الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصيحة للسلفيين بالرفق واللين ونبذ الفرقة والاختلاف
…
وترك الهجر غير الشرعي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: فمن المعلوم عندنا جميعاً قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله! قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» ، ونحن المسلمون اليوم من عامة الناس الذين يجب
على كل ناصح أن يُوَجِّه النصح إليهم، وبصورة أخص نحن معشر السلفيين الذين يمثلون جانباً كبيراً من هذا العدد الضخم من المسلمين، ويفخرون بأن الله تبارك وتعالى قد فضلهم على كثير من المسلمين بأن يسر لهم فهم التوحيد الذي هو أصل النجاة في الآخرة من العذاب المقيم، هذا التوحيد الذي درسناه وعرفناه جيداً وتحققنا به عقيدةً، ولكني أشعر والأسف يملأ قلبي بأن ما ترون بأنفسنا حينما وقفنا عند هذه العقيدة ولوازمها مما هو معلوم من العمل بالكتاب والسنة وعدم تقديم غير كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، لقد وقفنا هذا الموقف الواجب على كل مسلم من الفهم الصحيح للتوحيد، والعمل بما ثبت في الكتاب والسنة بما يتعلق بالفقه الذي تفرق إلى مذاهب شتى، وطرائق قدداً على مر هذه السنين الطويلة.
لكن يبدو وهذا ما كَرَّرته في مناسبات كثيرة أن هذا العالم الإسلامي بما فيه السلفيون أنفسهم قد شغلوا عن ناحية هامة من هذا الإسلام الذي تبنيناه فكراً، إسلاماً عاماً شاملاً لكل شؤون الحياة، ومن ذلك السلوك والاستقامة في الطريق، فكثير منا لا يتهم بهذا الجانب من الإسلام وهو تحسين السلوك وتحسين الأخلاق، ونقرأ في كتب السنة الصحيحة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار» ونقرأ في القرآن الكريم أنه ليس من الخلق الإسلامي أن يختلف المسلمون وبخاصة نحن السلفيين بين أنفسهم لأمور لا توجب الخلاف والنزاع، نقرأ في ذلك قوله تبارك وتعالى:{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
وإن من المؤسف حقاً أن نسمع ليس فقط في البلاد الإسلامية أن المسلمين
يتفرقون إلى طوائف كثيرة، وأحزاب عديدة حتى وفي المعرفة القائمة بينهم وبين الكفار المستحلون لبعض الديار كإخواننا مثلاً الأفغانيين، فكلنا يعلم أنهم الآن في معركة مع الشيوعيين، لكن مع الأسف لقد انقسموا إلى طوائف، وما سبب ذلك إلا الإعراض عن بعض ما جاء في الإسلام من التوجيه إلى الاتفاق ونبذ الشقاق والنزاع، الآية السابقة صريحة في ذلك {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
أقول: هذا الاختلاف وهذا النزاع لم يقف عند حدود البلاد البعيدة عنا، ولكنه قد وصل أيضاً إلينا نحن أنفسنا، ونحن السلفيين الذين نزعم أننا نتمسك بالكتاب والسنة الصحيحة، لا ننكر فضل الله تبارك وتعالى علينا، بما تفضل به من هدايته لنا إلى التوحيد وإلى العمل بما ثبت بالكتاب والسنة، ولكن أليس من الثابت في الكتاب والسنة ألا نتحاسد وألا نتباغض وأن نكون إخواناً كما أمرنا الله عز وجل في الكتاب، ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم في سنته؟ نعم.
ذلك مما عرفناه معرفة ولم نُطَبِّقه عملياً، وعسى أن نُطَبِّق ذلك وأن نسعى إليه حثيثاً.
من المؤسف أن هناك شيء من التفرق وشيء من التنازع، لأسباب تافهة جداً، ولذلك فيجب أن نضع نصب أعيننا ما يسمى اليوم في لغة العصر الحاضر بالتسامح الديني، لكن بالمعنى الذي يسمح به الإسلام، التسامح الديني قد توسع دائرته إلى حيث لا يسمح للإسلام، ولكن نحن نعرف التسامح بالمعنى الصحيح، وذلك لأننا إذا رأينا شخصاً من غير السلفيين فضلاً عما إذا كان من السلفيين أن له رأي خاص أو اجتهاد خاص، أو بل رأيناه فعلاً قد أخطأ في شيء
من تصرفاته ألا نبادر إلى نهره، ثم إلى مقاطعته، بل يجب علينا أن نسلك طريق النصح الذي ابتدأنا هذه الكلمة بالحديث: الدين النصيحة الدين النصيحة، فإن نصحناه فتجاوب معنا فذلك ما نبغي، وإن لم يستجب فليس علينا من سبيل، ولا يجوز لنا أن نبادره وأن نقاطعه، بل علينا أن نظل معه نتابعه بالنصحية ما بين الفينة والفينة، ما بين آونة وأخرى، حتى يستقيم على الجادة.
نحن نلاحظ في كثير من جلساتنا الخاصة فضلاً عن غيرها بأن شخصين متنازعين في مسألة كل واحد يريد أن يجر الموضوع إلى صالحه، فهو لا يطرحه متجرداً عن أن يكون له أو عليه، كما هو المفروض أن يكون البحث للوصول إلى الحقيقة التي أمر الله تبارك وتعالى، وليس لأظهر أنا أني أنا المحق وذاك هو المخطئ، ولذلك يجب أن نتذكر بهذه المناسبة بعض الآيات وبعض الأحاديث الصحيحة التي ما أظن أن أحداً منا تخفى عليه علماً، ولكنها تخفى عليه تطبيقاً وعملاً، ولذلك فإني قد استحضرت استعانة أو إعانة من ذاكرتي الضعيفة ببعض النصوص من الآيات الكريمة التي تفيدنا في هذا الصدد، وتعود بنا إن شاء الله إلى أن نكون يداً واحدة، وصفاً واحداً لا يقاطع أحدنا أحداً من إخوانه، بل يتابعه بالموعظة والنصيحة.
فكلنا يعلم قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10] التقوى هنا هي أمر عام بالابتعاد عن كل مخالفة لله عز وجل ولنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك الاتباع لما أمر الله عز وجل ونبيه من الهدى والنور، ومنه ما قدمه بين يدي الأمر بالتقوى «وأصلحوا بين أخويكم» ، فينبغي محاولة الإصلاح بين الإخوة إذا ما بدر بادرة تدل على أن هناك شيء مما يوحي
بفرقة، والفرقة هذه ليست محصورة لمخالفة العقيدة فقط، بل وبمخالفة أحكام الشريعة التي جاء بها الإسلام الكريم، هذه الآية:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10]، فالرحمة التي نرجوها جميعاً من الله تبارك وتعالى إنما تكون بتقوى الله عز وجل، ولذلك أن نصلح بين المختلفين، كذلك جاء في القرآن الكريم:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103] لا شك أن هذه الآية وجهت إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، فإنه تعالى خاطبهم بقوله:{وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} بماذا كان الإنقاذ؟
بلا شك بإرسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم بكتاب الله عز وجل، ولبيانه عليه الصلاة والسلام، ترى هل لنا نصيب من هذه الآية؟ نحمد الله على أن لنا نصيب لا يستهان به في مخاطبة الله عز وجل في هذه الآية الكريمة وخاصة في وسطها {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103] ما الذي ألف بيننا وجمعنا هنا وهناك؟ إنما هو الإيمان بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة، والتحاكم إليهما دائماً أبداً، فيما إذا نظر أو ظهر هناك ما يوحي بالاختلاف والافتراق، كما قال تعالى في الآية التي تعرفونها جيداً:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] هذا مما أنعم الله تبارك وتعالى علينا، وامتن به
…
عز وجل مخاطباً إيانا بعموم النص، بينما خاطب الصحابة بخصوص النص،
ألا وهو قوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران: 103] كنا كما يعيش اليوم أكثر المسلمين وهم مسلمون، لكنهم كثيرون منهم إن لم نقل أكثرهم يصدق فيه قوله تبارك وتعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] فنحن والحمد لله قد أنقذنا الله عز وجل من الشرك بل من كل أنواع الشرك، فهذه من أكبر النعم علينا، ولكن علينا أن نحقق تمام نعمة الله علينا بأن نتفق وألا نختلف، كما تأمرنا هذه الآية في مقدمتها:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
مما يؤكد، أو مما يكون سبباً للمحافظة على وحدة الصف ووحدة الكلمة ولو صدر من هناك ما يوحي بالخلاف قلت آنفاً: التناصح في دين الله عز وجل، لكن هذه النصيحة يجب أن تكون كما أمر الله عز وجل في الآية التالية:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} هذا نقرؤه في القرآن دائماً وأبداً، لكننا مع الأسف كثيراً ما نخرج عن الآية، ولا نطبقها، ولا ندعو إخواننا في المشرب وفي المنهج السلفي فضلاً عن غيرهم نادراً ما نسلك هذا السبيل وهذا الطريق الذي أمرنا الله تبارك وتعالى به.
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] المجادلة بالتي هي أحسن تتطلب ما قلناه آنفاً: شيء من التسامح، وهذا التسامح يستلزم منا شيئين اثنين:
الشيء الأول: أن يخطر في بالنا أن يخطر كل منا في باله أنه لم ينزل عليه الوحي بما عنده من رأي وهو ممكن أن يكون مخطئ، وأن يكون الشخص الذي يجادله ويناقشه هو المصيب، ينبغي كل منا حينما يناقش صاحبه أن يستحضر هذه بدهية أننا لسنا معصومين، مهما كان الواحد منا متعلماً أو عالماً، فكثيراً ما يتحقق قول العلماء: قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل، قد يكون العالم على خطأ والمتعلم على صواب، قد يكون المتعلم على خطأ والأمي الذي لا يعلم يكون على صواب، وهذا الاستحضار لهذه الحقيقة مما يجعل الإنسان متأنياً متوقفاً مع صاحبه في مناقشته، وهذا أدب مأخوذ من القرآن الكريم؛ لأن الله عز وجل قد ذكر في كتابه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخاطب قومه المشركين وشتان بين المشركين في ضلالهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في إيمانهم، مع ذلك قد أدبه الله عز وجل بهذا الأدب السامي الذي عبرنا عنه بالتسامح، وقال في القرآن الكريم:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ* قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: 25 - 26] فهذا منتهى التسامح في أثناء المناقشة، ليس فيه أن يتنازل المسلم عن عقيدته، لكن فيه افتراض أن أحد الفريقين هو على خطأ والآخر على ضلال، من هذا هو الفريق؟ لم يحدده هنا، لكنه دائماً وأبداً حين يدعوهم إلى الإيمان ويقول لهم: أنهم إن كفروا بما جاء به من عند الله عز وجل، يقول لهم:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] في الوقت الذي يفصح لهم بعقيدته وبمصيرهم فيما إذا استمروا في مخالفته، يقول لهم حينما يجادلهم:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] هذا خطاب الرسول عليه الصلاة والسلام للمشركين،
فكيف ينبغي أن يكون مخاطبة
أحدنا لواحد منا؟ لا شك أنه يجب أن يتواضع له، وأن يتسامح معه، وألا يحمل عليه حملة شعواء، ويتباعد عنه كما يتباعد العدو عن عدوه.
هذه الآية هامة جداً، وعلينا أن نتذكرها جيداً، {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ* قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: 25].
وهناك بعض الأحاديث الصحيحة التي أيضاً نحن بحاجة إلى أن نتذكرها عملياً، وليس فقط فكراً وعلماً، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» لماذا يهجره؟ تباغضاً وتحاسداً، لا لأمر شرعي، لا لأنه عصى الله ورسوله، وإنما أسوأ ما يقال: أنه عصى الله ورسوله لسوء فهمه عندي، لكن هو لم يجاهر بالمعصية، لم يتعقد أن هذه معصية ومع ذلك فهو يعصي الله عز وجل، فجاء أحدنا وقاطعه، هذه المقاطعة مشروعة لا شك، لكن التقاطع بسبب اختلاف الأفكار وفي المفاهيم هذا هو التدابر المنهي في أول هذا الحديث:«لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا» أيضاً هذه الخليقة أو هذا الخلق وهو التحاسد مما دب بين بعض إخواننا السلفيين، فهناك تخاصم أحياناً في بعض المواطن حول الذي يتولى إلقاء الكلمة أو إلقاء الدرس
…
لا أنا أولى لا ذاك أولى، يا جماعة اتقوا الله في أنفسكم، إذا كان هناك إنسان له شيء من المعرفة والعلم فأراد أن يلقي ما يعلمه بين الناس فدعوه فليتكلم وأعينوه على ذلك، ولا تنظروا إلى أنفسكم من باب الاستعلاء والاستكبار عليه، لأنك أنت تنظر أنه دونك في العلم، وقد يعكس هو القضية
فيبدأ الشقاق ويبدأ النزاع، ويحصل من وراء ذلك هذه الأمور التي نهى عنها الرسول عليه السلام في هذا الحديث الصحيح:«لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» هذا الهجر يجب قطعه وإنهاؤه، هذا الحديث هو في الواقع من رحمة الله عز وجل على عباده؛ لأنه لم يمنع الهجر مطلقاً، فقد أفسح المجال لبعض النفوس المريضة أن تشفي غيظها وحقدها وحسدها في ظرف ثلاثة أيام، يكفي للإنسان أن يروي غيظ نفسه بهذه الثلاثة الأيام، سمح له بذلك، ولكن إذا جاوزها فقد ارتكب الحرام، وكما سيأتي في بعض الأحاديث الصحيحة أنه بذلك أي: إذا جاوز الأيام الثلاثة التي سمح له الشارع فيها بالمقاطعة فهو يستحق دخول النار، جاء في الحديث الآخر بعد قوله عليه السلام:«لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» أي: إذا كان من الصعب على هذا المسلم الذي هجر أخاه ثلاثة أيام ترخصاً، ولكنه لم ينسَ هذا الوعيد الشديد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يحل له الاستمرار بعد ثلاثة أيام فأقل ما يبدو من الهجر والوعيد المترتب
…
أن تتحقق المودة بين متهاجرين بعد الثلاثة الأيام التي كان فيها متهاجرون فوراً مباشرة يكفي للخلاص من هذا الوعيد بأن يبدأ أخاه بالسلام، فبعد ذلك السلام يجر الكلام، والكلام يجر المودة ....
ونحو ذلك، وكما قيل: أول الغيث قطرة ثم ينهمر، فلا أقل من أن يبادر المسلم أخاه الذي كان هجره في ثالث الأيام بالسلام في ذلك الخلاص من وعيد المهاجرة
…
لثلاثة أيام.
اسمعوا معي هذا النص النبوي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما فيه من الوعيد لمن يهجر
أخاه بغير بحق، قال صلى الله عليه وآله وسلم:«تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً» هذا نحن نستبشر به خيراً، لأننا نحن الدعاة إلى التوحيد، ونحن الذين نرفع راية الدعوة للتوحيد، وإلى نبذ الإشراك بالله في أي نوع من أنواع الشرك، فنظن أننا دخلنا الجنة خيراً بدون حساب ولا عذاب، وكما يقال: ترانزيت. لأننا موحدون لا نشرك بالله شيئاً، ليس الأمر كذلك، اسمعوا هذا الحديث وعوه وحاولوا أن تتمثلوه في منطلقكم في حياتكم:«تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجل كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أَنْظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا» يعني: اصبروا عليهم لا تغفروا لهم حتى يصطلحا ويعودا إخواناً على سرر متقابلين.
«تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجل كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين، أنظروا هذين، أنظروا هذين» ثم قال عليه السلام في حديث آخر: «ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم: رجل أم قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان» أي: متقاطعان متدابران، إذاً أمر المقاطعة والمهاجرة والمتاركة بدون مُبَرِّر شرعي سوى الاشتراك في الرأي هذا من آثاره السيئة أن الصلاة لا ترفع إلى الله ولا تقبل، كما قال تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، فصلاة هذين المتصارمين لا ترفع إلى الله تبارك وتعالى ولا تقبل.
كثيراً ما تقع المقاطعة والمصارمة بما يخطر في بال إنسان من الظنون
والأوهام بأخيه المسلم، فجاء هذا الحديث الأخير ليحذرنا وينهانا عن أن نظن بالمسلم ظن السوء، فيقول عليه الصلاة والسلام:«إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله تبارك وتعالى» .
في أول الحديث ينهانا عن الظن بالأخ المسلم ويعلل ذلك بأنه أكذب الحديث أن تقول: فلان كذا وفلان كذا، وليس عندك على ذلك برهان من الله عز وجل أولاً، ثم لو كان عندك على ذلك برهان يجيز لك أن تظن بأخيك ظن السوء فلا يجوز لك أن تستغيبه، بل عليك أن تبادر كما قلنا في أول هذه الكلمة هذه إلى نصحه وإرشاده وتوجيهه الوجهة التي تراها أنت مطابقة للشريعة، وكثيراً ما يدفع سوء الظن هذا المسلم المسيء ظنه بأخيه المسلم إلى ارتكاب هذه المخالفات التي عطفها الرسول عليه السلام على المنهي من الظن بالمسلم بقوله:«ولا تجسسوا» «لا تحسسوا ولا تجسسوا» التجسس هو تتبع أخطاء المسلم لغمزه ولمزه والطعن فيه، والتحسس بعض العلماء يقولون: إنهما بمعنى واحد، لكن الحقيقة أن التحسس له معنى غير معنى التجسس، لأنه لا يصح في بعض الأحيان أن نقيم لفظة التجسس مقام التحسس، ففي القرآن الكريم قول يعقوب عليه السلام لبنيه:{اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ} [يوسف: 87] فالتحسس هو تتبع أخبار الشخص، والاستماع إلى ذلك، فهنا التحسس كأنه في الحديث أخص من التجسس، التحسس يكون في الخير ويكون في الشر، أما التجسس فهو في الشر وحده، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث ينهى عن الأمرين، ينهى عن تتبع أخبار الإنسان وعن التجسس عليه؛ لأن الأمور بمقاصدها، فإذا كان المقصود
من التحسس هو الوصول إلى الخير فلا بأس فيه، أما التجسس فليس فيه خير إطلاقاً، لذلك لا يجوز للمسلم أن يتحسس وأن يستمع لحديث المسلم بقصد تتبع الخطأ والعورة، وإيقاعه فيما لا يرضاه.
«ولا تجسسوا ولا تحاسدوا» لماذا يحسد الإنسان أخاه المسلم؟ هذا أمر مع الأسف الشديد يكاد يكون مفطوراً في الإنسان، أقول: يكاد لأني لا أعتقد أن الله عز وجل فطر الإنسان على أن يحسد أخاه المسلم، فلذلك قلت: يكاد يكون مفطوراً لكثرة ما يغلب على الناس من الحسد، والحقيقة أن داء الحسد داء عضال، وكثيراً ما يظهر بين الأغنياء الغناء المادي المالي والغناء العلمي، فالغني مالاً يحسد مِن مثله، والغني علماً يحسد مِن مثله ثم يكون ذلك سبباً لدخول البغضاء المتحاسدين.
ويقول الرسول عليه السلام تأديباً لنا: «ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله تبارك وتعالى» يعني في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
فهذه كلمة وموعظة أرجو أن ينفعنا الله تبارك وتعالى بها، وأن يحقق فينا الأُخُوَّة الصادقة التي أشعر أننا بحاجة إلى تحقيقها جميعاً.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على طاعته في كل ما أمر، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
(الهدى والنور /23/ 44: .. : .. )