الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يأت بها عملياً، فقد اكتسب النية الحسنة وفاتته فضيلة العمل، بينما الواجب لا بد من الإتيان به.
(الهدى والنور / 268/ 14: 38: 00)
هل حديث: «من اغتسل يوم الجمعة .. » يدل على استحباب الغسل لا وجوبه
؟
مداخلة: يقول السائل: هل قوله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح إلى المسجد» إلى آخر الحديث، دليل على استحباب غسل الجمعة مع التفصيل وجزاكم الله خيرًا.
الشيخ: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الحديث يدل على فضيلة الاغتسال يوم الجمعة كغسل الجنابة، وليس فيه بيان لحكم هذا الغسل من وجوب أو دون ذلك، يؤخذ حكم غسل الجمعة من أحاديث أخرى تكون صريحة في الدلالة على الحكم، وقد جاء هناك قسمان من الحديث أحدهما يدل على الوجوب والآخر يدل على الفضيلة التي قد يتوهم منها بعض الناس أنها تنافي الوجوب، فالأحاديث من القسم الأول كثيرة وصحيحة، وهي في الصحيحين وغيرهما كقول النبي صلى الله عليه وسلم:«غسل الجمعة واجب على كل محتلم» وكقوله أيضًا: «من أتى الجمعة فليغتسل» وقوله: «بحق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام» أو كما قال عليه السلام.
فهذه الأحاديث بظاهرها والظاهر واجب الوقوف عنده إلا إذا قام الدليل [الذي] يضطرنا أن ننصرف عن القول بالوجوب إلى ما دونه، ولم نجد دليلًا يضطرنا إلى مثل هذا الخروج عن ظاهر الدلالة إلا القسم الثاني الذي سبق الإشارة إليه وهو الحديث المعروف في السنن وغيرها من المسانيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» فيستدل بعض العلماء بقوله عليه السلام في آخر هذا الحديث: «ومن اغتسل فالغسل أفضل» أنه ليس
بواجب.
والحقيقة أن الحديث لا دلالة فيه على شيء من ذلك؛ لأن كون الغسل يوم الجمعة أفضل يصدق على الغسل سواء كان مستحبًا أو كان سنة مؤكدة أو كان حقًا واجبًا، فكل ذلك يدخل تحت قوله عليه السلام:«ومن اغتسل فالغسل أفضل» بل إن هذه الأفضلية تتأكد وتتحقق إذا قلنا بوجوب غسل الجمعة أكثر مما لو قلنا بسنيته، كما أننا إذا قلنا بسنية الغسل يوم الجمعة تتحقق هذه الأفضلية أكثر مما لو قلنا بالاستحباب، فلذلك [فليس في] قوله عليه السلام في هذا الحديث:«فالغسل أفضل» أن هذا الغسل ليس بواجب.
وشيء آخر لا بد من ذكره: أن هذا الحديث يمكن أن يكون إذا ما رجعنا إلى التمسك بدلالته الظاهرة فهو أفضل، يعني: ليس بواجب يمكن أن يقال بأن هذا الحديث كان قبل تأكيد الرسول عليه السلام بوجوب غسل الجمعة، وذلك من التدرج في التشريع الذي يلاحظه كل فقيه في بعض الأحكام الشرعية ومن أشهرها التدرج في تحريم الخمر.
فمن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعيشون في حياة صعبة من الناحية المادية وقلة المياه التي تساعدهم على النظافة، وكونهم كانوا يعملون أعمالًا من تعاطي الزراعة والفلاحة ونحو ذلك، فمن الصعب أن يؤمر وحالتهم هذه مباشرة أمرًا واجبًا بالغسل، ولذلك جاء في بعض الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يوم جمعة فوجد منهم رائحة الثياب التي تعرقت، فقال لهم:«لو أنكم اغتسلتم يوم الجمعة» هذا مبدأ التمهيد بإيجاب غسل الجمعة؛ لأن فيها الحض الناعم اللطيف لهؤلاء الصحابة أن يغتسلوا يوم الجمعة بسبب الرائحة .. ورائحة العرق ونحو ذلك.
ثم جاءت أحاديث أخرى فيها كما سمعتم آنفًا الأمر بغسل الجمعة أمرًا مؤكدًا، وهذا ما فهمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما كان يخطب يوم الجمعة ودخل عليه رجل، وفي رواية أنه عثمان بن عفان، وهو يخطب فقطع عمر بن الخطاب
خطبته ليقول لعثمان عن تأخره فأجاب بأنه ما كان منه إلا أن سمع الأذان ثم توضأ وجاء، فقال عمر: ووضوء أيضًا! وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أتى الجمعة فليغتسل» .
فقد أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عثمان فيما ظهر لعمر منه أنه اقتصر في ذلك اليوم على الوضوء فقط، هذا الإنكار من عمر بن الخطاب على عثمان وعلى رؤوس الأشهاد من الصعب جدًا أن يفهم أن غسل الجمعة هو من الأعمال الفضيلة التي لا يؤنب تاركها وإنما يثاب فاعلها، بعيد جدًا أن يصنع عمر بن الخطاب فيما لو كان يرى أن غسل الجمعة ليس بواجب هذا العمل مع هذا الرجل والذي هو عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ لأن فيه تشهيرًا له على ملأ من الناس في أمر يفترض أنه ليس مأمورًا به، مثل هذا العمل نستبعده جدًا جدًا أن يصدر من عمر بن الخطاب، بل الذي يتجاوب إنكاره على عثمان هو أن نأخذ بدلالة تلك الأحاديث من القسم الأول التي كلها تؤكد أن غسل الجمعة واجب على كل بالغ مكلف.
هذا ما عندنا في الجواب على هذا السؤال، حول هذا. تفضل.
مداخلة: لكن يا شيخ الإنكار الأول ما كان يدل على الوجوب.
الشيخ: بارك الله فيك، الإنكار الأول على ماذا انصب؟ أليس على تأخره؟ رويناه، أي شيء في هذا؟ ليس فيه شيء في هذا يتعلق في هذا البحث، وإنما قوله: والوضوء أيضًا! هنا البحث، فهو ينكر عليه اقتصاره على الوضوء، فأي شيء عندك في هذا؟ ! عمر ينكر على عثمان اقتصاره على الوضوء ويؤكد له أنه كان عليه أن يغتسل؛ لأن عمر سمع الرسول يقول:«من أتى الجمعة فليغتسل» بعض العلماء يقولون: ليس في الحديث أو في ما فعل عثمان دليلًا واضحًا على أن عثمان لم يكن اغتسل في ذلك اليوم، وهذا صحيح، لكن الذي تبادر لعمر من عمل عثمان لما قال أنه ما كان إلا أن سمعت [الأذان] توضأ بأنه لم يغتسل، مع أنه من الممكن وهذا ما يقع معنا كثيرًا: نغتسل بعد صلاة الفجر مثلًا أو ضحى ثم ينتقض وضوء أحدنا فلا
يجد سبيلًا إلا أن يتوضأ؛ لأن الصلاة لا تصح، فيمكن أن يكون هذا الذي وقع لعثمان بن عفان، ثم أقل ما يقال: إن ما يتعلق بعثمان من كونه اغتسل أو لم يغتسل أمر مطوي عندنا، لا نستطيع أن نقطع بجواب، بأنه كان اغتسل أو لم يكن اغتسل، ولذلك فليس في ذلك دليل لأحد الفريقين إطلاقًا، لكن الدليل الواضح كما ترون هو في إنكار عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عثمان ما بدر لعمر من قول عثمان أنه ما كان منه إلا أن سمع الأذان وتوضأ فأنكر عليه اقتصاره على الوضوء وهو يعلم كما يعلم عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أتى الجمعة فليغتسل» .
وهنا شيء لا بد من التنبيه قبل إنهاء الجواب، وهو أن غسل الجمعة ليس شرطًا من شروط صحة الصلاة وإنما هو أدب واجب من آداب من أتى الجمعة، ومعنى هذا: أن رجلًا إذا صلى الجمعة بعد أن توضأ ولم يكن فعلًا قد اغتسل فصلاته صحيحة، كل ما في الأمر أنه قصر في تنفيذ ذلك الأمر النبوي الكريم:«من أتى الجمعة فليغتسل» وعلى هذا فالحديث الآخر الذي فيه: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعم، ومن اغتسل فالغسل أفضل» يؤكد صحة صلاة الجمعة وأن الغسل أفضل من الاقتصار على الوضوء، وهذا كما شرحناه لكم لا ينفي أبدًا وجوب غسل الجمعة، كما تدل عليه تلك الأحاديث الصحيحة.
وفي نهاية المطاف أذكر من الناحية الحديثية: إن الأحاديث من القسم متفق عليها ما بين البخاري ومسلم فهي صحيحة اتفاقًا، بينما الحديث الآخر ما استطعنا أن نجد له إسنادًا صحيحًا وكل ما في الأمر أننا رفعنا من ضعفه إلى مرتب الصحة بمجموع الطرق، فإذا ضاق الأمر بباحث ما للتوفيق بين القسم الأول من أحاديث وقسم الآخر حينذاك رجع إلى الترجيح بينها، ولا شك ولا ريب أن القسم الأول هي أرجح بكثير من القسم الآخر لما ذكرناه أولًا من أنها أحاديث عديدة وثانيًا أنها جاءت في الصحيحة من الأحاديث التي جاءت في البخاري ومسلم بخلاف الحديث الأخير.
مداخلة: إذا سألت حول حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فبها ونعمت»
…
هل
الرسول صلى الله عليه وسلم يمدح من يترك واجبًا فيقول له: «فبها ونعمت» ؟ !
الشيخ: لكن هو لا يقتصر، لو قال: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعم وفقط، يرد السؤال، أما وقد أتم ذلك بقوله:«ومن اغتسل فالغسل أفضل» فحينئذ لا يرد السؤال، ينبغي لك ألا تأخذ الجواب بما يفسح الطريق لإشكالك وسؤالك، أنا جوابي لم يكن مقتصرًا فقط على أن الحديث هذا يدل على الفضيلة فقط، قد بينت أنه من الممكن أن يكون هذا في الدور الأول، لما جاء حديث:«لو أنكم اغتسلتم يوم الجمعة» فلو أنكم اغتسلتم يوم الجمعة يساوي في الدلالة على فضيلة غسل الجمعة كظاهر هذا الحديث: «ومن اغتسل فالغسل أفضل» لكن الأمر هل وقف أمر الرسول عليه السلام على الحض فقط الذي ينافي الاستحباب وينافي الوجوب في غسل الجمعة، أم أكد ذلك فيما بعد بأحاديث عديدة من القسم الأول؟ الجواب: نعم.
ولذلك فنهاية المطاف أن الأحاديث التي تؤكد وجوب غسل الجمعة من الناحية الفقهية هي أرجح كما هي كذلك من الناحية الحديثية وذكرنا آنفًا.
وسؤالك هذا يذكرني بضرورة تنبيهكم إلى أصل من أصول علم الفقه الذي يساعد طالب العلم على فهم الأحكام الشرعية وبخاصة حينما تتعارض لديه الأحاديث النبوية، من هذه القواعد الأصولية أنه يؤخذ دائمًا وأبدًا بالزائد من الأحكام الشرعية، مثلًا: إذا جاء دليل يدل على جواز أمر ما، ثم جاء دليل يدل على فضيلة واستحباب هذا الأمر، فلا نبقى على ما دل عليه الدليل الأول من الجواز فقط بل نضم إليه ما دل عليه الدليل الآخر من الاستحباب؛ ذلك لأن الاستحباب لا ينافي الجواز.
كذلك مما يدخل في القاعدة السابقة أنه إذا جاء حديث يبيح شيئًا، وجاء حديث آخر يحرمه، وليس عندنا علم بتاريخ تقدم أحد النصين على الآخر، فبأي المفهومين يؤخذ أبما دل عليه الحديث المبيح أم بما دل عليه الحديث المحرم؟ الجواب: إذا تعارض حاظر ومبيح قدم الحاظر على المبيح، مفهوم هذا الكلام؟ نعم،
والسبب الذي جعل العلماء يتبنون هذه القاعدة هو أنه من المعلوم ضرورة شرعية أن الله عز وجل حينما بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة ما أنزل عليه الأحكام الشرعية كلها خطوة واحدة، وإنما جاءت هذه الأحكام على التدرج، وهذا أمر مقطوع به لدى الجميع، إنما كانت دعوة الرسول عليه السلام الأولى واهتمامه الأول هو بتبليغ دعوة التوحيد إلى الناس، أما الأحكام الشرعية فجاءت بالتدرج.
هنا الآن يرد سؤال أعتقد جوابه معروف: هذه الأشياء التي جاء تحريمها فيما بعد، ما كان حكمها في أول الإسلام؟ لا شك أن الجواب: كان على الإباحة؛ لأنه كما جاء في حديث أذكره لما فيه من صلة بهذا البحث أولًا، وللتنبيه على ضعف إسناده ثانيًا، ألا وهو الحديث المعروف بالأربعين النووية:«إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تسألوا عنها» فما كان من الأحكام مسكوتًا عنها في أول الإسلام فهي مسكوت عنها، والسكوت عن الشيء يعني جوازه، فقبل تحريم الخمر مثلًا ما كان حكم الخمر؟ طبعًا لم يكن هناك نص: اشربوا الخمر، وهنيئًا لكم في الخمر، وإنما كان مسكوتًا عنه، ويوم دخل بعض الصحابة في الصلاة وهو سكران ترى! هل شرب الخمر قبل الصلاة وهو قد بلغ من الرسول عليه السلام أنها محرمة؟ طبعًا لا، إذًا: ما كان حكم الخمر في هذه الحالة التي شربها هذا الصحابي وغيره كما هو في أحاديث كثيرة، كانت على الأصل المسكوت عنه وهو الإباحة، ثم جاء التحريم على التدرج المعروف
…
هكذا مثلًا لما حرم الذهب، قبل تحريم الذهب ما كان حكم الذهب؟ قبل تحريم الحرير ما كان حكمه؟ كل ذلك كان مسكوتًا عنه فكانت على الإباحة، فلما جاءت النصوص المحرمة لهذه الأشياء تبناها العلماء، ومن هنا قالوا: إذا تعارض نصان أحدهما مبيح والآخر حاظر محرم، قدم الحاظر على المبيح، كل هذا وذاك يدخل في قاعدة يدندن حولها كثيرًا ابن حزم رحمه الله في كتابه: الإحكام في أصول الأحكام، وخاصة في مناقشته للمخالفين في كتابه الآخر: المحلى، فهو يقول: يجب أن يؤخذ الزائد الزائد من الأحكام.
إذا كان الأصل في الأشياء الإباحة وهي قاعدة أيضًا أصولية: الأصل في الأشياء الإباحة، فنحن نقول مثلًا: هل يجوز استعمال هذا اللاقط للصوت؟ نقول: يجوز، قد يتنطع بعضهم يقول: ما هو الدليل، وهذا أمر حادث، نقول: الأصل في الأشياء الإباحة، فإذا جاء نهي وقفنا عنده ولم نتجاوزه، هكذا يؤخذ بالزائد الزائد من الأحكام.
إذا عرفنا هذه القاعدة ولها شعب كثيرة وكثيرة جدًا نعود لتطبيقها في المسألة السابقة الذكر: جاء حديث عائشة كما ذكرنا: «لو أنكم اغتسلتم في يوم الجمعة» هذا فيه حض، ترى! قبل الحض ماذا كان غسل يوم الجمعة؟ كان كأي غسل يغتسله الإنسان من باب الترويح عن النفس أو إزالة الرائحة الكريهة .. على الإباحة الأصلية، فلما جاء هذا الحديث: لو أنكم، جاء بحكم جديد وهو الحض على الاغتسال بخصوص هذا اليوم يوم الجمعة، كذلك حديث:«ومن اغتسل فالغسل أفضل» يفيد تشريعًا جديدًا وهو أن هذا الغسل أفضل من الاقتصار على الوضوء الذي لا بد منه يوم الجمعة؛ لأن الصلاة لا تصح إلا به.
لما جاءت الأحاديث من القسم الأول: فليغتسل .. حق واجب .. لا شك أن هذا النوع أفاد أمرًا زائدًا على ما أفاده حديث عائشة وعلى ما أفاده آخر وهو من حديث سمرة بن جندب رحمه الله، هذه القاعدة يجب أن تحفظ أولًا ثم تطبق في توفيق الأحاديث التي يبدو بينها التعارض
…
مداخلة:
…
الشيخ: ما الذي في هذا؟ هذا رأي، هذا الرأي ينسخ ما دلت عليه الأحاديث القائلة بالوجوب صراحًة، غسل الجمعة واجب؟ هذا لا ينبغي معارضة الحديث المرفوع كما يقال: إذا جاء الأثر بطل النظر، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
مداخلة:
…
الشيخ: ولم العكس لا؟ كما شرحنا آنفًا، وأرجو الانتباه لما يقال، ما تأتي الأسئلة وقد أجيب عنها، نحن قلنا: إذا كان الشيء مستحبًا وقيل بأنه سنة مؤكدة
مثلًا فهل ينافي القول بسنية الاستحباب؟ قلنا: لا، لم؟ لأنه ما كان سنة مؤكدة فهو أفضل مما كان مستحبًا، فهنا ثلاثة مراتب الآن في مسألتنا هذه: أن يقال باستحباب غسل الجمعة .. أن يقال بسنية غسل الجمعة .. أن يقال بوجوب غسل الجمعة، هذا فاضل وهذا أفضل، هذا الفاضل والأفضل يوم يدخل في الوجوب لأن ما كان واجبًا فهو أفضل مما كان سنة مؤكدة، ومن باب أولى فهو أفضل مما كان مستحبًا، هذا هو طريق الجمع أيضًا، نحن نقول: أنه يؤخذ دائمًا كما قلت أنت تمامًا: إذا لم يكن التوفيق، فإذا أمكن التوفيق فلا بأس حينئذ من الرجوع إلى القاعدة التي ذكرناها.
والحافظ ابن حجر رحمه الله له رسالة نافعة جدًا في علم المصطلح .. مصطلح الحديث وهي المعروفة بشرح النخبة، هناك يقول: إذا جاء حديثان من قسم المقبول - وهو يعني بالمقبول: ما كان حسنًا فصاعدًا - متعارضان .. إذا جاء حديثان مقبولان متعارضان فما العمل؟ قال: وفق بين الحديثين المتعارضين بوجه من وجوه التوفيق، هو يجيب بهذا الجواب المختصر جدًا؛ لأن رسالته قائمة على الاختصار، لكننا إذا رجعنا إلى المبسوطات من كتب المصطلح لوجدناهم يقولون: أن طرق التوفيق بين الأحاديث المتعارضة بلغت أكثر من مائة وجه.
فإذا لم يستطع الفقيه التوفيق بين الحديثين المتعارضين بوجه من هذه الوجوه الكثيرة التي أشار إليها إشارة عابرة الحافظ ابن حجر في كلامه السابق قال: إذا لم يمكن التوفيق اعتبر الناسخ من المنسوخ، أي: حول معرفة المتقدم من المتأخر ليقال: المتقدم منسوخ والمتأخر هو الناسخ، فإذا لم يتبين الباحث الناسخ من المنسوخ قال: صير إلى الترجيح، الترجيح من حيث الثبوت، بمعنى: أن الحديثين المتعارضين إذا كان أحدهما حسنًا والآخر صحيحًا ولم يمكن التوفيق بينهما ولا اعتبار الناسخ من المنسوخ من بينهما حينئذ رجح الصحيح على الحسن، وإذا كان الحديثان أحدهما صحيحًا فردًا غريبًا والآخر صحيحًا مستفيضًا أو مشهورًا ولم يمكن التوفيق رجح هذا على الحديث الصحيح الغريب، وهكذا إذا تعارض حديث مشهور أو مستفيض مع حديث متواتر ولم يمكن التوفيق بينهما أخذ