الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نشأة الحركة الصهيونية
وتعود نشأة الدعوة إلى الصهيونية إلى زمن بعيد قد بدأت محاولة اليهود للتكاتف منذ تهجيرهم، وتشريدهم من فلسطين على يد البابليين في القرن السادس قبل الميلاد، ثم تشتيتهم على يد القائد الروماني تيطس سنة 70 بعد الميلاد، وإجلائهم عن بيت المقدس، ثم إصرار النصارى على عدم رجوعهم إلى بيت المقدس حتى بعد الفتح الإسلامي؛ بل وطلبوا ذلك من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأصروا على كتابة ذلك في وثيقة العهد
…
فنشأة الدعوة إلى الصهيونية ترجع إلى زمن بعيد، لكن إنشاء منظمة تهتم بهذه الفكرة وتبرزها إلى حيز الوجود بشكلها الفلسفي السياسي والعملي الواضح الأهداف بدأ يتبلور إثر المؤتمر الصهيوني الأول، فقبل المؤتمر الصهيوني الأول لم تكن تتعدَّى فكرة الصهيونية العاطفة والحنين، لكنها بعد هذا المؤتمر الصهيوني الأول تحولت إلى الشكل السياسي والعملي، وقد عُقد هذا المؤتمر الصهيوني الأول في شهر أغسطس سنة 1897 في مدينة بازل السويسرية؛ حيث اجتمع مائتان وأربعة من قادة اليهود المقيمين في جميع أنحاء العالم، تحت رئاسة مجموعة من المفكرين، وانتخبوا رئيسًا يتصدر المنظمة الصهيونية اليهودية، وهو الصحفي تيودور هرتزل إثر مداولات واجتماعات مكثفة؛ وقاموا بصياغة بروتوكولات حكماء صهيون السرية التي شاء الله سبحانه وتعالى ألا تبقى طيَّ الكتمان، ففضحها على أيدي الخونة من أهلها.
أما اليهود أهل الصهيونية فهم كتلة بشرية ضئيلة من أول أمرها في الوجود، وأجمع المؤرخون المتجردون عن الهوى أن اليهود لما كانوا يدورون على محورهم
الصغير في فلسطين في الزمن القديم، كانوا حتى في أيام أنبيائهم حتى في زمن داود وسليمان عليهما السلام حفنة قابلة أبدًا لأن تذروها الرياح بين الإمبراطوريات القديمة الكبرى في واديي النيل والفرات.
والصحيح أن هناك جذورًا لبدء الحركة الصهيونية ابتداء من سقوط الدولة اليهودية، ودخول الرومان لفلسطين، وعبورًا بالمنفى الذي امتد من بابل إلى أوربا الشرقية عند قيام مملكة الخزر، واعتنق بعض أهل تلك البلاد الديانة اليهودية، وبسبب اضطهاد الروس آنذاك تحول اليهود إلى الغرب، وذاق الناجون منهم جميع أنواع الذل والاستعباد، وكانت بوادر هذه الحركة الصهيونية تتمثل في تأسيس حركات إقليمية وتحريرية لليهود؛ لتخليص اليهود من نير واستعباد الأوروبيين مثل: حركة الاستنارة، أو ما عُرف بالماسونية التي كانت تحاول مساعدة اليهود، ولكن نتج عنها الزيادة في التوجه اللاسامي في أوربا، وتمخض عن ذلك شعور مفكري اليهود بضرورة تخليص اليهود من محنتهم هذه، واستنتاجهم الخيارات الستة التالية التي تركت الحرية لكل يهودي منهم لاختيار التوجه الذي يرغبه، وهذه الخيارات الستة هي التي ستعينهم على القيام بما يرونه مناسبًا حسب الظرف المكاني والزماني الذي يمرون به.
وهذه الخيارات الستة التي وضعوها هي:
الخيار الأول: في رأي بعض اليهود أنهم سيخلصون من مآسيهم عن طريق المسيح المنتظر، لذا لجئوا إلى التدين وانتظار هذا المسيح المنتظر، الذي يظنون سيظهر، مع أن الله بعثه من بين ظهرانيهم ومنهم في فلسطين، ولكنهم أنكروه فهم لا يعترفون بالمسيح عيسى بن مريم نبي الله عيسى الله عليه السلام الذي هو منهم، بل ينكرونه، وينتظرون مسيحهم المزعوم.
الخيار الثاني: وهو في رأي بعض مفكري اليهود أنه يجب عليهم الذوبان في مجتمعات غير اليهود، ونسيان الذات اليهودية، والتخلص من هذه المعاناة والمحن التي يعايشونها في الغرب والشرق؛ وبهذا تختفي الهوية اليهودية وتتلاشى، ولا يبقى لليهود أثر على سطح المعمورة، وليتهم أخذوا بهذا الخيار إذًا لأراحوا البشرية من شرورهم.
الخيار الثالث: في رأي بعض المفكرين هو ترك البلدان التي يعانون فيها من ذل التفرقة والمتابعة والاضطهاد، فمثلًا الهجرة من أوربا الشرقية إلى أوربا الغربية، وبالذات إلى الدول التي لا يُعامل فيها اليهود بعنصرية، أو الهجرة إلى أمريكا الجنوبية، أو الولايات المتحدة، أو إفريقيا وفلسطين، وغير تلك البلدان.
الخيار الرابع: هو فكرة الاستيطان، ودعم هذه الفكرة من قبل رجالات المال والأثرياء من اليهود مثل: البارون موريس دهرش، والبارون روتشيلد، والذي أنشأ الجمعية اليهودية للاستعمار، ولم تكن فلسطين هي المكان الوحيد المقترح، فقد فكروا في أمريكا، والبرازيل، والأرجنتين، والهند، وأفغانستان، وأوغندا، ومرشيوس.
الخيار الخامس: وهو في رأي بعضهم بطبيعة الحال أن هناك من أراد البقاء في أوربا الشرقية، لذلك فقد رأوا من أن مصلحتهم في الانضمام إلى التيارات الثائرة متمردين على الفكر القومي اليهودي بالثورة، والمشاركة في الحركات الشعبية والسياسية والاقتصادية، ومن ثم الخروج عن هذه الحركات لاحقًا، وتحقيق أهدافهم، ووضع حد لمآسي اليهود بعد انتصار الدول التي ستساندهم من خلال دساتيرها التي أصلًا قد وضعها اليهود أو ساهموا في وضعها.
الخيار السادس: وقد ارتأى بعض المفكرين القوميين منهم أن جميع الأفكار السابقة هي حلول غير مقبولة، لذا ركزوا على تنمية الوعي العرقي والثقافي
السياسي بين اليهود، وعادوا إلى تعاليم التوراة والتلمود لديهم، وأنشئت المعاهد والمدارس الخاصة الخفية لتدريس التعاليم التوراتية، والعودة إلى التمسك باليهودية، والعيش أينما كانوا مع التمسك بهذه التعاليم مهما كانت التكاليف والتضحيات، حتى لو تضمنت تقديم النفس والمال مع توجيه غير اليهود لخدمة مصالح اليهود.
ويلاحظ في هذه الخيارات الستة التباين الكبير حيث لا يحتكم اليهود لمبدأ أساسي عام، ولكن فلسفتهم متأثرة حتمًا بالتجارب الشنيعة التي مروها بها خلال حقبات التاريخ هذه التجارب التي تحتوي على كمٍّ هائل من المتناقضات.
فرغم المعاناة التي تظهر جلية في عقيدة اليهود، فإن الحقد والكراهية وبغض أي شيء أصبح ملازمًا للتفكير اليهودي، وبهذا لم يجد اليهود أي متنفس أو طريقة في تفريغ هذه الأحقاد عبر الكراهية إلى حد أن اليهودي أحيانًا يكره ذاته، وبني جنسه، ولكنه يستدرك ويعود إلى حنينه إذا تذكر دينه، وما كتاب التلمود إلا تعبير عن معاناة اليهود، وتعبير عن تضارب أفكارهم.
وكذلك في هذه الخيارات الستة تبين أن الصهيونية هي حركة الشعب اليهودي في طريقه إلى فلسطين، وأن العودة إلى فلسطين في رأيهم يجب أن تسبقها عودة الشعب اليهودي إلى اليهودية، وأن الصهيونية لا تتركز، ولا يمكن تحديدها في تعريف أو وصف ذي قالب واحد، فهي مبدأ متغير حسب مصلحة معتنقيه، وبدون إطار ثابت، وجميع هذه التعاريف تدور حول الموضوع ذاته، وهو الشخصية اليهودية المتميزة عن باقي شخصيات شعوب العالم، ووضع الشعب اليهودي في مقدمة الشعوب، على الرغم من أن اليهودية دين لا يشكل شعبًا إلا أن اليهود يطلقون على أنفسهم الشعب اليهودي.