الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ركائز الحركة الصهيونية العالمية، وأهدافها
بدراسة الحركة الصهيونية العالمية ومخططاتها نلاحظ بأنها تقوم على اعتقاد الصهاينة بأربعة ركائز أساسية، يبنون عليها فلسفتهم:
أول هذه الركائز: الروابط التاريخية والدينية القديمة التي تربط اليهود بأرض فلسطين، وتربط الصهاينة بصهيون.
وثانيها: يتمثل بأن اليهود في شتى أنحاء العالم عنصرًا واحدًا ينتمي إلى أصل واحد مرجعه إلى فلسطين، ومن ثم يعتبر جميع يهود العالم أعضاء في جنسية واحدة هي الجنسية الإسرائيلية.
وثالثها: أن الأرض الموعودة أو أرض الميعاد التي وعد بها إله إسرائيل الشعب الذي جعله شعبه المختار؛ لتكون لهم وطنًا وملكًا أبديًّا هي فلسطين، وما حولها من أراض تمتد من الفرات إلى النيل.
ورابعها: أن الرب قد تعهد بأن يرقى بذرية إسرائيل في النهاية إلى السيادة على العالم، ولذلك ستكون فلسطين قاعدة إمبراطورية اليهودية العالمية المنشودة.
وللتفصيل في تحليل وفحص هذه الركائز ودراستها يجب أن نناقش كل ركيزة على حدة، ونتساءل عن صحة الحق السياسي لليهود في فلسطين، وخاصة أنهم يدَّعون هذا الحق بهتانًا وزورًا، ولا تعكس الحقيقة؛ فالعرب الكنعانيون كان لهم الأسبقية للاستقرار والسكنى بفلسطين، وهم بها قبل اليهود منذ دهور طويلة من غابر الأزمان، وبشهادة التوراة نفسها، ففي التوراة تقول: جميع أراضي بني كنعان قد مرت هذه الأرض بفترات غزو وخضوع لمحتلين بحكم موقعها، وربطها
بين الحضارات القديمة، وقد أتاها اليهود كغيرهم غزاة، ونزحوا إليها عابرين، وأقاموا بها فترة من الزمن، وأسسوا مملكتين زالتا كما زال غيرهما، ولم تعمران لزمن طويل، كذلك جاء الفرس والروم والصليبيين وغيرهم، ولم يدم بها مقام سوى لأهلها الأصليين وهم العرب الفلسطينيين، وقد بقيت فلسطين للعرب الذين سكنوها حتى يومنا الحاضر؛ لذا فحق اليهود فيها ليس له أي صحة، ولا يقوم عليه دليل، وهو ادعاء مبني على حنين إلى سراب في خيالهم؛ فهم يحاولون التدليس وإلباس هذا الخيال ثوب الشرعية، ولن يفلحوا؛ لأن زيفهم سينكشف عاجلًا أو لاحقًا.
أما من ناحية انتماء اليهود في شتى أنحاء العالم إلى أصل واحد فإن هذه مغالطة بينة وواضحة، حيث إن إسرائيل وسكانها الحاليين لا يمثلون اليهود الذين يرجعون إلى أصل عبراني قديم ممن ينتمون إلى أسباط إسرائيل، وإن كان منهم السفرديم وهم أقلية بسيطة وُجدت وذابت في المجتمعات الشرقية في جميع الدول، وخلال جميع العصور؛ لذا فإن اليهود الأوربيين الغربين، أو ما يسمون بالأشكناز ليس لهم أي ارتباط تاريخي أو أي علاقة جذرية بفلسطين، وما يهود الأشكناز إلا يهود بلاد الخزر ممن اعتنق اليهودية إبان قيام مملكتهم في الأراضي الروسية، التي أطاحت بها الدولة القيصرية الروسية، وأبادت أي آمال لقيام أي دولة جديدة لهم، وتشتتوا في جميع أصقاع شرق أوربا، وهم ليسو من صلب إسرائيل كما يدَّعون، وليس لهم في الساميين من نسب أو انتماء.
ومن ثم فإن اعتبار جميع يهود العالم أعضاء في جنسية واحدة، وهي الجنسية الإسرائيلية؛ هو كلام هراء ليس له أي قيمة تاريخية أو علمية، بالتالي فإن اليهود ليسو شعبًا، بل هم طائفة دينية تضم جماعات مختلفة من الناس يشتركون في دين واحد، وهذا هو كل ما يجمعهم.
أما ما يختص بالوعود الإلهية لهم بالأرض الموعودة التي يزعمونها، ووعد إله اليهود بأن تكون إسرائيل قاعدة للإمبراطورية اليهودية العالمية المنشودة، فهو ضرب من الخيال، وكلام غير منطقي، وغير واقعي.
أهداف الصهيونية:
في أن الصهيونية أخطبوط كبير، فقد تعددت أطماعها وانتشرت في جميع الأرجاء، ولتحقيق وتمشيط هذه الأطماع والغايات والأهداف دفعت الصهيونية كل الطاقات المتواجدة لديها وسخرتها إضافة إلى كافة كوادرها، وشبابها، وأموالها، ومفكريها دفعت بكل ذلك إلى ساحة التخطيط والعمل، استطاعت بالجدية والصرامة، وبالتخطيط وإخلاص وقناعة العاملين بما ينفذون من مخططات استطاعت أن تحقق بعض هذه الأهداف المنشودة، والمرسومة بدقة. ويذكر أحد الباحثين مناقشة ومناظرة بين يهوديين: أحدهما: الصهيوني العالمي بلجمان سركين، والآخر: يهودي ناقد للصهيونية قبل إنشاء دولة إسرائيل.
فقال الأول: حسنًا، دعنا نعقد اتفاقًا نقسم بموجبه كل شيء إلى قسمين، خذ أنت كل شيء موجود بالفعل، وأنا آخذ كل شيء ليس في الوجود بعد، مثلًا إسرائيل كدولة يهودية غير موجودة إنها حصتي، الشتات اليهودي موجود خذه أنت، اللغة الشرختية -وهي لغة الأشكناز- موجودة خذها لك، اللغة العبرية لا يتحدث بها الناس في حياتهم اليومية إنها من حصتي، كل ما هو واقع وحقيقي وملموس هو من نصيبك، وكل ما تعتبره أنت مجرد أحلام فليكن من نصيبي.
وهذا يفسر مدى جديتهم وتفهمهم، بل واعتقادهم الجازم بهدفهم، فلم يكن نجاح الصهيونية بسبب جهل الأمم المستعمرة من قبل الصهيونية فحسب، ولكن
لضعف إمكانيات هذه الشعوب، وللخطط الماكرة التي وضعتها الصهيونية، ولدقة التنفيذ الذي يجب أن نحسدهم عليه، ونحذو حذوهم، ونعمل باستراتيجياته، وقبل أن تنطلق الصهيونية في أعمالها، ومخططاتها، وضعت الوسائل العديدة؛ لبلوغ غاياتها؛ لأنه لم يخف على مفكري الصهيونية أنهم إن أرادوا لعملهم النجاح التام، ولأهدافهم أن تتحقق بدون تلكؤ أو عرقلة، فلا بد أن تكون هناك أهداف محددة، يسيرون عليها، ويتعاملون بها مع الشعوب المحيطة بهم.
ويمكن تلخيص الأهداف الرئيسة للصهيونية في النقاط التالية:
أولًا: الدعوة للصهيونية في حواضر العالم المتمدن، وخاصة بين رجال الحكم والساسة في الدول التي بيدها مقاليد حكم أغلبية الشعوب.
ثانيًا: زرع الفكرة الصهيونية في أعماق الأفراد اليهود حيثما كانوا، وحملهم على اعتناقها والعمل بتحقيق أهدافها.
ثالثًا: إغراء الدول العظمى التي بيدها الحل والربط والعقد أن تربط مصالحها بمصالح اليهود، وتوثق علاقتها بها، خاصة العلاقات الاقتصادية من خلال إقامة دولة في فلسطين، والتحدث مع كل دولة بما يتماشى مع أحلامها القريبة والبعيدة، ومساعدة هذه الدول فيما لا يتضارب مع مصالح اليهود ومخططاتهم.
رابعًا: طمأنة العالم المسيحي على مستقبل الأماكن المقدسة بفلسطين، وإشاعة سوء استخدام العرب لها، وعدم اهتمامهم بها، وبالتالي دفع العالم، وخاصة المسيحي للتكالب عليهم، ومناصرة مطالبة اليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين، وبمجرد الاطلاع على هذه الأهداف نجد أنها وُضعت بدقة؛ بحيث تضمن
هذه الجماعة من الصهاينة الدعم الشعبي من القاعدة العريضة من اليهود، والدعم العالمي من كبرى دول العالم وأصحاب النفوذ في العالم، ولأن الذهب كان وما يزال يتحكم في اقتصاد دول العالم، ويهم أصحاب النفوذ بأن يسيطروا ويتملكوا هذه المادة، فقد سيطر اليهود على اقتصاد العالم؛ لأنهم سعوا للسيطرة على الذهب والألماظ، والبترول، وكل ذي قيمة من مناجم وحقول، ونحوها من ثروات كموارد الأموال في العالم، وكل ذلك لتدعيم مصالحهم في التعامل مع دول العالم الكبرى، والتعامل مع الزعماء؛ لتحقيق أهداف الصهيونية لإنشاء دولة إسرائيل وتقويتها.
فقد وضعت الصهيونية هذه الأهداف التي يمكن أن تصل بها إلى تحقيق غاياتها، فمثلًا الدعوة للصهيونية في حواضر العالم المتمدن عن طريق الإقناع، والإغراء بالنفوذ أو المال، أو بالأساليب المؤثرة على الشخصيات العالية والمهمة في الدول الرائدة بما يضمن حقهم سلميًّا، أو عن طريق ممارسة الضغط القهري؛ لتنفيذ مخططات الصهيونية مثلًا حاول هرتزل الحصول من السلطان عبد الحميد الثاني على التنازل للصهاينة عن فلسطين مقابل خمسة ملايين ليرة ذهبية عثمانية، وهذا المبلغ يوازي آنذاك مائة مليون وخمسين إسترليني، وقرض للدولة قيمته مائة مليون ليرة ذهبية عثمانية يسددها خلال مائة سنة بدون فائدة، وكان النائب اليهودي التركي قره صو هو وسيطهم إلى السلطان، وقدموا غير ذلك من الهبات والوعود، والدعم للدولة العثمانية، ورغم ذلك رفض هذا السلطان العثماني هذا العرض السخي والمغري.
هكذا نرى أن الصهيونية ما أن تتمكن من فريسة تقع في فخها حتى تنقضَّ عليها، وتبقيها تحت سيطرتها، وفي النهاية تقتلها بعد أن تكون قد امتصت كل خيراتها لصالحها.
وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.