الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصول والفروع
مداخلة: الله يجزيكم خيراً! طيب شيخنا كلمة أيضاً خلاف بين طلبة العلم حول اصطلاح الأصول والفروع، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وبالرغم من أنه يستعمله كثيراً في كلامه، وكذلك سمعتكم في بعض الجلسات تذكرون مثل هذا الاصطلاح، هل إطلاق هذا الاصطلاح لا غبار عليه التقسيم للأحوال الشرعية والأمور الشرعية إلى أصول وفروع؟
الشيخ: أقول بارك الله فيك.
مداخلة: وإياكم.
الشيخ: كما تعلم لا مشاحَّة في الاصطلاح، لكن هذا ليس على إطلاقه، إذا ما اصطلح على شيء ولم يُقْصَد به تهوين أحد القسمين وكل منهما من الشرع بسبب هذا الاصطلاح، أو أن يُعْطَى له منزلةً في الشرع دون ما أعطاها الشرع فلا مشاحة في الاصطلاح.
نترك نحن الآن هذه القسمة المصطلح عليها، ونأتي إلى تقسيم العبادات مثلاً إلى فرض وإلى سنة ونترك التفصيلات .. فرض وسنة ونترك التفصيلات الأخرى .. لا مانع من هذا التقسيم وإن كان لم يكن سابقاً؛ لأنه ليس مقصوداً بذاته وإنما يقصد به بيان حقائق شرعية.
نحن نقول: فرض وسنة، كلمة سنة مقابل فرض لم يأت التعبير في الشرع .. في السنة فضلاً عن القرآن، لكن جاء مكان السنة التطوع، وذلك في حديث طلحة بن عبيد الله الذي فيه أن ذاك الرجل سئل الرسول عليه الصلاة والسلام عما فرض الله عليه فقال:«خمس صلوات في كل يوم وليلة» وذكر باقي الحديث، ثم عاد الرجل ليقول: هل علي غيرهن؟ قال: «لا، إلا أن تطوع، قال: والله يا رسول الله لا أزيد عليهن ولا أنقص، قال عليه السلام: أفلح الرجل إن صدق .. دخل الجنة إن صدق» وبهذه المناسبة أُنَبِّه بأن زيادة (وأبيه) شاذة، فلا بد أنها مرت بك إن شاء الله! نعم.
المقصود: إذاً الشرع جعل العبادة قسمين: فرضاً وتطوعاً، ثم اصطلح بتسمية التطوع بسنة، ثم قُسِّمت السنة إلى أقسام أخرى.
هذا التقسيم اصطلاح لا مانع منه، كذلك مثلاً تقسيم الأحكام التي تدخل في دائرة المحرمات .. تقسيمها إلى محرم تحريماً باتاً فهو المحرم، وإلى تحريم فيه بعض النظر من حيث طريق وروده، أو من حيث طريق دلالته فسمي هذا القسم بالمكروه تحريماً، وقابل هذا المكروه تحريماً مكروه تنزيهاً، أيضاً أقول: لا مانع من هذا الاصطلاح بشرط: أننا إذا وجدنا في الكتاب أو في السنة استعمال كلمة: (الكراهة) لا نفسرها بالاصطلاح الحادث وهي كراهة تنزيهية وإنما نُفَسِّرها على ضوء الاصطلاح العربي القرآني الشرعي، وعلى ذلك فقس.
إذا عرفنا هذه الحقيقة ورجعنا إلى تقسيم الشريعة بعامة إلى أصول وفروع لا مانع أيضاً من هذا التقسيم بالشرط المذكور آنفاً، لكني أرى مع الأسف الشديد أن هذا التقسيم لم يوقف عند هذا الشرط بل ألغي خاصة في العصر الحاضر ..
عصر الفتن والهرج والمرج وإلى آخره، فأصبحوا يسمون الشريعة .. يقسمونها إلى قسمين آخرين بدعيين فيقال: الشريعة لب وقشر، وما ينبغي نحن اليوم أن نهتم بالقشر وعلينا باللب، هذا يقوله كثير من أفراد الأحزاب ولا أقول الأحزاب ككل إنصافاً.
إذا وصل التقسيم إلى هذه القسمة الضيزى حينذاك نحن نقول بأنه غير جائز شرعاً أبداً، ولزم من هذا التقسيم في العهد القديم أنهم وصلوا إلى تقسيم أحاديث الرسول عليه السلام إلى الأخذ بها في الفروع دون الأصول، هذا أيضاً من الإخلال بالشرط المذكور آنفاً، أما نحن إذا قلنا إن حديث الآحاد مثلاً كما أظن تَعَرَّضنا لمثل هذا في بعض الجلسات .. أن حديث الآحاد كطريق لا يفيد الخطأ لكن يفيد غلبة الظن، والشرع قد أمرنا بالأخذ بما يغلب على الظن ليس فقط في حديث جاءنا من طريق صحيح عن الرسول عليه السلام بل وباجتهاد إمام من أئمة المسلمين، فوصلوا بسبب مثل هذه الاصطلاحات التي لم ترعى حق رعايتها أو لم يرعى فيها ذلك الشرط الضروري التمسك به جداً أن جعلوا لأنفسهم مجالاً لرفض كثير من الأحاديث الثابتة عن الرسول عليه السلام بدعوى أنها لها علاقة بالأصول والأصول لا تثبت إلا بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
وبهذه المناسبة عندكم رسالة الحديث الآحاد وأنه تثبت به الأحكام والعقيدة عندكم؟ هما رسالتان فكلتاهما عندك؟
مداخلة: لا ما عندي إلا واحدة.
مداخلة: شيخنا! كأن رسالة خبر الآحاد وحجيته هذه الآن ليست موجودة عندي.
الشيخ: ليست موجودة.
مداخلة: حتى ما أظن عندكم، أما الحديث حجة بنفسه موجود.
الشيخ: موجود عندنا أي نعم، وموجود عند أبي الحسن.
مداخلة: طبعاً.
الشيخ: المقصود: فوصل به الأمر إلى رد مئات الأحاديث الصحيحة بهذه القسمة التي لم يرعوا فيها الشرط المذكور آنفا، وقد علمتم ولا حاجة إلى تكرار بأن هذا يحملهم إلى رد دلالات القرآن الكريم أيضاً؛ لأنهم حينما يشترطون التواتر في الحديث الذي يتضمن عقيدة .. يشترطون الدلالة القطعية في الآية التي تتضمن عقيدةً، فإذا كانت الدلالة ليست قطعياً يعاملونها كحديث الآحاد من حيث أنهم لا يعملون بها ويخرجون عن دلالتها بطريق التأويل، فلا شك أن هذا من البدع الكثيرة والكثيرة جداً، هذا خلاصة أن التقسيم يصح باعتبار الشرط ولا يصح بإلغائه.
مداخلة: نحن يعني في كلامكم حول الآحاد وأنه يفيد غلبة الظن، هذا كما قررتم من قبل هو القول الراجح حتى أنكم قلتم وهذا بلا شك، لكن أسأل: بعض الإيرادات التي يوردها المخالفون في هذا الباب، يقولون: فكيف العمل بأحاديث الآحاد في باب الصفات وهي لا تفيد اليقين أو لا تفيد العلم، كيف نثبت صفة بغلبة الظن؟ فإما أن لا تعملوا بها، وإما أنه يلزمكم أن تقولوا: بأن
أحاديث الآحاد تفيد العلم، كيف الخروج من هذا الإشكال؟
الشيخ: هذا شرع كلامهم أم عقل؟
مداخلة: لا من عندهم.
الشيخ: كفى! سقط كلامهم.
مداخلة: لكن كثير من الإلزامات هي عقلية في ذاتها.
الشيخ: لا، ليس هناك إلزام عقلي مخالف للشرع.
مداخلة: نقول: هذا الإلزام العقلي قد ثبتت الأدلة بخلافه.
الشيخ: أي نعم.
مداخلة: فينقضي.
الشيخ: وأنا قلت مرة .. ما أدري هذا مسجل أو لا؟ قلت: زعموا بأن أحد أفراد حزب التحرير ذهب إلى اليابان ليدعو إلى الإسلام.
مداخلة: دعنا نسمعها من الشيخ.
الشيخ: لا أدري لكن هو .. لا أدري بلغه أو سمعه.
مداخلة: نسمعها من الشيخ.
الشيخ: فذهب إلى اليابان ليدعو إلى الإسلام، فكان من أول بحوثه ما جاء في كتاب شيخهم تقي الدين النبهاني رحمه الله الذي عنوانه: طريق الإيمان، فقرأ عليهم طريق الإيمان المزعوم وفيه قول الشيخ رحمه الله وعفا عنا وعنه: بأن
العقيدة لا يجب الأخذ فيها بحديث الآحاد، وبعد أن ألقى عدة محاضرات في الموضوع وصل إلى هذه النقطة قام أحد الحاضرين من أذكيائهم قال: يا فلان! على هذا أنت يجب أن تعود أدراجك إلى بلادك، وأن تأتي بعدد التواتر؛ لأنك تنقل حكماً في الشرع يتعلق بالعقيدة، وتقول: إن العقيدة لا تثبت في خبر الآحاد، فقولك هو عقيدة، فنحن إذا أخذنا بقولك يجب أن تعود أدراجك إلى بلدك وتأتي بعدد التواتر، هذا حقيقة إلزام لهم.
ونحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أرسل دعاة إلى كثير من البلاد يدعون إلى الإسلام وبخاصة بلاد اليمن التي هي حدود مع بلاد الحجاز .. أرسل إليها أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل وعلي بن أبي طالب وإلى آخره .. هؤلاء أفراد ماذا كانوا يعلمون الناس؟ الفروع في تعبيرهم! أم كما جاء النص الصحيح في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحديث من حديث أنس، لما أرسل معاذ إلى اليمن قال:«ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله» الله أكبر! الأصل الأول أرسل به شخصاً واحداً فقط، هل قامت الحجة على أهل اليمن بخبر الواحد وفي العقيدة؟
مع الأسف الشديد لجهل هؤلاء بالشريعة، وهذا ما نراه انتشرت الآفة هذه الآن، يقولون: العلم نقل بواسطة الفرد هذا وهو معاذ لكن الحجة لم تقم، قلت لهم: ويلكم! رسول الله يرسل شخصاً ليدعو إلى الإسلام والحجة لا تقوم به؟ ! إذاً: ما فائدة هذا الإرسال؟ فالشاهد: أن هؤلاء حينما يقولون عقلياً: لماذا أو كيف يجوز الأخذ في أحاديث الصفات بخبر الآحاد؟
نحن جوابنا: نتبع الشرع بدون فلسفة .. بدون إدخال العقل فيما لا يستطيع
الخوض فيه، ونحن نُمَثِّل دائماً عقل الإنسان كسائر حواسه فهو ينظر وهو يسمع لكن إلى حدود معينة، وعقله أيضاً له حدود، فهو إذاً يجب أن يقف عند حدود الشرع:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229].
وإذا كان الله عز وجل أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليُظْهِره على الدين كله، والدين يشمل العقائد ويشمل الأحكام، ولم يُفَرِّق في أي نص وفي أي وسيلة دعا الناس بها إلى دخولهم في الإسلام .. ما فرق أبداً بين الأصول والفروع على حد تعبيرهم، وإن كانت هذه التقسيمات لها وجاهتها فيما يتعلق بحكم الآخذ بها والتارك لها.
أما من حيث أن الحجة تقوم بخبر الواحد في الإسلام كله سواء كان أصلاً أو فرعاً فالإسلام لم يفرق، والدليل العملي الذي قام به سلفنا الصالح، والفتوحات الإسلامية التي انتشر الإسلام بأفراد من الدعاة من التجار، ليس أفراد من الدعاة العلماء كما كان الرسول عليه السلام يرسل كما فعل بالقراء السبعين الذين أرسلهم للدعوة، فهذا جوابنا عن تلك الفلسفة العقلية، فيجب أن نلفت نظرهم إلى هذه الحقيقة أن للعقل حدوداً لا يجوز أن يتعداها في واقع الإنسان فضلاً عن واقع شريعة الإسلام.
(الهدى والنور /850/ 40: 17: .. )