الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاكم المستبد الذي يضرب خصومه بيد من حديد، دون أدنى مراعاة للقيم الأخلاقية.
كما أضعف في عهده كيان الأزهر وقام بإلغاء الأوقاف الإسلامية والمحاكم الشرعية، وأصبح للمخابرات والمباحث العامة والأمن القومي السيطرة على كل المؤسسات في الدولة، والمؤمل إذا تجملت الناصرية -بعد أن سمح لها من جديد بتشكيل حزب سياسي في مصر- المؤمل أن يفتح أنصارها عيونهم على هذه الحقائق المؤلمة، ويصححوا مسارها نحو فهم جديد مستند للإسلام كأهم عنصر إيجابي في تحقيق حكم نظيف، قوامه العدالة الاجتماعية وإنجاز الحرية والشورى كأساس متين لتجمع المسلمين ووحدتهم، ولعلهم بذلك يخفون وجه الناصرية القبيح، ويقضون على آثارها ولهم في ماضيهم عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
تعريف البعثيين والتأسيس وأبرز الشخصيات في حزب البعث، وتقييم الأفكار والمعتقدات
الحديث عن البعثيين:
حزب البعث حزب قومي علماني يدعو إلى الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم العربية، لصهرها وتحويلها إلى التوجه الاشتراكي، ولهم شعار معلن وهو: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وهي رسالة الحزب، أما أهدافه فتتمثل في: الوحدة والحرية والاشتراكية.
ونبدأ من سنة 1932 حين عاد من باريس قادمًا إلى دمشق كل من ميشيل عفلق -وهو نصراني ينتمي إلى الكنيسة الشرقية- وصلاح البيطار، وذلك بعد
دراستهما العالية وهما يحملان أفكارًا قومية وثقافة أجنبية، عادا إلى دمشق وعمل كل من عفلق والبيطار في التدريس، ومن خلال تدريسهما أخذا ينشران أفكارهما بين الزملاء والطلاب والشباب، وقد أصدر التجمع الذي أنشأه ميشيل عفلق وصلاح البيطار مجلة سميت مجلة الطليعة مع الماركسيين، وكان هذا في سنة 1934، وكانوا يطلقون على أنفسهم اسم جماعة الإحياء العربي.
في سنة 1947 تم تأسيس الحزب تحت اسم: حزب البعث العربي، وقد كان من المؤسسين لهذا الحزب ميشيل عفلق وصلاح البيطار، وجلال السيد وزكي الأرسوزي، كما قاموا بإصدار مجلة باسم البعث، وكان لحزب البعث بعد ذلك دور فاعل في الحكومات التي طرأت على سوريا بعد الاستقلال سنة 1946، وهذه الحكومات هي:
الحكومة الأولى: حكومة شكري القوتلي من سنة 1946 حتى سنة 1949.
الحكومة الثانية: حكومة حسني الزعيم، وتسلم السلطة عدة شهور في سنة 1949.
الحكومة الثالثة: حكومة اللواء سامي الحناوي، وقد بدأ حكمه وانتهى في نفس عام 1949.
والحكومة الرابعة: حكومة أديب الشيشكلي واستمر حكمه حتى سنة 1954.
ثم الحكومة الخامسة: وهي حكومة شكري القوتلي وقد عاد إلى الحكم مرة ثانية، واستمر إلى توقيع اتفاقية الوحدة مع مصر سنة 1958.
ثم الحكومة السادسة: وهي حكومة الوحدة مع مصر برئاسة جمال عبد الناصر، من سنة 1958 إلى سنة 1961 للميلاد.
ثم الحكومة السابعة: وهي حكومة الانفصال برئاسة الدكتور ناظم القدسي، وقد دام الانفصال من سنة 1961 حتى 1963، وقد قاد حركة الانفصال عبد الكريم النحلاوي.
ومنذ 1963 وإلى اليوم فقد وقعت سوريا تحت حكم حزب البعث، وقد مرت هذه الفترة بعدة حكومات بعثية هي: حكومة قيادة الثورة سنة 1963، وفيها برز صلاح البيطار رئيسًا للوزراء، ثم حكومة أمين الحافظ من سنة 1963 وحتى 1966، ثم حكومة نور الدين الأتاسي من سنة 1966 إلى سنة 1970، إذ لعبت القيادة القطرية للحزب دورًا بارزًا في الحكم، وقد برز في هذه الفترة كل من صلاح جديد الذي عمل أمينًا عامًّا للقيادة القطرية، وحافظ الأسد الذي عمل وزيرًا للدفاع، ثم حكومة حافظ الأسد من سنة 1970 ثم حكومة ابنه وإلى يومنا هذا.
ومن الشخصيات السورية البارزة التي ظهرت في تاريخ الحزب شخصيات كثيرة؛ نذكر منها: سامي الجندي الذي تقلد منصب وزير الإعلام بعد انقلاب 63، وحمود الشوفي وقد عمل سكرتيرًا عامًّا للقيادة القطرية الأولى، إلا أنه انشق وجماعته عن الحزب سنة 1964، وهو الآن في العراق، ومصطفى طلاس وهو ولد سنة 1932، ودرس في الكلية العسكرية وعمل رئيسًا لمحكمة الأمن القومي ورئيس أركان اللواء المدرع، ثم صار وزيرًا للدفاع. ومن الشخصيات أيضًا اللواء يوسف شكور واللواء ناجي جميل وغيرهما من الشخصيات.
أما عن الجناح العراقي من حزب البعث؛ فقد استولى على السلطة في العراق، بعد أحداث دامية سارت على النحو التالي؛ ففي الرابع عشر من شهر يوليو عام 1958 دخل لواء بقيادة عبد السلام عارف إلى بغداد قادمًا من الأردن، واستولى
على محطة الإذاعة وأعلن الثورة على النظام الملكي، وقتل الملك فيصل الثاني وولي عهده عبد الإله ونوري السعيد وأعوانه، وأسقط النظام الملكي وبذلك انتهى عهد الملك فيصل، ودخل العراق دوامة الانقلابات العسكرية.
وفي اليوم الرابع والعشرين من شهر يوليو عام 1958 - أي بعد عشرة أيام من نشوب الثورة- وصل ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث وزعيمه إلى بغداد، وحاول إقناع أركان النظام الجديد بالانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة: سوريا ومصر، لكن الحزب الشيوعي العراقي أحبط مساعيه ونادى بعبد الكريم قاسم زعيمًا أوحد للعراق.
وفي يوم الثامن من شهر فبراير سنة 1963 قام حزب البعث بانقلاب على نظام عبد الكريم قاسم، وقد شهد هذا الانقلاب قتالًا شرسًا دار في شوارع بغداد، وبعد نجاح هذا المتطرف من حزب البعث تشكلت أول حكومة بعثية، سرعان ما نشب خلاف بين الجناح المعتدل والجناح المتطرف من حزب البعث، فاغتنم عبد السلام عارف هذه الفرصة وأسقط أول حكومة بعثية في تاريخ العراق، وعين عبدُ السلام عارف: أحمد حسن البكر أحد الضباط البعثيين المعتدلين نائبًا لرئيس الجمهورية.
في شهر فبراير سنة 1964 أوصى ميشيل عفلق بتعيين صدام حسين عضوًا في القيادة القطرية لفرع حزب البعث العراقي. وفي شهر سبتمبر سنة 1966 قام حزب البعث العراقي -بالتحالف مع ضباط غير بعثيين- قام بانقلاب ناجح أسقط نظام عبد الرحمن عارف. وفي اليوم الثلاثين من شهر يوليو طرد حزب البعث جميع من تعاونوا معه في انقلابه الناجح على عبد الرحمن عارف، وعين أحمد حسن البكر رئيسًا لمجلس قيادة الثورة ورئيسًا للجمهورية وقائدًا عامًّا
للجيش، وأصبح صدام حسين نائبًا لرئيس مجلس قيادة الثورة ومسئولًا عن الأمن الداخلي.
وفي الخامس عشر من أكتوبر سنة 1970 تم اغتيال الفريق حردان التكريتي في مدينة الكويت، وكان من أبرز أعضاء حزب البعث العراقي وعضوًا في مجلس قيادة الثورة، ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع.
في السادس من شهر مارس عام 1975 وقعت الحكومة البعثية العراقية مع شاه إيران الاتفاقية المعروفة باتفاقية الجزائر، وقد وقعها عن العراق صدام حسين، وتقضي الاتفاقية المذكورة بأن يوافق العراق على المطالب الإقليمية للشاه، في مقابل وقف الشاه مساندته للأكراد في ثورتهم على النظام العراقي
…
وفي شهر أكتوبر سنة 1978 طردت الحكومة البعثية الخميني من العراق، وقامت في شهر فبراير عام 1979 الثورة الخمينية في إيران.
وإذا تحدثنا عن سلوكيات ومبادئ حزب البعث في العراق فإنه:
أولًا: نادى مؤسسو الحزب بضرورة الأخذ بنظام الحزب الواحد لأنه كما يقول: إن القدر الذي حملنا هذه الرسالة خولنا أيضًا حق الأمر والكلام بقوة، والعمل بقسوة لفرض تعليمات الحزب، ومن ثم لا يوجد أي مواطن عراقي يتمتع بأبسط قدر من الحرية الشخصية أو السياسية، فكل شيء في دولة حزب البعث العراقي يخضع لرقابة بوليسية صارمة، تشكل دوائر المباحث والمخابرات والأمن ونواة الاتصالات الوحيدة بين المواطنين والنظام.
ثانيًا: تتركز سياسة الحزب على قطع جميع الروابط بين العروبة والإسلام، كما ينادي بفصل الدين عن السياسة، والمساواة في نظرتها للأمور بين شريعة
حمورابي وشرائع الجاهلية، وبين دين محمد عليه الصلاة والسلام وغيرها، وجعلها جميعًا تتساوى في بعث الأمة العربية، وفي التعبير عن شعورها بالحياة.
كما ادعت -ثالثًا- سياسة الحزب: أن تحقيق الاشتراكية شرط أساسي لبقاء الأمة العربية ولإمكان تقدمها، مع أن النتيجة الحتمية للسياسة الاشتراكية -التي طبقت في العراق- لم تجلب الرخاء للشعب ولم ترفع مستوى الفقراء، ولكنها ساوت الجميع في الفقر، وبعد أن كان العراق قمة في الثراء ووفرة الموارد والثروات، أصبح بطش حزب البعث عاجزًا عن توفير القوت السياسي لشعبه.
رابعًا: قيام حزب البعث بتجريد الدستور العراقي من كل القوانين التي تمت إلى الإسلام بصلة، وأصبحت العلمانية هي دستور العراق، وأصبحت معتقدات البعثي ومبادئه هي مصادر التشريع لقوانينه، وقد ورد في التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع والمنعقد في بغداد في شهر يونيو من عام 1982 ما يلي:
وأما الظاهرة الدينية في العصر الراهن فإنها ظاهرة سلفية ومتخلفة في النظرة والممارسة، ومن الأخطاء التي ارتكبت في هذا الميدان أن بعض الحزبيين صاروا يمارسون الطقوس الدينية -هكذا يقولون- وشيئًا فشيئًا صارت المفاهيم الدينية تغلب على المفاهيم الحزبية، إن النضال ضد هذه الظاهرة -يقصدون الظاهرة الدينية- يجب أن يستهدفها الحزب حيث وجدت؛ لأنها كلها تعبر عن موقف معاد للشعب وللحزب وللثورة وللقضية القومية.
ولذلك فقد اتجه صدام حسين وحزبه إلى إعلان الحرب على الإسلام، والعاملين له في جميع المجالات، فقد قام بقتل سبعة وأربعين عالمًا وداعية، نشرت أسماؤهم في تقارير منظمة العفو الدولية، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز البدري وهو من علماء أهل السنة، ومحمد باقر الصدر من أئمة المذهب الشيعي، كما اغتال عددًا
كبيرًا من العلماء الذين أرسلهم للتفاوض مع مصطفى البرزاني -الزعيم الكردي- إذ أجبرهم على ارتداء ملابس مفخخة انفجرت فيهم، وقتلت عددًا كبيرًا منهم، وكذلك تتابعت القرارات الصدامية بإعدام المئات من الشخصيات الإسلامية. أيضًا أحال الكثيرين من أساتذة الجامعات -من أصحاب الأفكار المتحررة- إلى التقاعد، ثم قدمهم إلى المحاكمة وصدرت بحقهم أحكام مختلفة بعد طردهم من وظائفهم، قد أصدر أوامره بإغلاق مئات المساجد في العراق، وأصدر أوامره بمحاربة الكتاب الإسلامي وعدم السماح به في المكتبات العامة.
فحزب البعث حزب قومي علماني انقلابي له أطروحات فكرية متعددة، وهو يتكلم عن أشياء كثيرة يتعذر الجمع بينها أحيانًا فضلًا عن الاقتناع بها، ولقد كانت له أقوال فترة ما قبل السلطة وممارسات وأقوال فترة ما بعدها، وهم يتحدثون عن الرابطة القومية ويعتبرون أنها هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدول العربية، التي تكفل الانسجام بين المواطنين وتكفل انصهارهم في بوتقة واحدة، وتكبح جماح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية، حتى قال شاعرهم:
آمنت بالبعث ربًّا لا شريك له
…
وبالعروبة دينًا ما له ثانِ
- وإذا حاولنا أن نناقش فكرة القومية العربية والزعم -كما يقول حزب البعث- بالأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، نسأل: ما هي هذه الرسالة الخالدة التي يحملها العرب ويقدمونها للناس؟:
- فالذي يتبادر إلى أذهان الأصدقاء والخصوم جميعا أن هذه الرسالة ليست شيئا آخر غير الإسلام، لكن السيد ميشيل عفلق -مؤسس حزب البعث- يقول لنا كلامًا آخر يؤكد فيه أن للعرب رسالة أخرى، تقوم على فهمهم الصحيح
لأنفسهم وإدراكهم الجريء لقضاياهم وتحررهم فيقول: "طالما وجه إلى أعضاء الحركة وأصدقائها السؤال عما نعني بالرسالة الخالدة، وكنت دومًا أجيب جوابًا بسيطًا لهؤلاء الذين يظن أكثرهم أن رسالة العربية الخالدة هي حضارة وقيم معينة، يستطيع العرب في المستقبل -عندما يبلغون المستوى الراقي السليم المبدع- أن يحققوها وينشروها بين البشر".
إن كلام ميشيل عفلق في شرح الرسالات العربية الخالدة لا يحمل في أطوائه ذرة من منطق، فهذا الكلام لو قاله زعيم سياسي في أنجولا أو في الكونغو يصور به رغبات قومه في الحرية، ورسائلهم في الكفاح ما جاوز به وقائع أمته المتطلعة إلى مستقبل أفضل، لكن تسمية هذا الكلام شرحًا لمعنى الرسالة الخالدة هو الشيء الذي يستحق الضحك! أي رسالة خالدة شرحها هذا الكلام؟! إن الشيء الوحيد الواضح في هذه السطور هو صرف الأذهان بجرأة وإصرار عن الحضارة والقيم، التي تميز العرب بحملها طوال تاريخهم العريق، أي صرف العرب عن الإسلام والله عز وجل يقول للعرب في كتابه الكريم بعدما شرفهم بالإسلام:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110).
وهذه الجمل الواضحة تكشف للعرب عن وظيفتهم في الحياة ورسالتهم بين الناس: حراسة الفضيلة ونشر شعارها ومحاصرة الرذيلة وطي عارها، والالتفاف حول الإيمان بالله وحده وقمع الإلحاد والعوج، وتسخير قوى الأمة كلها لبلوغ هذه الأهداف الإنسانية، هذه هي رسالة الأمة العربية، فنحن لا نفهم من الرسالة أنها الحضارة التي لا نستطيع الآن تحقيقها، ولكننا نفهم من الرسالة ما ذكر في كتاب الله الكريم:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} نعم تلك هي وظيفة أمة العرب في العالم مؤازرة الخير ومناصرة أهله.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.