الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما اندسَّ في الاستشراق يهود كثيرون ينافقون النصارى، ويخدمون سرًّا أهدافًا يهودية ضمن المخطط اليهودي العام، وظهر ضمن المستشرقين نفر عني بالدراسات الاستشراقية؛ رغبة في البحث العلمي المتجرد، دون أن يكون مدفوعًا بدافع تنصيري أو دافع استعماري، وكان من بعض هؤلاء إنصاف للحقيقة دون تحيز، وبعض هؤلاء المنصفين تأثر بالإسلام وبالحضارة الإسلامية، واستطاع أن يتحرر من تقاليده العمياء، وعصبيته الجاهلية فأسلم.
ثم اتسعت الدراسات الاستشراقية لأهداف متعددة اقتصادية وسياسية، وعسكرية، وعلمية، وغير ذلك واحتلَّ كثير من المستشرقين مراكز علمية مرموقة في الجامعات الغربية، وأوكل إليهم في هذه الجامعات أمر منح الشرقيين في العلوم الإسلامية والعربية الشهادات العليا، كالماجستير، والدكتوراه؛ بغية صناعة حملة شهادات من بلدان العالم الإسلامي طبق ما يريده المنصرون والمستعمرون. واستغل اليهود هذا المجال من مجالات الاستشراق استغلالًا واسعًا حتى أمسى عدد وفير من كراسي الأستاذية للدراسات الاستشراقية في الجامعات الغربية يحتله اليهود؛ يعملون لتحقيق أهداف اليهود، وهم يلبسون بين النصارى أقنعة مزورة، كما أن لليهود مندسين كثيرين في كل مجال من مجالات الاستشراق الأخرى بأسماء يهودية، أو بأسماء مستعارة.
موجز تاريخ الاستشراق
فلا يعرف بالضبط من هو أول غربي عني بالدراسات الشرقية، ولا في أي وقت كان ذلك؛ ولذلك اختلف العلماء في تحديد البداية الحقيقية للاستشراق، ولكن من المؤكد أن بعض الرهبان الغربيين قصدوا الأندلس في إبان عظمتها ومجدها، وتثقفوا في مدارسها، وترجموا القرآن والكتب العربية إلى لغتهم، وتتلمذوا على
علماء المسلمين في مختلف العلوم، وبخاصة في الطب، والفلسفة، والرياضيات. ومن هؤلاء الرهبان الراهب الفرنسي جربرت الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام 999، بعد تعلمه في معاهد الأندلس، وعودته إلى بلاده، ومنهم أيضًا الراهب بطرس المحترم، ومنهم أيضًا الراهب جيرادي كيرمون.
وبعد أن عاد هؤلاء الرهبان نشروا الثقافة المكتوبة باللسان العربي، ونشروا مؤلفات أشهر علماء المسلمين والعرب، ثم أسست المعاهد أقسامًا للدراسات العربية، ومدارس لدراستها مثل: مدرسة بادوي العربية، كذلك أخذت الأديرة والمدارس الغربية تدرس مؤلفات العرب المترجمة إلى اللاتينية، وهي لغة العلم في جميع بلاد أوربا يومئذ، استمرت الجامعات الغربية تعتمد على الكتب العربية، وتعتبرها المراجع الأصلية للدراسة قرابة ستة قرون.
ولم ينقطع منذ ذلك الوقت وجود أفراد درسوا الإسلام واللغة العربية، وترجموا القرآن وبعض الكتب العربية العلمية والأدبية؛ حتى جاء القرن الثامن عشر وهو العصر الذي بدأ فيه الغرب في استعمار العالم الإسلامي، والاستيلاء على ممتلكاته، فإذا بعدد من علماء الغرب ينبغون في الاستشراق، ويصدرون لذلك المجلات في جميع الممالك الغربية، ويُغيرون على المخطوطات العربية في البلاد العربية والإسلامية، فيشترونها من أصحابها الجهلة، أو يسرقونها من المكتبات العامة التي كانت في نهاية الفوضى، وينقلون هذه المخطوطات إلى بلادهم ومكتباتهم، وإذ بأعداد هائلة من نوادر المخطوطات العربية تنتقل إلى مكتبات أوربا، وقد بلغت في أوائل القرن التاسع عشر مائتين خمسين ألف مجلدٍ، وما زال هذا العدد يتزايد حتى اليوم.
وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر عُقد أول مؤتمر للمستشرقين في باريس عام 1873، وتتالى عقد المؤتمرات التي تُلقى فيها الدراسات عن الشرق،
وأدبياته، وأديانه، وحضاراته، وما تزال تعقد حتى هذه الأيام، قد بدأ الاستشراق إذن منذ دقت جيوش الفتح الإسلامي أبواب أوربا العريضة، وكان المسلمون قد احتلوا عرش السيادة الدولية، وملئوا سمع الزمان وبصره وسائر مشاعره. وأخذت أوربا الغارقة في الجهل والتخلف الحضاري يومئذ تبحث عن أسباب نهضة المسلمين، وعن أسباب بلوغهم هذا المجد العظيم الذي بلغوه؛ فأخذ بعض رجال الكنيسة الأوربيين يدرسون علوم هؤلاء الفاتحين ولغتهم، لعلهم يظفرون بما يوقفون به مد هذا الفتح الإسلامي، ولعلهم يكتسبون من علوم المسلمين ما ينفعهم في إنقاذهم من تخلفهم، ويفتح لهم أبواب الارتقاء.
فكان الاستشراق طلبًا لعلوم الشرقيين ولغاتهم وأوضاعهم وبحثًا عنها، وفي أعقاب الحروب الصليبية وضعت الخطة لغزو المسلمين بوسائل أخرى غير وسيلة الحرب المسلحة بالأسلحة المادية، واقتضت خطة الغزو الجديد التوسع في الدراسات الاستشراقية؛ لتكون تمهيدًا لهذا الغزو، وإعدادًا لشروطه الفكرية والنفسية، ولما كان المحركون للحروب الصليبية من رجال الكهنوت الأوربيين والعلوم العليا تكاد تكون منحصرة في الكنيسة لديهم يومئذ؛ كان أول المتوجهين للدراسات الشرقية من هؤلاء الرجال هم الرهبان، ولا ريب أن أغراضهم في ذلك تواكب أغراض الحروب الصليبية التي هي أخذت أسلوبًا جديدًا في الغزو غير أسلوب الغزو المادي المسلح بالأدوات الحديدية، وكذلك تتفق أهدافهم مع أهداف التنصير، أو كما يسمونه التبشير بالمسيحية.
وانطلق المتوجهون للدراسات الشرقية يعملون في هذا المضمار بجد، ويترجمون إلى لغاتهم كتبًا كثيرة من كتب المسلمين، ونبتت نابتة الفكر الاستعماري في دول
أوربا بعد نهضتها، واحتاج الطامعون باستعمار بلاد المسلمين إلى زاد من الدراسات الشرقية، فوجهت الدوائر الاستعمارية أعدادًا من المتعلمين في بلادها للتفرغ للدراسات الشرقية من جوانب متعددة لغوية، ودينية، واجتماعية، وتاريخية، وسياسية، وغير ذلك. وكان كثير منهم من منسوبي الكنيسة الذين يحملون في نفوسهم أهداف التنصير، فالتقت في الاستشراق أهداف جمعيات التنصير، وأهداف الدوائر الاستعمارية. ومن طبيعة الأهداف التي تسبق الأعمال في التصور أن تكون موجهة للأعمال، ومؤثرة فيها، إلا من نما في قلبه وجدان حب الحق، وسيطرت عليه الرغبة بنصرته ولو كان ضد هواه وضد عصبياته الخاصة وقليل ما هم.
ثم أسست للاستشراق معاهد، وتألفت جمعيات من المستشرقين للتعاون في الأعمال المتعلقة بالدراسات والعلوم الشرقية، كنشر بعض المخطوطات العربية، ووضع الفهارس الشاملة لبعض الكتب الإسلامية الأصول، ووضع بعض المعاجم المفهرسة، وتفصيل آيات القرآن الكريم بحسب موضوعاتها ونحو ذلك؛ بل ودخلت هذه الدراسات الشرقية في الجامعات الكبرى، فكان لها فروع حتى مستوى تحصيل شهادة الدكتوراه.
وأخذ فريق من المستشرقين يؤلف المؤلفات المتعلقة بالعلوم الإسلامية لخدمة أهداف الاستشراق الأساسية الرامية إلى تشويه الإسلام، وتشويه التاريخ الإسلامي، ووضع الشبهات، وتصيد الأدلة لها، وتوجيه الانتقادات الملفقة إلى أحكام الإسلام وشرائعه، وتتبع الأخبار الساقطة، والأقوال الضعيفة المردودة، وتفسير الظواهر تفسيرًا ماديًّا بحسب ما يروق لهم، وشرح النصوص القرآنية على أساس أن القرآن ليس من كلام الله، وليس كتابًا
منزلًا، وشرح الأحاديث النبوية على أساس أن محمدًا عبقري من الناس، وليس برسول كسائر الرسل، وتعليل الفتح الإسلامية بالرغبات الشخصية المماثلة للرغبات التي توجد عند الاستعماريين، وإبعاد كل دافع إسلامي عن كل حدث تاريخي للمسلمين، ومحاولات التحريف في النصوص عند الاستشهاد بها، واللجوء إلى المغالطات الكثيرة لدى مناقشة الموضوعات الإسلامية، وتعمد إبراز سقطات الفساق من المسلمين في مدى تاريخهم الطويل، والتشكيك بصحة الأحاديث الصحيحة المروية بتوجيه المطاعن إلى رواة الحديث، ولو كانوا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك التشكيك بالقرآن الكريم بتوجيه المطاعن المفتراة إلى نقله، وتدوينه، والقراءات الثابتة فيه، وإلى مضامينه، وتوجيه المطاعن إلى ظاهرة الوحي التي تلقى بها الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب ربه، إلى غير ذلك من أمور لا تحصى وأساسها جميعًا الرغبة بإبطال الحق؛ تعصبًا واتباعًا للهوى.
ورأى اليهود الاستشراق بابًا خطيرًا من أبواب التسلل إلى البلاد التي يحلمون بالسيطرة عليها وفق طريقتهم، ويريدون أن يتخذوا لأنفسهم صنائع فيها من أبنائها فتخصص فريق منهم بالدراسات الشرقية وتابعوا المسيرة ضمن الخطط اليهودية، حتى احتل اليهود عددًا وفيرًا من كراسي الدراسات الشرقية في الجامعات الكبرى، وأخذوا يخدمون الأغراض اليهودية الصهيونية في هذا المجال تحت ستار خدمة أغراض المستشرقين المسيحيين، وأغراض الدوائر الاستعمارية، ودخل الأوربيون الشرقيون بعد نجاح الثورة الشيوعية في بلادهم ميادين الاستشراق تبعًا للغرب؛ وبغية استخدام دراساتهم في هذا المجال لتقويض الإسلام، واستدراج الشعوب الإسلامية إلى الشيوعية.