الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير المادي للتاريخ وأطواره المزعومة والرد عليه
قلنا: إن تاريخ الإنسان وجد عن طريق المادة في مفاهيم هؤلاء الشيوعيين، فهم يفسرون تاريخ الإنسان على طريقة الجدل المادي الديالكتيكي، على أساس أن قانون المادية الجدلية هي التي تصنع تاريخ الإنسان دون أي تدخل منه، بل إن حياة أي مجتمع هو ثمرة واقعه المادي، وحياة الناس العقلية هي انعكاس هذا الواقع، وليست الحياة الاجتماعية ثمرة أفكار سابقة، بل الحياة الاجتماعية للناس هي التي تحدد إدراكهم، فالمادة سابقة للفكر ومسيرة له -بزعم الملاحدة.
تاريخ الناس كذلك تصنعه المادة المتطورة بغير إرادة جماعية منهم؛ لأن طلب كل فرد تحقيق غايته وما ينشأ إثر ذلك من تباين الإرادات، وتأثير تلك الإرادات على العالم الخارجي هو بالضبط ما يشكل التاريخ لكل المجتمعات التي تنشأ، وفق أحوالهم المادية، والتاريخ ذاته يمر بمراحل هي في مذهب الملاحدة الماركسيين تتمثل فيما يلي:
المرحلة الأولى: المشاعية البدائية.
المرحلة الثانية: الرق.
المرحلة الثالثة: الإقطاع.
المرحلة الرابعة: الرأسمالية.
المرحلة الخامسة: الاشتراكية الممهدة للشيوعية.
المرحلة السادسة: هي الشيوعية الأخيرة، وهذه المرحلة السادسة هي التي تلغى فيها الطبقات كلها -كما يدعون.
وقد ذكر الباحثون أنه من الصعوبة -كما قلنا- تصور الفصل بين المادية الجدلية والمادية التاريخية، والملاحظ أن التفسير المادي للتاريخ لا ينفي القيم والأخلاق التي تصدر عن البشر، إلا أنه ينفي أن تكون لتلك القيم أو الأخلاق أو سائر السلوك وجود قبل وجود المادة والأوضاع الاقتصادية، أو أن تكون تلك القيم والأخلاق لها ثبات دائم، أو أن تكون تلك القيم والأخلاق من الله تعالى، بل إن تطور تاريخ المجتمعات البشرية هو قبل كل شيء مرهون بتطور الإنتاج البشري المادي، تاريخ البشر يرتكز أساسًا على المصالح المادية التي تربط الناس بعضهم ببعض، لا على أساس ديني أو سياسي أو أخلاقي ثابت، إذ القيم كلها في مفهومهم سراب لا قيمة لها، والغايات عندهم تبرر الوسائل على امتداد تاريخ البشر حسب تفسيرهم.
أما عن مدى صحة الأطوار التي تزعمها الشيوعية فنقول: إن ما زعمه "ماركس" من أن تاريخ البشر وما يمرون به في حياتهم من أمور مختلفة، إنما هو نتيجة لطريقتهم في الإنتاج، إن هو إلا كذب محض؛ فإن حياة الناس ومعايشهم والتغيرات التي يمرون بها لا تتوقف فقط على الإنتاج، والواقع خير شاهد على أن الذي يغير المجتمعات قد يكون أشياء كثيرة، غير وفرة الإنتاج أو قلة الإنتاج، فالفرق المختلفة وأصحاب المذاهب الوضعية واستعمار الناس بعضهم بعضا، والحروب التي تشتعل بينهم والغنى والفقر الذي يمرون به، وغير ذلك كلها من العوامل التي تحدث التغيير في المجتمعات ولا سبيل إلى إنكار هذا، مما يدل على أن قضية الإنتاج إنما هي جزء من الأجزاء الكثيرة التي تحدث التغيير في المجتمعات، وليس المال فقط كما قرره الملاحدة.
وكذلك ما زعمه الماركسيون من أن تاريخ البشر مر بالمراحل السابقة، إلى أن وصل إلى الشيوعية، هي في الحقيقة كلها مزاعم فارغة كاذبة، وقد ظهر كذبها
فإن "ماركس" زعم أن العالم الغربي المتطور سيترك الرأسمالية ويتحول حتما إلى الاشتراكية الشيوعية، فكان العكس هو الصحيح إذ رفض العالم المتطور فكرة الشيوعية، وتقبلتها الدول المتخلفة نسبيا كروسيا والصين، وقد بدأت تظهر في تلك البلدان العودة إلى الرأسمالية رويدا رويدا، خصوصا بعد أن بدأت الشيوعية تحتضر، كما أن ما يتنبئون به من أحداث ستحصل في المستقبل يدل على تناقضهم؛ لأنهم لا يؤمنون بأي شيء في المستقبل يدل عليه العقل، بل يؤمنون بما يدل عليه الواقع المشاهد الذي تفرزه الطبيعة فقط، إلى أن ماتت الشيوعية دون أن ينتقل الناس إلى الشيوعية الأخيرة، التي زعموا أنها ستقضي على جميع الطبقات فتبين كذب الشيوعية جملة وتفصيلا.
أما بالنسبة للمرحلة الأولى -وهي المشاعية البدائية- التي زعم الملاحدة أن الإنسان نشأ بدائيًّا كقطيع من الحيوانات، ثم أخذ يتطور إلى أن استطاع إنتاج أدوات العمل في تطوره التدريجي البطيء، وأنه اكتمل بفضل التعاون الذي قام بين أفراد البشر، وأنهم استطاعوا انتزاع حياتهم من الطبيعة التي كانت تغالبهم ويغالبونها، ثم أضافوا إلى هذا الافتراء افتراء آخر؛ وهو أن ذلك التطور قد اكتمل في الناس من غير إرادتهم ووعيهم، وأنهم انتصروا على الطبيعة بفضل تعاونهم المشاعي في الزراعة والصناعة وغيرهما، إلا أنه حينما انصرف بعض أفراد البشر إلى الإنتاج الفردي لا المشاعي ظهر التناقض بين الملكية الاجتماعية والطابع الفردي لعملية الإنتاج، فاصطدم هذا الوضع وتناقض مع الرغبة في الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، ونتج عن ذلك القضاء على النظام البدائي المشاعي، كحتمية طبيعية للتطور المستمر في الحياة قاطعة بذلك خط سيره.
ثم نشأ بعد ذلك الصراع الطبقي على المصالح المادية، فبدأ من هنا تاريخ الصراع الطبقي في المجتمعات نتيجة للتطورات المتلاحقة، ونتيجة لحياة الإنسان
فاصطدمت بالنظام الرأسمالي الذي يمثل سيادة أصحاب رؤوس الأموال على الفقراء وعلى الأفكار عموما، ثم نتج عن ذلك أيضا قيام قضية الرق الآتية، وهي المرحلة الثانية من المراحل التي يزعم الملاحدة أنها نشأت إثر صراع طبقي بين المنتصرين في الحرب والمهزومين من جهة، وبين أصحاب الأموال الدائنين وبين الفقراء المدينين من جهة أخرى، ولأسباب مادية أيضًا انهار أمر الرق تدريجيا؛ لأنه لم يعد كما يقولون تجارة رابحة، وأيضا فإن أولئك المنهزمين والفقراء حينما أحسوا في فترة من فترات تاريخهم للرق والعبودية التي يعانونها؛ أرادوا أن يثأروا لأنفسهم كما هو الحال في بقية الحيوانات الأخرى التي شاركتهم في النشأة الأولى.
وحصل الصراع الطبقي العنيف بين الفقراء والأغنياء، انتصر فيها الفقراء وجعلوا الأغنياء في النهاية عبيدا، ليبدأ الصراع أيضا على أشده كأنهم قطعان الثيران المتصارعين، وهنا تدخل الدين ليكون أداة روحية لاستعباد الجماهير، وإقامة كل الأشكال الراهنة للوضع الاجتماعي بما يعدهم به، بعد أن صبروا على ما هم فيه من البلاء والذل، وازداد النظام الاستعبادي ضراوة وصراعا، فنشأ الإقطاع هكذا تعليلهم لنشأة الرق وظهور التدين ونهاية الرق، وهذه كلها -كما نلاحظ- مجرد افتراضات خرقاء وليس لهم أي دليل إلا آراؤهم التي تخيلوها في نشأة الرق والإقطاع، وغيرها من التقسيمات التي أحدثوها، ولأنهم لا يعلمون أن حكمة الله تعالى اقتضت ألا يكون الأنبياء من أصحاب الثروة أو الجاه، فظنوا -والظن أكذب الحديث- أن الأنبياء إنما أتوا بما أتوا به محافظة منهم على حفظ أموالهم وتجاراتهم، وليبقى الكادحون أرقاء لهم دائما إن هم صبروا على ما هم فيه، وكما نعلم فإن هذه الخدعة لا مكان لها إلا في رأس إبليس ومن اتبعه من الملاحدة أصحاب الخيالات السقيمة.
أما المرحلة الثالثة من مراحلهم وهي مرحلة الإقطاع، الذي علل الملاحدة لظهوره بأن العالم كانوا على طبقتين: هم طبقة كبار الملاك وطبقة رجال الدين، وبقية الناس كانوا مسخرين مستعبدين لهاتين الطبقتين، وحينما ظهرت أدوات الإنتاج المتطورة كالمحراث الحديدي وغيره من الأدوات الجديدة، ظهر الإقطاع بشكل قوي، وصار المستعبدون تحت رحمة الملاك وتحت رحمة أصحاب الجاه، يعملون لحسابهم ولا ينالون إلا ما تجود به أيدي أولئك الأثرياء، في الوقت الذي كان فيه الأثرياء ورجال الدين قد تمالئوا على إبقاء تلك الطبقة الفقيرة في معزل عن التفكير السليم لحالهم، ولكن وبعد وقت أفاق الفلاحون ورأوا ما حل بهم من الغبن، فثاروا ضد تلك الطبقات الثرية والدينية لرفع الظلم الفاحش عنهم، ولكن ثورتهم كانت أضعف من إزاحة تلك الطبقات الثرية والدينية لما يأتي:
أولًا: لأنها ثورة غير منظمة.
وثانيًا: لحاجة الفقراء الشديدة.
وثالثًا: للقوة المتينة التي كان يتحصن بها الأثرياء وأصحاب الدين
…
إلا أن تطور الأمور الاقتصادية أخذت تحط من كبرياء أصحاب الثروة من الإقطاعيين، لتحل الرأسمالية بدل الإقطاع في حركات تطورية متلاحقة، تتمشى مع خيالات واضعي الماركسية، بغض النظر عن صحة هذا التعليل أو عدم صحته، فإن الإسلام يعتبر تلك الأوضاع كلها باطلة وجاهلية بغيضة، ما أنزل الله بها من سلطان، على افتراض وجود تلك الأحوال على الصورة التي تخيلها "ماركس" وأتباعه، فلا يجوز رد الحق بالخطأ والتخمين.
أما المرحلة الرابعة -وهي مرحلة الرأسمالية البرجوازية- فقد ظهرت كما يقول الشيوعيون الملاحدة لعدة أسباب؛ منها: استحواز هذه الطبقة في الأساس على
مصادر المال واستقراره في أيديهم، واختراع الآلات الحديثة التي حلت محل الأيدي العاملة من طبقات الإقطاع والرق؛ لعدم إنتاجهم بالكثرة التي تنتجها تلك الآلات، فصارت حالة الرق متناقضة مع حالة الإقطاع، فألغت بدورها حالة الإقطاع التي كانت قائمة على استعباد الكادحين للعمل للإقطاعيين النبلاء، وبحث الجميع عن رأس المال ثم ازدياد حجم التجارة في أوربا بدلا عن الزراعة.
والملاحظ أن أولئك الذين كانوا يطلبون العمل بأيديهم لم يكن دورهم كافيًّا لملء ما تحتاج إليه الحركة الصناعية القوية، كما هو الحال بالنسبة للآلات الحديثة، وهذا أحدث بدوره رد فعل لدى العمال لتحطيم الإقطاع المستند إلى الآلات الحديثة، بسبب التناقض مع القوى المنتجة النامية من جهة، وحاجة العمال من جهة أخرى إلى العمل والكسب، وهذا بدوره قد هيأ الجو لتصاعد قوة الرأسمالية، التي تسعى دائمًا لزيادة الإنتاج والمكاسب الوفيرة، وما نشأ بين أفرادها من تعاون مثمر في شتى المجالات، وقد جعلوا استغلال طبقة من الناس لطبقة أخرى هو أساس الحضارة؛ لكي يحصل التناقض الذي يوصل طبقة إلى الاستعلاء على طبقة أخرى، فما من شر لطبقة إلا وهو خير لطبقة أخرى وهكذا صراع دائم من أجل البقاء.
كما أن تجمع الشعوب واتحادها إنما يعود -حسب تفسيرهم- إلى المصالح الاقتصادية، التي قامت عليها الرأسمالية، غير أن الرأسمالية أصبحت مناقضة لمصالح طبقة "البروليتاريا" أي طبقة العمال، فكان لزاما على هؤلاء العمال أن يصارعوا طبقة الرأسمالية، وأن يطيحوا بها بالطرق الثورية، وأن يستبدلوها بالنظام الشيوعي الذي يستوعب تلك التناقضات ويصفيها، في مجتمع ليس فيه
طبقات يستغل بعضهم بعضًا، إنما فيه طبقة واحدة يكون الإنتاج فيها ملكًا مشتركًا بين الدولة، وهي خدعة شيوعية بارعة، ولكن هذا الصراع لا ينقل الناس مباشرة من الرأسمالية إلى الاشتراكية، بل يمر بمراحل تدريجية قبل انتقالهم من الرأسمالية إلى الاشتراكية ثم إلى الشيوعية، التي تحقق لهم مبدأ: من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته، والتي تتم بجهود ضخمة من العمل المتواصل لزيادة الإنتاج لتتحقق تلك القاعدة.
وهكذا يتضح بجلاء أن التعليلات الشيوعية كلها قائمة على مجرد خيالات وتصورات، ليس لها ما يسندها، بل هي ضد العقل والمصالح وضد الدين وضد الدنيا، وإن ما تصوروه عن بداية المجتمع المشاعي وظهور الرق والإقطاع والرأسمالية ثم الاشتراكية الممهدة للشيوعية؛ كل هذه الحلقات هي افتراضات وتخمينات، وأول ما يدل على كذبهم فيها أنهم لا يستطيعون أن يحددوا بداية كل مرحلة وظهور التي تليها تحديدًا دقيقًا، مع أنه حتى ولو حددوها لا يقبل منهم لعدم وجود أدلة على ذلك يقبلها العقل، وأنهم قد سلسلوا تلك الأحداث ليصلوا إلى النتيجة التي يهدفون إليها، وهي إظهار الشيوعية بمثابة الثمار الشهية اليانعة التي نضجت بعد الجد والاجتهاد، وتطور الأحوال من حال إلى حال، ولإظهار الشيوعية كذلك بمظهر المنقذ لتعاسة الإنسانية على مدى تاريخ الحياة البشرية على وجه الأرض، وكم علت تلك الأصوات وكم أخذت في طريقها من ضحايا، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة في أيام "جورباتشوف"، الذي تولى رئاسة الاتحاد السوفيتي بعد "يوري أندروبوف" و"برجينيف" وللباطل صولة ثم يضمحل.
وقد مزق الله الاتحاد السوفيتي كل ممزق، ولا يوجد عند العقلاء أدنى شك في أن تفسير الملاحدة لتاريخ البشر هو ضلالة كبرى من ضلالات الشيوعية، وهضم
واضح لتاريخ البشرية، وطمس للوجه المشرق من تاريخ البشرية في مختلف الأزمنة، حينما لا يعترف هذا التفسير بأية قيمة خلقية أو دينية أو ثقافية أو اجتماعية، قبل ظهور عبادة المادة الصماء، فهذا التفسير قائم على النظرة الاقتصادية البحتة، فلا قيمة لأي شيء إلا من خلال هذه النظرة الضيقة الباطلة التي لا يعرفون سواها.
إن تاريخ البشر مملوء بالأحداث المختلفة على مر الليالي والأيام، بعضها تكون أحداثًا كبيرة وبعضها صغيرة، وبعضها يكون للمادة تدخل ما فيه، وبعضها لا تمت إليه المادة بأدنى سبب، بل لقد سجل التاريخ أعظم حدث في هذا الوجود في فترة زمنية قصيرة، ولا تزال آثارها واضحة قوية ستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إنه الإسلام بتعاليمه السامية ونظمه العادلة، فكيف نشأ؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى تغييره للمفاهيم التي قبله رأسًا على عقب؟ وأي حالة اقتصادية اقتضت ظهوره على تلك الحال؟.
والجواب عند المؤمنين بالله تعالى لا يحتاج إلى إعمال الفكر ولا إلى الاجتهاد، فإن الجواب يأتي تلقائيًّا أن الله هو الذي أنشأه وأظهره في الوقت الذي اقتضته حكمته دون أي صراع مادي، ولهذا فإن التفسير الإسلامي لتاريخ الإنسان -ونشأته في هذا الكون- من البدهي أن يختلف اختلافًا جذريًّا عن التفسير المادي له عند الملاحدة، ذلك أن الإسلام يقرر أن للإنسان مفهومه الخاص به، وأنه متميز عن بقية المخلوقات التي تساكنه في هذه الدنيا، فهو مفكر وله عقل وتمييز يدبر الأمور ويصرفها وفق مصالحه وإرادته، وهو الذي يسير المادة وليس المادة هي التي تسيره وتتصرف فيه كما في المفهوم الشيوعي، ففي الإسلام ينبع تاريخ الإنسان من حياته وتفكيره وعمله وتوجهاته، وما يتلقاه من التعاليم الإلهية على أيدي رسل الله -عليهم الصلاة والسلام- وليس من المادة.
يبدأ تاريخ الإنسان في الإسلام من خلق الله له من طين الأرض، ثم نفخ الروح فيه ثم إهباطه إلى الأرض واستخلافه فيها، وقيامه أو عدم قيامه بأوامر الله ونواهيه وسلوكه الخير والشرير، وما يسطره الإنسان في صفحات كتابه الذي سيقرؤه يوم القيامة، وما يتبع ذلك من الحساب والثواب والعقاب، ولا شك أن هذه المفاهيم بعيدة كل البعد عن تاريخ الإنسان المادي كما تصوره الشيوعية، والتي تهبط بالإنسان إلى الحضيض، ولا تعترف له بتلك المنزلة العالية التي يشابه فيها الملائكة في علو روحه إن أطاع الله تعالى واتقاه
…
هذا الجانب أغفلته الشيوعية، ولم تنظر إليه إلا على أن الإنسان حيوان بهيمي، لا هم له إلا بطنه وفرجه ولا ذكر لروحه ومزاياه العديدة، وليس فيها أن الله كون الإنسان من جسد وروح، وأن كلا منهما يطالب بحقه وغذائه المادي والروحي مطالبة حثيثة، وليس فيها أنه لا يجوز أن يغلب الإنسان جانبا منهما على الآخر إلى حد الإهمال كما قررته الشيوعية.
فهذا التوازن لا يوجد إلا في الإسلام لكي يتم التوازن الحقيقي بينهما، فإن الإسلام لا يقدس الجسد وشهواته الحسية فقط ولا يقدس الروح إلى حد الغلو فيها، وإنما الإسلام يوازن بينهما ويجعلهما شريكين متماسكين لا متصارعين، كما هو حال الأنظمة الجاهلية المادية، ويمكننا القول بأنه إذا كان ظهور الشيوعية كنتيجة مادية قامت بالعنف والجبروت، فقد رأينا نهايتها المخزية، بينما الإسلام وقد قام على العقيدة الصحيحة والعدل التام انتصر وتأثر به الناس، وأحبوه وأحدث في أنفسهم قوة جبارة كانت كامنة، ففجرها الإسلام وأنار الأرض كلها، ولم يقم على العنف ولا على الصراع المادي والطبقي، فلو أن الإسلام كان ظهوره بسبب عوامل مادية لانتهى بتلك الحال حينما تنتهي، أو لوجب أن تنشأ قوة مثله كلما تكررت تلك الحال.