَ [ق 166] المشترك بهذا الدليل، فإذا لم يَثْبُت إلا بعد تأثير المشترك كان مصادرةً على المدَّعَى.
جوابٌ ثانٍ: التعارضُ بين المانع والمقتضي هنا ثابت بالإجماع؛ لأن المانع واقع في الواقع لِمَا ذكرتُه، والمقتضي واقع في الواقع لِمَا ذكرتَه؛ لأن ذلك
(4)
دليلك يتضمَّن ذكرَ كونه مقتضيًا على بعض التقادير، ولا يحتاج إلى السلامة عن المعارضة إلا المقتضي الواقع.
وإذا عرفت بقيام المقتضي على تقدير تأثير المشترك، وهذا التقدير واقعٌ
(1)
كذا الأصل، ولعلها:«وإلا تتعارض» .
(2)
بالأصل: «إذا وجمع تحقق» . والصواب ما أثبتناه.
(3)
الأصل: «حيث» ومقتضى السياق ما أثبت.
(4)
كذا في الأصل والكلام مستقيم بدونها.
عندك، والمانع الذي ذكرتُه واقع في الواقع، فيجبُ أن يكون واقعًا على هذا التقدير الواقع عندك.
وأيضًا: فإن التعارضَ بينهما ثابتٌ في نفس الأمر بالإجماع، ولو لم يكونا واقِعَيْن على هذا التقدير لكان هذا التقدير باطلًا؛ لأنه يرفع الأمورَ الواقعة، وهذا هو التقدير الذي لا يضرُّ منعُه.
ومعناه أن تقول: إن ثبتَ تعارُضُهما على هذا التقدير، فهو أحد الأمرين المطلوبَيْن، وإن لم يثبت فإنَّ تعارضهما ثابتٌ في نفس الأمر، فيكونُ هذا التقديرُ واقعًا للأمور الواقعة، فيكونُ باطلًا، وإذا بطلَ بطلَ الدليلُ، وهو المطلوب.
جوابٌ ثالثٌ: وهو معارضتُه بمثِله، أن تقول: المانعُ للوجوب في الأصل قائم، فالمقتضي إما أن يكون موجودًا على هذا التقدير، أو غير
(1)
موجود، فإن لم يكن موجودًا اندفع الدليلُ، وإن قُدِّر وجودُه لزم تعارضُ الأدلةِ، وهو على خلاف الأصل.
جوابٌ رابعٌ: أن المانعَ قائم، فلا يجوز أن يكون المقتضي قائمًا على هذا التقدير، فإنه إذا دار الأمرُ بين كون المانع مانعًا على هذا التقدير، وبين كون المقتضي مقتضيًا= كان رعايةُ المانع أولى؛ لأن المانِعُ مانعٌ في نفس الأمر في الأصل بالإجماع، ولا في الفرع عندك، وثبوتُ مدلولِ أحدِ الدليلين عند التعارض يدلُّ على رجحانه، فعُلِمَ أن المانِعَ أقوى، فإذا اضطررنا ــ على هذا التقدير ــ إلى ثبوت أحدهما كان إثبات المانع أولى.
(1)
الأصل: «على» ، والصواب ما أثبت.
وهذه المعارضة من أحسنِ المعارضات ــ أيضًا ــ وأقطعها لدابر المبطل، فإن التقدير الذي فرضَه ــ وهو عدم تأثير المشترك في منع الزكاة ــ هو تقدير عدم مسألة النزاع بعينها، ثم ادَّعى قيامَ الموجب للزكاة في الحلية إن لم ينفها عن الحلي، فقابله الآخرُ بدعوى قيام النافي للزكاة في الحلية وإن لم ينفها عن الحلي، وهذه مقابلةُ دعوى بدعوى، فكيف تروغ من هذه المعارضة مراوغة الثعلب الأملس؟!
جوابٌ خامسٌ: أن يُقال [ق 167]: أنا وإن التزمت المعارضة بينَ المانع والمقتضي على ذلك التقدير، فأنتَ قد التزمتَ المعارضةَ بين تأثير المشترك النافي للزكاة، والمقتضي لوجوب الزكاة، فليس قبول إحدى المعارَضَتَين بأولى من قبول الأخرى، فإن رَدَدْناهما معًا بطل استدلالُك، وإن قبلناهما معًا بطل استدلالُك، وأما قبول إحداهما دون الأُخرى فتحكُّم!
قال المصنف
(1)
: (أو نقول: العدم في اللآلئ والجواهر
(2)
يدلُّ على أنَّ العدمَ متحقِّق فيهما، أو لا يكون المشترك بينهما علة للوجوب أصلًا، وإلا لوجبت ثَمَّة ولم
(3)
تجب فيلزم أحدهما، ويلزم من لزوم أيهما كان عدم الوجوب هنا، أما إذا لزم الأول فظاهر، وأما إذا لزم الثاني فكذلك؛ لأنه لو وجب هنا لكان المشترك علة إما بالمناسبة أو بالدوران، فإن الوجوب حينئذٍ دار مع المشترك وجودًا وعدمًا، أما وجودًا ففي هذه الصورة، وأما عدمًا ففي
(1)
«الفصول» (ق 7 أ).
(2)
ليست في «الفصول» .
(3)
العبارة في الفصول: «علة للوجوب أصلًا فإنه إذا لم يتحقق أحدهما لتحقق الوجوب عنه ولم
…
». وجملة: «أصلًا وإلا لوجبت ثمة» مضروب عليها في «الفصول» .