الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعْلَم أن المغالبة في أنواع اللعب من الصراع والسِّباق
(1)
والقمار أحسن من المغالبة بمثل هذا الكلام. فهل سمعَ السامعون بأقبحَ مما يقال: فلانٌ يخالفك في مسألةٍ لا يدري ما هي، ولا يدري من أيِّ نوعٍ من العلوم هي؟! وهل هي من الفروع أو الأصول أو الأحكام الطبيعية أو الشرعية، أو من الطهارات أو من الجنايات؟!
فيقول: الحكمُ ثابتٌ في صورةٍ من الصور فيثبتُ في صورةِ النزاع، أو في صورة من صور النزاع قياسًا عليه؛ لأن الحكم ثمةَ إنما ثبتَ لأجل المشترك، بدليلِ المناسبة والدوران، والمشترك متحقِّقٌ في صورةِ النزاع، فيثبت المدَّعَى، أو متحقِّق في صورةٍ من صور النزاع، فيثبت الحكم في جميع صور النزاع؛ لأنه لا قائل بالفرق!
وما حقُّ من يتكلَّم بمثل هذا الهذيان أن يُقابل إلا بالتبكيت والتَّسْكيت، بل بالتعزير والتنكيل، وإن سُوْمح قيل له: لا نُسَلِّم أن بين الصورتين مشتركًا صالحًا للإضافة بالكلية، ولا نسلِّم ــ بتقدير وجود المشترك ــ إمكان كونه مناسبًا أو مدارًا، ولا نسلِّم تحقُّق المناسبة أو الدوران بتقدير إمكان كونه مناسبًا أو مدارًا؛ فإن شيئًا من هذه الأشياء لم يَثْبُت، إنما ادَّعاه دعوى.
ف
الواجب في مثل هذا الكلام أن يُقابل بالمُنُوعِ الصحيحة
التي يتمكَّن معها من إثبات ما يدَّعِيه، أو يُقابَل بالمعارضات من جنس كلامِه، بأن يقال: الحكمُ منتفٍ في بعض الصور، فينتفي في صورةِ النزاع قياسًا عليه بالجامع المشترك
…
إلى آخره.
(1)
الأصل: «السفاق» .
هذا إن سُمِعَ كلامُه، وإلا فالواجبُ إغلاقُ بابِ هذا الهذيان، وأن لا يُعَدّ صاحبُه من نوعِ الإنسان فضلًا عن أهل العلم والبيان.
وأمَّا ما ذكره المصنِّف من الردِّ فهو أن يقال: الوجوبُ في الماشية
(1)
أو في المضروب راجح على الوجوب في الثياب والعبيد، بدليل الوجوب في أحدِهما وعدمِه في الآخر، والافتراقُ في الحُكْم دليل الافتراق في المصلحة، وهذا ظاهر. والمقيسُ الذي هو صورة النزاع ليس براجح على الثياب والعبيد، وإذا لم يكن راجحًا يلزم تساويهما في عدم الوجوب، أو يقول: المقيسُ ليس براجحٍ على ثياب البِذْلَة وعبيدِ الخدمة، وثيابُ البِذْلَة [ق 220] وعبيدُ الخدمة مرجوحٌ بالنسبة إلى الماشية والمضروب، بدليل افتراق الحكم فيهما، وإذا كانت بعض الصور راجحةً على ما لم يترجَّح عليه الأصل لزم تساوي الصور في هذا الرجحان، لاستوائهما في الحكم، وإذا كانت جميع صور الإجماع راجحةً على ما هو المقيس مساوٍ له أو ناقصٌ عنه= لَزِم أن يكون المقيس مرجوحًا بالنسبة إلى جميع صور الإجماع، فيمتنع القياس مع الرجحان.
واعلم أن ما لم يمكنه الاكتفاء بقياس محل النزاع المجهول على بعض صور عدم الوجوب؛ لأنه يكون معارضةَ دليلٍ تامٍّ بدليل تام، بخلاف ما إذا استلزم من ذلك رجحان صور الأصل على محل النزاع، فإنه يبطل القياس، لكن الشأن في بيان عدم رجحان محلِّ النزاع المقيس على الصورة المرجوحة عن بعض صور الأصل.
(1)
الأصل: «المناسبة» تصحيف، والصواب ما أثبت ويؤيده أنها ستأتي على الصواب في الفقرة نفسها، وقد تصحفت الكلمة بمثل هذا في موضع سابق.
وقوله
(1)
: (ولئن منع عدم الرُّجحان فنقول
(2)
: المقيس إما قاصر أو مساوٍ؛ لأن الحكم فيه
(3)
لا يخلو إما أن كان ثابتًا أو لم يكن، فإن لم يكن
(4)
فظاهر، وإن كان ثابتًا فكذلك ضرورة تحقُّق الدليل على أحدهما، وهو المساواة حينئذٍ، فإنَّ الحكمَ إذا كان
(5)
ثابتًا في المقيس، وجب أن يثبت فيما ذكرنا من الصور؛ إما
(6)
بالضرورة أو بالنص أو بالقياس، وحينئذٍ تتحقَّق المساواةُ بينهما).
حاصل هذا أن يقول: المقيس إما أن يكون قاصرًا عن الصورة المرجوحة بالنسبة إلى بعض صور الأصل أو مساويًا لها، وعلى التقدِيرَين فقد ثبتَ عدمُ رجحانها على المرجوح، فيلزم مساواتها للمرجوح، فيثبت بها مرجوحة. وإنَّما قلنا ذلك؛ لأن الحكم في الفرع المقيس إن لم يكن ثابتًا فظاهر؛ لبطلان القياس حينئذٍ والدعوى أيضًا. وإن كان ثابتًا فظاهر أيضًا؛ لأنه إذا كان الحكم ثابتًا في الفرع المقيس فقد تحقَّق الدليلُ على أحد الأمرين، وهو مساواة الفرع المقيس لتلك الصورة التي ادَّعى عدم رُجحانه عليها؛ لأن الحكم إذا ثبتَ في الفرع المقيس وجب أن يثبت في تلك الصورة إما بالضرورة ــ إن أمكن ــ أو بالنص أو بالقياس، كما في الصورة المُمَثَّل بها، فإنه يقال: لو ثبتَ الوجوبُ في شيء من صور النزاع في عَبِيد
(1)
«الفصول» (ق/8 ب).
(2)
«الفصول» : «فيقال» .
(3)
ليست في «الفصول» .
(4)
«الفصول» : «يكن ثابتًا» .
(5)
«الفصول» : «لو كان» .
(6)
ليست في «الفصول» .
الخِدْمة وثياب البِذْلة بجامع ما يشتركان فيه من تحصيل المصلحة الناشئة من الإيجاب
…
إلى آخره. وإذا ثبتَ الوجوبُ في تلك الصور ثبتت أيضًا مساويةً للفرع المقيس، فثبتَ أحدُ الأمرين، وهو المساواة، فصحَّ قولُنا: إن المقيس إما أن يكون قاصرًا عن تلك الصورة المرجوحة أو مساويًا لها.
واعلم ــ أصلحكَ الله ــ أن هذا الكلام مقابلة دعوى مجملة، وهو من باب مقابلة الباطل [ق 221] بالباطل؛ لأن القائس في فرعٍ مجهول عكس عليه الأمر، بأَن جعل ذلك الفرع الذي ادَّعاه أصلًا لصورة مرجوحة عن أصله المجهول بعد تعيين شيءٍ من صُوَرِه.
فإن قيل: كيف يتمكَّن المعترضُ من أن يدَّعي أنه إذا ثبت الحكم في المقيس ثبتَ في تلك الصورة المرجوحة بالدليل أو بالنَّصِّ مع أنَّ المسألة خلافية؟
قيل: هذا يتفق إذا كان القياس في فرع مجهولًا فاسدًا بالضرورة، وقد ركَّبه هذا التركيب، بأن يقول ــ مثلًا ــ: الزكاةُ واجبةٌ في بعض صور النزاع التي في الزكاة ــ مثلًا ــ من الوجوب [في] مال الصبي، ومال المدين، وحُلي المرأة، والمال الضائع، ونحو ذلك، قياسًا على الوجوب في بعض صور الإجماع بالجامع المشترك.
فيقال له: الوجوبُ في الماشيةِ راجح على الوجوب في الحُلي، بدليل قولِه صلى الله عليه وسلم:«عفوتُ لكم عن صَدَقةِ الخَيْل والرَّقيق»
(1)
مع
(1)
أخرجه أحمد: (1/ 118 رقم 711)، وأبو داود رقم (1574)، والترمذي رقم (620)، والنسائي:(5/ 37)، وابن ماجه رقم (1790) وغيرهم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ونقل الترمذي عن البخاري أنه صحح هذا الحديث. ويشهد له حديث أبي هريرة في «الصحيحين» : «ليس على المسلم في عَبْده ولا فَرسِه صدقة» .
تحقُّق
(1)
الزكاة في الماشية، والافتراقُ في الحكم دليلُ الرُّجحان، وبعض الصور المقيسة لا يترجح عن الخيل، فيلزم كونها مرجوحة عن جميع صُور الوجوب للاستواءِ في الحكم. وإنما قلنا: لا يترجح عن الخيل؛ لأن الصور المقيسة إما قاصرة عن الخيل أو مساوية؛ لأن الحكم في بقيَّة الصور المقيسة إن لم يكن ثابتًا فظاهر، وإن كان ثابتًا لزم الوجوب في الخيل بالضرورة؛ لأن الوجوبَ إذًا ثبتَ في جميع صور النزاع من المسائل المذكورة.
(1)
كلمة غير واضحة في الأصل، ولعلها ما أثبت.