الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاهدون وجادون في محو كل القيم الإنسانية أو أي شيء يؤدي إلى احترام إنسانية الإنسان، معلوم أنهم يعرفون تلك الحقيقة ولكنهم يتحاشون البوح بها؛ لئلا يؤدي ذلك إلى احترام القيم والمثل، ولئلا يؤدي ذلك إلى التهذيب الديني للإنسان، الذي يجعل كل الفضائل للمادة خيرًا من جعلها للإنسان في ميزان الملاحدة؛ لأن المادة لا خطر من ورائها، ولا يؤدي احترامها إلى فرض القيم الدينية التي يخافونها، والتي تذكرهم باستبداد الدين النصراني المحرف.
فتطور الإنسان في حياته المادية في معيشته وفي طريقة سكنه وفي ملبسه ومركبه أمر واقع، فقد كان الناس يركبون الجمال والبغال والخيل، واليوم أصبحوا يركبون السيارات والطائرات والسفن، وغير ذلك من الوسائل التي تطور فيها الناس، وهذا التطور بهذا المفهوم أمر حقيقي لا يجهله أحد، إلا أنه لم يكن نتيجة لتصادم الحاجات، كما أن وجود القيم الإنسانية والأخلاق والدين وسائر الفضائل -التي امتاز بها الإنسان عن الحيوانات البهيمية- لم تنشأ عن صراع وتناقض، ولم يكن فيها الإنسان كالحيوان في المعايير والقيم والسلوك، كما قرره الملاحدة حسب ما استخلصوه من نظرية "داروين" و"فرويد".
الشيوعية والأسرة
يزعمون أن نظام الأسرة إنما هو ناشئ عن أوضاع اقتصادية، مثله مثل سائر القيم والأخلاق، وليس هناك نظام إلهي بشأنه، ولهذا فنظام الأسرة في نظرهم قابل للتطور حسب الأحوال الاقتصادية؛ لأن الأسرة في النظام الشيوعي إنما نشأت عن تطورات متلاحقة، حسب تفسيرهم المادي للحياة، وكانت بداية الأسرة على الأقسام الآتية:
القسم الأول: أسرة الجيل.
القسم الثاني: أسرة الشركاء.
القسم الثالث: الأسرة الزوجية.
القسم الرابع: الأسرة الوحدانية.
أما القسم الأول -وهو أسرة الجيل كما تصوروها- فيزعمون أن العلاقات الجنسية كانت مباحة فيها بين أبناء الجيل الواحد، بين الإخوة والأخوات ومحرمة فيما دون ذلك، أي بين جيل الآباء وجيل الأبناء، ثم حدث تطور جديد فحرمت فيه العلاقة الجنسية بين الإخوة والأخوات بطريقة تدريجية، أما أسرة الشركاء فكانت العلاقات الجنسية فيها مباحة للجميع في شراكة تامة، بحيث أصبح الولد لا يعرف له أبًا، ومن هذه الأسرة انبثقت أسرة العشيرة. أما الأسرة الزوجية فقد عرفت بمباشرة الرجل لزوجة واحدة في رباط زوجي، وأما الأسرة الوحدانية فهي الأسرة التي تقوم على سيطرة الرجل، ولا شك أن هذا التقسيم وهذا التنظيم إنما هو محض خيال وافتراء، ومن العجيب أنهم يعترفون أن الناس في ذلك الزمن ما كانوا يعرفون الحضارة ولا التقدم ولا القراءة ولا الكتابة، فمن أين لهم هذه السجلات التي استقوا منها هذه المعلومات الموغلة في القدم {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (النمل: 64).
والإنسان في مفهومهم مرة يجعلونه بدائيًّا تافهًا بل حشرة من الحشرات، ومرة يجعلونه أساس التطور حينما يعيش على نظام كل شيء مشاع، ولهذا فهم يريدون أن يرجعوا الناس إلى تلك الحال التي يعبرون عنها بالحال السعيدة للمجتمع البشري، والباطل لابد وأن يتناقض أهله فيه. لقد داس الملاحدة على كل القيم إذ لا وجود لها عندهم، إلا من خلال ما تمر عليه الظروف
الاقتصادية، التي هي المؤسس الحقيقي بزعمهم لكل القيم والأخلاق والأسرة والدين وسائر العلاقات، ومن هنا ساغ لهم القول بأن الملكية الجماعية الشيوعية في زمن الشيوعية الأولى البدائية كانت صوابًا؛ لأنها كانت هي الوضع الحتمي لذلك الوقت، ثم تغيرت بفعل التطور إلى ملكية فردية، وكانت كذلك مرحلة مرت ثم نشأ الرق والإقطاع إلى آخر ما يقولون.
لقد نسي أولئك الملاحدة -أو تناسوا عمدًا- أن الذين أقبلوا على الفوضى الجنسية وقطع العلاقات الأسرية؛ نسوا أن هؤلاء يعيشون عيشة ملؤها القلق والاضطراب والأمراض العصبية، مع أنهم يتوفر لهم كل ما يطلبونه من المتع الجنسية ومن المال أيضًا، ولكن لماذا يبادر أولئك إلى الانتحار المتتابع؟! وما أكثره في أوروبا بين الرجال والنساء والأحداث، وما أكثر ما يتأوه عقلاؤهم من أوضاعهم التي تزداد سوءًا كلما ازداد تفكك الأسر، وفشت الجرائم تحت تسمياتهم الخادعة، ما خدعوا به الناس وأخرجوهم عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها إلى الشقاء وتأنيب الضمير.
وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.