الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رئيس مجلس السوفيت على نفسه من أقرب الناس إليه، وإن أردت دليلًا على ذلك، فإليك مثلًا ستالين الذي كان في يوم من الأيام إله للشيوعيين، ثم عادوا إليه فحطموا آثاره، وأهالوا عليه تراب التهم والسباب واللعان، وهكذا {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} (الأعراف: 38).
خامسًا: أثبت الواقع التاريخي أن الاشتراكية حرب على الأديان، فهي تنكرها من أصلها، وتعتبرها خرافة، ما سمحوا به في الأيام الأخيرة من فتح بعض المساجد والكنائس القديمة التي لم تحطمها الثورة الشيوعية ما هو إلا ذر للرماد في أعين الشعوب المحافظة على دينها، حتى تنساق وراء الاشتراكية بدافع من الجري وراء لقمة العيش، التي تغذيها المسغبة في كثير من أنحاء بلاد العالم، هم يتخذون هذا للدعاية فقط، حين يقدم زائر مسلم كي يرى مساجد مفتوحة وناسًا يؤمونها للصلاة فيها، ولا يعلم هذا الزائر أتفتح المساجد بصورة دائمة أم لا، ولا يجرؤ أحد من الذين يعيشون في ظل النظام الشيوعي أن يقول الحق، ثم إنهم حين يفعلون ذلك لا يسمحون بدراسة الدين في المدارس، أو يبيحون لأصحاب الأديان أن يعلموا أبناءهم الدين، فهم يعتبرونها بقايا أثرية للأديان تعرض في المناسبات كما تعرض الآثار في المتاحف.
الأدلة على بطلان الاشتراكية، ونظرية التملك في الإسلام
الأدلة على بطلان الاشتراكية:
فذكر كثير من العلماء أدلة كثيرة على بطلان المذهب الاشتراكي، ومنهم مثلًا ما أورده الشيخ العثيمين في كتابه (الأدلة على بطلان الاشتراكية)، قد جمع أدلة كثيرة نذكر بعضها على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر.
الوجه الأول من أوجه بطلان المذهب الاشتراكي: أن هذا المذهب الاشتراكي لم يكن موجودًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين، ولا في من بعدهم من الممالك الإسلامية، وحينئذ فإما أن يكون الحق فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون ومن بعدهم من ولاة المسلمين وأئمتهم، أو فيما كان عليه هؤلاء الاشتراكيون، والثاني باطل قطعًا. وإلا لزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وأئمة المسلمين من بعدهم كانوا على ضراء وجور، وهضم للشعوب حقوقها حتى يأتي أفراخ الشيوعية، وبعد مضي ثلاثة عشر قرنًا وأكثر من ثلاثة أرباع القرون، فيسيروا في عباد الله السيرة التي يرضاها الله، سيرة مبنية على العدل والرحمة، وإيصال حقوق الشعوب إليها بسلب الشعوب ونهبها، وسومها سوء العذاب، وقتل مواهبها، وإلقاء العداوة والبغضاء بينها، هذا هو العدل، وهذه هي الرحمة، وهذا هو إيصال الحقوق لأهلها، وهذا هو الصراط المستقيم الذي خفي على محمد بن عبد الله رسول رب العالمين، وأعدل الخلق وأورعهم صلى الله عليه وسلم، وخفى على خلفائه ومن بعدهم من أئمة المسلمين وولاتهم، أو كان معلومًا عندهم، ولكن عدلوا بالخلق عنهم ظلمًا وعدوانًا وخيانة وغشًّا.
الوجه الثاني من أوجه بطلان المذهب الاشتراكي: إجماع المسلمين على تحريم أخذ المال بغير حق، وهو مما عُلم بالضرورة من دين الإسلام، فهو إجماع قطعي صحيح مستند إلى الكتاب والسنة.
الوجه الثالث من أوجه بطلان الاشتراكية: قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 188)، وأي باطل أبطل من أن يأخذ المال من بين يدي من اكتسبه وحصله بعرق جبينه، وكدح جوارحه، وأتعب أعصابه وتفكيره، ثم
يعطى لرجل عاطل عالة على المجتمع ليس له في تحصيله أدنى يد، هذا إن أعطيه، ولكن من نظر إلى سيرة هؤلاء الاشتراكيين وجد أن هذين الصنوين إنما يعطون الشعب النذر القليل، والباقي يصرفونه في الدعاية لأنفسهم، وبث العيون والدسائس، وتقوية الدفاع الذي لا يُقصد به إلا حماية سلطانهم، وسيطرتهم على الشعوب ومقدراتها، والله من ورائهم محيط.
وتأملوا قوله تعالى: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} تجد أنه حرم أكل الأموال سواء أكان ذلك مباشرة وصراحة من النهب والسرقة، أم كان ذلك بواسطة الحكام وسلطتهم، حتى ولو على وجه ظاهره الحق كما يدل عليه.
الوجه الرابع من أوجه بطلان الاشتراكية: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي بنحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار)) أخرجه البخاري ورواه الجماعة من حديث أم سلمة رضي الله عنها، فإن الخصمين إذا أدلى كل واحد بحجته وكان أحدهم أفصح وأغلب في ظاهر كلامه قُضي له بحسب ظاهر كلامه. سُلط على ما يدعيه على خصمه، ولكن هذا القضاء والتسليط إن كان من قبل الحاكم لا يبيح له أخذ ما يدعيه إذا كان يعلم أنه لا حق له فيه.
في هذه الآية والحديث دليل على أنه لا يجوز للشعب أن يستبيح مال الغير بحجة أن الحكومة أباحته له، بل يجب عليه أن ينكر هذا الحكم، وأن يراقب الله تعالى، وأن يكون أمر الله شرعه أعظم في قلبه من كل أمر من كل تشريع وقانون، وليعلم أنه إذا عظم أمر الله وقام بوجه من خالفه طلبًا لمرضاه الله
ونصرة لدينه، فإن الله سوف ينصره ويظهره على خصمه {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 40)، {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال: 10).
الوجه الخامس من أوجه بطلان الاشتراكية: أن النظام الاشتراكي يتضمن مضادة الله في قدره وقضائه وحكمته، فإن الله قضى بحكمته ورحمته أن يقسم الرزق بين الناس، وأن يميز بينهم، ويرفع بعضهم فوق بعض درجات لحكم وأسرار عظيمة، منها تسخير بعضهم لبعض؛ حيث يعمل كل منهم بما يلائم حاله، هذا بالتجارة، وهذا بالصناعة، وهذا بالحرفة، وهذا بالجيش إلى غير ذلك من المصالح المشتركة التي لا تقوم القيام التام إلا باختلاف طبقات الناس. من هذه الحكم أيضًا أن الغني يعلم قدر نعمة الله عليه بالغنى، فيقوم بالشكر، والفقير يعرف قدر ابتلاء الله له بالفقر فيقوم بالصبر، ومنها التفكر في هذا التفاضل الحاصل في الدنيا بين الناس في الغنى، فيعبر الإنسان البصير من هذا التفاضل والتفاوت إلى التفاضل والتفاوت في الآخرة، فيلتفت إليها، ويزداد طلبًا لها كما قال تعالى:{انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} (الإسراء: 21).
ومنها بيان مقتضيات الربوبية التامة، وأن الرب سبحانه بيده أزمة الأمور {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الشورى: 12). ومنها قيام العبادات التي لا تكون إلا بين غني وفقير كالزكاة والصدقات والكفارات والنفقات ونحوها، ومنها انتظام الخلق وجريانه على سنة واحدة، وإن الله سبحانه بحكمته أجرى التفاوت بين خلقه في الذوات والصفات والبقاء والعدم، فانظر إلى الدارين الأولى والأخرى تجد التفاوت العظيم بينهما، وانظر إلى ما في هذه الدنيا من العالم العلوي والسفلي تجد التفاوت بين أجناسه وأنواعه وأفراده، وانظر إلى بني آدم تجد التفاوت بينهم في
الدين والعقل والأخلاق والعلوم والآجال، فقدر الله بينهم كذلك في الأرزاق، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم)).
فهذه من الحكم التي رتبها الله على تفاوت الناس وتفاضلهم في الرزق، فجاء دعاة الاشتراكية ومذيب الطبقات فضادوا الله في قضائه وحكمته، وقالوا: نحن نرى أن هذا جور وظلم وتصرف لا يصلح به العباد، وإنما العدل والحق هو إذابة الطبقات وتسوية الناس في الفقر والذلة، وأبطلوا الحكم التي تترتب على تفضيل الناس بعضهم على بعض في الرزق.
الوجه السادس من أوجه بطلان الاشتراكية: أن في النظام الاشتراكي مضادة لله في شرعه، فإن الله تعالى رتب على تفاضل الناس في الرزق أحكامًا شرعية، كالزكاة، والكفارة، والنفقة، وهذه الأحكام لا تتأتى إلا بوجود محلٌّ لوجودها ومحلٌّ لمصرفها إذا تساوى الناس في الرزق لم يكن بينهم فرق؛ حيث يكون بعضهم محلًّا للوجوب، وبعضهم محلًّا للمصرف، فممن نأخذ الزكاة وإلى من نصرفها، ومن الذي تجب عليه الكفارة، وإلى من يعطيها، وهكذا النفقة.
وهذه جناية عظيمة على الإسلام لتعطيل بعض أحكامه، وجناية على المسلمين لتعطيل أجورهم وثوابهم على هذه النفقات.
الوجه السابع من أوجه بطلان الاشتراكية: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29)، فاشترط الله في التجارة أن تكون صادرة عن تراضٍ من الطرفين، فإذا لم تكن صادرة عن تراضٍ فهي من أكل المال بالباطل المنهي عنه بقوله:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} ، وتأمل قوله:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} تجد أنها صريحة
في أنه يشترط الرضا حتى فيما يكون فيه معاوضة؛ لأن التجارة معاوضة من الطرفين، لذلك ينسد الباب على دعاه الاشتراكية الذين يقولون: نحن نعوض عما أخذناه قهرًا، ولسنا نأخذه مصادرة بلا عوض. وفي كلمة "تراضٍ" دليل على أنه يشترط الرضا من الجانبين أيضًا.
أما دعاة الاشتراكية فيقالوا: لن نقبل هذا الحكم، ولم نرض به، وإنما نأخذ من الناس أموالهم قهرًا، ومن العجب أنهم يجبرون الناس على الرضا لأحكامهم، وعلى سلب أموالهم، ولا يجبرون أنفسهم على الرضا بأحكام ربهم العليم الحكيم الرحيم، وهو خالقهم، وتأمل قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ؛ حيث قرن النهي عن قتل النفس بالنهي عن أكل المال بالباطل، فدل على أن الاعتداء على المال قرين الاعتداء على النفس في كتاب الله وحكمه.
أما هؤلاء الاشتراكيون ففرقوا بينهم غاية التفريق، فانتهكوا حرمة المال وأباحوه في حال احترامه وتحريم الله له، وامتنعوا عن استحلال النفس حين يحلها الله؛ فمنعوا القصاص، ومنعوا الرجم، ومنعوا قطع اليد في السرقة، قطع الأيدي والأرجل من خلاف في المحاربين لله ورسوله الساعين في الأرض بالفساد، فتأمل هذه المناقضة التامة لأحكام الله وشرعه، وفي قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} دليل على أن النهي عن أكل المال بالباطل، وعن قتل النفس من مقتضيات رحمة أرحم الراحمين، الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم، وهو أعلم بما يصلحهم ويدفع الضرر عنهم، وعلى أن تسلط هؤلاء الاشتراكيين على أكل أموال الناس بالباطل منافٍ للرحمة، وإن ادعوا أنهم بذلك مصلحون، وراحمون للخلق، وزخرفوا لذلك القول فإنهم مفسدون وظالمون للخلق {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (البقرة: 9، 10).
الوجه الثامن من الأدلة على بطلان الاشتراكية: قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 60). فأثبت فقراء تصرف إليهم الزكاة ولا زكاة إلا من غنى، فانقسم الناس بهذا شرعًا كما انقسموا قدرًا إلى قسمين: غني وفقير، ولو كانت الاشتراكية واجبة دينيًّا لما حصل هذا التقسيم، ولوجب على الغني أن يواسي الفقراء بجميع ماله؛ ليكون الجميع طبقة واحدة، فيذوب التمييز الطبقي كما يقوله الاشتراكيون، ثم ختم الآية بالعلم والحكمة؛ ليدل بذلك على أن تقسيم الناس إلى غني تجب عليه الزكاة، وإلى فقير تُدفع الزكاة إليه، وأن فرض دفع الزكاة في هؤلاء الأصناف الثمانية صادر عن علم وحكمة بالغة.
وذكر الشيخ العثيمين أدلة كثيرة على بطلان الاشتراكية يُرجع إليها في مكانها ونكتفي بها.
دعائم نظرية التملك في الإسلام:
فالإسلام متميز بأن نظريته في التملك تقوم على دعائم؛ منها:
أولًا: أنها تقوم على إباحة الملكية الفردية للوجوه المشروعة، وحمايتها لصالح الفرد وصالح المجتمع.
ومنها: أنها تقوم على المعنى الروحي في اعتبار الملك الحقيقي لله وحده.
وثالثًا: تقوم على الاعتراف بضرورة التفاوت بين الناس.
وأخيرًا: تقوم على المعنى الإنساني في أداء حق المال لذويه.
نظرية التملك في الإسلام تتميز عن المذاهب الوضعية البشرية أنها تقوم على إباحة الملكية الفردية بالوجوه المشروعة؛ لأن غريزة الإنسان في حب التملك هي غريزة فطرية، والإسلام يسايرها ويهذبها حتى لا يتحول الإنسان المسلم إلى إنسان شره كإنسان الرأسمالية، أو مكبوت كإنسان الاشتراكية، غريزة حب التملك من طول الغرائز التي تظهر في حياة الطفل بصورة واضحة، ولو نظر أحدنا إلى أطفاله الصغار لأدرك هذا تمام الإدراك، ولذلك جعل الإسلام للتملك وجوهه المشروعة، يتملك الإنسان مثلًا بالسعي والاكتساب، فهو كما يقول القرآن {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15).
فالإسلام لا يأمر الناس بالانقطاع للعبادة، بل يكلفهم أن يأخذوا حظهم الروحي في عبادة الله، ثم ينطلقوا بعد ذلك لتحصيل حظهم المادي، ومن وجوه التملك في الإسلام إحياء الأرض الممات، ذلك بأن يعمل إلى أرض لم يتقدم ملك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:((من أحيا أرضًا ميتة فهو له)) رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه.
ويتملك المسلم أيضًا بالغنيمة في الجهاد وبالفيء، ويتملك بالهبة وغيرها، ويتملك بالإرث، وحرية التملك في الإسلام مشروطة بأن تكون من الوسائل المشروعة التي يكون فيها التعاوض عادلًا من غير إجحاف بأحد الطرفين في التعامل؛ لذلك جعل الإسلام الرضا أساسًا للتبادل التجاري بين الناس {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} لذلك نرى تميز الإسلام ونظريته عن غيره من المذاهب الوضعية البشرية، ويكفي أنه قرآن ربنا وشرعته {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3).
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى أله وصحبه أجمعين.