الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقول نحن الآن، الآن لماذا لا نذهب ونقاتل اليهود وهم احتلوا أرضنا وبجانبنا، لأننا نحارب من كل جهة، إذاً: هذا الجهاد أمامنا لكننا لا نستطيع، فما الذي يحملنا إلى تلك البلاد البعيدة، ودولنا لا تساعدنا على هذا الجهاد. إذاً: نحن نعيش في الأحلام والأوهام، وليس هكذا كما قيل:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
(الهدى والنور/652/ 35: 09: 01)
حول الجهاد في البوسنة
مداخلة: يقول الأخ السائل: تحدث المطلعون على أحوال المسلمين في البوسنة والهرسك والقريبون من القوات الإسلامية هناك: أن جهاداً قائم هناك يتميز بالراية الإسلامية المرفوعة وبنوع القوة يرهبون بها الكفرة الذين يقاتلونهم، فإن صح هذا فما هو رأيكم فيما يحاول فيه كثير من الشباب المسلم عرباً وعجماً للذهاب لنصرة إخوانهم هناك ومقاتلة أعداء الله عز وجل نصرةً لإخوانهم في الدين؟
الشيخ: نحن نقول كما كنا نقول دائماً وأبداً: إن الجهاد اليوم فرض عين لكثرة البلاد الإسلامية المهاجمة من الكفار من مختلف الأديان والمشارب، ولكننا نعتقد أن الجهاد لا بد من اتخاذ اللوازم والأسباب والعدة التي تمكن المسلمين من الانتصار على عدوهم، وعلى هذا نحن نقول: إن الأسباب التي ذكرناها آنفاً من الأمراض التي أشار إليها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في بعض تلك الأحاديث وذكر في أحدها كما انتهينا في آخر الجواب إلى بيان الجملة الأخيرة «حتى
ترجعوا إلى دينكم» فأنا أقول آسفاً جداً جداً فليرض من يرضى ولا يرضى من لا يرضى، ما يهمنا إلا رضا الله تبارك وتعالى، إن الجهاد .. جهاد المسلمين للكفار لا بد لهم من أن يتخذوا الأسباب التي تؤهلهم للانتصار على عدوهم.
أول تلك الأسباب: أن يؤمنوا بالله ورسوله كما أراد الله ورسوله، وهذا الإيمان اليوم غير متوفر في طائفة متجمعة على هذا المنهج الذي شرحناه آنفاً، وأعتقد أن الذين يذهبون إنما هم أفراد متفرقون في مختلف البلاد لا تجمعهم عقيدة إسلامية صحيحة وإنما هم مختلفون أشد الاختلاف، وقد رأينا ذلك مع الأسف الشديد أكرر الأسف الشديد في الجهاد الأفغاني الذي كنا نأمل ونرجو من الله عز وجل أن نكون الآن قد اقتطفنا ثمار ذلك الجهاد؛ لأن الجماعة أعني بهم المسلمين الأفغان كانوا قد أعلنوها جهاداً في سبيل الإسلام، أما اليوم فليس هناك في البوسنة والهرسك إعلان من البوسنيين والهرسكيين إذا صح التعبير لم يعلنوا الجهاد في سبيل الله، نعم هذا الفارق الكبير بين القتال الذي يقع الآن بين الكفار من الصرب ومن يعينهم وبين المسلمين في البوسنة ومن يعينهم من مختلف المسلمين الذين أشرت إليهم آنفاً مع هذا البون الشاسع بين الجهاد الأفغاني والقتال البوسنوي لم نقطف الثمرة بعد اثني عشر سنة من الجهاد الأفغاني لماذا؟ لأنهم ما اتخذوا العدة التي نحن ندندن حولها الآن وسأبين ذلك بشيء من البيان:
فكلنا يعلم أيضاً آسفين أنه كان هناك سبعة أحزاب وصدق فيهم قول الله عز وجل: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] وكان هناك حزب واحد هو الذي أعلن أنه على منهج السلف الصالح على القرآن والسنة ومع ذلك فقد وقع ما وقع بمقاتلة بعض الأحزاب لهذه الجماعة القائمة على الكتاب
والسنة كل هذه الأحزاب يعلمون قول رب العالمين: {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32]، {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] لقد فشل الجيل الأول الأطهر الأنور وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة حنين فقط؛ لأنهم أصيبوا بالعجب المهلك مع أنهم كانوا كاملين في كل النواحي الأخرى فما انتصروا لولا أن الله عز وجل نصرهم في نهاية الأمر على الكافرين فكيف ينتصر المسلمون اليوم على أعدائهم الكفار الصرب ومعهم دول أوروبا كلها، وإن كانوا ظاهراً يدندنون حول الانتصار لهؤلاء المغزوين في دارهم.
فأنا أقول: أن الجهاد لا بد له من استعداد وهذا صريح القرآن الكريم: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] أنا أقول لهؤلاء الشباب المتحمس ووجب له هذا التحمس: هل أعدوا العدة التي أشار الله عز وجل إليها في هذه الآية: {مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] لا شك أن الله عز وجل حينما أطلق القوة وخص بالذكر رباط الخيل؛ ذلك لأن رباط الخيل كان هو من أسباب القتال التي تساعد المجاهدين على الانتصار على أعدائهم، ولكنه قبل أن يذكر رباط الخيل أطلق القوة، قال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] فما هي القوة التي أعدها هؤلاء الشباب؟ ظني أنهم سيقولون: إنهم ليس عندهم طائرات ولا دبابات وليس عندهم قتال منظم على الطريقة العسكرية الحديثة العهد الآن من حيث أسلوب القتال وأسلوب الهجوم .. أسلوب الدفاع .. أسلوب الفرار حينما يجوز الفرار وهكذا.
ثم إنني ألفت النظر: هؤلاء الأفراد من كل الشعوب المسلمة يريدون أن يقاتلون بهذه الوسائل من الأسلحة العادية فما بال الدول الإسلامية تتفرج على هؤلاء المسلمين المَغْزُوِّين في عقر دارهم، ثم على هؤلاء المسلمين الذين يناصرونهم بمثل هذه الأسلحة العادية التي لا تساوي شيئاً بالنسبة لأسلحة الكافر المهاجم ألا وهم الصرب، هلا جهزوا جيوشهم .. هلا أرسلوا دباباتهم .. هلا أرسلوا طائراتهم لنستطيع أن نقول: إنهم قد أعدوا عدتهم في حدود استطاعتهم فلعل الله عز وجل ينصرهم.
نحن ننصح شبابنا المسلم المتحمس وبخاصة بعد أن رأى أن جهاد أولئك المتحمسين في الأفغانستان ذهب أدراج الرياح، مع أن الجهاد هناك كان أولاً باسم الإسلام وثانياً كان يتلقى الإمدادات التي لا يمكن أن يتلقاها هؤلاء الشباب.
مع هذا نحن نقول مبينين لهؤلاء الشباب نكتة في الآية السابقة جاءت المناسبة للتحدث عنها .. ربنا عز وجل حينما خاطب المؤمنين الأولين بقوله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [الأنفال: 60] الخطاب هنا موجه للصحابة المهيئين لتقبل تنفيذ هذا الأمر ومستعدين للقيام به، أي إنهم كانوا قد قاموا بواجب الإعداد المعنوي لذلك وجهت هذه الآية إليهم {وَأَعِدُّوا} [الأنفال: 60] فأنا أستنبط من هذه الآية شيئاً لا يتعرض لذكره المفسرون عادة مع أنه أمر واضح ويجب بيانه بمثل هذه المناسبة ..
حينما خاطب الله عز وجل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: {وَأَعِدُّوا} [الأنفال: 60] كانوا أهلاً لمثل أي: كانوا مؤمنين بالله ورسوله حق الإيمان، أي: على النحو الذي ندندن نحن حوله اليوم ولا نستطيعه إلا بجهد جهيد، ندندن حول
الإسلام المصفى، لنصل إليه نحتاج إلى جهود جبارة من علماء المسلمين كما سبقت الإشارة إلى ذلك آنفاً، أما الصحابة فقد أيضاً في مطلع كلمتي السابقة: قد تلقوا الإسلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضاً طرياً فهم ليسوا بحاجة مثل ما نحن بحاجة اليوم أن نشغل كثيراً من وقتنا بفهم شريعة ربنا عز وجل مصفى فهم كانوا تلقوا الإسلام مصفى مباشرة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم طبقوه أيضاً في نفوسهم فصاروا مهيئين لتقبل ذلك الأمر الإلهي ..
وأعدوا يا معشر أصحاب الرسول عليه السلام، حينما أقول هذا لا أريد أن أشكك الناس في عقيدتهم وفي عملهم الصالح، ولكني في الوقت نفسه لا أريد أن أكون كالنعامة التي يضرب بها المثل في الحماقة حينما ترى الصياد قد توجه إليها فهي تدخل رأسها في الرمل فلا ترى الصياد فلحماقتها تظن أن الصياد سوف لا يراها ولا يصطادها .. لا أريد أيضاً أن أكون غافلاً عن وصف المرض الذي يجب للمسلمين أن يعالجوه.
فأنا أقول: يا معشر الشباب هل أنتم تلقيتم الإسلام غضاً طرياً كا تلقاه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك أو من أبرز الأمور التي تؤكد لنا أنكم أنتم كذلك أولى هل اجتمعتم على كلمة سواء .. هل توحدتم في عقيدتكم وفي أخلاقكم وفي إخلاصكم بعضكم لبعض كل فرد يصدق فيه كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» أنا أقول آسفاً: لا نكاد نجد جماعة عشرة أشخاص يصدق فيهم مثل هذا الإيمان الذي ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف بالمئات وكيف بالألوف المؤلفة المتفرقة الذين لم يجتمعوا في مكان واحد ليكونوا
طائفة واحدة عقيدةً وسلوكاً ومن ذلك السلوك أن تأتمروا بهذا الأمر الإلهي: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] إلى آخر الآية.
هذا الذي أنا أدندن حوله، وأنا لا أريد أن تذهبوا طعماً للنيران فأنتم بين الكفار الذين يحاربون الإسلام في كل أرض الإسلام ولا بد أنكم سمعتم ما حل بإخواننا في الصومال وفي أرتيريا وفي الفلبين وفي وفي إلى آخره.
وأخيراً في الجزائر وربما في السودان أيضاً فمما هذا يا إخواننا؟ ! المسلمون المتحمسون حماساً عاطفياً غير مقرون بالتدبير والعقل السليم، أمامكم هؤلاء الكفار الذين يمكرون بكم وخلفكم دول إسلامية لا تساعدكم؛ ولذلك أنا أقول ختاماً لكلمتي هذه معكم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105].
(الهدى والنور / 691/ 41: 21: 00)