الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيفية غزو الاشتراكية لبلدان المسلمين
من المعروف أن الأفكار تنتقل وتتسرب من شخص إلى آخر من أمة إلى أمة دون أن تحدها حدود، فهي تتغلغل، وتنتقل في الوقت الذي يتهيأ لها -كما يقال-: لكل صائح صدى مهما كان قبح صوت ذلك الصائح، فقد وجدت الاشتراكية القبيحة طريقًا إلى آذان بعض من تقبلها تحت أسباب متعددة، وذرائع مختلفة، وإغراءات براقة، والذين تقبلوها -كما قلنا- إما طلاب دنيا لهم أغراض في الوصول إلى الزعامة أو الثراء، أو هم من أصحاب الحقد الشديد على الأغنياء فيريدون النيل منهم، أو هم من الجهال الذين ينعقون بما لا يفقهون، ويصفقون لما لا يدركون حقيقته، أو هم إباحيون لا يريدون أن يحدهم دين أو شرع عن الوصول إلى شهواتهم، وهؤلاء العملاء قد يكونون تحت مسمى الإسلام، ومن العرب أو من غيرهم، لكنهم أشد عداء للإسلام أو المسلمين، باعوا دينهم وضمائرهم لأقطاب الاشتراكية الماركسية، وكونوا من أنفسهم طابورًا سريًّا، وفي الصف الأول في الهجوم على الدين ومن يمثله من أبناء جلدتهم، وبالإضافة إلى أن هؤلاء جواسيس على أمتهم ودينهم؛ فهم كذلك دعاة ترغيبًا وتحسينًا لوجه الاشتراكية الكالح، يرددون الشعارات تلو الشعارات، والمدائح تلو المدائح إما تصريحًا وإما تلميحًا تحت دعاوى كثيرة باطلة؛ إما دعوى إنصاف الفقراء والمظلومين، وإما دعوى التحرر، وإما دعوى التقدم، وإما دعوى نبذ الرجعية والجمود والتخلف، ولحوق ركب الحضارة الغربية أو الشرقية، وغير ذلك من الشعارات البراقة، والخطب الرنانة الفارغة لكل ما لديهم من قوة صاحب السلطة لسلطته، صاحب القلم والرأي بقلمه ورأيه، صاحب نشر الفحشاء والسوء بأسلوبه.
فكم ألصقوا من التهم الشنيعة لشرفاء هم أنظف من الزجاجة، وشوهوا سمعتهم بما اختلقوه من التهم والألقاب المنفرة ضدهم وكم قرب الاشتراكيون من صعاليك سفهاء، وكم أبعدوا من أولى الحجا حتى صارت كلمة السفهاء وأصحاب الخنا هي المسموعة في وسائل الإعلام، وسائل إعلامهم المختلفة من مرئية ومسموعة ومكتوبة، وأبعدت الكلمة الصالحة، وجعلوا دون نشرها حجبًا كثيرة، وأبوابًا مغلقة؛ لئلا تفتح القلوب وتزيل غشاوة أبصار من افتتنوا بها.
أما بالنسبة لغزو الاشتراكية للبلاد العربية فقد بدأ ظهورها في مصر فسورية ولبنان في صورة ليست قوية، إلى أن تبناها رئيس مصر، وتبنى هذه الاشتراكية ونشرها، وأحيط بها له من التغطية حيث كاد أن يدعي ما ليس له بحق، ثم بعد أن على اسمه صار يلقب بأبي الأحرار ورائد الأمة، وما إلى ذلك من الأسماء كان بعضهم يصرح بقوله: لم نهزم وناصر بيننا. وقد انتعشت الاشتراكية العلمية التي اختارها جمال عبد الناصر طريقًا، قال الكتاب المتزلفون: وأطروها مدحًا، وجاءوا بخدع لا نظير لها لتحبيبها لقلوب المسلمين، ومن الملفت للنظر أن دعاة الاشتراكية العربية تناقضوا مع أنفسهم تناقضًا فاحشًا، وبينما هم ينادون بالاشتراكية العلمية، إذا بهم يقولون: إنها ليست الاشتراكية الماركسية، وهل هناك اشتراكية غير اشتراكية ماركس التي سماها كذبًا وزورًا علمية.
وهل المغالطون يزعمون أن اشتراكيتهم علمية لكنها ليست هي الماركسية، فأي اشتراكية علمية هذه التي ينادون بها، ولو على سبيل الافتراض فإن قبلنا زعمهم أن اشتراكيتهم علمية ولكنها ليست ماركسية، أليست هذه الاشتراكية أيضًا التي ينادون بها هي نفسها مبادئ الاشتراكية الماركسية لا تختلف عنها، اللهم إلا في اختيار بعض الألفاظ ليغالطوا بها السُّذَّج.
وأما كذبتهم الكبيرة التي يزعمون فيها أن اشتراكيتهم هي نفسها مبادئ الإسلام {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (الكهف: 5). فهل يمكن أن يجتمع الليل والنهار في وقت واحد؟! ما تمسكوا به من أن مبادئ الاشتراكية الماركسية تتوافق مع كثير من مبادئ الإسلام، فهو من باب تمسك الغريق، أو حجة من لا حجة له.
ثم ما أكثر التشابه بين الآراء المتضادة، ومع ذلك لا يصح القول إن هذا التشابه يجعلها متفقة غير مختلفة كما سبق القول، وإن أول ما يكذبهم فيما زعموه وأن الاشتراكية الماركسية تدعو إلى الثورات المتلاحقة، الصراع الطبقي بكل شدة بينما الإسلام لا يدعو إلى شيء من ذلك، بل يدعو إلى الهدوء والمحبة والعطف والبر والإحسان والصدقات، فأين وجه الشبه بينهما؟! كما يكذبهم كذلك اعتقادهم أن الملكية الخاصة يجب أن لا يبقى لها أي مكان، وإنما هي الملكية العامة التي تكون بيد الدولة فقط، فالإسلام يحترم الملكية الخاصة والملكية العامة، وينظم الجميع تحت مبدأ ((لا ضرر ولا ضرار))، فأين وجه الشبه بينهما؟!.
كما أن الاشتراكية الماركسية تسلب حريات الناس، وتكمم أفواههم، تفرض تعاليمها فرضًا بالحديد والنار، بينما الإسلام يحث على الحرية ويدعو إليها، ويحث على الجهر بالحق في حدود الشرع والمصلحة العامة. فأين وجه الشبه بينهما.
وإنك لتندهش حقًّا وتعجب أشد العجب من عملاء الماركسية حينما يزعمون أن الاشتراكية متوافقة مع الإسلام، ومع فطرة كل شخص، وأن الشعوب رضيت بها، واعتنقتها، ورأت فيها ضالتها المنشودة. قبح الله هؤلاء الكذابين الأفاكين؛ أليست الشعوب التي يزعمون أنها تقبلتها تلعنهم ليلًا ونهارًا؟! وأي شخصًا