الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم هجر الشباب للمساجد التي
يُقَصِّر أئمتها في تطبيق السنة
هناك أيضاً بعض الشباب في المغرب وفي بولندا وغيرها من البلدان يهجرون مساجد المبتدعة، مثلاً: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة، وقراءة القرآن جماعة.
الشيخ: إذا أنت تقصد أنهم يهجرون المساجد وليس يهاجرون.
مداخلة: لا يهتمون بسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الشيخ: مثلاً.
مداخلة: تسوية الصفوف والجهر بآمين وكذلك قراءة القرآن جماعة،
…
جماعة وغير ذلك من الفتن.
الشيخ: هؤلاء الأئمة الذين هجرتهم الجماعة الذين أنت تتحدث عنهم من أخطائهم أنهم لا يقومون بالسنن أكذلك؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: هذا أمر يعتبر مخالفاً للسنة، أي: هجر المساجد من أجل تقصير أئمة هذه المساجد في تطبيق الأحكام الشرعية وعدم اهتمامهم بالسنة المحمدية لا يجوز للحريصين على اتباع السنة أن يهجروا المساجد، اللهم إلا إذا هجروا مسجداً فيه مثل هذه البدع، إلى مسجد آخر ليس فيه بدعة، أما وأن يكون الهجر
كما جاء في السؤال هجراً مطلقاً لكل المساجد، فهذا مثله كمثل الذي يبني قصراً ويهدم مصرا؛ لأن إقامة الصلاة أو الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين في المساجد فرض، ولا يجوز للمسلم أن يعرض أو أن يهمل القيام بهذا الفرض إلا لعذر شرعي، وليس من العذر إطلاقاً أن يهجر المساجد مطلقاً من أجل أن بعض المصلين ولو كان هو الإمام نفسه يخالف السنة في كثير أو في قليل، إلا ما ذكرت آنفاً أنه إذا كان يترك المسجد الذي هو قريب منه، فيذهب إلى مسجد آخر؛ لأنه خال عن البدعة، فهذا هو العمل الواجب على الذين يريدون التمسك بالسنة.
ذلك لأن المسلم في هذا الزمان لو أراد أن يدقق مع أئمة المساجد هذا التدقيق للزم منه أن يعتزل الناس جميعاً؛ لأنك اليوم قلما تجد مسجداً قائماً على السنة من جميع النواحي، هذا أمر مستحيل؛ ذلك لأن المساجد كلها أو جلها أولاً تبنى بأموال غير نظيفة، وتبنى على كيفيات مخالفة للسنة، لا تكاد تجد اليوم مسجداً إلا مزيناً مزخرفاً حتى مكة وحتى المدينة كما تعلمون، فأين يذهب هؤلاء إذا كانوا لا يريدون أن يصلوا في مسجد فيه بدعة، معناه أنهم سيتركون جماعات المسلمين كلها، ويقبعون في زوايا بيوتهم ويصلون فيها.
وهنا ينطبق عليهم أحاديث كثيرة فيمن خالف الجماعة مات ميتة جاهلية، فنحن نجد عذراً لمن قد يدع مسجداً إلى مسجد آخر أقل بدعة لا أقول إنه ليس فيه بدعة، هذا لا وجود له اليوم، لكن كما قيل قديماً: حنانيك بعض الشر أهون من بعض.
فبعض المساجد يمكن أن يجد المسلم قريباً منه أو بعيداً مسجد تقام فيه الصلاة على السنة، لكن كله نقوش وكله زخارف، لكن هذا لا يملك التصرف
فيه.
فالمسلم اليوم كما قال عليه السلام في بعض الأحاديث الصحيحة: «سددوا وقاربوا» أما أن يطلب المسجد النبوي الذي كان في زمن الرسول عليه السلام، فلن يجده في هذا الزمان، وبالتالي هل يعتزل الناس في بيته ويقطع العلاقة بينه وبين المسلمين في أقدس وفي أطهر بلاد الله، وكما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن خير البقاع وعن شر البقاع، فقال:«خير البقاع المساجد، وشر البقاع الأسواق» .
فإذا كان المسلم يبغى مسجداً ليس فيه أي مخالفة شرعية، معنى ذلك أنه سيدع خير البقاع وهي المساجد، وهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله سلم كما تعلمون ولا أطيل الكلام في هذا حض وأكد الصلاة مع جماعة المسلمين في المساجد، بل إن الله عز وجل أمر بذلك في القرآن الكريم حينما قال:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
ولذلك فهؤلاء الذين يتخلفون أو يهجرون الصلاة في المساجد، فهؤلاء ليسوا على علم؛ لأنهم لو كانوا على علم لعرفوا قاعدة أن المسلم إذا وقع بين شرين اختار أقلهما شراً، فهم إما أن يصلوا في هذه المساجد التي لا يملكون فيها إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يستطيعون تغييراً للمنكر باليد وقد يستطيعون بالكلمة الطيبة، فإذا تركوا الصلاة في هذه المساجد إلى البيوت، معناها تركوا القاعدة الشرعية أن المسلم إذا وقع بين شرين اختار أخفها شراً، لكن قلت أن المسلم إذا كان هناك مسجد أقل مخالفة للسنة وقصد ذاك المسجد وترك المسجد الذي بجانبه، فهذا هو الذي نحن نأمر به ونحرص عليه في حدود
استطاعتنا، يمكن لأمثال هؤلاء الناشئين في العلم ربما قرأ أحدهم مثلاً أثراً في سنن أبي داود أن ابن عمر دخل المسجد فسمع رجلاً يثوب بالصلاة، يقول: الصلاة الصلاة .. عندنا بالشام بعد الأذان يفتح النافذة ويطلع صوته إلى الشارع، يا مصلين الصلاة، يا مصلين الصلاة، وهل المؤذن نادى حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح عبثاً؟ هذا استدراك على الشارع، ولذلك لما سمع ابن عمر لما دخل المسجد وسمع هذا الرجل يثوب، قال: هذا مسجد فيه بدعة وخرج منه.
لكن هذا لا يعني اترك المساجد كلها، هذا يعني اذهب إلى مسجد ليس فيه بدعة، ولذلك فهؤلاء إنما أوتوا من قلة العلم، ومن الغلو في السنة وفي العبادة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول ناصحاً لأمته:«إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل» .
هم يفرون من بعض البدع التي لا يملكون لها إصلاحاً، فيقعون في بدعة أكبر هم يملكون لها علاجاً، وهكذا وقعوا في مذهب أبي نواس الذي قال: وداوني بالتي كانت هي الداء.
(الهدى والنور / 574/ 38: 07: 00)