الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومذاهب وطرق، فلقد تولى يعقوب جلبي رئاسة الدونمة في "سيلانيك" بعد موت "سباتاي"، وكان قد أخذ منه الوعد بالخلافة على رئاسة الجماعة وهو على فراش المرض، ونظم يعقوب هذا عقائد الأتباع وطقوسهم ورتب أمورهم، وطلب مثل "سباتاي" مراعاة عادات المسلمين الظاهرة، غير أن فرقة منهم لم توافق على ذلك، واجتمع أفرادها تحت زعامة رجل منهم يدعى مصطفى جلبي، وبهذا كان أول انقسام في طائفة الدونمة، فسميت الأولى فرقة يعقوب جلبي باسم اليعقوبيين، وفرقة مصطفى جلبي باسم القراقاشي أو حزب عثمان بابا، وكان ذلك بعد مرور أربعة عشر عامًا على موت "سباتاي زئيفي" المؤسس. وفي سنة ألف وسبعمائة وعشرين للميلاد حصل انشقاق آخر داخل طائفة القراقاش نفسها، وانفصلت عنهم جماعة برئاسة إبراهيم أغا أحد رؤسائهم وعرفوا باسم البابو، وهذه الفئات أو الطوائف الثلاث لا تتزاوج مع أتباع الأديان الأخرى ولا تناكح بعضها أيضًا، فلا يستطيع الفرد منهم التعرف إلى حياة الطائفة الخاصة إلا بعد الزواج.
بعض تقاليد الدونمة وعاداتهم، وأثرهم وخطرهم، والانتشار ومواقع النفوذ، ودورهم في هدم الخلافة الإسلامية
بعض تقاليد الدونمة وعاداتهم:
من تقاليد الدونمة وعاداتهم وليمة الخروف، فللدونمة أعياد كثيرة تزيد على العشرين، يحتفل بأهمها في اليوم الأول من فصل الربيع الثاني والعشرين من شهر مارس، وقد كتب أحدهم -وهو رشدي قراقاش زاده- موضحًا بعض مراسم هذا العيد فقال: "يحتفل بعيد الخروف في الثاني والعشرين من شهر مارس وهو عيد ليلي، حيث يؤكل لحم الخروف لأول مرة من عام جديد وذلك بمراسم خاصة، حيث تقتضي العادة أن يوجد في الحفلة الواحدة رجلان وامرأتان على
أقل تقدير، ويمكن أن يزيد العدد بشرط أن يكون الجنسان متساويين أي مع كل رجل امرأته زوجته، حيث ترتدي المرأة أفخر الثياب وتتزين بأثمن الحلي، وتقوم بتهيئة الطعام على المائدة، وبعد الطعام يبدأ اللهو وفي فترة من فتراته تطفأ الأنوار ويبقى الجميع في ظلام دامس، ويعتبر كل مولود يولد بسبب تلك الليلة مولودًا مباركًا".
ونشرت مجلة الدنيا المصورة التركية مقالًا عن هذا العيد ومراسمه وطقوسه قال فيه صاحبه: أعتقد أن الاحتفال بإطفاء الأنوار ما يزال من العادات المتبعة لدى القراقاش، وأغلب ظني أن العائلة التي أنا فرد منها كانت إلى عهد قريب تمارس هذه العادة، ولم أشترك في أي احتفال كهذا بسبب كوني عازبًا، وكلما أظهرت رغبتي في حضور الاحتفال دفعوني وقالوا: إن هذا الاحتفال للمتزوجين فقط.
وذكر البروفيسور "إبراهام جلنتي" في كتابه (وثائق عن عادات ومنظمات السباتاي الدونمة): "إن عادة إطفاء الأنوار عادة قديمة قدم العصور، أخذها السباتائيون كما أخذها النصيريون عن الأمم الغابرة"، كما نشرت جريدة المساء التركية خبرًا عن مراسلها في قرعش يقول فيه:"ألقت سلطات الأمن على جماعة من الرجال والنساء يمارسون عادة إطفاء الشموع وضبطتهم بالجرم المشهود، كما عثرت في الغرفة المجاورة بصالة الاحتفال على بعض الآلات الموسيقية".
ونشر علاء الدين غوسا خمس مقالات هامة في جريدة الأيام السبعة، وقد جاء في هذه المقالات:"كنت مديرًا لمدرسة تابعة لسباتائيي الدونمة بقرية مكري، وكان طباخ المدرسة سباتائيًّا أمرته في أحد أيام الربيع أن يطبخ لنا لحم خروف فرفض، فشكوته إلى الهيئة الإدارية فلم أفلح في شكواي، ولم أتمكن من إطعام أحد لحم خروف قبل أوانه أي في الثاني والعشرين من مارس".
ومن عاداتهم أيضًا المراوغة والدهاء، فقد جاء في العدد رقم 116 لجريدة الدنيا المصورة عن الدونمة السيلانيك: أنهم يعيشون بين ظهرانينا ويتكلمون بلغتنا،
يحسون في الظاهر بإحساسنا لكنهم في الحقيقة يأخذون الحيطة تجاه الأتراك، لا يناكحون إلا من كان منهم، يحيون حياة خاصة بهم من المهد إلى اللحد في أعراسهم ومآتمهم، وفي كل صفحة من صفحات عيشهم الاجتماعية منها والعائلية، فهل تعرف حقيقتهم؟! إن منهم أذكياء ورجال فكر جديرين بالتقدير خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية، وأثرهم في ذلك لا يمكن إنكاره أبدًا وعلى الأخص في استانبول وأزمير، وفي تركيا لا تزال بعض عادات الدونمة حية، فقد جاء في كتاب (وثائق عن عادات ومنظمات السباتاي): "لا تزال بعض العادات عند الدونمة متبعة ومعمولا بها ومنها:
أولًا: عادة ذبح الخروف وأكل لحمه في اليوم الأول من السنة اليهودية، وهي ذكرى فداء إسحاق على حد زعمهم.
ثانيًا: عادة حلق الشعور بالموسي لدى اليعقوبيين، وهي إحدى طوائفهم -كما سبق القول، وحلق الشعور بالموسي للرجال وتجديل الشعور إلى ضفائر رفيعة للنساء.
ثالثًا: لكل فرد منهم اسم آخر يهودي.
رابعًا: الالتحاء سمة من سماتهم.
خامسًا: لا يؤكل لحم الخروف في أول كل سنة يهودية إلا بعد إجراء الطقوس الخاصة بذلك اليوم، ومن يأكله في غير أوانه يكون معرضًا لعقوبة الموت طوال ذلك العام.
سادسًا: لا يجوز لأي واحد من الدونمة إنشاء علاقات جنسية مع امرأة ليست من الدونمة، ومن يفعل ذلك يكون من أهل النار.
سابعًا: لا يجوز للدونمة المبادرة إلى أداء التحية لغيرهم.
ثامنًا: الذهاب إلى ساحل البحر أو إلى ضفة النهر -أي بحر أو نهر- والقيام بالنداء التالي: "سباتاي زئيفي" نحن بانتظارك.
أثر الدونمة وخطرهم:
والأهم من ذلك هو خطر الدونمة وتأثيرهم ومدى التغيير الانقلابي الذي أحدثوه في المجتمع التركي، وانعكاسات ذلك على العالم الإسلامي:
فقد كان للدونمة أثر كبير في الإضرار بالعالم الإسلامي في السلوك الاجتماعي والأخلاقي والحضاري؛ إذ أسهموا إسهامًا مباشرًا في كل ما من شأنه هدم القيم الإسلامية لدى المجتمع، وتخريب الخلق والسلوك لدى المسلمين، فلقد كان ميل الشباب المسلم إلى التخلق بالعادات والتقاليد الغربية، واعتبارهم الإلحاد موضة عصرية مع انتشار الماسونية والفوضوية واحتقار الشعور الوطني، كل ذلك كان من عمل الدونمة.
فلقد هاجموا أولًا وبعنف حجاب المرأة المسلمة، ودعوا إلى السفور والتحلل من خلال الصحف التي وثبوا عليها وامتطوا أعنتها، وألهبوا ظهور الناس بسياط ألسنتهم المشرعة، بدعوى التحضر ومواكبة روح العصر، ثم دعوا إلى التعليم المختلط في الجامعات والمدارس، ففي التدريس المختلط يزول الحياء من وجه الشباب وقلوبهم وتنعدم البراءة في الأسر الإسلامية، وبدأت السخرية اللاذعة تظهر في المقالات المسلسلة لتنال من بعض تقاليد وعادات المجتمع الإسلامي، وزادوا من حدة دعاياتهم فنشروا الرسائل والكتب الكثيرة التي تتضمن الهجوم السافر أحيانًا، والمبطن أحيانًا أخرى، فكانت كمعاول هدم لا تنفك ضرباتها تتلاحق وتتتابع لتقوض الصرح الكبير.
ولم يجرؤ واحد من الناس في ذلك الحين على التعرض لهؤلاء في أية صحيفة أو مجلة؛ لأنها كانت أكثر الصحف والمجلات مملوكة لهم.
وثانيًا: لأن سرعان ما يتقدم أصحاب الجرائد والمجلات بالشكاوى إلى أقطاب الدولة؛ ليصار إلى مصادرة الردود المعارضة لهم والتنكيل بأصحابها، وأقطاب الدولة هؤلاء هم
الاتحاديون جماعة الاتحاد والترقي، الذين كان أكثرهم من الدونمة أو من تلاميذهم وحملة آرائهم والمنفذين لمخططاتهم، فمن الهدم الاجتماعي إلى الهدم السياسي للدولة العثمانية وكيانها؛ لأن كلا من السبيلين كان الدونمة يعملون في آن معًا على ولوجهما؛ بقصد الوصول إلى الهدف الكبير البعيد والقضاء على الإسلام، ومن المعروف تاريخيا أن كبار رجال الدولة في تركيا -من جمعية الاتحاد والترقي- كانوا على علاقات متينة بالدونمة في سيلانيك، يعتقدون اجتماعاتهم المشتركة في المحافل الماسونية هناك.
واستطاع اليهود والدونمة والماسون وآخرون لهم مطامع في البلاد العثمانية أن يؤثروا في عقول الشباب المثقف، ويسخرونهم لخدمة مطامعهم وأغراضهم عن علم أو جهل.
وخلاصة القول أنهم قادوا الجانب الأكبر من ثورة تركيا الفتاة ثورة الدستور، التي تحققت على يد مدحت باشا أبو الدستور العثماني كما قيل في حينه، هذه الثورة التي قام بها أساسًا اليهود الدونمة الذين أظهروا الإسلام، لكنهم ظلوا في الحقيقة يصارعون الإسلام، وبقيت علاقاتهم تقتصر على الأعمال الظاهرة فقط، هؤلاء الدونمة الذين لبسوا زي المسلمين زورًا وظلوا يهودًا في الحقيقة ومسلمين في الظاهر، كان لهم نصيب في مقدرات الشعب التركي وتطوره إلى الوضع الحالي.
ومن كتابات الاتحاديين ومذكراتهم نستطيع أن نتبين مقدار تأثير الدونمة على تحريك رياح الأحداث والتحكم في اتجاهاتها، فمثلًا نجد في مذكرات غالب باشا -الذي كان المفتش العام لقوات الدرك في استانبول- فبالنسبة لأحداث واحد وثلاثين من مارس المؤسفة التي انتهت بخلع السلطان عبد الحميد يذكر غالب باشا أنه خشي أن يناله سوء من العصاة فيعتصم بداره، وفي اليوم الرابع من بدء
العصيان يمم وجهه شطر مخازن آل السلتلكي؛ إحدى أسر الدونمة التي لها باع طويل في مجال الإعلام حاليًّا.
ويقول: "لم أستطع مغادرة بيتي حتى يوم السبت الرابع من إبريل، ولم أتمكن من الحصول على أية معلومات صحيحة عما يحدث. وفي الأيام الأربعة التي قضيتها في البيت كانت مملة ومحزنة، أما الصحف فكانت تزيد المرء كدرًا على كدر"، ويقول:"خرجت في اليوم الرابع من داري وعبرت إلى الجهة الغربية من استانبول، ومررت بطريقي إلى مخازن آل إبكجي التجارية فشعرت بأن رجلًا ذا لحية جعداء يتعقبني، حيث كانت هذه المخازن تحت المراقبة الدائمة".
وكتب غيره مثل هذا الكلام، وهذا يدل على ما نقوله دائمًا عن علاقة الدونمة بالاتحاد والترقي، فمدحت باشا الذي ورد ذكره قد أصبح رأس السلطة في يوم من الأيام، وهو واحد من أولئك اليهود روجت له الدعاية الماسونية في أنحاء الشرق العربي والغربي على أنه البطل العظيم، حامل لواء الإصلاح والحرية في السلطنة العثمانية، وسمته أبا الدستور وسخرت له أبواب الدعاية من صحف ومجلات وإذاعات، فوصل بذلك إلى أعلى الرتب منها باشوية سوريا والعراق، ومنصب الصدر الأعظم الذي يعتبر أكبر الرتب في السلطة العثمانية، ثم بعد ذلك بدأ يدس ويخرب كما تملي عليه يهوديته وماسونيته.
والانتشار ومواقع النفوذ:
غالبية الدونمة العظمى توجد الآن في تركيا، ولا يزالون إلى الآن يملكون في تركيا وسائل السيطرة على الإعلام والاقتصاد، ولهم مناصب حساسة جدًّا في الحكومة، وكانوا -كما قلنا- وراء تكوين جماعة الاتحاد والترقي التي كان جل
أعضائها منهم، كما ساهموا من موقعهم هذا في علمنة تركيا المسلمة، وسخروا كثيرًا من شباب المسلمين المخدوعين لخدمة أغراضهم التدميرية. دور يهود الدونمة في هدم الخلافة الإسلامية:
إن مدحت باشا تنقل في حكم ولايات عثمانية عديدة منها سوريا، ثم دبر مؤامرة خلع السلطان عبد العزيز، ثم دبر مؤامرة اغتياله بعد ستة أيام من خلعه، ومدحت باشا هو ابن حاخام مجري اشتهر بالمكر والخداع والدهاء، ووصل إلى أعلى مناصب الدولة ليكون أقوى يهودي يتمكن من بذر الفتن في الدولة العثمانية، متظاهرًا بالإسلام مبطنًا يهوديته الحاقدة الماكرة، ونجح يهود الدونمة بمساعدة محافل الماسون في تكوين جمعية تركيا الفتاة، التي كان مدحت باشا نفسه أول مؤسسيها.
تفرع عن تركيا الفتاة حزب أو جمعية سموها الاتحاد والترقي، حملت شعار الحرية والإخاء والمساواة الذي نقلته عن باريس، وهو شعار الثورة الفرنسية التي دبرها الماسون كذلك، وقامت تنظيمات الاتحاد والترقي على غرار جمعية الكربوناري الإيطالية الإجرامية، التي شكلها الماسون في أوائل القرن التاسع عشر، ومن الجمعيات التي أوجدها اليهود في تركيا البكتاشية التي كانت في ظاهرها إحدى الطرق الصوفية، وفي حقيقتها فرقة باطنية تسير حسب خطط اليهودية العالمية والماسونية.
وهكذا نرى دور يهود الدونمة في القضاء على الخلافة الإسلامية، وعزل السلطان عبد الحميد عن الخلافة العثمانية، إذ إنهم حينما أدركوا ثبات السلطان عبد الحميد في وجه أطماعهم زادوا من تآمرهم لإسقاطه، استعانوا بالقوى الشريرة التي نذرت نفسها لتمزيق ديار الإسلام، وأهمها الماسونية والجمعيات السرية، ونقل هذا عن مصطفى كمال في كتبه وغيرها.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.