الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلها: هو ما لاحظوه من تردي الإنتاج الزراعي، ومعرفتهم أن سبب ذلك إنما يعود إلى ضعف الحوافز على العمل، وعدم تمكن الحكام من دقة معرفة المقصر من غيره في المجال الزراعي، الذي تصعب مراقبته إلى حد كبير.
بخلاف المجال الصناعي الذي تم إخضاعه بدقة للملاحظة والمراقبة الصارمة، بحيث يعهد لكل شخص بمهمة خاصة في العمل، فإذا حصل خلل في أي قطعة من الصناعة عرف صاحبها فورًا ونال عقابه الذي لا يعرف الرحمة، بخلاف العامل الزراعي الذي أفلت من هذه المراقبة الصارمة، فكانت النتيجة أن أخذت الدول الشيوعية تتكفف الدول الغربية القمح والحبوب، وزعموا أن ذلك النقص في الجانب الزراعي إنما كان بسبب الآفات الزراعية، ولكن الحل الذي عالجوا به تلك الآفات يفصح عن السبب الحقيقي، حيث سمحوا بعد فوات الأوان بإتاحة الملكية الفردية لقسم من المحصول الزراعي، يتملكه المزارع تشجيعًا له لزيادة الإنتاج ولزيادة نشاط المزارعين، وهو دليل واضح على فشل نظام منع الملكية الفردية وأنه أشد الآفات.
الرد على مزاعم الملاحدة الشيوعيين في نشأة الصراع الطبقي
يقولون: إن الصراع الطبقي لم يكن له أي سبب غير معرفة الإنسان للزراعة والصناعة، فهذا قول بالتخمين وهو أكذب الكذب، ولن يجد القائلون به أي دليل عليه لأنهم ادعوا شيئا هو أقدم منهم، كما أن هذا الأمر ليس هو السبب الوحيد للصراع بين الناس، وإنما هو واحد من عدة أسباب لا تكاد تحصر، كما أن هذا السبب قد يوجد في بعض المجتمعات وقد لا يوجد، فليس هو أمر حتمي كما يدعي الملاحدة.
ومن السذاجة والجهل القول بأن الملكية الفردية نشأت عن ظهور الصناعة والزراعة، وأنها ليست فطرية في نفوس الناس، بل وفي نفوس الحيوانات؛ فإن الملكية الزراعية نفسها لم تقم إلا بسبب النزعة الملكية الفردية كانت أو الملكية الجماعية، وإلا لما قامت الزراعة ولما عرف الإنسان طريقه إلى الجمع والادخار بين مقل ومكثر وبخيل وكريم، وأما زعمهم أن الناس منذ أن تركوا الشيوعية الأولى وهم في صراع طبقي مرير، وأن ذلك سيستمر حتى يرجع الناس إلى الشيوعية الأولى، وذلك بترك الملكية الفردية وتساوي الناس في كل شيء، بزوال الطبقات التي أحدثتها الملكية الفردية وتكدس رؤوس الأموال في فئة دون فئة.
يقال لهم: هل يتحقق ذلك في عالم الواقع، وهل يمكن أن يتساوى الناس وتزول الطبقات خصوصًا في ظل النظم الجاهلية، وهل يمكن أن تتحقق هذه الأحلام البراقة في يوم من الأيام؟! إنها مجرد أوهام وخيالات لأن الحياة لا تقبلها ولا تنتظم بها.
إن نظام الطبقات واستعلاء بعض الطبقات على البعض الآخر، والظلم والحرمان واستعباد القوي للضعيف، كل هذه الأنظمة إنما توجدها النظم الجاهلية، كما حدث بالفعل على مسار تاريخ البشرية، فالمجتمع في العهد الهندوسي مقسم إلى طبقات: هي البراهما والكشاتريا والشودري وأقسام فرعية أخرى. وفي أوروبا عاش الناس طبقات متفاوتة أشد التفاوت، طبقة تسمى طبقة السادة، وأخرى تسمى طبقة العبيد، وقد تمثلت هذه الأحوال السيئة الجاهلية في عهد الرق، أما في عهد الإقطاع فكان الناس ثلاث طبقات رئيسة: هي طبقة الأشراف وأمراء الإقطاع، وطبقة رجال الدين، وطبقة الشعب المغلوبين على أمرهم، أما في عهد الرأسمالية فإن نظام الطبقات على أشده أيضًا، طبقة تسمى طبقة أصحاب رءوس الأموال، وطبقة أخرى تسمى طبقة العمال، أناس في الثرى وأناس في الثريا!.
وهكذا الحال في عهد الديمقراطية التي تظاهرت بأن الشعب هو صاحب السلطة، فقد كان الصحيح هو أن الشعب لا يزال هو المستضعف المقهور، وصاحب المال هو السيد الحاكم، وهي نفس الكذبة التي كان يرددها الشيوعيون، من أن طبقة "البروليتاريا" الكادحة هي التي ستملك وتحكم حينما تطبق الشيوعية، وحينما تقضي طبقة "البروليتاريا" على جميع الطبقات المناوئة لها في صراع ثوري محتدم، هذا هو حكم الجاهلية وشريعتها لكن حكم الله هو خلاف هذا، حكم الله أن المجتمع سيكون فيه أغنياء وفقراء ملكية فردية وملكية جماعية، الأغنياء مؤتمنون على المال وللفقراء نصيب في ذلك المال والكل عبيد لله تعالى لا طبقات ولا كبرياء، ينتقل المال من يد إلى يد ومن شخص إلى آخر، وقد يصبح الغني فقيرًا وقد يصبح الفقير غنيًّا حسب تصريف الله للأمور.
ومعنى هذا أن المال في الإسلام ليس منحصرًا في طبقة من الناس دون أخرى، ولا في فئة من المجتمع بخصوصهم، حتى وإن كانت تلك الفئة هم الحكام؛ فإن الإسلام لا يعطي الحاكم حرية التملك كما يهوى، بل شأنه شأن غيره غير ما يأخذه في مقابل جلوسه للحكم بين الناس، ومن هنا نجد أن حكام الدولة الإسلامية في نشأتها كان الحاكم منهم لا يتمتع بأي امتيازات مالية، ولهذا كان الحكام يعتبرون تحمل المسؤولية أمانة عظيمة وخطرًا جسيمًا، لا فوزًا كما يسميه الناس اليوم. وينبغي التنبيه إلى أنه إذا وجد نزاع بين المسلمين فإنه لا يكون من أجل إسقاط طبقة لطبقة أخرى، أو علو فئة على أخرى، إنما يكون ذلك في الغالب من أجل الوصول إلى الحق، وإلى دفع الخطأ والخطر عن الناس، هذا أمر طبيعي. ولا يجوز أن يفسر على أنه صراع طبقي كما يفسره الملاحدة حسب نظرياتهم المادية.
قد يكون النزاع إما أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وليس هو من قبيل الحرب الاقتصادية أو بسبب الملكية الفردية أو الجماعية كما يزعم الملاحدة، أو أنه حرب طبقات، ومن أقوى ما يدل على كذب الملاحدة في زعمهم أن نزع الملكية الفردية ينهي الصراعات، ويؤلف القلوب ويساوي بين طبقات المجتمع كلهم فيعيشون عيشة ملائكية، من أقوى ما يدل على كذبهم هذه الصراعات التي لا نهاية لها بين مختلف معسكرات الشيوعية، مع أن الملكية الفردية لا وجود لها في دستورهم، فلماذا إذًا هذه الصراعات وعلى أي شيء؟! وصدق الله عز وجل حين يقول:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (فاطر: 43)، كما أن زعمهم أن الصراع هذا لا يزول إلا بزوال الملكية الفردية كلام كاذب، فإن الصراع باق والملكية الفردية كذلك لن تزول من نفوس الناس.
والدليل على ذلك أن الصراع لم ينته مع وجود القمع الشديد للملكية الفردية في البلاد الماركسية، بل إن الصراع لا يمكن أن ينتهي ليس بين الناس فحسب بل والحيوانات كلها. قد عاش الناس في ظل النظام الشيوعي حقبة من الزمن، وهم ينتظرون تلك الجنة الموعودة التي وعد بها "كارل ماركس"، بعد أن وضعت الحرب الطبقية أوزارها، وبعد أن قضى النظام الماركسي على الملكية الفردية بكل وحشية عرفتها البشرية، انتظر الناس ذلك اليوم الذي يزول فيه الصراع الطبقي بكل أشكاله، فلا يبقى صراع ولا أحقاد ولا حاكم ولا جيش ولا سجون يعيشون كالخراف الأليفة، ولكن ماذا كانت نتيجة هذا الانتظار؟! لقد عاش المجتمع الشيوعي صراعًا طبقيًّا مريرًا، سواء أكان على مستوى الأفراد أو على مستوى الدولة، إلى أن هدأت عاصفة الشيوعية، كيف لا يحصل صراع بين جماعات قامت في الأساس على الصراع، بل وعلى مشروعية الصراع وضرورته لقيام حكم "البروليتاريا" كما يزعمون، حتى أصبح الصراع
والثورات والقتل والاغتيال من أسس بناء الماركسية، دون أن تظهر أدنى إشارة إلى تلك الجنة المزعومة الماركسية.
ومثل هذه الكذبة وقعت أيضًا الكذبة الأخرى؛ وهي القول بأن الناس كلهم سيعيشون حياتهم في مستوى واحد وعلى طبقة واحدة، بلا تفاضل بينهم عندما تكتمل الشيوعية وتطبق وفق ما قرره اليهودي "ماركس"، وإذا سألت عن سر بقاء الحكومة في البلاد الشيوعية فإن جوابهم: إن هذه الحكومات القائمة إنما هي حكومات مؤقتة، وستنتهي بانتصار الشيوعية على كل الأنظمة المناوئة لها؛ الناس حينئذٍ سيعيشون دون مشكلات، سيعيشون بلا صراع يتطلب تدخل قوة عليا، سيعيشون بلا فقر يسبب المشكلات؛ لأن الناس حينئذٍ يكونون على مستوى رفيع -كما يزعمون- في الأخلاق والسلوك الطيب، والرقابة الذاتية التي هي أقوى من الرقابة الخارجية، ولا ملكية فردية تسبب الخصومات وتسبب الاستئثار بالمال والرغبة في جمعه، هكذا زعم الملاحدة.
ولكن السؤال المهم هو: هل ستتحقق هذه الأحلام السخيفة في يوم من الأيام، أو هل تحققت في يوم من الأيام بالدليل المقنع، أم أنها خدع كاذبة وتضليل للشعوب المغلوبة على أمرها كما هو الواقع؟! إن الإسلام يعتبر الفكر الماركسي في ناحيته الاقتصادية فكرًا فاشلًا، مخالفًا للعقل والفطرة السليمة، ويعتبر أنه قام على نظريات جاهلة أخطأت الطريق الصحيح للاقتصاد النافع، وبدلًا من أن توجه جهود المجتمع لمساعدة بعضهم بعضًا، إذا بها تحرم الملكية الفردية، وتشعل مكامن البغضاء وتثير الصراعات الطبقية بين الناس بحجة سخيفة، وهي أن ترتفع الطبقة الكادحة بزعمهم، وألا تتكدس الأموال في ناحية دون أخرى وعند قوم دون آخرين، وكل ذلك ليس هو الحل الصحيح ولا الحل الذي تستقيم به الحياة وتسعد به الشعوب، وهذا الحل مرفوض جملة وتفصيلًا، ويعتبره الإسلام تدخلًا
فيما لا ينبغي للبشر سلوكه، فالناس كلهم عبيد لله في الإسلام، والمال مال الله، والرزق بيد الله يؤتيه من يشاء، لا يؤخره حرص حريص ولا ترده كراهية كاره.
فالملكية الفردية حق اقتضته الفطرة واقتضته الضرورة لصلاح الأحوال، وعلى الجميع أن يعضد بعضهم بعضًا بالتي هي أحسن، فلا صراع ولا بغي ولا عدوان، ولم يجعل الإسلام للشخص مطلق الحرية في أمواله ينفقها بإسراف أو يمسكها كما يحلو له، بل هو محاسب عليها ومسئول عنها، وعليه حقوق فيها يجب أن يؤديها، وإذا كان في الأغنياء من طغى وتجبر فهؤلاء لهم ما كسبوا وعليهم ما اكتسبوا وسينالون جزاءهم، ولا يبرر فعلهم هذا أن نحارب الملكية الفردية، أو نقيم الصراع الطبقي بين الناس وبين المجتمعات، فإن في أولئك التجار والأغنياء من اتصف بالعطف والتسامح ومساعدة المحتاجين دون منة ولا أذى، والحكم على طبقة الأغنياء كلها بأنهم احتكاريون وانتهازيون، وأنهم هم العقبة الكئود في طريق غنى الفقراء وارتفاع معيشتهم، إن هي إلا خرافات سخيفة وأوهام باطلة، وقد دلت التجارب الشيوعية على فشل هذه الفكرة الخاطئة، حين أفقرت الأغنياء وأتعست الفقراء وملأت القلوب حقدًا وغضبًا، وأتعست الحالة الاقتصادية ونشبت الصراع الطبقي على أشده دون رحمة.
وفي التاريخ الإسلامي أمثلة مشرفة للمجتمع حينما تصفو القلوب وتزول البغضاء، فقد كان في الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- أغنياء وكان فيهم فقراء، وكان أحدهم يقول لصاحبه: عندي زوجتان انظر أعجبهما إليك فأطلقها وتتزوجها، وعندي من الضياع كذا وكذا أتنازل لك عن نصفها، فيقول له الصحابي الفقير المهاجر: بارك الله لك في مالك وبارك الله لك في أهلك، ولكن دلني على السوق، فيذهب ويعمل ويرزقه الله تعالى.
وكان في الصحابة -رضوان الله عليهم- من يملك الأموال الكثيرة مثل الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ولم ينقم عليه أحد فيها، وقد أنفق سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ألف بعير في سبيل الله، وغير ذلك من الأمثلة المشرقة التي قام عليها الإسلام بعيدًا عن الصراعات الطبقية البغيضة، ذلك أن الإسلام يعالج المشكلة القائمة دون النظر إلى أسبابها، كما أنه يأتي بالحلول التي لا مضرة فيها على أحد، إذ إنه في الإسلام لا ضرر ولا ضرار، بينما الشيوعية الحمراء عالجت المصائب بمصائب أفدح منها.
مع أن ما أقدمت عليه الشيوعية في الأحوال الاقتصادية ليس فيه أي علاج وليس فيه أي دواء، بل هو الداء بعينه وهو الذل وهو خنق الحريات، فالسجون في البلاد الشيوعية مملوءة والجواسيس منتشرون والمجاعة فاشية، إنه سجن كبير وقبضة حديدية، فالشعوب غاضبة ولكن الويل لمن تفوه بكلمة نقد. وأين هذا السلوك من حرية الإسلام التي مثلًا كان الرجل يقول لمعاوية: والله لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك، فيقول معاوية:"بماذا؟ "، فيقولون: بالخشب، والخشب هو السيف الصقيل، فيقول معاوية -وهو الخليفة الذي يحكم نصف الأرض في هذا الزمن- يقول:"إذًا أستقيم"، فأي طاغوت من طواغيت الحكم في النظم الشيوعية يتحمل ما هو أدنى من هذا الكلام؟!.
أما ما زعموه من أن الطبقات القوية هي التي تحكم وتشرع لبقية الطبقات وتستعبدها، فإن هذا صحيح ولكنه أيضًا لا يوجد إلا في النظم الجاهلية، الذين يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، والذين يصبح الظلم عندهم من شيم النفوس، فإن وجد ذا عفة فلعله لا يظلم، كما عبر ذلك أحد الشعراء الجاهليين قديمًا، ولكن هل هذه الحقيقة التي لابد منها أو هذا هو الخيار الذي لا خيار سواه؟!.
كلا بل هناك عقيدة فيها الحل الصحيح دون المرور بتلك الطرق المظلمة الظالمة. إن هذا الطريق هو العقيدة الإسلامية، التي تجعل صاحب المال وتجعل الفقير إخوة متساويين متضامنين، ربهما هو الله وهو رب الجميع وحكمه ينفد في الجميع، لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وليس هناك طبقات هم السادة والحاكمون المالكون وطبقاتهم العبيد المستذلون إلا في النظم الجاهلية، التي لا تقيم للإنسان وزنًا إلا من خلال ما يملك من المال والجاه، فيبدو المال بهذه الصورة هو السبب في الظلم والطغيان، بينما الواقع الصحيح هو خلاف ذلك، فإن المال والملكية الفردية من الظلم أن يُحملا طغيان المنحرفين {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام: 164)، إن الذي يطغيه المال وتطغيه الملكية الفردية هو شخص منحرف في الأساس فاسد الطباع، سواء كان له مال أو لم يكن له مال، ذلك أن المستقيم على الحق القائم بأمر الله لا يطغيه المال، وإنما يستعمله في أعمال الخير ووجوه البر المختلفة، مراقبًا فيه ربه متيقنًا أن المال ظل زائل وعارية مستردة، وأن الدنيا شدة بعد رخاء ورخاء بعد شدة.
أما ما يزعمونه من مفهوم المساواة في الأجور في النظام الشيوعي، وقد زعموا أنه مكفول للجميع، فقد حملهم على القول به ما زعموه من أن البشرية كانوا في أصل نشأتهم يعيشون عليه، متساوين كلهم في الحقوق بلا ملكية فردية، الكل للجميع في المأكل والملبس والمسكن والنساء، لا فرق بين شخص وآخر، حتى جاءت الرأسمالية والملكية الفردية فقلبت تلك الأوضاع التي تريد الشيوعية أن ترجعهم إليها مرة أخرى، وهذا لا يتحقق في نظرهم إلا بأن تضع الدولة يدها على كل وسائل الإنتاج والعمل، ومن ثم يأخذ كل شخص ما يستحقه من قبل الدولة، وهذه الدعاية جذابة في ظاهرها ولكن هل تحققت فعلًا، هل تحقق هذا فعلًا في النظام الشيوعي، فأعاد إلى الناس سعادتهم التي كانت في الشيوعية
الأولى بزعم هؤلاء، وهل ساوت الدولة الشيوعية بين العمال فعلًا فلم يعد هناك تمايز بين شخص وآخر وبين حاكم ومحكوم؟!.
لا شك أن الواقع الذي انجلت عنه الشيوعية بعد اندحارها يكذب تلك الدعايات، ويخبر أن الشيوعية إنما نجحت في مساواة الناس كلهم في الفقر وفي الحاجة، وليس في الغنى والسعادة؛ لأنه لا يوجد أي حافز يجده الشخص حتى يبذل أقصى جهده في العمل، ليجد جهده مستقرًا في يد الدولة التي لا تعطيه إلا بقدر حاجته الضرورية، وما الذي ينفعه أن يقال له: إن جهدك وعملك حينما يذهب إلى الدولة إنما هو إسهام منك في تقوية الدولة؛ لتتمكن من إظهار الشيوعية ولتقمع أعداءها إن فكروا في الاعتداء عليها، ما الذي ينفعه حين يقال له: إنه بذلك الجهد في العمل -مع أنك لا تأخذ إلا ما يكفي حاجتك الضرورية- دليل على سلوكك الطيب، وأنك تخالف الرأسمالية الغربية فأنت مواطن طيب، ما الذي ينفعه من وعود الملاحدة بأنه سيعيش في جنة عالية بعد أن تتمكن الشيوعية من بسط نفوذها على كل الأرض؟! وكيف تقتنع نفسه بهذه الحالة البائسة التي يعيشها، في الوقت الذي يرى فيه وجهاء القوم وأصحاب السلطة يعيشون في ترف لا حد له، يعيشون في مساكن فاخرة وسيارات فارهة وبساتين نضرة وخدمًا وحشمًا، وهم يتظاهرون بالدفاع عن الطبقة الكادحة ويتظاهرون بمحاربة الرأسمالية؟!.
إن كل ذلك يدعو الشخص -إن كل له عقل- إلى القلق والاضطراب والثورة على كل تلك الأوضاع، ومجازاة من كان السبب فيها، وهو ما حصل بالفعل في ثورات متتالية، تمت في عهد "جورباتشوف" على الشيوعية ونظامها البغيض، وأطاحت الشعوب بأولئك الخبثاء وقضوا عليهم بكل شدة في كل البلدان التي
تنفست الصعداء من الكابوس الماركسي، وهكذا نجد أن زعمهم المساواة في الأجور إنما هي المساواة في الفقر وليس في الأجور.
وفي الختام يتضح لنا مما سبقت دراسته أن الأسس التي تقوم عليها الشيوعية هي:
أولًا: إلغاء الملكية الفردية واستبدالها بالملكية العامة المتمثلة في الطبقة الحاكمة، للوصول إلى إلغاء الصراع الطبقي من المجتمع البشري، بإلغاء الباعث عليه وهو الملكية الفردية.
ثانيًا: توزيع الناتج على الأفراد كل بحسب مساهمته في الإنتاج وحاجته، وهو المبدأ الذي يعبرون عنه بقولهم: من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته.
ثالثًا: الإشباع الجماعي للحاجات وليس الربح وهو مبدأ المساواة في الأجور.
رابعًا: التخطيط للنمو الاقتصادي، وكفالة الدولة لجميع المواطنين في مقابل تكليف القادرين منهم بالعمل رجالًا ونساءً.
خامسًا: القضاء على الحرية الفردية.
سادسًا: إلغاء الكثير من العلاقات الاجتماعية المتوارثة، كنظام الميراث والهبة؛ بل وإلغاء كافة الطبقات الموجودة في المجتمع، بإقامة ديكتاتورية "البروليتاريا" أو الطبقة الكادحة.
سابعًا: إنكار الدين ومحاربته.
ثامنًا: إلغاء الحكومة في المستقبل حين تقوم الدولة الشيوعية لعدم حاجة الناس إليها، إذ إن أساس الشرور قد انتهى وهو الملكية الفردية، فستلغى الحكومة ويقام مجتمع متعاون متعاطف بغير حكومة، أي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، هذه أهم الأسس التي قامت عليها الشيوعية.
ولكن جاءت النتائج في التطبيق الفعلي لتلك الأسس على النحو الآتي بالإضافة إلى ما سبق بيانه:
أولًا: انعدام الحرية الاقتصادية الفردية.
وثانيًا: انعدام الحافز الفردي.
وثالثًا: عدم تجويزهم الملكية الفردية.
ورابعًا: حكم الشعوب بالحديد والنار.
وخامسًا: فشل مبادئ الشيوعية جميعًا فشلًا ذريعًا.
وسادسًا: محاربتها للأديان.
وسابعا: ظهور الكثير من المفاسد الاجتماعية في المجتمعات الشيوعية التي حكمت بهذا النظام اللعين، من هذه المفاسد الرشوة والغبن واللاأخلاقية وتفشي الرذائل بكل صورها وأشكالها.
والسر في ذلك أن المذهب الشيوعي -كما رأينا في عرضه- هو مذهب شامل، وليس كما يدعي البعض أنه مذهب اقتصادي، فهو مذهب شامل لجميع النواحي عقدية كانت أو مادية، فمن تصور أن الشيوعية مذهب اقتصادي بحت لا شأن له ببقية الأمور العقدية والتنظيمية فهو مخطئ، خدعه زعم الملاحدة أن أصل كل الحياة بأنظمتها ومعتقداتها وجميع شئون الإنسان إنما كان أصلها المادة، وهو زعم كاذب كما بيناه. بنوا عليه النظرية الشيوعية التي جعلوا واجهتها الكبيرة التركيز فقط على الناحية الاقتصادية؛ خداعًا للناس ونفاقًا، وإن أول ما يبطل هذا الزعم هو أن يقال لهم: إذا كانت الشيوعية لا شأن لها إلا بإصلاح الأمور الاقتصادية فقط، فما بال الاضطهاد الديني هو الشاغل الأول لدول