الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: الاشتراكية الماركسية تميل إلى العنف والثورة وإراقة الدماء؛ لذلك كانت تسمى بالثورة الحمراء، بينما الاشتراكية الفابية تميل إلى الإصلاح وإلى سعادة الناس كما يزعمون، وإلى التدرج في التطور ولو أدى ذلك إلى تأخر تطبيق الاشتراكية زمنًا طويلًا.
ثالثًا: الاشتراكية الماركسية تبطل الملكية الفردية وتحاربها وتعتبرها ألدَّ أعدائها بينما الاشتراكية الفابية تعترف بالملكية العامة، ولا تجيز تأمين الأرض دون مقابل، وترى الاشتراكية الفابية أن الملكية الخاصة يمكن تحويلها إلى ملكية الدولة بالطرق المشروعة.
وقد خالف الفابيون أيضًا آراء كارل ماركس في نظرته للمجتمعات؛ حيث كان يقول ماركس: إنها قائمة على الصراع الطبقي. وقالت الفلسفة الاشتراكية الفابية: إن الصراع الطبقي ليس حتميًّا ولا ضرورة إليه؛ لقيام حكومة العمال كما هو مذهب كارل ماركس، ولأن الدولة عند الفابيين ليس المقصود بها تسلط فئة على أخرى، كما يرى ماركس؛ وإنما الدولة عندهم هي قوة في صالح الجميع، وترى الاشتراكية الفابية أن التغيير الثوري العنيف الذي يراه "كارل ماركس" فاشل في تحقيق السعادة للشعوب.
هل الاشتراكية هي الشيوعية
؟
وللإجابة عن هذا الس ؤال نقول: اختلفت وجهات نظر الباحثين فيما يظهر من كتاباتهم حول العلاقة بين الاشتراكية والشيوعية، فبعض هؤلاء الباحثين يقول: إنه لا فرق بين الاشتراكية والشيوعية، وإن الاشتراكية والشيوعية هما اسمان لمسمى واحد، وإذا سألناه عن سبب أو تعليل التسمية بالاشتراكية بدلًا عن التسمية بالشيوعية، قال: إن الشيوعية من بعد "كارل ماركس" اشتهرت بأنها شيوعية "مزدك"، فنفر منها الناس، ومن هنا صارت كلمة الاشتراكية أقل استنكارًا لهذا.
لهذا جُعلت البذرة الأولى لشجرة الشيوعية خالصة، وإلا فالشيوعية والاشتراكية اسمان لمسمى واحد. ومزدك هذا الذي يقولون: عنه ظهر في فارس في أيام حكم الإمبراطور قباذ، حيث جمع مزدك حوله الصعاليك ومن انضم إليه، وكون منهم قوة كبيرة، ثم اعتنق الإمبراطور قباذ هذا الفكرة وتبنى شيوعية الأموال والنساء، حتى ما كان الرجل في هذا الزمان يعرف له أبًا؛ اشتد شر هذه الشيوعية وضررها على الناس حتى أنقذهم الله على يد أنوشروان، ولد قباذ؛ فقتل من هؤلاء جموعًا غفيرة إذ كان من أشد أعدائهم، وقتل مزدك شر قتله.
أما الرأي الثاني فيقول عن العلاقة بين الاشتراكية والشيوعية: إن الاشتراكية ترمي في النهاية إلى الشيوعية، وأن الفرق بينهما يكمن في الناحية العلمية، فالشيوعية ترى أن جميع الثروات الاجتماعية مجموع يستهلك الفرد منه بقدر ما يسد جميع حاجاته، وليس فقط بقدر ما يناسب خدماته على أن هذا الحق في الاستهلاك يتوقف عند الشيوعيين على واجب الإنتاج والعمل، فمن لا يعمل لا يأكل على حد قولهم، وهي ما يعبر عنها بقولهم من كل طبقًا لكفايته ولكل طبقًا لحاجته. أما الاشتراكية فتتفق مع الشيوعية في وجوب إنشاء المجموع العام من الثروات، ولكنها تخالفها في طريقة التوزيع، فتسمح لكل فرد من الثمرات العامة بما يناسب عمله وجهده، لا بما يناسب حاجته، ولهذا يذهب بعض الباحثين إلى أنه لا فرق بين الشيوعية والاشتراكية من كل حسب طاقته، ولكل حسب حاجته.
ويرى البعض الثالث أن بين الاشتراكية والشيوعية من جهة وبين الفاشستية من جهة أخرى شبهًا قويًّا، من حيث أن الاشتراكية والشيوعية ترميان كلتاهما إلى
تقوية قبضة الدولة في توجيه الإنتاج، وإلى القضاء على حرية الفرد، وكذا يرمي النظام الفاشستي، وكلها الاشتراكية والشيوعية والفاشستية هي صور من صور الديكتاتورية. وقد اعتبر لينين الاشتراكية هي المرحلة التي تسبق الشيوعية مباشرة، فهي مقدمة أو تمهيد لها، معتبرًا أن الاشتراكية مرحلة أولى بينما الشيوعية هي المرحلة الأخيرة العليا، فهم يقولون: إن الشيوعية لكي تقوم يجب أن تمر بمراحل ثلاث، هذه هي عندهم حتمية.
المرحلة الانتقالية: وهي انتقال البشرية من الرأسمالية إلى الاشتراكية، ثم إلى الشيوعية؛ لأن أعظم تحول في التاريخ في نظرهم هو انتقال البشرية من الرأسمالية إلى الشيوعية، ولا بد لهذا الانتقال من فترة زمنية معينة حتى تتمكن الثورة من القضاء على الطبقات المستغلة، وتأكيد سيطرة العلاقات الاشتراكية في ميادين الحياة الاجتماعية، وهي ضرورية لكل بلد يختار الاشتراكية.
ثم تأتي مرحلة الاشتراكية بعد هذه المرحلة الانتقالية، وهي كما تحددها الماركسية القضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، والقضاء في نفس الوقت على طبقات المجتمع المتناحرة؛ إذ إن المجتمع الرأسمالي يترك للاشتراكية وضعًا سيئًا، لا يتفق فيه إنتاج وسائل الإنتاج مع وسائل الاستهلاك؛ ولذلك فإن مبدأ الاشتراكية على كل فرد أن يؤدي حسب طاقته وأن ينال حسب عمله.
هذا المبدأ يكون خطوة كبرى إلى الإمام بالنسبة إلى الرأسمالية المستغلة؛ حيث لا ينال العامل قط حسب عمله، وتوزع سلع الاستهلاك بواسطة شراء الأفراد السلع الضرورية لمعيشتهم، وتسد حاجات الجماهير الثقافية إلى الحد الأقصى بواسطة الخدمات الاجتماعية كمجانية الخدمات الطبية مثلًا، ولا بد من تقدم هائل في إنتاج وسائل الإنتاج، وأن يتخصص العمال في معرفة استخدامها، ولا بد من تطويرها بشكل أسمى من الدرجة التي بلوغها في مرحلة الرأسمالية التي
تحرم الجماهير من الثقافة والعلم، ولكن إذا لم يصبح العمل بالنسبة للإنسان حاجة طبيعية كحاجته إلى التنفس والمشي، فإن أحسن وسيلة لتشجيع التقدم وتخصص العمال هي أن ينال كل فرد حسب نوع العمل الذي يؤديه.
ولهذا تصبح وعود الرأسمالية الخلابة التي تريد أن تقنع العمال بأنها تستطيع رفع معيشتهم إذا أحسنوا نوعية عملهم حقيقة في الاشتراكية بسبب زوال الاستغلال، ولكن الفرد في الاشتراكية لا يأخذ نتيجة عمله كاملًا، وذلك لأجل الاحتفاظ بقسط منها لتغطية مصاريف الإدارة والمستوصفات وغيرها؛ ففي المجتمع الاشتراكي يعطى كل فرد حسب عمله بصورة غير متساوية بين الأفراد بعد أن يؤمن لكل فرد أسباب معيشته.
إذًا هم يقولون: إن الاشتراكية تختلف عن الشيوعية، ولكن ما معنى هذا التفريق؟ إذا عرفنا أن "كارل ماركس" هو الذي أنشأها وهو الذي سماها أيضًا الاشتراكية، ويسميها الاشتراكية العلمية؛ حيث يميزها عن نوع من الاشتراكية الخيالية، التي أنشأها في القدم سان سيمون ولويس ورفاقهما، والتي لم يرتضها كارل ماركس؛ حيث اعتبر اشتراكيته مرحلة حتمية لا تقبل الرفض، لأنها في نظرة نتيجة مضادة للرأسمالية التي تنبأ بأنها ستنتهي، وتحل اشتراكيته محلها. ويرى ماركس أن الدول الكثيرة مثل بريطانيا وغيرها ستعود حتمًا إلى الأخذ باشتراكيته، وستموت الأنظمة الرأسمالية في هذه الدول فكانت النتيجة على حد قول الشاعر:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامة يا مربع
وقد احتضرت الاشتراكية في الشرق في الوقت الذي انتعشت فيه الرأسمالية في الغرب، كذلك ظن ماركس ورفاقه الأغبياء.