الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقوم من بين الناس، وكان قد أكل لحم جزور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سترا عليه:«من أكل لحم جزور فليتوضأ» . فقام جماعة كانوا أكلوا من لحمه فتوضأوا! وهذه القصة مع أنه لا أصل لها في شيء من كتب السنة ولا في غيرها من كتب الفقه والتفسير فيما علمت، فإن أثرها سيئ جدا في الذين يروونها، فإنها تصرفهم عن العمل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكل من أكل من لحم الإبل أن يتوضأ، كما ثبت في «صحيح مسلم» وغيره: قالوا: يا رسول الله أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: لا، قالوا: أفنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: توضأوا. فهم يدفعون هذا الأمر الصحيح الصريح بأنه إنما كان سترا على ذلك الرجل، لا تشريعا! وليت شعري كيف يعقل هؤلاء مثل هذه القصة ويؤمنون بها، مع بعدها عن العقل السليم، والشرع القويم؟ ! فإنهم لو تفكروا فيها قليلا، لتبين لهم ما قلناه بوضوح، فإنه مما لا يليق به صلى الله عليه وسلم أن يأمر بأمر لعلة زمنية. ثم لا يبين للناس تلك العلة، حتى يصير الأمر شريعة أبدية، كما وقع في هذا الأمر، فقد عمل به جماهير من أئمة الحديث والفقه، فلو أنه صلى الله عليه وسلم كان أمر به لتلك العلة المزعومة لبينها أتم البيان، حتى لا يضل هؤلاء الجماهير باتباعهم للأمر المطلق!
السلسلة الضعيفة (3/ 268).
وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل
[قال الإمام في تعقباته على الشيخ سيد سابق رحمه الله في فقه السنة]:
ومما لا ينقض الوضوء:
قوله في صدد عد ما لا ينقضه: «أكل لحم الإبل وهو رأي الخلفاء الأربعة وكثير من الصحابة والتابعين إلا أنه صح الحديث بالأمر بالوضوء منه» . ثم ذكره من حديث جابر بن سمرة والبراء بن عازب ثم قال:
«وقال ابن خزيمة: لم أر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه وقال النووي: هذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على
خلافه انتهى. إلا أنه يقال: كيف خفي حديث جابر والبراء على الخلفاء الراشدين والجمهور الأعظم من الصحابة والتابعين»!
قلت: هذا الاستفهام لا طائل تحته بعد أن صح الحديث عنه صلى الله عليه وسلم باعتراف المؤلف فلا يجوز تركه مهما كان المخالفون له في العدد والمنزلة فإن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما «يثبت بنفسه لا بعمل غيره من بعده» كما قال الإمام الشافعي على ما سبق في «المقدمة: القاعدة 14» .
وإني لأستغرب جدا من المؤلف هذا القول لأنه لا يتفق في شيء مع الغرض الذي من أجله وضع كتابه هذا وهو «جمع المسلمين على الكتاب والسنة والقضاء على الخلاف وبدعة التعصب للمذاهب» كما نص هو عليه في «المقدمة» بل إن قوله هذا تأييد عملي للمقلدة الذين يردون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الدعوى في أئمتهم (1).
أقول: هذا على افتراض أن ما ذكره المؤلف عن الخلفاء الراشدين من مخالفة الحديث ثابت عنهم وإلا فإني أقول: أين السند الصحيح بذلك عنهم؟ وهذا أقل ما يجب على من يريد أن يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالفة غيره له؟ !
وليس للمؤلف أي دليل أو سند في إثبات ذلك إلا اعتماده على ما ذكره النووي في «شرح مسلم» أنه: «ذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء يعني أكل لحم الجزور وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة الراشدون
…
».
وهذه الدعوى خطأ من النووي رحمه الله قد نبه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال في «القواعد النورانية» ص 9:
«وأما من نقل عن الخلفاء الراشدين أو جمهور الصحابة أنهم لم يكونوا يتوضؤون من لحوم الإبل فقد غلط عليهم إنما توهم ذلك لما نقل عنهم أنهم لم
(1) ثم رأيت المؤلف - جزاه الله خيرا - قد حذف من طبعته الجديدة للكتاب 1/ 55 هذا الاستفهام تجاوبا منه مع إنكارنا إياه. أثابه الله. [منه]
يكونوا يتوضؤون مما مست النار وإنما المراد أن كل ما مست النار ليس سببا عندهم لوجوب الوضوء والذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضوء من لحوم الإبل ليس سببه مس النار كما يقال: كان فلان لا يتوضأ من مس الذكر وإن كان يتوضأ منه إذا خرج منه مذي».
قلت: ويؤيد ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الطحاوي 1/ 41 والبيهقي 1/ 157 رويا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب أكلا خبزا ولحما فصليا ولم يتوضيا. ثم أخرجا نحوه عن عثمان والبيهقي عن علي.
فأنت ترى أنه ليس في هذه الآثار ذكر للحم الإبل البتة وإنما ذكر فيها.
اللحم مطلقا وهذا لو كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجب حمله على غير لحم الإبل دفعا للتعارض فكيف وهو عن غيره صلى الله عليه وسلم فحمله على غير لحم الإبل واجب من باب أولى حملا لأعمالهم على موافقة الشريعة لا على مخالفتها ولذلك أورد الطحاوي والبيهقي هذه الآثار في باب «الوضوء مما مست النار» ولم يوردها البيهقي في «باب التوضؤ من لحوم الإبل» وإنما قال فيه:
ثم روى البيهقي فيه بسنده عن ابن مسعود أنه أكل لحم جزور ولم يتوضأ ثم قال: «وهذا منقطع وموقوف وبمثل هذا لا يترك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
قلت: وبخاصة أنه ثبت عن الصحابة خلافه فقال جابر بن سمرة رضي الله عنه: كنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» 1/ 46 بسند صحيح عنه.
[تمام المنة ص (104)]