المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الهجرة من ليبيا والجزائر - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ١٠

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌القضية الأفغانية

- ‌مجالس حول الجهاد الأفغاني

- ‌مجلس حول الجهاد الأفغاني

- ‌القول بأن الجهاد الأفغاني فرضعين على الأفغان وكفائي على غيرهم

- ‌جميل الرحمن وإقامة دولةداخل أفغانستان

- ‌حكم الأفغان خارج أفغانستانوالذين يحاربون مع الشيوعيين

- ‌السبايا في حرب الأفغان

- ‌جريدة ناطقة باسم السلفيين فيأفغانستان ونصيحة للمجاهدين الأفغان

- ‌مجلس آخر حول الجهاد الأفغاني

- ‌حكم الجهاد في أفغانستان

- ‌حكم الجهاد في أفغانستانلغير الأفغانيين

- ‌حكم الجهاد في أفغانستان

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌حكم الجهاد في أفغانستان؟ وهل يختلفالحكم باختلاف صحة معتقد المجاهدين هناك

- ‌هل الذهاب إلى أفغانستان لمن لا يعرفالعقيدة الصحيحة خطر عليه

- ‌حكم الجهاد في أفغانستان

- ‌الإعداد العسكري

- ‌هل طلب العلم مُقَدَّم علىالجهاد في أفغانستان

- ‌الجهاد الأفغاني آمال وآلام

- ‌من يذهب إلى الجهاد فيأفغانستان لِمُدَد قصيرة

- ‌كم يبقى المجاهد في أفغانستان

- ‌الدعوة في أفغانستان

- ‌هل الذي يرجع من أفغانستان يُعَدُّ فارًا من الزحف

- ‌أمراء الجماعات الذين يمنعونأتباعهم من الذهاب إلى أفغانستان

- ‌هل ينصح العلماء بالذهابإلى الأفغان

- ‌هل تراجع الشيخ عن رأيهفي حكم الجهاد الأفغاني

- ‌هل غَيَّر الشيخ رأيه فيالجهاد الأفغاني

- ‌الشيخ لا يشجع على الجهاد في أفغانستانبعد وقوع الفتنة بين الجماعات هناك

- ‌هل الجهاد في أفغانستان واجبمن غير إذن الوالدين

- ‌الجهاد في أفغانستانوإذن الوالدين

- ‌ترك السنن في أفغانستانخوفاً من المفاسد

- ‌سوء الظن بالمنضمينإلى الجهاد الأفغاني

- ‌استخراج جواز سفر للانضمامإلى الجهاد الأفغاني

- ‌تفجير النفس في أفغانستان

- ‌الشيوعيون الذي يقاتلونالمجاهدين الأفغان

- ‌التبرعات للجهاد الأفغاني

- ‌هل يجب دفع الزكاةللمجاهدين الأفغان

- ‌مساعدة المسلمين توجه إلىأي طرف في أفغانستان

- ‌لمن تدفع التبرعات فيالجهاد الأفغاني

- ‌التبرع للجهاد الأفغاني

- ‌أيهما أفضل التطوع للحجأو الصدقة للمجاهدين

- ‌الاختلاف بين المجاهدينفي أفغانستان

- ‌الاختلاف والفُرْقَة بين المجاهدين الأفغان

- ‌حول الاختلافات بين الجماعاتفي أفغانستان

- ‌تقصير العلماء في تسوية النزاعاتعلى الساحة الأفغانية

- ‌حول الخلافات التي دبَّت بين صفوفالمجاهدين الأفغان

- ‌تكفير بعض الجماعاتفي أفغانستان

- ‌فتنة التكفير الواردةمن أفغانستان

- ‌الصوفية في أفغانستان

- ‌نصيحة للمجاهدين بعد وقوعالفتنة بين الأفغان أنفسهم

- ‌لقاء الشيخ مع مجلةالمجاهد الأفغانية

- ‌لقاء الشيخ مع مجلة المجاهدالأفغانية

- ‌حول الشيخ جميل الرحمنالأفغاني رحمه الله

- ‌اتصال جميل الرحمنبالشيخ الألباني

- ‌حول مقتل جميل الرحمن

- ‌كلمة حول مقتل جميل الرحمن

- ‌القضية الجزائرية

- ‌العمل السياسيفي الجزائر

- ‌سئل الشيخ عن العمل السياسيفي الجزائر والكويت، فكان جوابه

- ‌الانشغال بالعمل السياسيفي الجزائر

- ‌الانتخابات في الجزائر

- ‌العمل السياسي في الجزائر

- ‌دخول الإسلاميين في الجزائربرلمان الدولة

- ‌العمل السياسي في الجزائر

- ‌حول الجبهة الإسلاميةللإنقاذ

- ‌نصيحة الشيخ لقادة الجبهةالإسلامية للإنقاذ

- ‌الانضمام لجبهة الإنقاذ

- ‌باب منه

- ‌حول الجبهة الإسلامية للإنقاذ

- ‌زيارة علي بلحاج للشيخ الألباني

- ‌حول خطب علي بلحاج

- ‌نصيحة للجبهة الإسلامية للإنقاذ

- ‌نصيحة للجبهة الإسلامية للإنقاذ

- ‌انتخاب أفراد الجبهة الإسلامية للإنقاذ

- ‌من تُعَرَّض للسجن من أفراد جبهة الإنقاذ

- ‌نصائح للشعب الجزائري

- ‌نصيحة للشباب الجزائري

- ‌نصيحة للشعب الجزائري

- ‌نصيحة للشباب في الجزائر

- ‌متفرقات حول القضيةالجزائرية

- ‌الاعتقالات في الجزائر

- ‌الجهاد في الجزائر

- ‌الهجرة من ليبيا والجزائر

- ‌استخدام العنف في الجزائر

- ‌القضية الفلسطينية

- ‌حكم الانتفاضة الفلسطينية

- ‌حكم الانتفاضة الفلسطينية

- ‌الجهاد في فلسطين

- ‌قتل اليهودي

- ‌حكم الانتفاضة الفلسطينية

- ‌الجهاد الفردي في فلسطين

- ‌مهاجمة مصالح اليهود في الغرب

- ‌الموقف من المفاوضات

- ‌الصلح مع اليهود

- ‌جهاد النساء في فلسطين ورصدأموال للقتال في فلسطين

- ‌هجرة أهل فلسطين من الضفة الغربية

- ‌حكم عمل الفلسطينيين في بناءالمستعمرات الإسرائيلية وحكم استيلاءالفلسطينيين على أراضي بعضهم

- ‌العمليات الانتحارية في فلسطين

- ‌الهجرة من فلسطين

- ‌قضية البوسنة

- ‌الجهاد في البوسنة

- ‌الجهاد في البوسنة

- ‌حول حرب البوسنة

- ‌حول الجهاد في البوسنة

- ‌حول الجهاد في البوسنة

- ‌مجلس مطول حول قضية البوسنة

- ‌حول هيئات الإغاثة في البوسنة

- ‌حكم قتل البوسنيات أنفسهنلئلا يفعل فيهن الفاحشة

الفصل: ‌الهجرة من ليبيا والجزائر

‌الهجرة من ليبيا والجزائر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وبعد:

فقد قال الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].

ص: 302

هذه السورة المباركة القليلة في ألفاظها الكثيرة في معانيها ومغازيها لقد جمعت أسساً وقواعد جذرية ينبغي على كل مسلم أن يفقهها أولاً ثم أن يُطَبِّقها على نفسه في حياته كلها مهما تطورت وتغيرت.

أول ذلك: أن الله عز وجل أعطى حكماً عاماً لجنس الإنسان والبشر فقال فيهم: إنهم لفي خسر، ثم استثنى من هذه القاعدة الكلية أن البشر كلهم خاسرون إلا الذين آمنوا، والكلام في هذه الفقرة الأولى من الاستثناء طويل وطويل جداً؛ لأنه يقوم عليه الأركان المعروفة من الإيمان، آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره وبالبعث، ثم يدخل في هذا الإيمان كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان بكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء كان هذا الأمر الثابت عنه في آية قرآنية أو في حديث نبوي متواتر أو في حديث صحيح آحاد لا فرق بين هذا وهذا وهذا، يجب على المسلم أن يؤمن بكل ما ثبت عن الله ورسوله، هذا مجمل الإيمان ويدخل فيه ما تعلمون من الخلاف القديم بين أهل السنة وبين الفرق الضالة من المرجئة والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم، وإن كانوا يختلفون في نسبة انحرافهم ونسبة ضلالهم عن الإيمان العام الذي جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.

ومن الاختلاف الواقع في الإيمان بين بعض الفرق المذكورة آنفاً وبين أهل السنة هو هل الإيمان يدخل فيه العمل الصالح أم لا يدخل؟ مذاهب، ولسنا الآن في صدد الكلام التفصيلي على الخلاف حول هذا الإيمان وإنما فقط ألفت النظر إلى أن المرجئة ومنهم مع الأسف الحنفية اليوم يقولون: بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن الإيمان لا يدخل فيه العمل الصالح، هكذا يقول المرجئة قديماً والحنفية حديثاً، ولا ينبغي أن يفهم أحد أنهم ينكرون

ص: 303

فرضية العمل الصالح لا، فربنا عز وجل يأمر المسلمين أن يعدلوا في إصدارهم أحكامهم على الناس وبخاصة إذا كانوا من المسلمين، (فالإيمان عند أهل السنة تعريفه إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان).

أما عند المرجئة والحنفية اليوم فالإيمان هو إقرار باللسان وتصديق بالجنان فقط، أي: لا يدخلون الأعمال الصالحة في مسمى الإيمان، قلت آنفاً: لكن لا ينبغي أن يفهم أحد أنهم لا يأمرون بالاعمال الصالحة التي أمر الله بها حاشاهم من ذلك لكنهم لا يجعلون من تمام الإيمان العمل الصالح، وهذا من الأخطاء التي ترتبت من وراء قديماً سبب مثل هذا الخطأ عدم توافر السنة مجموعة عند بعض الأئمة السابقين، هذه السنة التي تبين للناس ما أنزل الله عز وجل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام.

لذلك نجد في القرآن الكريم رب العالمين كلما ذكر الإيمان قرن به العمل الصالح فقال هنا: {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: 2 - 3]، ما اقتصر ربنا عز وجل على قوله: الذين آمنوا وإنما عطف على ذلك قوله: {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2]، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} [العصر: 3]، لذلك فلا يتم ولا يكمل إيمان المؤمن إلا بشيئين اثنين:

الأول: العلم، أن يعلم الإنسان ما هو الإيمان وما هو العمل الصالح، فإن كثيراً من الناس يتقربون إلى الله تبارك وتعالى بأعمال يظنونها صالحة وهي في الواقع لا تقربهم إلى الله زلفى بل قد تبعدهم عن الجنة مسافات كثيرة جداً.

لذلك فلا بد لمعرفة الإيمان والعمل الصالح من العلم بالكتاب والسنة، ولا ضرورة بنا أن نذكرأنه ليس كل مسلم مكلفاً أن يكون عالماً بالكتاب والسنة لكنه مكلف إما أن يكون عالماً وإما أن يكون متعلماً ولو بطريقة

ص: 304

السؤال كما قال رب العالمين، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] أما أن يعيش الإنسان هكذا في هذه الحياة كأنه خلق عبثاً لا يدري شيئاً عن الإيمان فضلاً عن العمل الصالح فهو يعبد الله عز وجل على جهل فهذا إيمانه لا يكون كاملاً حتماً بل قد يكون إيمانه على خطر بسبب جهله به كما جاء في الكتاب والسنة.

فإذاً العلم هو الذي يتقدم الإيمان والعمل الصالح لذلك قال تعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ظاهر العبارة لكن الحقيقة أن المقصود أمته عليه الصلاة والسلام فحينما قال تعالى في الآية السابقة {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] الخطاب إليه لفظاً لكن المقصود به أمته معنىً، ومثل هذه الآية آيات كثيرة في القرآن الكريم يعرفها أهل العلم، من ذلك قوله تبارك وتعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، لا يخشى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو المعصوم على الأقل من أن يقع في الكبائر، أفلا يكون معصوماً من أن يقع في الشرك الأكبر، لا شك أنه معصوم من ذلك.

إذاً حينما خاطب الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الآية الثانية: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] إنما يعني أمته عليه الصلاة والسلام، فكيف يشرك المؤمن بسبب الجهل بالعلم هو السبب؛ ولذلك قال تعالى: محذراً المؤمنين من أن يدخلوا في الأكثرية التي صرحت بها الآية القائلة {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106].

ص: 305

فهل في المسلمين اليوم المؤمنين بالله ورسوله من يصدق عليه هذه الآية {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، الجواب: نعم مع الأسف الشديد، الجواب كثير من المسلمين من الذين يصلون ويصومون ويحجون إنهم مشركون إما شركاً أكبر أو على الأقل شركاً أصغر.

في الأمس القريب سألني سائل هاتفياً قال لي: أنا والحمد لله اعتمرت ولما زرت الرسول عليه السلام أصابتني خشية، أصابتني رهبة، قلت له: وحينما صليت في المسجد الحرام وطفت حول الكعبة هل شعرت بشيء من ذلك؟ فتلجلج بالجواب ثم صحح الموقف لفظاً وأنا أعرف أنه أصابته الخشية بين يدي الرسول عليه السلام أكثر مما حينما يقف بين يدي الله يصلي وبخاصة في المسجد الحرام، لذلك فمن الإيمان بالله حقاً أن لا تخشى إلا الله عز وجل ولا تطمع إلا فيما عند الله عز وجل، ولا ترهب إلا الله عز وجل فهذا من الإيمان الذي يدخل في قوله تعالى:{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: 1 - 3].

وهدفي الآن هو الدندنة حول (وعملوا الصالحات) فالعمل بالصالحات يتطلب العلم كما قلنا أولاً ثم يتطلب صفتين أخريين مذكورتين في تمام السورة المباركة وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.

التواصي بالحق هو أن ترى أخاً لك يعمل عملاً باطلاً فيصعب عليك أن تنصحه مراعياً لخاطره، هذا ليس من الإيمان الذي هو من صفات الناجين من الخسران، بل من صفات المؤمنين التواصي بالحق؛ ولذلك كان من وصايا الرسول عليه السلام أنه قال:«لا تأخذك في الله لومة لائم» فهذا التواصي بالحق يكاد يكون مفقوداً اليوم بين المسلمين إلا عباد الله منهم المخلصين،

ص: 306

هذا التواصي بالحق من تمام العمل الصالح، إذا رأيت مسلماً يسيء صلاته، إذا رأيت مسلماً يسيء عبادته، يسيء خلقه، يسيء معاملته للناس فعليك أن تنصحه وأن توصيه باتباع الحق وأن لا يعيش مع الباطل، هذا أمر أخل به جماهير الناس.

والشيء الذي أردت الوصول إليه في التعليق على هذه السورة هو ما جاء في سؤال أحد إخواننا عما يصيب المسلمين من اضطهاد والضغط وربما التعذيب وربما القتل كما يقع وكما صار ذائعاً شائعاً مع الأسف، ما يصيب إخواننا المسلمين في الجزائر ثم في ليبيا من الحكام الفجرة الظلمة من محاربتهم دون ما يحاربون به الملحدين، فطلب السائل المشار إليه آنفاً وصية أوجهها إلى أولئك الإخوان المقيمين في تلك البلاد فوصيتي قبل أن يعلن الكفر قرنه وعداءه الشديد للمسلمين في تلك البلاد حينما كان يبلغنا أنهم لا يستطيعون الجهر بالدعوة دعوة الحق قلنا لهم: عليكم أن تهاجروا إلى بلاد إسلامية تتمكنون فيها من القيام بشعائر دينكم، أما وقد اشتد الضغط واشتد الكرب فقد تأكدت الهجرة اقتداءً بالمهاجرين الأولين الذين هاجروا من مكة إلى الحبشة أولاً ثم من مكة إلى المدينة النبوية ثانياً.

لا يفهمن أحد من قوله عليه الصلاة والسلام: «لا هجرة بعد الفتح وإنما هو جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا» لا يفهمن أحد أن الهجرة قد انقطعت، ينبغي أن تعلموا وهذا من العلم الواجب تعلمه كما أشرت إليه آنفاً أن العلم قبل الإيمان، يجب أن تعلموا أن الهجرة هجرتان، هجرة رفعت وهجرة بقيت وهي مستمرة إلى يوم القيامة.

ص: 307

الهجرة التي رفعت هي التي عناها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث الأخير: «لا هجرة بعد الفتح وإنما هو جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا» ، لا هجرة إلى المدينة هذا معنى الحديث، لا هجرة إلى المدينة بعد الفتح، كانت الهجرة من مكة إلى المدينة قبل فتح مكة واجبة على المسلمين المقيمين هناك تحت ضغط الكفار، ومع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا الحديث:«لا هجرة بعد الفتح» أؤكد لا هجرة إلى المدينة بعد الفتح مع أنه قال هذا فقد أبقى حكماً كان مرتبطاً مع الهجرة إلى المدينة أبقى هذا الحكم إلى آخر وفاته عليه الصلاة والسلام وهو أنه لا يجوز للمهاجر من مكة إلى المدينة إذا حج أو اعتمر أن يتخلف هناك في مكة أكثر من ثلاثة أيام محافظة على جهاده في هجرته من مكة إلى المدينة، فلا ينبغي أن يحن إلى وطنه الأصيل وإنما يقضي حجه ويقضي عمرته ويبقى في مكة ثلاثة أيام ثم يعود أدرجه إلى المدينة، هذا الهجرة هي التي رفعت.

أما الهجرة الثانية فهي مستمرة إلى يوم القيامة كما جاء في بعض الآثار وهي من العقيدة المتوارثة خلفاً عن سلف أن الهجرة ماضية كالجهاد إلى يوم القيامة، فالهجرة لا تنقطع من بلد يعذب فيه المؤمنون ويضغط عليهم ويمنعون من إعلان شعائر دينهم لا يجوز لهم البقاء في ذلك المكان بل عليهم الهجرة وبخاصة المسلمين الذين هداهم الله عز وجل وهم في بلاد الكفر كالألمان مثلاً والبلجيك والهولنديين وأمثالهم، هؤلاء إذا هدى الله بعضهم فلا يجوز لهم البقاء في بلاد الكفر وإنما عليهم الهجرة إلى بلاد الإسلام لماذا؟ ليتعلموا دينهم؛ لأنهم إذا بقوا هناك فسوف يظلون لا يفهمون من الإسلام إلا شيئاً قليلاً جداً جداً، وإذا كان هذا حكم الكفار الذين أسلموا في بلادهم بلاد الكفر عليهم أن يهاجروا فمن باب أولى أنه يجب على المسلمين الذين

ص: 308

هاجروا من بلاد الإسلام وأستغفر الله من قولي هاجروا والصواب أن أقول: المسلمين الذين سافروا من بلادهم الإسلامية إلى بلاد الكفر على هؤلاء من الواجب الآكد أن يعودوا أدراجهم إلى بلدهم المسلم؛ لأن من أسلم من الكفار عليهم أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام فكيف لايهاجروا إلى بلاد الإسلام، المسلمون الذين سافروا من بلادهم إلى بلاد الكفر والضلال.

ولذلك من الانحرافات القائمة اليوم سفر كثير من المسلمين من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر نقول هذا كحكم شرعي أما قد يكون هناك أفراد مضطرون للسفر من البلد الإسلامي إلى بلد الكفر فهذا نحن لا ندندن حوله؛ لأن الضرورات تبيح المحضورات؛ ولأن الضرورات تقدر بقدرها وهي لها أحكام خاصة، إنما القاعدة أنه لا يجوز للمسلم أن يدع بلد الإسلام إلى بلاد الكفر إلا لضرورة قاهرة، فإذا كان هناك بلد أصيب المسلمين فيه من حكامهم فهؤلاء عليهم أمران اثنان، الأمر الأول: ما أشرت إليه آنفاً أن يهاجروا من ذلك البلد الذين يظلمون فيه من قبل حكامهم إلى بلاد إسلامية أخرى ولا يزال والحمد لله بعض هذه البلاد لا تزال فيها بقية من خير وهي خير بكثير من تلك البلاد التي يُكَلَّف المسلمون فيها بأن يكفروا بالله ورسوله ولو كفراً عملياً.

أما إذا قيل بأنهم لا يستطيعون الهجرة فأنا أقول هنا، ربّنا عز وجل يقول:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، والحديث الصحيح يقول:«ما أمرتكم من شيء فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» ، فإذا لم يستطع المسلم الضعيف المضطهد لم يستطع أن يهاجر من بلده حينئذ نقول: عليك أن تتذرع بالصبر؛ لأن من تمام السورة السابقة الذكر وتواصوا بالحق وتواصوا

ص: 309

بالصبر، فإما الهجرة وصل بنا الكلام إلى قوله تبارك وتعالى:{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3].

قلنا أنه يجب على الضعفاء من المؤمنين الذين يضطهدهم الحاكم الفاسق أو الكافر فلا يدعه يتمتع بشعائر دينه، قلنا بشيء من البيان والتفصيل أنه يجب عليه أن يهاجر من ذلك البلد إلى بلد إسلامي يتمكن فيه من القيام بواجباته الدينية.

أما ماذا يفعل من لم يستطع الهجرة؟ فأنا أقول: إن كلمة لا يستطيع أو من يقول: لا أستطيع أن أفعل كذا في كثير من الأحيان توضع في غير محلها، فهو مثلاً قد لا يستطيع أن يسافر في الطائرة فيقول: لا أستطيع أن أسافر أي بالطائرة، لكننا نقول: يمكن أن يسافر بالسيارة، ثم قد يقول أيضاً: إنه لا يستطيع أن يسافر بالسيارة، وهكذا نتنزل معه في دفع كل احتمالات التي يتكئ عليها في تبرير قوله: إني لا أستطيع أن أهاجر من هذا البلد المظلوم هو فيه، نقول: آخر شيء فلا يستطيع أن يركب متور يجب أن يركب رجليه وأن يقطع المسافات الطويلة، أنا أقول: قد وقد، أي: قد يستطيع حينئذ لا يجوز لمن كان شاباً قوياً أن يتعلل بأنه لا يستطيع أن يسافر بالطائرة، بالسيارة، بالدابة وهو يستطيع مثلاً أن يسافر على رجليه؛ ل أنه شاب قوي، فإذا انسدت كل هذه الوسائل، وكل هذه الطرق أمام ذاك االمسلم المضطهد حينئذ ماذا نقول له: اصبر مافيه هناك علاج إلا أن يأمر نفسه بالصبر وأن يتذكر ما جاءحول ذلك من النصوص في الكتاب والسنة.

من ذلك مثلاً قوله تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ

ص: 310

مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].

إذاً كما يقال: آخر الدواء الكي، إذا انسدت طرق الهجرة حقيقة وليس مجازاً كما صورنا أو بينا آنفاً إذا انسدت الطرق أمام ذاك المسلم المضطهد فليس له إلا كما قلنا من قبل أن يتذرع بالصبر وأن يتذكر أجر الصابر على بلاء الله عز وجل وقضائه، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:«عجب أمر المؤمن كله إن أصابته سراء حمد الله وشكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» ضراء يعني: ما يضره، «وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له فأمر المؤمن كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن» .

ومن ذلك أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: «يود أهل العافية يوم القيامة أن تكون لحومهم قُرِّضت بالمقاريض» بالقص، يود أهل العافية، الصحة والعافية يوم القيامة أن تكون لحومهم قُرِّضت بالمقاريض لماذا؟ لعظم ثواب الله عز وجل للصابرين، إذاً نحن ننصح هؤلاء الإخوة بأن يعملوا ما يستطيعونه للفرار بدينهم، فإن كانوا صادقين أنهم لم يستطيعوا أن يفروا بدينهم فما عليهم غير أن يصبروا لقضاء ربهم.

منذ بضع ليالي في كل ليلة تقريباً يأتي سؤال من بعض المسلمين المضطهدين في الجزائر، سؤال كأنه مسطر؛ لأن البلاء واحد، يقول السائل: لا بد أنك سمعت ما حل بالمسلمين في الجزائر إلى آخره نقول: نعم. قال الآن الشرطة إذا لقوا مسلماً ملتحياً في الطريق ولابس القميص يأخذونه ويسحبون منه الأوراق الثبوتية الهوية أو الجواز أو ما شابه ذلك ثم يأمرونه بأن يعود إلى داره ويحلق لحيته وينزع قميصه إذا أراد أن يأخذ أوراقه وإلا فسيلاحقونه

ص: 311

ويحلقون لحيته رغم أنفه، سؤال يتكرر في كل ليلة، ما رأيكم يقولون؟ أقول لهم: ما هو رأييي؟ معروف الحكم الشرعي، «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» .

هؤلاء يظلمون المسلمين أكثر من ظلم الكافرين لهم، هؤلاء المسلمون المضطهدون الذين يهاجرون من بعض هذه البلاد التي ابتلي المسلمون فيها بحكامهم يجدون من الحرية الدينية في بلاد الكفر ما لا يجدونه في تلك البلاد، فأقول:«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» فإن كنت تستطيع الصبر على ابتعادك عن أوراقك فعليك أن تصبر كما أنت، ما تستطيع الصبر فاصبر حتى هم يحلقون لحيتك مش أنت تحلقها وتتطاوع معهم بعملك أنت، أنت لا تعمل معصية، لكن إذا عملت المعصية رغم أنفك فأنت غير مؤاخذ غير مكلف، وإذا كان المسلمون أصيبوا بمثل هذه المصائب فهي بالنسبة لما أصيب بعض المسلمين القدامى قبل الإسلام وفي أول الإسلام هي أقل مما يصاب به بعض الأفراد من المسلمين، في العهد المكي شكى بعض المسلمين ما يلقونه من اضطهاد وعذاب من المشركين وكأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شعر بالملل وتسرب اليأس والضعف إلى قلوبهم، فقرأ عليهم الآية السابقة:{الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3]، قال عليه السلام: فشرح لي هذه الآية «كان الرجل ممن قبلكم يأخذها المشركون فيضعون المنشار على رأسه وينشرونه ليرتد عن دينه فما يرتد عن دينه حتى يقع على الأرض قتيلاً» ، فهو عليه السلام يقول لأصحابه الذين شكوا إليه ما يلقونه من الضغط هذا الذي أصابكم شيء لا يذكر ولا يقرن مع ما أصاب

ص: 312

المسلمين الأولين الذين كانوا ينشرون بالمناشير، ولهذا إذا وصل الأمر إلى نوع من التعذيب فما على المعذبين إلا أن يصبروا وكلكم يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حينما يمر بآل ياسر، ياسر وزوجته يعذبهم المشركون ماذا يقول لهم:«صبراً آل ياسر فإن -مآلكم- أو الملتقى معكم في الجنة» ، هذا هو العلاج لمن

كان حقاً لا يستطيع أن يهاجر من ذلك البلد الذي يضطهد الحكام فيه المسلمين، ليس لهم إلا الصبر، هذا آخر ما عندي من الجواب على هذا السؤال. تفضل.

(الهدى والنور /730/ 56: 00: 00)

ص: 313