المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر حسنات المخالف عند الرد عليه - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ٦

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌سؤالات الشيخ أبي الحسنمصطفى بن إسماعيل السليماني المأربيللعلامة الألباني في المسائل المنهجية

- ‌سؤالات الشيخ أبي الحسن المأربي-حفظه الله- للعلامة الألباني

- ‌من هم السلف الصالح تحديداً

- ‌حول التسمي بالسلفية

- ‌حول التكتلات والجمعيات

- ‌حول تكفير الحكام:

- ‌عن الموازنات

- ‌الحزبية

- ‌الأصول والفروع

- ‌حول البدعة وضوابطها

- ‌حول إقامة بعض الناس للحدود

- ‌استباحة أموال الكفار

- ‌صفحات من النقد الذاتي في بيانأخطاء كثير من المنتسبينللدعوة السلفية

- ‌نصيحة للسلفيين بالرفق واللين ونبذ الفرقة والاختلاف…وترك الهجر غير الشرعي

- ‌الشدة عند السلفيين

- ‌السلفية والرفق واللين

- ‌نصيحة السلفيين أن يُوَسِّعواصدورهم لبعضهم البعض

- ‌التعصب لمشايخ الدعوة السلفية

- ‌الطعن في علماء الحجاز واتهامهمبأنهم يداهنون الطواغيت

- ‌كيفية التعامل مع من خرجعن منهج السلف

- ‌عدم إقبال طلاب العلمعلى القرآن الكريم

- ‌طلاب العلم المبتدؤونالذين يناطحون الكبار

- ‌حول التسامح مع أصحابالبدع العقدية

- ‌الشدة في التعامل مع المخالف

- ‌رأي الشيخ فيمن لا يترحم على العلماءالذين وقعوا في أخطاء عقدية

- ‌التفريق بين البدعة المُكَفِّرة والمُفَسِّقةفي الحكم على الرجل بأنه من أهل السنة

- ‌هل يجوز الثناء على أهل البدع

- ‌هل يلزم شيء غير إقامة الحجة فيالتكفير والتبديع والتفسيق

- ‌هل يجوز التجسس على أناس يريدونالضرر بعلماء الأمة

- ‌هل تطبيق حديث اعتزالالفرق يناسب عصرنا

- ‌حول ضوابط التبديع

- ‌نصيحة الشيخ للشباب بعدم الانشغالبالأشخاص تجريحاً وتبديعاً

- ‌التعصب لبعض المشايخ

- ‌التعادي والتدابر بين طلابالعلم للاختلاف

- ‌الاختلاط بالجماعاتليتبين الحق لهم

- ‌ظاهرة طعن طلاب العلم في بعضهم

- ‌حكم من يقول: المسلم: سلفي أو خلفي

- ‌الدعاة والوقوع في أهل العلم

- ‌ذكر حسنات المخالف عند الرد عليه

- ‌الخلاف بين المنتمين إلى الكتاب والسنة

- ‌الفرق بين الحوار الذي يدور بين أهل السنةبعضهم البعض والخطاب الذي يوجهمن أهل السنة لأهل البدع

- ‌متى يُبَدَّع المخالف

- ‌هل الهجر والتحذير يكونانبعد إقامة الحجة

- ‌ضوابط التبديع

- ‌حكم قول من يقول سلفيالعقيدة إخواني المنهج

- ‌حكم من يقول إن الجماعات غير السلفيةأخطر على الأمة من اليهود

- ‌حول من بَدَّع الشيخ عدنان عرعور

- ‌من وقع في بدعة مُكَفِّرة

- ‌ضوابط التبديع

- ‌نصيحة إلى غلاة التبديع

- ‌باب منه

- ‌الرد على المخالف

- ‌تسجيل أشرطة ومحاضراتمن ليس على منهج السلف

- ‌كيف تكون معاملة المخالف

- ‌إقامة الحجة على المخالف

- ‌النصيحة يجب أن تقترن بالدليل

- ‌كتاب الهجر وحكمه

- ‌حكم الهجر

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌أقسام الهجر

- ‌هل صحيح أن هجر المبتدعة لا ينبغيأن يُطَبَّق في هذا الزمان

- ‌مقاطعة المخالف وهجره

- ‌حكم الصلاة خلف منتَلبَّس ببدع

- ‌حكم هجر الشباب للمساجد التييُقَصِّر أئمتها في تطبيق السنة

- ‌حكم الصلاة خلف المبتدع

- ‌الصلاة خلف القبوريين

- ‌الصلاة خلاف المبتدع

- ‌الصلاة خلف أهل البدع

- ‌الاقتداء بإمام مخالف في العقيدة

- ‌متابعة الإمام المخالف للسنة

- ‌هجر المساجد التي ليست على السنة

- ‌الصلاة خلف المتلبس بشركيات

الفصل: ‌ذكر حسنات المخالف عند الرد عليه

‌ذكر حسنات المخالف عند الرد عليه

مداخلة: فضيلة الشيخ! هل من منهج السلف في أثناء الرد على المخالف ذكر الحسنات؟ نرجو الإجابة مُفَصَّلة على هذا السؤال؟

الشيخ: هذا إذا كان المقصود هو بيان الحق الذي جاءت مناسبته فهذا شيء، وإذا كان المقصود ترجمة من نرى أنه أخطأ في مسألة ما فهذا شيء آخر، في الحالة الأولى ليس شرطاً حينما يرد على المخالف أن تذكر حسناته، أما إذا كان الوضع خلاف هذا وهو مما أشرت إليه آنفاً أن يتحدث عن الشخص ذاته ونفسه فهنا بلا شك ينبغي ألا يتوجه الناقد إلى ذكر أخطائه وإنما يقرن معها أن يذكر محاسنه وحسناته على أساس من الانطلاق من قوله تبارك وتعالى:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] أما مجرد عن الرد هذا خلاف منهج السلف الصالح وخلاف المعهود من رد الرسول عليه السلام على من وجد من بعض أصحابه خطأً، وفي اعتقادي الأحاديث التي وردت بمثل هذه المناسبة لو جمعت لكان منها رسالة.

مثلاً: قال لمن مدح صاحبه في وجهه: «ويحك قطعت عنق أخيك .. ويحك قطعت عنق أخيك» هكذا ثلاث مرات، «إن كان أحدكم مادحاً أخاه فليقل: أحسبه كذا وكذا ولا أزكي على الله أحداً» أو كما قال عليه السلام.

كذلك مثلاً ذاك الرجل الذي كان حاضراً قوله صلى الله عليه وآله وسلم أو خطبته أو موعظته، فقال

ص: 247

له: «ما شاء الله وشئت يا رسول الله» فانبرى له الرسول عليه السلام بصيغة الاستفهام الاستنكاري: «أجعلتني لله نداً، قل: ما شاء الله وحده» فالأمثلة كثيرة وكثيرة جداً.

ولذلك فأنا أعتبر هذا الشرط إن كان يقوله أحد فهذا في الواقع من ليونة بل من ميوعة بعض الدعاة العصريين اليوم، حيث أنهم لا يقبلون الصدع بالحق؛ لأن الصدع بالحق مر، فيريدون أن يُقَدِّموا بين يدي ذلك شيء من ترطيب الجو وتليينه، فأنا أعتقد هذا خلاف السنة، أساليب تخالف السنة في كثير من النواحي، لكن المخالفة كما نقول نحن في الشرك إنه ينقسم إلى أقسام منها: شرك لفظي، مع أنه شرك فهو شرك لفظي لا يخرج عن الملة، لكن هناك أيضاً ألفاظ ليست من الشرك بسبيل لكنها أيضاً ليست من السنة بسبيل، مثلاً: وأنا أعتقد أن بعض إخواننا الدعاة السلفيين عقيدةً لكنهم ليسوا سلفيين سلوكاً ومنهجاً؛ لأن هذا السلوك يتطلب أمرين اثنين:

الأمر الأول: التوسُّع في معرفة حياة الرسول عليه السلام بعامة بتفاصيلها الكاملة.

وثانياً: الثبات على هذا الحق الذي ندين الله به وعدم مجاراة الناس على أساليبهم وعاداتهم.

مثلاً: أول من عرفنا في مخاطبة الجماهير بكلمة: يا أحبابنا! فهم جماعة التبليغ، فأنا أتساءل في نفسي: ترى! هم أهدى من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في مخاطبة الناس وألين وأحكم، وهو المخاطب مباشرة بقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ

ص: 248

بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] كم وكم من خطب الرسول عليه السلام لا نجد فيها مثل هذه الليونة، يا أحبابنا! وقد يوجد مثل هذه اللفظة ألفاظ أخرى قد لا أستحضرها الآن أجد في بعض الأشرطة التي أسمعها من بعض الدعاة إلى التوحيد هم مثلنا في التوحيد، لكنهم أيضاً يستعملون ألفاظاً ناعمة .. ناعمة، نحن نعرف أيها المسلمون، هكذا الخطاب أو نحو ذلك مما تواترت أو تكاثرت على الأقل النصوص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولهذا نحن نلح دائماً وأبداً أن يكون منهجنا وسلوكنا على ما كان عليه سلفنا الصالح الذين يصدعون بالحق ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ومع ذلك فما كانوا أشداء على المخالفين ولا كانوا إلا مقتدين بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي خاطبه ربنا عز وجل في القرآن الكريم بقوله تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] فأصحابه لا شك أن لهم الفضل الأكبر في الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كل شيء، ومن ذلك أنهم لم يكن غليظاً في مخاطبة الناس.

وهنا شيء أيضاً لا بد من أن أُعَرِّج إليه: إن تزيين مخاطبة الناس على خلاف هذا المنهج النبوي والسلفي فهناك شيء أبعد عن الصواب حيث يتوهمون بعضهم على الأقل أن استعمال الشدة لا يجوز إطلاقاً، وهذا خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي ذكرنا شيئاً من صفاته عليه السلام، ومن وصف الله إياه بالحكمة كان يستعمل الشدة أحياناً، لو استعملها أحدنا وكان متشبهاً في ذلك بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم لقال - واعذروني إذا ذكرت التعبير السوري؛ لأن هذا أقصد فيه أمرين اثنين، اللهجة

ص: 249

السورية غير المهضومة لكن المقصود منها مفهوم، يقول الجاهل منهم عندما واحد ينصحه: ما هذه الشدة يا رسول الله! - رسول الله لا يشتد إلا محل الشدة التي تكون الحكمة هناك.

وأذكر بهذه المناسبة قوله عليه السلام الصريح: «من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه» لو استعمل أحدنا مثل هذا لشدد عليه النكير وهم لا يعلمون أن هذا هو أسلوب الرسول عليه السلام.

إذاً: الحكمة كما هو معروف عند العلماء جميعاً: وضع الشيء في محله، فاللين واللطف في ملحه هو الشرع ولكن ليس كذلك حينما يتطلب الأمر الشدة والغلظة، كما جاء أيضاً في شمائل الرسول عليه السلام من حديث عائشة رضي الله تعالى عنه أنها كانت تقول، ساعدونا بذكر الحديث الذي فيه:«إلا أن تنتهك حرمات الله» ..

مداخلة: ما انتقم.

الشيخ: نعم «ما انتقم لنفسه .. » .

مداخلة: «ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله» .

الشيخ: هذا هو الحديث، فهنا لا يقف أمام غضبه عليه السلام شيء، هذا ما أردت التذكير به.

مداخلة: جزاك الله خير، يتفرع عن هذا قول بعضهم، أو اشتراط بعضهم بمعنى أصح أنه في حالة الردود لا بد قبل أن يتبع الرد عن .. يعني: إيصال نسخة إلى المردود عليه حتى ينظر فيها ويقول: إن هذا من نهج السلف.

ص: 250

الشيخ: هذا ليس شرطاً، لكن إن تيسر وكان يرجى من هذا الأسلوب يعني التقارب بدون تشهير القضية بين الناس فهذا لا شك أنه أمر جيد، أما أولاً: أن نجعله شرطاً، وثانياً: أن نجعله شرطاً عاماً فهذا ليس من الحكمة في شيء إطلاقاً، والناس كما تعلمون جميعاً معادن كمعادن الذهب والفضة فمن عرفت منه أنه معنا على الخط وعلى المنهج وأنه يتقبل النصيحة فكتبت إليه دون أن تشهر بخطئه على الأقل في وجهة نظرك أنت، فهذا جيد، لكن هذا ليس شرطاً، وحتى لو كان شرطاً ليس أمراً مستطاعاً! من أين أن تحصل على عنوانه وعلى مراسلته ثم هل يأتيك الجواب منه أو لا يأتيك هذه كلها أمور ظنية تماماً.

وأنا أذكر بهذه المناسبة قصة ذكرتها لبعض إخواننا الحاضرين في بعض المناسبات خلاصتها: أن الشيخ تقي الدين النبهاني مؤسس حزب التحرير الإسلامي المعروف حتى اليوم، لم يكن قط جاء في زمني إلى دمشق إلى عهد قريب قبل خروجي من دمشق، فجاء وأخبرت الخبر فزرته، عرفت مخططه ومنهجه ولست الآن في صدد الإطالة في هذا إنما الشاهد: أنه مضى على تعرفي بالشيخ هذا أولاً وبمنهجه ومنهج حزبه ثانياً حينما بعد ذلك عرض علي أحد إخواننا الأزهريين الذين هداهم الله عز وجل إلى هذا المنهج السلفي فقدم لي نشرة أصدرها حزب التحرير موضوعها: تحريم إيجار الأرض، وهذا من منهجهم ودعوتهم، فقرأت المقال وعرفت يعني أنهم يتبنون هذه المسألة لمنهج سياسي عندهم؛ وليس لأن الأدلة الشرعية هي التي أوصلتهم إلى هذه النتيجة.

فسألني صاحبي: ما رأيك؟ فأخبرته بما عندي أن هذا كلام غير صحيح إذا ما جمعت الأدلة الواردة بخصوص هذه المسألة ففيها تفصيل: يجوز إيجار الأرض

ص: 251

لكن بغير شروط قد يترتب من ورائها مخاصمة بين المؤجر والمستأجر، قال: ما رأيك ترد عليهم! هنا الشاهد الآن: قلت: والله ما أنشط للرد على هؤلاء؛ لأني أعتقد أن هؤلاء لا يفيد معهم الكلام؛ لأنه الحزبي الواحد منهم لا يستطيع أن يبدي رأيه مخالفاً لرأي الحزب وإن فعل فصل .. طرد عن الحزب، فليس عندهم الروح العلمية التي تسمح لكل فرد ولو كان على شيء من العلم أن يبدي رأيه.

قد يسمحون بإبداء الرأي لكن لا يسمحون بالتبني؛ لأن التبني عندهم لما يتبناه رئيس الحزب هو كالخليفة .. الخليفة الذي يحكم المسلمين جميعاً إذا تبنى رأياً هم يقررون أيضاً هذا أنه لا يجوز للمسلم مهما كان عالماً إلا أن يتبنى ذلك الرأي، هذا خطأ بلا شك وهذا أيضاً له بحث آخر.

لكن الخطأ تضخم عندهم حينما أعطوا هذه الصفة نقلوها من الحاكم للمسلمين جميعاً وهو الخليفة إلى رئيس حزب، فلا يجوز لأحد من المنتمين إلى هذا الحزب أن يتبنى خلاف ما تبناه.

فقلت: ماذا يفيد الرد عليهم؟ فما زال بي يحثني ويزين لي الرد أن هناك .. هو يقول عن نفسه: تعرفون الرجل أبو فواز الصالح، المقصود: فاستجبت له وكتبت رد وضممت في الرد أيضاً مقالاً يومئذٍ كنت قرأته في مجلة المسلمون التي كان يصدرها يومئذٍ الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله، لكاتب باكستاني أو هندي طبعاً مسلم فشملت المقالين ورديت عليهما، ويقولوا عندنا في الشام: راحت أيام وجاءت أيام وانطوت السنون وأنا لا أدري ما هو موقف الحزب من هذا الرد، هل تقبلوه وهذا ما أستبعده، طيب! هل ردوا عليه حتى أعرف أنا خطئي من صوابي، أيضاً هذا لم أعرفه.

ص: 252

والشباب هناك في دمشق متحمس للقاء بيني وبين هذا الشيخ من أجل يعرفوا الصواب؛ لأنه كما تعلمون في كل مكان يحتار بعض الناس يا ترى! هذا معه الصواب أو هذا؟ وأنا دائماً أقول: أنا مستعد أجتمع مع أي إنسان كان، وأنا أُشَبِّه حالي من حيث الاستفادة كالمنشار الطالع والنازل، فإن التقيت مع من هو أفقه مني استفدت منه .. لاقيت من هو دوني أفدته، فأنا أيضاً مستفيد على كل حال.

وهذا ما عرضوه على الشيخ تقي حينما جاء فيما بعد وكان العرض من أخونا أبو حمزة الجزائري، أخوه أصغر منه سناً اسمه عبد الرحمن كان يحضر دروسي كثيراً وما نعده إلا منا وفينا، ولكن عرفنا بعض أنه يحضر حلقات الشيخ تقي الدين، وطبعاً نحن لا نحذر من ذلك؛ لأننا نعتقد بقول من قال: وبضدها تتبين الأشياء.

فلما عرفت أنه يحضر قلت له: إذا حضر الشيخ فأنا أطلب موعداً منه، وفعلاً قدم إليه طلبي فاعتذر بأنه ليس عنده وقت، فأنا رفضت هذا الاعتذار، وقلت: أنا أعرف من الشيخ تقي الدين من أخباره أنه نشيط في الدعوة جداً، قد يكون مثلي وقد يكون فوقي أو دوني المهم أنه نشيط، وأنه يستمع حتى مع عامة الناس في سبيل دعوتهم إلى حزبيته فما باله يعتذر عن لقاء إنسان أقل ما يقال فيه: إنه طالب علم، فأرجو أن تبلغ ردي لاعتذاره، فرجع الجواب أنه في مناسبة أخرى إن شاء الله سيلقاني ويقنعني بأنه ليس عنده وقت.

أيضاً ذهبت أيام وجاءت أيام! فوجئت به وأنا في محلي تصليح الساعات، كانت دكاني قسمين: القسم الخارجي ساعاتي، والداخلي مكتبة متواضعة؛ لأنه أولاً كنت مبتدئ في طلب العلم، وثانياً: المكتبة الظاهرية كنت أتردد عليها،

ص: 253

فوجئت بمجيئه فاستقبلته ودخلت به إلى المكتبة فشكر وقدر وإلى آخره، وأنا أعتذر أن وقتي ضيق جداً جداً وأول فرصة تسنح للقائك والاجتماع بك والاستفادة من علمك ومن هذا الكلام الجميل العذب، وختم كلامه بأنه: نحن نرجو منك إذا لك ملاحظات على بعض أسئلتنا أن تقدمها إلينا ونحن ننظر إليها بعين الاعتبار، فأنا أجبته بصراحتي، قلت: يا أستاذ! هذا لا يكفي؛ لأنه كما أنت تريد أن تستفيد مما عندي فأنا أيضاً بالمقابل أريد أن أستفيد مما عندك، وأنا دخلت معكم في تجربة.

هنا الشاهد: دخلت معكم في تجربة .. كتبت رداً على مقالكم في تحريم إيجار الأرض وإلى اليوم وقد مضى سنين أنا لا أدري هل أنا مخطئ أو مصيب، فأنت استفدت ولا شك والفائدة قد تكون أنك تأكدت من صوابك ومن خطئي أنا، أو العكس لكن لو كان العكس كنت أنا أيضاً ستؤكدني في صوابي، ترسل لي الرد يعني؛ ولذلك فأنا لا أقنع بمجرد أن أكتب لك رأي في بعض المسائل التي فيها وجهة نظر، فتستفيد أنت وأنا بالمقابل أريد أن أستفيد.

فما أطال الحديث معي قال: على كل حال أعتذر ووقتي ضيق وأول فرصة تسنح لي أنا أسارع إلى لقائك، وهذا معنى كلامه، والسلام عليكم وعليكم السلام.

أيضاً: راحت أيام وجاءت أيام وأنا ملح على اللقاء، وإذا به يرسل إلي شاباً من طرابلس الشام، الظاهر متأثر بدعوته وعلى شيء من الثقافة الشرعية فجاء عندي إلى الدكان ووضعنا مخطط المناقشة، أول اجتماع التقينا سارت المناقشة وكان مناقشة أولى لا بأس فيها، فتواعدنا على موعد ثان .. لم يأت الرجل، من

ص: 254

الذي أوصله إلي؟ عبد الرحمن الجزائري، ما جاء حسب الموعد .. ذهبت أيام لم يأت .. ما هو الخبر؟ قال: والله المخابرات تلاحقه ولذلك رجع أدراجه إلى طرابلس، خير إن شاء الله؟

أيضاً ذهبت أيام (وإذ أخونا محمود الاسطنبولي هل تعرفوه؟ هذا كان من إخواننا السلفيين هناك الملازمين لدروسنا على خلق فيه)، المهم: ذات يوم وأنا في الدكان رن جرس التلفون: السلام عليكم، وعليكم السلام .. حضر حالك، خير إن شاء الله، قال: دبرنا لك اجتماع مع الشيخ تقي الدين، كيف؟ قال: له إمام مسجد هناك فوق في حارة الأكراد فقال: أنا اتصلت معه وقلت له: يا أخي! عندنا شباب مثقفين يريدون أن يجتمعوا مع الشيخ تقي الدين فخذ لنا موعد منه، طبعاً يقول الاسطنبولي: أنه أنا ما ذكرتك، وفعلاً أخذ منه موعد ووافق الشيخ أظن كان يوم اثنين ويقيناً بعد صلاة العصر؛ لأنه صلينا العصر في مسجد هناك فوق، ذهبنا صلينا وجلسنا.

انفض المصلون وبقينا نحن أربعة أو خمسة كان جملتهم الأستاذ مظهر العظمي رحمه الله هو مدير أو رئيس مجلة التمدن الإسلامي، والمحامي محمد كمال الخطيب سكرتير الجمعية، وكان أيضاً يومئذٍ مع الجالسين رجل كان يوماً ما رئيس الإخوان المسلمين اسمه صلاح الدين (الشاش) المهم: والله ما أطال الانتظار وإذ أحد الجماعة الذين كان وجهه ناحية الباب رأى الشيخ آتي فقام وقاموا قمت أنا أيضاً كنت كأني آخرهم، الشيخ كاد يدخل المسجد لما فوجئ برؤيتي قال: معذرةً أنا جئت معتذراً، قالوا: يا أستاذ! نحن على موعد ومنتظرين وإلى آخره قال: والله طرأ أمر ضروري وما في عندي وقت، والسلام عليكم

ص: 255

ورجع أيضاً.

فقصدي هذا الشرط يا أخي! تحقيقه صعب جداً؛ ولذلك المسألة لا تؤخذ شرطاً أولاً ..

(الهدى والنور / 638/ 41: 00: 00)

(الهدى والنور / 638/ 10: 19: 00)

ص: 256