الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأي الشيخ فيمن لا يترحم على العلماء
الذين وقعوا في أخطاء عقدية
السؤال: ما قولكم يا شيخ فيمن يقول: لا يترحم على من خالف عقيدة السلف كالنووي وابن حجر وابن حزم وابن الجوزي وغيرهم، ومن المعاصرين سيد قطب وحسن البنا مع أنكم تعلمون ما عند البنا في مذكرات الدعوة والداعية وعند سيد قطب في «ظلال القرآن» ؟
الجواب: نحن نعتقد أن الرحمة أو بعبارة أصح الدعاء بالرحمة جائز لكل مسلم ومحرمة على كل كافر، فالجواب هذا يتفرع على اعتقاد يقوم في نفس الشخص، فمن كان يرى أن هؤلاء الذين سموا في السؤال وفي أمثالهم، يرى أنهم مسلمون فالجواب عرف مما سبق أنه يجوز الدعاء لهم بالرحمة وبالمغفرة، ومن كان يرى لا سمح الله أن هؤلاء المسلمين الذين ذكروا في السؤال هم ليسوا من المسلمين فلا يجوز الترحم عليهم؛ لأن الرحمة قد حرمت على الكافرين.
هذا هو الجواب بالنسبة لما جاء في السؤال.
مداخلة: على أساس يقولون هم أن منهج السلف أنهم كانوا لا يترحمون على أهل البدع، فبالتالي يعدون هؤلاء الذين ذكروا في السؤال من أهل البدع، فهم من هذا الباب لا يترحمون عليهم.
الشيخ: نحن الآن قلنا كلمة، الرحمة تجوز لكل مسلم ولا تجوز للكافر، هل هذا الكلام صحيح أم لا؟
مداخلة: صحيح.
الشيخ: إن كان صحيحاً فالسؤال الثاني غير وارد، وإن كان غير صحيح فالمناقشة واردة.
ألا يُصَلَّى على هؤلاء الذين يطلق عليهم بعضهم أنهم من أهل البدع، ألا يُصَلَّى عليهم صلاة المسلمين ومن عقائد السلف التي توارثها الخلف عن السلف أنه يصلى وراء كل بر وفاجر ويصلى على كل بر وفاجر، أما الكافر فلا يصلى عليه.
إذاً: هؤلاء الذين لا أرى السؤال الثاني حولهم أنهم من أهل البدع، هل يصلى عليهم أم لا يصلى عليهم؟
لا أريد أن أدخل في نقاش إلا إذا اضطررت إلى ذلك، فإن كان الجواب بأنهم يُصَلَّى عليهم انتهى الموضوع ولم يبق للسؤال الثاني محل من الإعراب كما يقول النحويون، وإلا فمجال البحث مفتوح ووارد.
مداخلة: طيب والذي يقول يا شيخ لا يصلى عليهم على أساس أنهم من أهل البدع، فكيف يكون الجواب عندك؟
الشيخ: ما هو الدليل؟
مداخلة: يستدل بالسلف، مثلاً يفرق بين الفسق والفجور وأهل البدع الذين يبتدعون في الدين، وما كان أهل السلف يصلي مع أهل البدع ولا يجالسونهم
ولا يؤاكلونهم ولا يشاربونهم، فمن هذا الباب هو يقول هذا الشيء.
الشيخ: حدت، فانتبه.
ماذا كان السؤال؟
مداخلة: عن الصلاة عليهم؟
الشيخ: لا، وحق لك أن تحيد؛ لأنك أطلت الجواب في غير جواب، كان السؤال: ما هو الدليل؟ أنت ذكرت الدعوى، والدعوى غير الدليل، أي: من يقول إنه لا يصلى على المسلم المبتدع، ما هو الدليل؟
مداخلة: هو ما عنده دليل إلا بس فقط يستدل بفعل السلف.
الشيخ: أهو دليل فعل السلف؟
مداخلة: هكذا يقول.
الشيخ: طيب، أين هذا الدليل؟
مداخلة: هو لا يذكر، لكن الكلام دائماً يكون عام في هذا الأمر.
الشيخ: طيب، السلف أليس كانوا يقاطعون بعض الأشخاص بذنب ما أو لبدعة ما، فهل معنى ذلك أنهم كفروهم؟
مداخلة: لا.
الشيخ: إذاً: حكموا بإسلامه.
مداخلة: بلى.
الشيخ: طيب، نحن ما عندنا وسط بين مسلم وكافر، يعني ما عندنا كالمعتزلة منزلة بين المنزلتين، إما مسلم فيعامل معاملة المسلمين، وإما كافر فيعامل معاملة الكافرين.
ثم يا أخي بارك الله فيك هذه مجرد دعوى، أن السلف ما كانوا يصلون على عامة المبتدعة، وعلى كل المبتدعة، هذه مجرد دعوى تقوم في أذهان بعض الناس الطيبين الذين يأخذون المسائل بحماس وبعاطفة غير مقرونة بالعلم الصحيح القائم على قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا قدمت لك حقيقة لا يختلف فيها اثنان، وهي إما مسلم وإما كافر، فالمسلم مهما كان شأنه، يصلى ويورث ويورث ويغسل ويكفن ويدفن في مقابر المسلمين، وإن لم يكن مسلماً نبذ نبذ النواة ودفن في قبور الكافرين، ليس عندنا شيء وسط، لكن إن لم يُصَلِّ مُصَلٍّ ما أو عالم ما على مسلم ما فذلك لا يعني أن الصلاة عليه لا تجوز، وإنما يعني أنه يرمي إلى حكمة قد لا تتحقق هذه الحكمة بغيره، مثل الأحاديث الذي لا بد أنك تذكر شيئاً منها التي يقول الرسول عليه السلام في بعضها:«صلوا على صاحبكم» ما صلى الرسول عليه، ترى آلرسول الممتنع عن الصلاة على مسلم أهم أم العالم السلفي إذا امتنع من الصلاة على المسلم أهم، قل لي، ما هو الأهم؟
مداخلة: ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الشيخ: حسناً، فإذا كان ترك الرسول الصلاة على مسلم لا يدل أن تركه للصلاة عليه، أنه لا يجوز الصلاة عليه، فمن باب أولى حينئذ ترك عالم من علماء السلف الصلاة على مسلم مبتدع أنه لا يدل على أنه لا يصلى عليه، ثم إن دل أنه
لا يصلى عليه فهل معنى ذلك أنه لا يدعى له بالرحمة والمغفرة ما دام أننا نعتقد أنه مسلم؟
إذاً: باختصار امتناع بعض السلف عن الصلاة على بعض المسلمين بسبب بدعة لهم فذلك لا ينفي شرعية الصلاة على كل مسلم لأن هذا من باب الزجر والتأديب لأمثاله كما فعل الرسول عليه السلام في الذي لم يصل عليه، وليس له ذنب إلا أنه مات وعليه دين، والغال ومن الغنيمة ونحو ذلك، فإذاً هذا الامتناع، أي امتناع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أهم من امتناع بعض السلف، فهذا وذاك لا يدلان على أنه لا يجوز الصلاة على المسلم المبتدع.
ثم هنا لا بد من بحث، يجب أن نعرف من هو المبتدع، تماماً كما يجب أن نعرف من هو الكافر، فهنا سؤال كما يقولون اليوم يطرح نفسه: هل كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه وكذلك كل من وقع في البدعة وقعت البدعة عليه أم الأمر ليس كذلك؟
إذا كان الجواب ليس كذلك نمضي في الموضوع، وإن كان خافياً فلا بد من بيانه، أعيد المسألة بشيء من التفصيل:
ما هي البدعة؟ هي الأمر الحادث على خلاف سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد بها صاحبها أن يزداد تقرباً إلى الله تبارك وتعالى، فهل كل من ابتدع بدعة يكون مبتدعاً؟
أريد أن أسمع الجواب باختصار، لا، بلى؟
مداخلة: لا.
الشيخ: إذاً: من هو المبتدع؟
مداخلة: الذي تقام عليه الحجة ويصر بعد ذلك على بدعته؟
الشيخ: حسناً، فهؤلاء الذين نقول نحن عليهم لا يترحم عليهم، هل أقيمت الحجة عليهم؟
الله أعلم. أنا أقول من عندي الله أعلم، أما أنت ماذا تقول .. عندك.
مداخلة: نفس جوابك يا شيخ.
الشيخ: جزاك الله خير.
إذاً: ما هو الأصل في هؤلاء الإسلام أم الكفر؟
مداخلة: الإسلام.
الشيخ: طيب، إذاً: الأصل أن يترحم عليهم أليس كذلك؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: إذاً: انتهت القضية، فلا يجوز أن نتبنى اليوم مذهباً فنقول: لا يجوز الترحم على فلان وفلان وفلان من عامة المسلمين فضلاً عن خاصتهم، فضلاً عن علمائهم؛ لسببين اثنين، وهذا تلخيص ما تقدم:
السبب الأول: أنهم مسلمون، السبب الثاني: أنهم إن كانوا مبتدعين فلا نعلم أنهم أقيمت عليهم الحجة وأصروا على بدعتهم، وأصروا على ضلالهم.
لهذا أنا أقول من الأخطاء الفاحشة اليوم أن الشباب الملتزم والمتمسك بالكتاب والسنة فيما يظن هو يقع في مخالفة الكتاب والسنة من حيث لا يدري ولا يشعر، وبالتالي يحق لي على مذهبهم أن أسميهم مبتدعة؛ لأنهم خالفوا
الكتاب والسنة، لكن لا أخالف مذهبي، الأصل في هؤلاء أنهم مسلمون وأنهم لا يتقصدون البدعة ولا يكابرون الحجة ولا يردون البرهان والدليل، لذلك نقول أخطؤوا من حيث أرادوا الصواب.
وإذا عرفنا هذه الحقيقة نجونا من كثير من الأمور الشائكة في هذا الزمان، ومن ذلك جماعة الهجرة والتكفير التي كانت في مصر، وكانت نشرت شيئاً من أفكارها وكانت وصلت إلى سوريا يوم كنت هناك، ثم إلى هنا أيضاً وكان لنا هنا إخوان على المنهج السلفي الكتاب والسنة، تأثروا بتلك الدعوى الباطلة، وتركوا الصلاة مع الجماعة بل والجمعة، وكانوا يصلون في دورهم وفي بيوتهم حتى اجتمعنا معهم، عقدنا ثلاث جلسات، الجلسة الأولى ما بين المغرب والعشاء، وامتنعوا من الصلاة خلفنا، أعني: خلفنا نحن السلفيين، وما أردت أن أقول خلفي؛ لأني سأتحدث عن نفسي، كانوا يقولون نحن نعتمد على كتبك ومع ذلك لا يصلون خلفي؛ لماذا لأنهم لا يكفرون المسلمين الذين هم يكفرونهم، هذا في الجلسة الأولى، في الجلسة الثانية كانت في عقر دارهم، واستمرت إلى نصف الليل، لكن بدأت البشائر والحمد لله تظهر في استجابتهم لدعوة الحق حيث أذنا وأقمنا الصلاة وصلينا هناك قبيل نصف الليل فصلوا خلفنا، هذه الجلسة الثانية.
أما الجلسة الثالثة فقد استمرت من بعد صلاة العشاء إلى أذان الفجر، فترة واحدة، وكانت والحمد لله القاضية، وهم إلى اليوم معنا، وقد مضى على ذلك نحو اثني عشرة سنة، والحمد لله.
فما هي إلا شبهات جاءتهم من عدم فقههم في الكتاب والسنة، ولعلك تعلم
يا أخانا خالد بأن التفقه في الكتاب والسنة ليس أمراً سهلاً اليوم بعد أن ورثنا مذاهب شتى، وفرق كثيرة جداً في العقائد وفي الفقه، فلا يستطيع الطالب الناشئ أن يخوض في خضم هذه الخلافات إلا بعد زمن مديد وطويل جداً من دراسة ما يسمى اليوم بالفقه المقارن ودراسة أدلة المختلفين في الأصول وفي الفروع وهذا في الواقع يحتاج إلى عمر مديد أولاً، ثم إلى توفيق من رب العالمين ثانياً حتى يتمكن المسلم أن يحقق الله عز وجل له دعوته التي سنها لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما كان يدعو في بعض أدعية صلاة الليل:«اللهم! اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» .
ولذلك فنحن ننصح شبابنا الناشئ اليوم على مذهب الكتاب والسنة بأن يتئدوا وأن يترووا وأن لا يصدروا أحكاماً يبنونها على بعض ظواهر الأدلة؛ لأنه ليس كل ظاهر ينبغي للمسلم أن يقف عنده، وإلا عاش في بلبلة علمية لا نهاية لها.
أظنك تعلم أن أقرب المذاهب إلى الكتاب والسنة هو مذهب أهل الحديث، وأنك تعلم أن أهل الحديث يعتمدون على رواية المبتدعة إذا كانوا ثقات صادقين حافظين، ومعنى هذا أنهم لم يحشروهم في زمرة الكافرين ولا في زمرة أولئك الذين لا يترحمون عليهم، بل أنت تعلم أن هناك في بعض الأئمة المتبعين اليوم، والذين لا يشك عالم مسلم عالم حقاً بأنه مسلم وليس هذا فقط بل وعالم فاضل ومع ذلك فقد خالف الكتاب والسنة وخالف السلف الصالح في غير ما مسألة، أعني بذلك مثلاً أن النعمان بن ثابت أبا حنيفة رحمه الله الذي يقول بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، والذي يقول: لا يجوز للمسلم أن يقول أنا مؤمن إن
شاء الله. وأنه إذا قال إن شاء الله فليس مسلماً، لا شك أن هذا القول بدعة في الدين؛ لأنه مخالف للكتاب والسنة، لكن هو ما أراد البدعة هو أراد الحق فأخطأه، ولذلك ففتح هذا الباب من التشكيك بعلماء المسلمين سواء كانوا من السلف أو من الخلف ففي ذلك مخالفة لما عليه المسلمون وربنا عز وجل يقول في القرآن الكريم:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
وأخيراً: أريد أن أُذَكِّر بحقيقة لا خلاف فيها لكني أريد أن ألحق بها شيئاً لا يفكر فيه شبابنا
…
في هذا العصر، تلك الحقيقة هي قوله عليه السلام في كثير من الأحاديث:«من كفر مسلماً فقد كفر» هذه حقيقة لا ريب فيها، ومعروف تفصيل هذا الحديث في بعض الروايات الأخرى أنه إن كان الذي كفره كافراً فقد أصاب، وإلا حارت عليه ورجعت عليه، هذا لا يحتاج إلى بحث لأن الحديث في ذلك صريح، لكني أريد أن ألحق به فأقول: من بَدَّع مسلماً فإما أن يكون هذا مسلم مبتدعاً، وإلا فهو المبتدع وهذا هو الواقع الذي قلته لكم آنفاً أن شبابنا يبدعون العلماء وهم الذين وقعوا في البدعة، لكنهم لا يعلمون ولا يريدون البدعة بل هم يحاربونها، لكن يصدق عليهم قول من قال قديماً:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
لذلك نحن ننصح شبابنا ليلتزموا العمل بالكتاب والسنة في حدود علمهم ولا يتطاولوا على غيرهم من من لا يقرنون بهم علماً وفهماً، وربما وصلاحاً، فمثل النووي ومثل الحافظ ابن حجر العسقلاني، أعطنا اليوم في العالم الإسلامي مثل هؤلاء الرجلين، ودعك والسيد قطب، هذا رجل نحن نجله على
جهاده، لكنه لا يزيد على كونه كان كاتباً، كان أديباً منشئاً، لكنه لم يكن عالماً، فلا غرابة أن يصدر منه أشياء وأشياء وأشياء تخالف المنهج الصحيح، أما من ذكر معه مثل النووي وابن حجر العقسلاني وأمثالهم فهم
…
من الظلم أن يقال عنهم إنهم من أهل البدعة، أنا أعرف أنهما من الأشاعرة لكنهما ما قصدوا مخالفة الكتاب والسنة وإنما وهموا وظنوا أن ما ورثوه من العقيدة الأشعرية، ظنوا شيئين اثنين، أولاً: أن الإمام الأشعري يقول ذلك وهو لا يقول ذلك إلا قديماً؛ لأنه رجع عنه، وثانياً: توهموه صواباً وليس بصواب.
هات مددك
…
مداخلة: يا شيخ .. كان السلف من منهجهم أن لا يحكموا على الرجل أنه من أهل السنة إلا إذا اتصف بصفات السنة، وأنه إذا ابتدع أو أثنى على أهل البدع يعد منهم، كما كان يقول السلف مثلاً، من قال إن الله ليس في السماء فهو جهمي.
الشيخ: يوجد شيء من ذلك، لكن لا تنسى ما قلته لك آنفاً، هذا لا يعني أنه ليس مسلماً، كما أن امتناع الرسول عليه السلام من الصلاة على الذي مات وعليه دين أو على الذي غل أو على الذي قتل لا يعني أنه ليس مسلماً، هذا يا أخي من باب التأديب كما سبق أن قلنا ذلك، هذا شيء آخر، الآثار السلفية إذا لم تكن متضافرة متواترة فلا ينبغي أن يؤخذ عن فرد من أفرادها منهج، عن فرد من أفرادها لا ينبغي أن يؤخذ من ذلك منهج، ثم يكون هذا المنهج خلاف ما هو معلوم عن السلف أنفسهم، أن المسلم لا يخرج من دائرة الإسلام بمجرد معصية أو بدعة أو ذم يرتكبه، فإذا وجدنا من يخالف هذه القاعدة لجأنا إلى تأويلها بما ذكرته لك آنفاً أن هذا من باب التعزير والتأديب.
عندنا في الإمام البخاري وما أدراك ما الإمام البخاري، بعض علماء الحديث ترك الإمام البخاري ولم يرو عنه، لماذا؟ قال: لأنه فصل بين قول من يقول القرآن مخلوق هذا ضال مبتدع كافر على حسب اختلاف العلماء في تعابيرهم، وبين من قال:«لفظي بالقرآن مخلوق» ، الإمام أحمد ألحق من قال بهذه القولة لفظي بالقرآن مخلوق بالجهمية، وبناء على ذلك حكم بعض من جاؤوا بعد الإمام أحمد على البخاري بأنه لا يؤخذ منه لأنه قال قولة الجهمية، الجهمية لا يقولون لفظي فقط بالقرآن مخلوق، يقولون القرآن هو ليس كلام الله إنما هو مخلوق من خلق الله عز وجل.
فماذا يقال في البخاري الذي قال كلمة لفظي بالقرآن مخلوق، والمحدثون ومنهم الإمام أحمد، الذي يقول من قال هذه الكلمة فهو جهمي؟
لا يمكن أن نصحح كلاً من الأمرين إلا بتأويل صحيح يتماشى مع القواعد، وقبل أن أمضي، أنت أظن تفرق معي بين من يقول القرآن مخلوق، وبين من يقول لفظي بالقرآن مخلوق، أليس كذلك؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: إذاً: بماذا نجيب عن كلمة الإمام أحمد من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي. ماذا نجيب عن هذا الكلام؟
لا جواب إلا ما ذكرته لك، تحذيراً من أن يقول المسلم قولاً يتخذ ذريعة لأهل البدعة والضلالة وهم الجهمية، فقد يقول قائل لتوريط من حوله لفظي بالقرآن مخلوق، وهو يعني نفس القرآن، لكن ليس ضروري كل مسلم يتكلم
بهذه الكلمة يكون قصده ذاك القصد السيئ نفسه، فالآن الإمام البخاري هو ليس بحاجة إلى أن يزكى، فالله عز وجل قد زكاه حيث جعل كتابه بعد القرآن الكريم كله مقبولاً عند عامة المسلمين على ما بينهم من خلاف، فإذاً: هو حينما قال لفظي بالقرآن مخلوق عنى شيئاً صحيحاً، لكن الإمام أحمد خاف فقال: من قال كذا فهو كذا، إذاً: هذا من باب التحذير وليس من باب الاعتقاد أن من قال كذا فهو حقيقة جهمية، لا.
ولذلك إذا وجدنا في بعض عبارات السلف الحكم على من واقع بدعة بأنه مبتدع، فهو من باب التعزير وليس من باب الاعتقاد.
لعله يحسن ذكره بالمناسبة الأثر المعروف عن الإمام مالك لما جاءه سائل قال: يا مالك! الاستواء؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، أخرجوا الرجل فإنه مبتدع. فهو ما صار مبتدعاً بمجرد ما سأله عن الجواب، لكن أراد أن يفهم شيئاً لكن خشي الإمام مالك أن يرمي وراء ذلك مخالفة للعقيدة السلفية، فقال أخرجوا الرجل فإنه مبتدع.
انظر الآن كيف الوسائل تختلف، هل ترى أنت وأنا وبكر وعمر وزيد .. إلى آخره، لو سألنا واحد من عامة المسلمين أو من خاصة المسلمين مثل هذا السؤال؟ نجيبه نفس جواب مالك ونلحقه [بذلك الرجل] فنقول: أخرجوا الرجل فإنه مبتدع؟
لا، لماذا؟
لأن الزمن اختلف، فالوسائل التي كانت يومئذ مقبولة اليوم ليست مقبولة؛
لأنها تضر أكثر مما تنفع، وهذا الكلام له صلة بمبدأ المقاطعة المعروفة في الإسلام، أو الهجر في الله.
كثيراً ما نسأل فلان صديقنا وصاحبنا لكنه لا يصلي، يشرب دخان، يفعل كذا .. إلى آخره، نقاطعه؟
أقول له: لا تقاطعه، لأن مقاطعتك له هو الذي يريد هو، مقاطعتك له لا تفيده، بالعكس بتسره وتجعله في ضلالة، وأذكر بهذه المناسبة مثل ثاني بالنسبة لذاك الرجل الفاسق التارك للصلاة تاب، وراح يصلي أول صلاة في المسجد وإذا به يجد الباب مغلقاً، قال له أنت مسكر وأنا مبطل، فهذا الفاسق هل يريد هذا المسلم يقاطعه، هذا لسان حاله، أنت مسكر أنا مبطل،
…
لأنه صحبة الصالح للطالح بتحجر عليه من صلاحه، وهذا الطالح لا يرده، فإذا الصالح قاطعه فذلك ما يريده، لذلك فالمقاطعة وسيلة شرعية يراد بها تحقيق مصلحة شرعية، وهو تأديب المهاجر المقاطع، فإذا كانت المقاطعة لا تؤدبه بل تزيده ضلالاً على ضلال، حينئذ لا ترد المقاطعة في ذلك.
نحن اليوم لا ينبغي أن نتشبث بالوسائل التي كان يتعاطاها السلف لأنهم كانوا ينطلقون بها من موقف القوة والبدعة، واليوم شاهدوا كيف أوضاع المسلمين، ضعفاء في كل شيء، ليس فقط في الحكومات، الأفراد، الأمر كما قال عليه السلام:«إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، قالوا: من هم يا رسول الله؟ ! قال: ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» فلو نحن فتحنا باب المقاطعة والهجر والتبديع لازم نعيش في الجبال، إنما نحن واجبنا اليوم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
مداخلة: من تمام المسألة شيخنا، هذه المسألة كما لاحظتم من المسائل التي تتردد اليوم كثيراً، .. البحث التالي أنبه حول شيء حتى تتم الفائدة إن شاء الله، وهذا شيء يذكره الإخوة الذين يتبنون هذه المسائل، يقولون نحن نقول بعد الترحم عنهم؛ لأن الترحم ليس بواجب وجائز، نحن لا نمنع ولا نحرم الترحم، ولكن نمتنع منه حتى لا يكون فيه نوع ثناء وتزكية ومدح لأهل البدع هؤلاء الذين قد لا نقول إنهم مبتدعة مثلاً، ونحكم عليهم بأنهم مبتدعة من الكبراء، ولكن مثلاً لا نثني عليهم ولا نقول هم أئمة مثلاً، إذا ورد ذكر النووي لا نقول قال الإمام النووي، بل هم يتجنبون أحياناً ويتحاشون النقل عنهم والعزو إليهم، حتى بعض إخواننا في محاضرة له نقل عن بعض هؤلاء نقولاً سلفية في الحقيقة وتؤيد المنهج، فقالوا له كيف أنت تنقل عن هؤلاء؟ وأعني بهؤلاء الآن ليس من ذكرهم شيخنا بأنهم مثلاً ابن حجر أو النووي، ولكن نقل مثلاً عن السيد قطب وقال كيف تنقل عن هؤلاء، وهؤلاء معروفون أنهم ليسوا سلفيين، فأنت وبصفتك سلفياً إذا نقلت عنهم، فكأنك
…
عليهم وبالتالي تقول للناس هؤلاء سلفيون، وهذا سبيل للتغرير من الناس بهؤلاء فلعلهم يصبحون كمثلهم في البدعة والانحراف والبعد عن الجادة.
فإذا رأيتم يا شيخنا التعليق على هذه.
الشيخ: أنا لا أعتقد أن هذا مقصدهم أولاً، وثانياً أنه لو كان هذا مقصدهم أنه أسلوب في التوعية، فأنا سأقول:
هؤلاء الذين أشرت إليهم هل يقرؤون فتح الباري أم لا يقرؤونه؟
أيما الأمرين افترض فهو خطأ بالنسبة إليهم، إن قيل لا يقرؤون، إذاً: من أين يفهمون صحيح البخاري شرحاً وفقهاً وخلافاً ومصطلحاً وحديثاً .. إلى آخره، سوف لا يجدون فيه الشروح عند البخاري في الدنيا كلها سلفية، لا يجدون سلفياً كما نريد نحن شرح البخاري، ثم إن وجد مشروحاً فسيوجد من شروح هي رؤوس أقلام فقط، أما هذا البحر الزاخر من العلم المتضمن والمفتوح على صاحب الفتح به عليه، كما لا يجدوا في أي كتاب من الكتب التي تولت الكلام على صحيح البخاري.
إذاً: هم سيخسرون علماً كثيراً، فإن كانوا يعنون أو يضمنون هذا الكلام تحذير الناس في جملة ما يحذرون أنهم ما ينتفعون من كلام هذا الإمام خسروا العلم مع أنهم بإمكانهم أن يجمعوا بين جلب المصلحة ودفع المفسدة كما هو شأن العلماء، الآن لا يوجد عالم في الدنيا من بعد العسقلاني ومن بعد النووي إلى اليوم يمكنه أن يستغني من الاستفادة من شرحيهما، هذا للبخاري وذاك لمسلم، ومع ذلك فهم حينما يستفيدون من كتابيهما هم يعرفون أنهم في كثير من المسائل أشاعرة ومخالفون لمنهج السلف الصالح، فاستطاعوا بعلمهم وليس بجهلهم أن يأخذوا من هذين الكتابين أو من صاحبها من العلم ما ينفعهم، وأن يعرضوا عما يضرهم ولا ينفعهم، فأريد أن أقول أنا أخشى ما أخشاه أن يكون وراء هذا الكلام المعسول هو التحذير من الانتفاع من كتبهم، وحينئذ فيه خسارة.
وإذا قالوا نحن ننتفع من كتابهما ونقرأهما ونقرئهما أيضاً، حينئذ ما فائدة هذا
الأسلوب بالامتناع عن الترحم، وهو مسلم كما قلنا في أول الكلام، ثم ما الفائدة أو ما الثمرة بين قولهم: نحن لا نقول بأنه لا يجوز الترحم، لكنننا لا نترحم؛ لأنه خاض البدعة، قد ذكرنا آنفاً ليس كل من وقع في البدعة وقعت البدعة عليه، ليس من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، هذا تلبسه الكفر وذاك تلبسته البدعة، وقد قلنا نحن هذا.
فإذاً: هذا التحفظ لا فائدة منه الآن، ثم يا أخي سلفية وخلفية هل العلماء الذين ورثنا عنهم هذه الدعوة الطيبة، أهكذا كان موقفهم من أمثال هؤلاء الأئمة كموقف هؤلاء أو هذا النشء الناشئ الجديد ممن يدعي السلفية، أولئك كانوا كهؤلاء، العكس هو الصواب، الطبيعي أن يكون هؤلاء كأولئك الذين سبقونا إلى هذه الدعوة الصالحة، غير ذلك؟
(الهدى والنور/665/ 55: 00: 00)