الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا تزال هذه السنة معمولا بها في بعض البلاد الإسلامية ولا سيما التي لم تتأثر كثيرا بالمدنية الغربية وعاداتها السيئة.
والحق أنها سنة ثابتة مستمرة وقد جرى عمل السلف عليها - كما تقدم - وتواردت الأحاديث في الحض على العمل بها فلا يجوز للمسلمين أن يحدثوا عرفا مخالفا لها ولاسيما مع بقاء علة الخضاب المنصوص عليها في حديث الجماعة: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» . وهو مخرج في «غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام 104» .
ولذلك فإنا نقطع بأن ما ذهب إليه المؤلف من رجوع أمر الخضاب إلى العرف والعادة خطأ واضح لا يجوز الاغترار به. والله الموفق.
وأعتقد أن المؤلف - عفا الله عني وعنه - قد فتح بمذهبه هذا بابا واسعا من الشر لا يمكن غلقه إلا بإعطاء أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته التعبدية من التقدير والاعتبار ما تستحق فإنه إذا كان هو يرى ترك الخضاب مع ثبوته عنه صلى الله عليه وسلم فعلا وأمرا لمجرد مخالفة ذلك لعادة المسلمين اليوم فما الذي يمنع غير المؤلف - ممن ليس عنده من العلم بالسنة وقدرها ما عند المؤلف - أن يتجاوز هذه المسألة إلى غيرها ومنها إلى أخرى ويجيز تركها كلها على الرغم من أمره صلى الله عليه وسلم بها وحضه عليها كل ذلك لمخالفتها لعادة المسلمين وأذواقهم؟ ! وأي مسلمين؟ مسلموالقرن العشرين؟ !
[تمام المنة ص (74)]
حكم الخضاب بالسواد
[قال الإمام في تعقباته على الشيخ سيد سابق رحمه الله في فقه السنة]:
قلت: أما الصبغ بغير السواد فهو ثابت عنهم وهو الموافق لفعله صلى الله عليه وسلم وقوله.
وأما قوله: «وخضب جماعة منهم بالسواد» .
قلت: إن ثبت هذا عنهم فلا حجة في ذلك لأنه خلاف السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا وقد قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . . . الآية [النساء: 59]. ومن الثابت عن كبار الصحابة كأبي بكر وعمر الصبغ بالحناء والكتم كما تقدم فالأخذ به هو الواجب لموافقته للسنة دون فعل من خالفهما من الصحابة الذين أشار إليهم المؤلف ولا سيما وفي ثبوت ذلك عن بعضهم نظر كما تقدم عن ابن القيم رحمه الله تعالى ولذلك قال النووي في «المجموع 1/ 294» :
«اتفقوا على ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد وظاهر عبارات أصحابنا أنه مكروه كراهة تنزيه والصحيح بل الصواب أنه حرام وممن صرح بتحريمه صاحب «الحاوي» قال النووي: «ودليل تحريمه حديث جابر
…
».
ثم ذكر حديثه الآتي في الكتاب بلفظ: «وجنبوه السواد» .
ولكن المؤلف - عفا الله عنا وعنه - تأوله تأويلا أبطل به دلالته ويأتي الرد عليه قريبا بإذنه عز وجل.
قوله: «ذكر الحافظ في «الفتح» عن ابن شهاب الزهري أنه قال: كنا نخضب بالسواد إذا كان الوجه حديدا فلما نفض الوجه والأسنان تركناه».
فأقول: هذا إن ثبت إسناده إلى الزهري فلا حجة فيه لأنه مقطوع موقوف عليه ولو أنه رفعه لم يحتج به أيضا لأنه يكون مرسلا فالعجب من المؤلف كيف يتعلق بمثله ليرد دلالة حديث جابر الآتي بعد هذا إن شاء الله تعالى مع الرد عليه.
ولقد أفصح الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه «الحلال والحرام» عن الغرض من ذكره لهذا الأثر في كتابه فإنه استشهد به على أن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: «وجنبوه السواد» خاص بالشيخ الكبير الذي عم الشيب رأسه ولحيته وقد رددت عليه في «غاية المرام ص 83 - 84» فليراجعه من شاء.
قوله: وأما حديث جابر فقال: جيء بأبي قحافة والد أبى بكر يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن رأسه ثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا به إلى بعض نسائه فلتغيره بشيء وجنبوه السواد» . رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي فإنه واقعة عين ووقائع الأعيان لا عموم لها.
قلت: لا أرى أن الحديث من «وقائع الأعيان التي لا عموم لها» بل هو من باب «الأمر للواحد أمر لجميع الأمة أم لا؟ » .
والحق الأول كما سبق بيانه في «المقدمة: القاعدة 15» . ولذلك لما حكى الشوكاني في «النيل 1/ 105» تفصي بعضهم من الحديث بأنه ليس في حق كل أحد تعقبه بقوله: «بأنه مبني على أن حكمه على الواحد ليس حكما على الجماعة وفيه خلاف معروف في الأصول» واختار في مكان آخر ما رجحناه وقد نقلت كلامه في ذلك هناك ولذلك جرى العلماء على الاحتجاج بهذا الحديث على أنه ليس خاصا بأبي قحافة وتقدم كلام النووي في ذلك قريبا. ونحوه كلام الحافظ في «الفتح 6/ 499 و 10/ 354» . فليراجعه من شاء.
ويؤيد ما سبق أحاديث:
1 -
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة» .
أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والطبراني في «الكبير» بسند صحيح وقال الحافظ في «الفتح» :
والحديث أورده الهيثمي في «المجمع 5/ 161» بلفظ:
«يسودون أشعارهم لا ينظر الله إليهم» والباقي مثله ثم قال:
«رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد» .
وله شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا رواه أبو الحسن الإخميمي في «حديثه 2/ 11 / 1» .
2 -
عن أبي الدرداء مرفوعا: «من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة» .
قال الهيثمي: «رواه الطبراني وفيه الوضين بن عطاء وثقه أحمد وابن معين وابن حبان وضعفه من هو دونهم في المنزلة وبقية رجاله ثقات» . وقال الحافظ 10/ 292 بعد أن عزاه للطبراني وابن أبى عاصم:
«وسنده لين» .
3 -
عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كنا يوما عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليهم اليهود فرآهم بيض اللحى فقال: «ما لكم لا تغيرون؟ » فقيل: إنهم يكرهون فقال في صلى الله عليه وسلم: «ولكنكم غيروا وإياي والسواد» قال الهيثمى:
«رواه الطبراني في «الأوسط» وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات وهو حديث حسن».
4 -
عن عبد الله بن عمر رفعه: «الصفرة خضاب المؤمن والحمرة خضاب المسلم والسواد خضاب الكافر» قال الهيثمي:
«رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه» .
قلت: فهذه الأحاديث من وقف عليها لا يتردد في القطع بحرمة الخضاب بالسواد على كل أحد وهو قول جماعة من أهل العلم كما تقدم عن ابن القيم وقال:
وأما حديث: «إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد أرغب لنسائكم فيكم وأهيب لكم في صدور عدوكم» .
رواه ابن ماجه 2/ 382 فإنه ضعيف السند فيه راويان ضعيفان وبيان ذلك في «الأحاديث الضعيفة 2972» .
[تمام المنة ص (83)]