الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاختلاط بالجماعات
ليتبين الحق لهم
مداخلة: شيخ! هناك كثير من الشباب يُنْصَحون من قبل أناس لكي يذهبون مع بعض الجماعات من أجل أن يبينوا لهذه الجماعات، وكما تعلم يا شيخ لأن التبيين عندما الشخص جالسًا في بيته يبين له، لكن عندما يكون الشخص قد تَصَدَّى للدعوة لكي يعطي الناس ما لديه من علم فكيف يذهبون معهم ويبينون لهم؟ وخصوصًا أن هناك كثيرًا من الشباب قد ذهبوا بهذه الطريقة ولم يعودوا، حيث انضموا لتلك الجماعات ولم يرجعوا إلى بحبوحة السلفية.
الشيخ: هذا الحقيقة أمر واقع مع الأسف ما له من دافع، نحن لا نرى مانعًا من أن يخالط المسلم هذا المتمسك بالكتاب والسنة أن يخالط الجماعة الأخرى ليس من باب المداهنة
…
وإنما من باب الدعوة إلى الله عز وجل كما قلنا في الآية السابقة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل: 125] فلا نرى مانعًا من أن يخالط الداعية أولئك الجماعات الأخرى الذين هم بحاجة إلى دعوتنا، ولكن هنا شرط لا بد من أن نلاحظه وهو: أن هذا الذي نستحب له أن يخالط أولئك الناس يجب أن يكون أولًا مُتَمَكِّنًا في علمه بما يدعو إليه، وثانيًا: متخلقًا بالأخلاق ومتأدبًا بالآداب التي تأدب هو بها على هذا المنهج الذي سار عليه هو وأصحابه، أما إذا كان ضعيف العلم .. ضعيف الشخصية، فلا نجيز له أن يخالط أولئك الناس؛
لأنهم كما أشار السائل سَيَجُرُّونه، وكما قيل في المثل السائر: الصاحب ساحب، والرسول عليه السلام يقول:«لا تصاحب - وهذا معنى ذلك المثل - إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي» لا تصاحب إلا مؤمنًا يدلك عمله لسان حاله فضلًا عن لسان قاله على ما أنت بحاجة إليه من العلم والخلق والأدب الإسلامي.
من هنا يجب أن
…
وهذا أهم من الأمر السابق: أننا لا نرى في الشباب المسلم أن يسافر من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر والفجور والفسق والخلاعة في سبيل أن يتعلم علمًا أقل ما يقال فيه: إنه ليس بفرض ولا واجب عليه، فيذهب إلى هناك فيتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه بالعادات والتقاليد والأخلاق ويتأثر بما يرى من تبرج وفسوق وفجور علني، لا نرى لهؤلاء الشباب أن يذهبوا إلى تلك البلاد في سبيل تحصيل ما قد يكون جائزًا فيرجعون وهم قد خسروا شيئًا من دينهم أو قسمًا من
…
وأخلاقهم، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:«أنا بريء من مسلم أقام بين ظهراني المشركين» وفي الحديث الآخر: «من جامع المشرك فهو مثله» من جامع: أي: خالط، وفي حديث ثابت:«المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما» وإنما نار كل منهما بعيد عن نار الآخر، كناية: انج بنفسك .. ابعد أن تجاور الكافر والفاسق؛ لأن الطبع سراق.
ولعله من المفيد أن نُذَكِّر بحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وربما البخاري أيضًا في صحيحه، حديث رائع جدًا، فيه إثبات ما قد يظن بعض من يدرسون علم النفس من الشباب المسلم دراسًة عصريًة مجردًة عن التأثر بالتوجيه القرآني والحديث النبوي يظن أن ما قرأه في علم النفس هذا من اكتشاف الأوربيين، من ذلك مثلًا قولهم: إن البيئة تؤثر سواء كانت هذه البيئة
مادية أم كانت معنوية، هذا مأخوذ من شريعتنا! فاسمعوا حديث نبيكم الذي أثبت تأثير البيئة وشرع لنا أن نعيش في البيئة الصالحة ولا نعيش في البيئة الطالحة حتى لا نتأثر بأخلاق أهلها، قال عليه الصلاة والسلام:«كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعًة وتسعين نفسًا، ثم أراد أن يتوب إلى الله فسأل عن أعلم أهل الأرض فَدُلَّ على راهب» من كان حظه سيئًا، هو سأل أين أعلم أهل الأرض فدل على جاهل لكنه متعبد.
وهذا من مصيبة الناس في كل عصر ودهر، يظنون الرجل المتعبد أنه يتعبد على علم كأنهم يتصورون أن اجتماع العلم والصلاح أمر ضروري متلازم، مع الأسف ليس الأمر كذلك، فكم من متعبد جاهل وكم من عالم فاسق، وقَلَّما يجتمع العلم والصلاح، لذلك كان هذا الرجل الفاجر الذي قتل تسعًة وتسعين نفسًا بغير حق كان عاقلًا حينما سأل أن يَدُلُّوه على أعلم أهل الأرض لكن أساؤوا الدلالة فدلوه على راهب، «فجاء
…
وقال له: إني قتلت تسعًة وتسعين نفسًا فهل لي من توبة؟ قال: قتلت تسعًة وتسعين نفسًا وتسأل عن التوبة! لا توبة لك، فأكمل به العدد المائة» لكنه رجل مُصِر على التوبة والرجوع إلى الله عز وجل «فما زال يسأل عن أعلم أهل الأرض حتى دل عليه، فأتاه، وقص له القصة: إني قتلت مائة نفس بغير حق، فهل لي من توبة؟ قال: من يحول بينك وبين التوبة؟ ! » والشاهد في قوله الآتي: «ولكنك بأرض سوء فاخرج منها» هذه البيئة وتأثيرها!
« .. بأرض سوء فاخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها، فخرج» خروجه دليل أنه كان جادًا في توبته إلى ربه، ويشاء الله عز وجل أن يتوفاه وهو
في طريقه للقرية الصالحة، فتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كل من الطائفتين يدعي بأنه من حقه أن يتولى قبض روحه، ملائكة العذاب يعلمون منه أنه قتل مائة نفس بغير حق، فمن أولى بأن يقبض روحه إلا من ملائكة العذاب؟ ملائكة الرحمة نظروا إلى العاقبة وهي الخاتمة، وكما جاء في الحديث الآخر بغير هذه المناسبة:«إنما الأعمال بالخواتيم» .
فأرسل الله عز وجل إليهم ملكًا يحكم بينهم، فقال لهم .. كأنه يقول: الحكم سهل .. قيسوا ما بينه وبين كل من القريتين فإلى أي القريتين كان أقرب فألحقوه بأهلها، فقاسوا ما بينه وبين القرية التي خرج منها وما بينه وبين القرية التي قصدها فوجدوه أقرب إلى هذه القرية الصالح أهلها بمقدار ميل الإنسان في أثناء مشيه، لأنه كان ما يمشي هكذا، وإنما
…
إلى الأمام فتولته ملائكة الرحمة.
الشاهد: «اخرج من هذه القرية» فإنها قرية شِرِّيرة منها تعلمت سفك الدماء، وانتقل إلى القرية الصالحة، إذًا:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه
…
فكل قرين بالمقارن يقتدي
(لقاءات المدينة لعام 1408 هـ (3) /00: 14: 31)