الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعصب لبعض المشايخ
مداخلة: قال: السؤال الرابع: هناك بعض الأشخاص يتعصبون لبعض المشايخ، فماذا تقول لهؤلاء؟
الشيخ: لا شك أنه لا يجوز لمسلم أن يتعصب لشخص في الدنيا إلا لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه هو الذي أرسل رحمًة وهدايًة للعالمين، وهو الذي فقط عليه الصلاة والسلام أمرنا باتخاذه أسوة حسنة، وكل العلماء الذين نستفيد من علومهم إنما نستفيد منهم لا لذواتهم وأشخاصهم وإنما لأنهم أدلاء يدلوننا على ما كان عليه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من الهدى والنور، فإذا ما تعصب المسلم لواحد من المشايخ سواء كان من الأحياء أو الأموات فمعنى ذلك أنه نسي رسالة الرسول عليه السلام وتشبث بهذا الشخص الذي لا يجوز أن يقرن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العلم أو في الخلق أو في الكمال، فلا غرابة حينما أقول: إن تعصب المسلم لشخص أو لشيخ واحد إنما هو إخلال منه بشهادته أن محمدًا رسول الله.
ولذلك فأنا حينما أشرح الشهادة بأن الله وحده لا شرك له وأن محمدًا عبده رسوله أقول: إن الشهادة الأولى تستوجب على المسلم ألا يتخذ معبودًا مع الله أحدًا وإلا فهو الشرك بعينه، كذلك بالنسبة للشهادة الثانية: أن محمدًا رسول الله أي: عبده ورسوله من اتخذ أسوًة أو قدوًة له في هذه الحياة غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يفعل كثير من المتعصبة اليوم وكما هو مذهب الصوفية الذين يقتدون
بشيوخهم وقد علا بعض هؤلاء فخططوا لمريديهم هذه الضلالة الكبرى ألا يتخذوا مع الشيخ أسوًة أخرى فقالوا دون خجل أو حياء: مثل المريد يتخذ شيخين كمثل المرأة تتخذ زوجين، ولذلك فقد استعبدوا المريدين وجعلوهم عبيدًا لهم بحيث كنا نسمع عن بعضهم بأنه لا يتصرف في شيء من شؤون حياته إلا أن يستشير شيخه، لقد اتخذوا شيوخ أسوًة أكثر من أصحاب الرسول للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يسألونه فيما يتعلق بشؤون عباداتهم، أما في شؤون دنياهم في بيعهم وشرائهم وتجارتهم هل يذهبون .. هل يسافرون أم لا، فكانوا أحرارًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من كمال دعوته وتبليغه لشريعة ربه أن قال لهم:«ما أمرتكم من شيء من أمر دينكم فأتوا منه ما استطعتم، وما أمرتكم من شيء من أمر دنياكم فأنتم أعلم بأمور دنياكم» .
لقد أوضح النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه أنه لم يأت ليعلمهم أمور الدنيا والسعي والضرب في الأرض في سبيل طلب الرزق وإنما جاء ليعلمهم ما يتقون الله تبارك وتعالى به من الطاعات والعبادات واجتناب المحرمات، أما شيوخ الصوفية فقد استعبدوا مريديهم استعبادًا كاملًا وأوهموهم أنهم عليهم أن يستشيروهم في كل شيء من أمور دنياهم فضلًا عن دينهم، فقد كان هناك أشخاص نعرفهم بأسمائهم لا يتزوج إلا برأي الشيخ ولا يسافر سفرة إلا برأي الشيخ، إن قال له سافر سافر، وإن قال له: لا تسافر لا يسافر، استعباد سبق أي استعباد كافر مهما سما وعلا؛ لأن الكافر يستعبدون الناس من الناحية المادية، أما هؤلاء فقد استعبدوهم من الناحية النفسية، فهم أذل من العبيد مع أسيادهم.
وأنا أقص لكم قصة فيها عبرة لمن يعتبر: أحد المشايخ هناك في دمشق الشام
وفي مسجد في سوق من أشهر الأسواق في دمشق اسمه سوق
…
وفي مسجد اسمه مسجد ذهب عن ذهني .. في وسط سوق
…
لعله يحضرني فيما بعد، قرر في الدرس القصة التالية:
أن أحد الشيوخ شيوخ الطريق قال يومًا لأحد مريديه: اذهب وأتني برأس أبيك، ففعل وجاء إلى الشيخ وهو فرح مسرور؛ لأنه نفذ أمر الشيخ، فما كان من الشيخ إلا أن تبسم في وجه مريده ضاحكًا، قال له: أنت تظن أنك فعلًا قتلت والدك؟ قال: أجل، قال: أنا آمرك بقتل أبيك، إنما أمرتك بقتل ذاك الرجل؛ لأنه صاحب أمك، أما أبوك فهو غائب ومسافر، قص هذه القصة والناس الجالسون كأنهم مسحورين، ما أحد ينطق بكلمة: كيف هذا يمكن أن يقال؟ ! الشيخ يقول للمريد: اذهب واقتل أباك وينفذ الأمر وإن كان في الباطل أباه ما قتله، ما أحد يتكلم بكلمة.
الشاهد: قص هذه القصة ثم بنى عليها حكمًا شرعيًا، قال: من هنا يؤخذ بأن الشيخ إذا أمر مريده بحكم يخالف الشرع في الظاهر فيجب إطاعته، لماذا؟ لأن الشيخ يرى ما لا يرى المريد، ألم ترو في القصة كيف أمر المريد بقتل الأب لكن تبين فيما بعد أن هذا صاحب الأم، وعلى ذلك لو رأى أحدكم الصليب معلقًا في عنق الشيخ فلا يجوز أن ينكر عليه؛ لأن الشيخ يرى ما لا يرى المريد.
وانفض الدرس، ونحن كنا يومئذٍ نصلي التراويح في مسجد على السنة ونجتمع في دكان لأصلح فيها الساعات، ونجتمع فيها بعد كل صلاة من كل ليل من رمضان، جاءني شاب من إخواننا فقص علي هذه القصة كان حاضرًا الجلسة، ولحكمة يريدها الله مر الشخص أمام الدكان وهو قريب لصاحبي،
فركض وراءه وناداه، قالوا له: يا أبا يوسف تعال، دخل فأثار معه موضوع قصة الشيخ مع المريد، ما رأيك يا أبو يوسف في هذا الدرس اليوم؟ مساكين قال: ما شاء الله
…
من هذا الكلام السوي هناك، فأخذ يناقشه: كيف يأمر الشيخ أن
…
بأن يذبح أباه؟ قال له: أنتم تذكروا كرامات الأولياء، قال:
…
كلام، أخيرًا دخلت أنا معه في الموضوع فالقصة طويلة، إن كان الجدار إذا وجهت إليه آية أو حديث يفهم منك فهو يفهم منك! ما فهم منا شيئًا.
أخيرًا: قلت في نفسي: اضرب مع هذا الإنسان الذي
…
حس ولا يشعر بكلام الله ولا بحديث رسول الله، اضرب على الوتر الحساس كما يقولون، قلت له وهنا الشاهد من كل هذه القصة: يا أبا يوسف! الآن دعنا نكون صريحين مع بعضنا البعض: لو أن شيخك أمرك بأن تذبح والدك، هل تفعل؟ ماذا يتصور من إنسان معه ذرة من عقل أو إيمان سوى أن يقول: أعوذ بالله، لا! هو ما قال هذا، قال: أنا ما وصلت بعد إلى هذه المنزلة.
انظروا كم فعلوا في هؤلاء الناس، يعني: أفشلوا عقولهم فعلًا، أثروا في عقولهم لم يعد يميزوا الحرام من الحلال، ما يجوز مما لا يجوز، بل وصلوا إلى هذه المنزلة يعترف أنه يطمع أن يصل إلى منزلة إذا قال له الشيخ: اقتل والدك أن ينفذ، لما قال لي: أنا ما وصلت بعد إلى هذه المنزلة، قلت له باللغة السورية: إن شاء الله عمرك ما تصل! عمرك ما تصل إلى هذه المنزلة هذه! قال هو
…
فانظروا الآن كيف أدى الإخلال لأن محمدًا رسول الله الإخلاص له في الاتباع وحده لا شريك له في الاتباع كيف وقع الناس في الشرك وفي الضلال؛ لأنهم أشركوا في الاتباع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيره، لذلك لا يجوز لمن كان يؤمن
بالله واليوم الآخر أن يتخذ في هذه الدنيا شيخًا واحدًا مهما سما وعلا .. مهما كان في ظنه عالمًا وصالحًا وإلى آخره، وإنما يكون كالنحلة تطوف على كل الأشجار والأزهار وتأخذ منها ما تخرج من بطونها ذاك العسل المشهود بأنه شفاء للناس، هكذا ينبغي أن يكون المسلم يأخذ من كل عالم ما عنده من علم كما كان علماء السلف رضي الله عنهم، فهم قد ترجموا لكثير من العلماء بأنهم كان لهم مئات الشيوخ أبو حنيفة مثلًا رحمه الله ذكروا في ترجمته أنه كان له ألف شيخ.
وأنا لا يهمني أن يكون هذا الخبر صحيحًا بالسند والرواية لكن هذا موجود، فإن الكتاب السابق: الروض النظير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير، أسلوبه فيه .. وهذا أسلوب فيه فن .. فيه إبداع ليحفظ أسماء شيوخه رتب أسمائهم على حروف ألف با .. حروف المعجم، وروى لكل شيخ من هؤلاء الشيوخ حديثًا واحدًا، كم عدد شيوخه؟ أكثر من ألف شيخ، هذا مسجل في كتاب اسمه: معجم الطبراني الصغير، أكثر من ألف شيخ روى عن كل شيخ في هذا الكتاب فقط حديثًا واحدًا، يقصد أن يحفظ ويجمع أسماء شيوخه، هو له ثلاثة كتب: معجم الطبراني الصغير، ومعجم الطبراني الأوسط، ومعجم الطبراني الكبير، الصغير والأوسط أسلوبهما واحد من حيث أنه رتب أسماء الشيوخ، لكن يختلف المعجم الأوسط عن المعجم الصغير فقط من حيث أنه يذكر في الأوسط للشيخ الواحد أكثر من حديث واحد، أما في الصغير فيذكر فيه حديث واحد فله أكثر من ألف شيخ.
هكذا كان العلماء سابقًا؛ لأنه في الحقيقة كل عالم يتميز عن غيره بعلم أو بخلق أو دين أو صلاح أو ما شابه ذلك، وأما المعجم الكبير وهو المعجم الثالث
للطبراني فأسلوبه فيه يختلف تمامًا عن المعجم الصغير والأوسط، وخلاصة ذلك: أنه على طريقة المسانيد، من كان منكم يعرف مسند الإمام أحمد ومسند الطيالسي ونحوهما من المسانيد التي بدأت تظهر الآن في عالم المطبوعات، فمعجم الطبراني الكبير رتبه على أسماء الصحابة، بدأ بالعشرة المبشرين بالجنة ثم بدأ بالألف والباء أبي بن كعب وهكذا، ويذكر هناك لكل صحابي كثيرًا من الأحاديث ولا يستوعب أحاديثهم.
وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.
(فتاوى رابغ (5) /00: 40: 45)