الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حدودها، وهذا غيض من فيض من الإحصائيات عن الأصولية النصرانية في أمريكا، يستطيع منه القارئ أن يرى أمريكا الأصولية، وأن يكشف كذب ما تدعيه من أنها راعية السلام في الشرق الأوسط أو غيره، وبينما هي لا تألو جهدًا حكومةً وشعبًا في دعم الأصولية عندها وتوسيع نطاقها، فإنها تسعى في سحق أي أصولية أخرى لأنها تراها تشكل خطرا على مسيرتها.
منهج الأصولية النصرانية، وأشهر شخصياتها، وخلاصة فكرها
منهج الأصولية النصرانية:
الأصولية النصرانية إن كان منهجها يختلف من طائفة إلى أخرى في بعض النقاط، إلا أن السمة الغالبة للجميع هي الدعوة إلى المحافظة على القديم ومحاربة التحديث أو العصرنة، ولا نذهب بعيدا موغلين في التاريخ لنعرف منهج الأصولية النصرانية، بل نتتبع سير الباباوات منتصف القرن التاسع عشر، الذي كان يشغل منصب البابوية فيه "جيسيه بسارتو" أو البابا "بيوس" التاسع، الذي كان برغم لينه وبشاشته ذا بأس شديد في هجومه على الليبراليين.
وقد أصدر هذا "بيوس" العاشر قائمة بالأفكار المرفوضة من جانبه منها: لا يمكن تحت أي ظرف رفض تفسير الكنيسة للإنجيل، رغم ذلك فمن حق رجال الدين وعلمائه تقييم تلك التفاسير. إذا أراد عالم الدين أن يدرس علوم الإنجيل فعليه أن يطرح وراء ظهره كل الآراء المسبقة التي فرضتها الكنيسة.
ثالثًا: أن أحاديث يوحنا المتضمنة في الإنجيل هي بمثابة أفكار صوفية تتضمن الحقائق التاريخية المعضدة لها، ولكن يبدو أن ثمة تعديلا في المنهج الأصولي النصراني في
عهد البابا يوحنا بولس الثاني، ففي المجمع الفاتيكاني الذي عقده في سنة ألف وتسعمائة وخمسة وستين وضع خطة ماكرة لحرب أصولية جديدة، فدعا إلى توحيد كافة الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما، واعتبار المسيحيين شعب الله المختار بناء على العهد الجديد الذي أقامه بولس الرسول.
وتعد جماعة أو منظمة عمل الرب من أهم التنظيمات الأصولية في أوربا، وإن لم تكن حديثة التكوين، وقد أنشأها الأسقف "بلاجير" سنة 1928، إلا أنها من المنظمات التي تم إحياؤها بصورة لافتة للنظر، فقد منحها البابا يوحنا بولس الثاني ميزة فريدة عن بقية المنظمات الدينية، وهي الاستقلال التام والسيادة الذاتية المطلقة فيما عدا سلطته المباشرة بالطبع. تذكر الإحصائيات أنه ينتمي لهذه الجماعة أكثر من مائة ألف مجند، تعد من أكثر الجماعات سرية وأهمية، حتى إن البعض يلقبها بالماسونية الكاثوليكية لشدة وخطورة توغلها في الشئون الدولية.
وعن أشهر الشخصيات الإنجيلية الأصولية:
فأكثر الإنجيليين شهرة في أمريكا الذين يبشرون على التليفزيون بنظرية "هرمجدون" وغيرها "بات روبرتسون"، وهو يستضيف برنامجًا لمدة تسعين دقيقة يوميًّا يدعى نادي السبعمائة، سمي كذلك نسبة إلى سبعمائة مساهم معه، وهذا البرنامج يصل إلى أكثر من 16 مليون عائلة، أي إلى أكثر من تسعة عشر بالمائة من الأمريكيين الذين يملكون أجهزة تليفزيون.
و"روبرتسون" هو ابن السناتور السابق "وولس روبرتسون" متخرج من مدرسة الحقوق وهو يوظف حوالي ألف وثلاثمائة شخص لإدارة شبكته التليفزيونية المسيحية "سي بي إن". تقوم الإدارة المركزية للشبكة على مساحة كبيرة في ضاحية
شاطئ "فرجينيا" بقيمة ملايين الدولارات، تضم "سي بي إن" نادي السبعمائة ثلاث محطات تليفزيونية ومحطة راديو ومحطة تليفزيون "سي بي إن"، ومحطة تليفزيون في جنوب لبنان ومراسلون في أكثر من ستين دولة وجامعة ونظام للمساعدة الدولية.
ومن الشخصيات المشهورة أيضًا "جيمي سواجرت" الذي يدير عملياته من "باتون روك" في "لويزيانا"، وهي ثاني أكثر محطات التليفزيون الإنجيلية شهرة؛ استنادًا إلى إحصائية مؤسسات "نلسون"، فهو يصل إلى أربعة ملايين ونصف المليون منزل يوميا، أو خمسة في المائة من المشاهدين أو إلى ما مجموعه تسعة ملايين وربع المليون أسرة، أو 10% من المشاهدين في أيام الآحاد. ومن الشخصيات أيضا "جيم بيكر" الذي يملك ثالث أشهر محطة تليفزيونية تبشيرية، وقد بدأ عمله الديني متتلمذًا على "بات روبرتسون"، وهو يصل إلى حوالي ستة ملايين منزل أو 6% تقريبا من المشاهدين.
ومن الشخصيات المشهورة أيضًا "أورال روبرتس" وتصل برامجه التليفزيونية إلى خمسة ملايين منزل، أو 6% من المشاهدين أيضًا.
ومنهم أيضًا "جيري فولويل" الذي تصل دروسه التبشيرية الأسبوعية إلى ملايين المنازل. وكان "فولويل" مثل "روبرتسون" سنة ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين منغمسًا بعمق في الشئون السياسية، وفي شهر أغسطس -وبعد أن أمضى خمسة أيام في جنوب أفريقيا- أيد الحكومة العنصرية ووصف الأسقف "ديزمونت توتو" الحائز على جائزة نوبل للسلام بأنه ألعوبة.
ومن الشخصيات المشهورة أيضًا "كينين كوبلنت" وهو متخرج من جامعة "أورال روبرتس" ومؤمن بالتدبيرية، ويرى أن إسرائيل الحديثة والصهيون الإنجيلية هما
شيء واحد ويقول: "إن الله أقام إسرائيل إننا نشاهد الله يتحرك من أجل إسرائيل. إنه لوقت رائع أن نبدأ دعم حكومتنا طالما أنها تدعم إسرائيل. إنه لوقت رائع أن نشعر الله مدى تقديرنا إلى جذور إبراهيم". وبالرغم من ذلك فإن "كوبلنت" لا يحب بالضرورة إسرائيل كما هي، إنما يعبر عن حبه لإسرائيل لأنه وأتباعه يرون أنها المسرح الذي سيقدم عليه مشهد معركة "هرمجدون"، وعودة المسيح، فهم يعبرون عن حبهم لليهود ليس لأنهم يهود، ولكن يرون فيهم الممثلين الذين لابد منهم على مسرح النظام الديني، الذي يقوم على أساس تحقيق المسيحية الكاملة.
ومن الشخصيات المشهورة أيضًا "ريتشارد ديهال"، وله برنامج يسمى يوم كشف النظام، يصل إلى ملايين المشاهدين.
ومن الشخصيات أيضًا "ريكس هامبرت" وهو يقول: "إنه يبشر بتعاليم "سوكفلد" حول التدبيرية" وهي تقول: إن الله كان يعرف منذ البداية الأولى أننا نحن الذين نعيش اليوم سوف ندمر الكرة الأرضية، وهذه السبعة برامج لسبعة من المشاهير الذين ذكرناهم يقدمون البرامج الدينية، ويبشرون بنظرية "هرمجدون" الأصولية الإنجيلية في الإذاعة والتليفزيون، ومن بين أربعة آلاف أصولي إنجيلي يشتركون سنويًّا في مؤتمرات الإذاعة الدينية الوطنية، هناك ثلاثة آلاف يعتقدون أن كارثة نووية فقط يمكن أن تعيد المسيح إلى الأرض، ومعظم المدارس الإنجيلية في الولايات المتحدة تدرس النظام الديني وتدرس نظرية "هرمجدون" الذي يقول بها الأصولية الإنجيلية، استنادا إلى أحد القساوسة يسمى "دال كراولي"، وهو قسيس في واشنطن كان أبوه عضوا مؤسسا للمؤتمر الدائم للمذيعين الدينيين الوطنيين.
خلاصة فكر المسيحية الأصولية الإنجيلية:
إن العودة الثانية للمسيح، أو انتظار مجيء المسيح للمرة الثانية هي المحور الذي تدور عليه عقيدة الأصوليين الإنجيليين، وهم بذلك يشتركون مع اليهود في أن بإعادة بناء الهيكل سيعجل بمجيء مسيحهم للمرة الثانية، ولذلك فهم يتعاونون مع اليهود من أجل الوصول إلى ذلك الهدف، وهو هدم الأقصى والصخرة ثم بناء الهيكل، ثم انتظار المجيء الوشيك للمسيح الذي يطمعون أن يدخل اليهود في دينه هذه المرة. أما هذا الاختلاف في شخصية المسيح الآتي فلا يعطل مسيرة العمل المشترك بينهما تمهيدًا لمجيئه، بل إن كليهما يعين الآخر في القدر المشترك من الاتفاق.
ويقول أحد زعماء اليهود لزملائه من المسيحيين: إنكم تنتظرون مجيء المسيح للمرة الثانية ونحن ننتظر مجيئه للمرة الأولى، فلنبدأ أولًا ببناء الهيكل وبعد مجيء المسيح ورؤيته نسعى لحل القضايا المتبقية سويا، وكل من الفريقين يحاور الآخر ويراهن عليه، ويريد أن يدخله مع أتباع مسيحه، تقول الباحثة الأمريكية "لي أوبرين":"من التناقضات الظاهرية في عمل المنظمات اليهودية الأمريكية مع طائفة الإنجيليين: تناقض يدور حول التوتر بين رغبة الإنجيليين في التنصير، وبين الاشتباه في مقاومة اليهود الأمريكي للنشاط التبشيري".
وقد أصدر مجموعة من الأساقفة في أحد المؤتمرات هذا البيان: إننا نؤمن أن الله اختار إسرائيل الشعب المختار لكي يتابع خلاصه للبشرية، ومهما كان موقفنا فلا نتمكن من نكران أننا أغصان قد تطعمت على الشجرة القديمة التي هي إسرائيل، ولذلك فإن شعب العهد الجديد لا يمكن أن ينفصل عن شعب العهد القديم. إن انتظارنا لمجيء المسيح الثاني يعني أملنا القريب في اعتناق الشعب اليهودي للمسيحية، وفي محبتنا الكاملة لهذا الشعب المختار،
ويبدو واضحا أن الأساس اللاهوتي الصليبي هو الذي يفسر دعم النصارى لليهود وارتباطهم معهم، وخاصة أولئك الذين يزعمون أن كل نصوص العهد القديم تحتوي على كل الحقيقة، بما فيها وعد الله لإسرائيل في التوراة، ومن ثم اقتناعهم بأن دولة إسرائيل الحديثة هي امتداد لدولة إسرائيل التوراتية، عندئذ لا يكون هناك أي عائق دون اعتناقهم للصهيونية المسيحية.
ومن هنا نستطيع أن نفهم كيف استساغ الكثير من قادة النصارى في هذا العصر أن ينتسبوا للصهيونية، مع بقائهم على دين النصرانية، فالأصولية الإنجيلية تعتقد أن إعادة بناء الهيكل سيعجل بقدوم المسيح، والمجيء الثاني للمسيح أصبح وشيك الوقوع، فإذا تمت إعادة بناء هيكل سليمان فإن التعاليم الإنجيلية تتطلب حدوثه ضمن ثلاثة أمور قبل أن يتحقق المجيء الثاني؛ أولا: يجب أن تصبح إسرائيل دولة. ثانيا: يجب أن تكون القدس عاصمة يهودية. ثالثا: يجب أن يعاد بناء الهيكل وهو الشرط الثالث لكي يحدث المجيء المتوقع للمسيح.
وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.