الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس التاسع
(الشيوعية)
تمهيد عام عن الشيوعية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين، سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الشيوعية مذهب فكري يقوم على الإلحاد وإنكار وجود الله سبحانه وتعالى، وأن المادة هي أساس كل شيء ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي، وقد ظهرت هذه الفكرة الشيوعية في ألمانيا على يد "كارل ماركس" وصديقه "فريدريك إنجليز"، ثم تجسدت في الثورة البلشفية التي ظهرت في روسيا سنة 1917 من الميلاد، بتخطيط من اليهود، وتوسعت على حساب غيرها بالحديد وبالنار، وقد تضرر المسلمون منها كثيرًا، بل إن هناك شعوبًا محيت بسببها من التاريخ لكن الشيوعية أصبحت الآن في ذمة التاريخ، بعد أن تخلى عنها الاتحاد السوفيتي، الذي تفكك بدوره إلى دول مستقلة تخلت كلها عن الماركسية، واعتبرت أنها نظرية غير قابلة للتطبيق.
وقد ذكر بعض الباحثين أن الشيوعية مصطلح يصعب تحديد معناه، بعد أن ذكر أن الشيوعية نظام اجتماعي تكون فيه الملكية في يد المجتمع قال: والشيوعية بهذا المعنى قديمة قدم المجتمع نفسه، وهذا كذب محض، فإن هذا التعبير من الدسائس التي احتوت عليها بعض الكتب، متأثرين بما لفقه زعماء الشيوعية من أن المجتمعات في القديم كانت بدائية، وكانت الملكية فيها مشاعة بين الجميع في شكل اكتفاء ذاتي، يتقاسم أفراده السلع والخدمات نظرًا لظروفهم الخاصة القاسية التي تحتم عليهم ذلك، كما هو الحال على الخصوص في المجتمعات التي تعيش على طمس الحيوان بزعمهم.
لقد قامت الشيوعية الماركسية كالمارد الجبار تريد أن تقيم مجدًا زائفًا على أنقاض الديانات الإلهية كلها، تريد أن تحل الديانات الوضعية البشرية مكانها شعارهم
"لا إله، والحياة مادة"، وهدفهم هدم الدين وإعلاء اليهودية، ومع أن شعارهم "لا إله" فهو شعار كاذب، فقد أحل الطغاة الشيوعية أنفسهم محل الإله العظيم، وأحلوا تعاليمهم الإلحادية محل الدين وقوانينهم محل الشريعة، فقد احتوت الشيوعية على جميع نواحي الحياة من ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، بل وكل ناحية في حياة البشر بدلًا عن الإله وعن الأديان وكافة النظم البشرية.
إذا كانت السمة الظاهرة للناس أن الشيوعية لا شأن لها بأية ناحية غير الناحية الاقتصادية، وأن مهمتها خدمة الشعوب لكي تعيش في جنة عالية قطوفها دانية، إذا طبقوا التعاليم الماركسية الجهنمية، التي زعم أقطابها أن البشر سيعيشونها في يوم ما، وسيحكمون أنفسهم بأنفسهم بلا عداوة ولا فقر ولا جهل إلى آخر هذه الدعايات، فإن هذه السمة الظاهرة هي من خداع الشيوعية وترهاتها، التي نجحت على كثير من البشر ونجحت في خداعه، فأصبحوا ضحايا خاسرة للشيوعية ومبادئها الجوفاء.
ولقد تظاهرت الشيوعية بذلك لتعمل في الخفاء وبعيدًا عن الأنظار لما قامت من أجله، وهو تحقيق أحلام اليهود وليس تحقيق أحلام الفقراء، فزعموا للناس أنهم ركبوا كل صعب وذلول للاهتمام بالنواحي الاقتصادية أولًا وأخيرًا، وزعموا أن كل ما يصدر عن هذا الفكر من سلوك وتقنين إنما هو تابع لتحقيق هذا الجانب لا غيره، إذ سيتبين -إن شاء الله- حين نرد عليهم أن هذا الزعم أصبح سرابًا كاذبًا وهباء في مهب الريح، ويعبرون عن هذه الظاهرة بالمادة التي صارت هي المعبود والنظام والتاريخ، أقطاب الشيوعية -كما هو معروف- كانوا نصارى في الأساس وأغلبهم يهود، وقد وصفوا نظريتهم الإلحادية بالمادية وجعلوها محور كل شيء في الوجود والتاريخ وأقاموه على التفسير المادي للتاريخ، فكل
مظاهرهم إنما هي تابعة لتصورهم المادي، كما أن مظاهر الفرويدية كلها متوجهة نحو الجنس، وكلتا النظريتين موجهتين بدقة من قبل الماسونية اليهودية للقضاء على كل ما عند غير اليهود؛ ليصبحوا حميرًا لشعب الله المختار كما تمنيهم بذلك تعاليم التوراة المحرفة، والتلمود الجهنمي المملوء حقدًا على جميع البشر مما عدا اليهود.
وكان "ماركس" قد تضلع من دراسة الحضارة الإغريقية الرومانية، في الوقت الذي كانت فيه تعاليم المسيحية المحرفة تتهاوى إلى الحضيض، وتداس تحت أقدام أولئك الذين خرجوا عن طغيانها الذي لا حد له، وعن صلاحيات البابوات ورجال الدين التي لا نهاية لها، وفي الوقت الذي نشط فيه دهاة الماسونية ومنهم "كارل ماركس" لتحطيم كل حضارات العالم، وإقامة هيكل سليمان الذي هو نصب أعين اليهود كلهم، ظهرت الماركسية لتجعل الإنسان هو مصدر كل سلوك ومعرفة، لتجعل الإنسان هو الإله المشرع وهو الخالق المبدع، وهو كل شيء وليس وراءه أي شيء، فلا وجود للإله الذي مارس طغاة الكنيسة كل جبروتهم باسمه، ولا وجود للأديان التي تضطهد اليهودية واليهود ولا وجود للحياة الأخرى التي هي مصدر الخلاص، إذا كان الشخص هو الذي يملك صك الغفران عن البابا.
بل الإنسان عندهم هو الإله والدنيا هي غاية الإنسان يسعد أو يشقى، ولا عبرة بما قالته الأديان الإلهية من وجود قوة أخرى غير الإنسان، أو حياة أخرى غير هذه الحياة، بل إن ما وراء الطبيعة من الغيبيات هو في نظرهم سراب، يجب أن يختفي أمام الحضارة اللادينية العاتية هي عالم المحسوسات، فعالم المحسوسات لا تؤمن الشيوعية الملحدة إلا به، وهو وحده هو علة وجود هذا
الكون ونشأته، فنشأة التدين عند الإنسان إنما هي ناتجة عن خرافات كاذبة خيالية لا يسندها عقل ولا منطق، فالكون عندهم تجمع من ذرات والإنسان عندهم أصله قرد.
ومن العجب أنهم يسمون هذه التخيلات المفتراة على البشرية التي تنافي ما أكرمهم به الله من حفظ ورعاية، ومعرفة بأمور دنياهم ودينهم، يسمونها حقائق ويدافعون عنها كأنهم عايشوها من أول يوم عرفت فيه البشرية، ومن كذبهم في هذا فإنهم يصفونه بالرجعية والتخلف، وهذه الصفات جاهزة في قواميسهم التي لا تتورع عن هدر أعراض الناس ودمائهم، وهذا الذي يقولون عن بدأ الكون وعن أصل الإنسان هو رجم بالغيب، وظلم للبشرية وتصديق لأقوال الكذابين أمثال "ماركس" و"داروين" و"فرويد" وغيرهم من أشرار البشر الحاقدين {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} (الزخرف: 19).
قد ساعد على تعميق الإلحاد الشيوعي تلك النظريات الكثيرة، والشبه التي سموها حقائق لمعرفة هذا الكون، وقيامه على القوانين التي عرفت أخيرًا، مثل قانون الجاذبية الذي أرسى أن كل شيء في الوجود له سبب في مكانه، وقانون تجمع أجزاء المادة التي انفجر عنها هذا الكون، وغير ذلك مما زعموه مؤيدًا لنظريتهم الملحدة، فحجبت تلك المفاهيم الخاطئة للشيوعية والنصرانية العقل عن التعلق بموجد لهذا الكون، وأن مجرد التفكير فيه يعد رجعية، ولهذا كما سمعنا أن الروس قتلوا العائدين من سطح القمر في أول رحلة فضائية لأنهم أيقنوا أن لهذا الكون موجدًا.
وما أن أطل القرن التاسع عشر الميلادي إلا وقد ظهر قرن الشيطان، وساد القول بسيادة الطبيعة على الدين والعقل، فهي الحاكم المطلق والإله الذي لا ينازع، قد
تولى كبر هذه الدعوة "أوجست كونت" و"خرباخ" و"ماركس" وغيرهم بدافع قوي من الحقد الشديد على رجال الدين الكنسي، الذي يمثل حسب تعليلهم قوة ما وراء الطبيعة من الأمور الغيبية والروحية، والتي اعتبروها وهمًا وخداعًا لا حقيقة له لعدم اندراجها تحت قوة الإحساس والإدراك المباشر، وأن الالتجاء إلى ذلك الغيب إنما نتج عن الوراثة والبيئة والحياة الاجتماعية في تلك الأزمان المختلفة بزعم دعاة الإلحاد، وقد ظلت الشيوعية قرابة سبعين عامًا في صولة وجولة قوية يحسب لها حسابها، إلى أن أذن الله بزوال قوتها سبحانه بقدرته وحده، إذ ما كان أحد يفكر في النيل منها، فإذا بها يأتيها حتفها بظلفها على يد آخر زعيم لما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي، وهو "ميخائيل جورباتشوف" وأفل نجمها وجبروتها وثارت الشعوب واقتصوا من كل الظالمين.
والآن وبعد أن تبين المصير النهائي للماركسية الشيوعية نقول: إنه من الغريب جدًّا أن تموت الشيوعية في عقر دارها -الاتحاد السوفيتي سابقًا- وأن تكتشف الشعوب أن هذا المذهب فاشل باطل لا يجر إلى خير، بل إلى الخراب والدمار وإثارة البغضاء وانتشار البطالة والفواحش، وأن الجنة الأرضية التي وعد بها "كارل ماركس" إن هي إلا سراب خادع وآمال كاذبة، وأن تعاليمه إن هي إلا جحيم لا يطاق وتعاسة وشقاء، وأن الشعوب كانوا يساقون إلى الموت وهم ينظرون طائعين أو مكرهين، وإن في التخلص من هذا المذهب راحة لا تعدلها راحة وفوزًا لا يعدله فوز، فهبت تلك الشعوب المظلومة لتنفض عنها غبار تلك السنين العجاف، ثم داسوا مبادئ "ماركس" ونظرياته تحت نعالهم وتنفسوا الصعداء، وبعضهم قام بشنق تمثال بعض طغاة الشيوعية القدماء وبعض الحكماء الحاليين وقالوا: لا رجعة للشيوعية هنا.