الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقسام الهجر
الشيخ: الهجر في الإسلام هجران، الهجر هجر المسلم لأخيه المسلم في شرع الله على نوعين:
الأول: أن يهجره لأمر دنيوي محض، وليس من المهم أن يكون هذا الأمر في الدنيوي المادي، أو ذوقي معنوي، إنما هو دنيوي محض، فهذا الهجر محرم في الإسلام، يرخص في مثله ثلاثة أيام فقط، فإذا استمر وزاد على الثلاثة الأيام، فيكون حراماً، وذلك قوله عليه الصلاة والسلام:«لا يحل لرجل مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيدبر هذا عن هذا، وهذا عن هذا، وخيرهما الذي يبدأ أخاه بالسلام» .
(فوق ثلاث) أي: ثلاثة أيام، معناه يجوز ثلاثة أيام هذه رخصة من الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين، من باب تفشيش الخلق؛ لأن الإنسان ضيق الخلق، فيروي غليله في مقاطعة أخوه المسلم يوم، يومين، ثلاثة أيام، ما زاد على ذلك فهو حرام لا يحل، لذلك وصف الرسول عليه السلام هذه المقاطعة بقوله: لا يحل لرجل مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال أو ثلاثة أيام.
(يلتقيان) يعني واحد رايح وواحد جاي، فبدل أن يلقي أحدهما السلام على الآخر، ويرده هذا الآخر.
(فيعرض هذا عن هذا، وهذا عن هذا) يعني يتجاهل أخاه الذي مر به.
لا يحل هذا العمل بعد ثلاثة أيام.
(وخيرهما الذي يبدأ أخاه بالسلام) هذه الجملة الأخيرة من الحديث تعطينا شيئين اثنين:
الشيء الأول: أن هذا الهجر المحرم يزول بمجرد أن يسلم عليه، وهذه سياسة شرعية حميدة جداً؛ لأنه من الصعب تأليف القلوب المتهاجرة المتباغضة فجأة، لكن الشارع الحكيم قدم المفتاح السهل، وهو أنه إذا خاصمت أخاك في أمر دنيوي، ومضى على ذلك فوق ثلاثة أيام، فهذا حرام عليك، وعليك أن تقطع المقاطعة، وأن تقطع المهاجرة، وليس من الضروري أن تذهب إلى بيته، هذا حسن، وهذا جميل، وأن تعتذر إليه، لكن هذا يحتاج إلى إيمان قوي جداً، وهذا قلما يوجد في الناس، فسهل الشارع الحكيم سبيل الخلاص من هذه المهاجرة والمقاطعة؛ لأنك إذا لقيته في الطريق بادرته بالسلام، السلام عليكم، فقد ارتفع الإثم، هذا يؤخذ من قوله:«وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» لا شك أن أفضلهما هذا الذي ابتدأ السلام، فهذا الذي ابتدأ السلام انتقل من مرحلة ارتكابه الحرام إلى مرحلة دخوله في طريق الإسلام، في مؤاخاته لأخيه المسلم، الآخر بلا شك هو أيضاً مدابر ومهاجر لأخيه، الآخر الذي ألقي عليه السلام من الأول
…
الآخر الذي يرد السلام أثم هذا، ونجا ذاك من الإثم، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، فإذا زال إثم المهاجرة والمقاطعة بإلقاء السلام، فتكون هذه عادة الخطوة الأولى في التلاقي مرة أخرى، ولو بالسلام، ثم ربما بالمصافحة التي تعتبر من أقوى الأسباب في نيل المغفرة من الله تبارك وتعالى، حيث قال عليه الصلاة والسلام:
«ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات الورق عن الشجر في الخريف» تعرفون الشجر في الخريف الورق يصفر ويتساقط، وتسمع صوتاً له حينما يتساقط، كذلك تتساقط ذنوب المسلمين حين يلتقيان ويتصافحان، تتساقط عنهما ذنوبهما، كما يتساقط الورق عن الشجر في الخريف.
هذا إذا كانت المهاجرة في سبيل الدنيا، سواء كان مادة أو معنى.
النوع الثاني من المهاجرة والمقاطعة أن يقاطع المسلم أخاه المسلم تأديباً له، وتأنيباً وتربية، فهذا يجوز في الإسلام، بهذه النية الحسنة، وليس من باب المدابرة والمقاطعة التي سبق ذكرها آنفاً، وإنما تأديباً، وما يكون ذلك إلا حينما يكون المقاطع مرتكباً معلناً لمعصية لله عز وجل لا يبالي بالناس، لا يخش الله، ولا يستحي من عباد الله، وله أخ مؤاخ له مصادق له، فيقاطعه حينما يراه قد خرج عن الجادة، ولم يستقم على الصراط المستقيم.
وهذا دليله قصة الثلاثة الذين خلفوا، قصة غزوة الرسول عليه السلام في تبوك، وتخلف بعض الصحابة ومنهم كعب بن مالك لم يخرج في الغزو مع الرسول عليه السلام، وإنما تخلف عنه هو وبعض الصحابة، فلما رجع الرسول عليه السلام من غزوة تبوك، جاء هؤلاء وجاء غيرهم من المتخلفين من المنافقين، فكان المنافقون يعتذرون بشتى المعاذير الكاذبة، والرسول عليه السلام يقبل عذرهم ويكل أمرهم إلى الله، أما كعب بن مالك فصادق الرسول عليه السلام وأخبره بالواقع، قال له: والله يا رسول الله! ما بي أن أكذب عليك؛ لأني أعلم إنني إن كذبت عليك فسينجلي الوحي ويكشف الكذب، أنا اشتغلت بما كنت فيه من الحرث والزرع والضرع ونحو ذلك، فأمر الرسول عليه السلام
الصحابة بمقاطعة هؤلاء الثلاثة، ومنهم كعب بن مالك رضي الله عنه، واستمرت المقاطعة مدة طويلة ثم أمر زوجة كعب بن مالك أن تخرج من بيت كعب وتذهب إلى أهلها، فبقي وحيداً خمسين يوماً، أمر الرسول عليه السلام الصحابة بأن لا يخاطبوهم، فكان واحد من هؤلاء الثلاثة يلقى الرجل في الطريق ويسلم عليه فلا يرد عليه السلام، هذا ليس كذاك، هذا في سبيل تأديب هؤلاء المتخلفين عن الجهاد في سبيل الله، ومع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نزلت التوبة من الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بأن الله قد تاب على هؤلاء الثلاثة، فجاء كعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما بشر من أحد أقاربه؛ بأنه قد نزل فيك التوبة من الله عز وجل، فجاء ودخل إلى الرسول عليه السلام، فقام إليه طلحة واستقبله وهنأه بتوبة الله عليه، قصة طويلة جداً وفيها عبر عظيمة، وهي في صحيح البخاري.
الشاهد هذه المقاطعة جائزة، وهي داخلة في مبدأ الحب في الله، والبغض في الله، لكن هذا الشيء مع الأسف اليوم أصبح في خبر كان، نادراً جداً جداً أن تجد أحداً يقاطع المسلم؛ لأنه انحرف عن الطريق، لكنه يقاطعه لسبب مادي من الأسباب التي سبق الإشارة إلى بعضها، هذا النوع من المهاجرة لله، فهو مأجور عليه صاحبه وهو غير مأثوم، وهذا الذي نحن اليوم بحاجة إليه، أما المهاجرة للدنيا فهذا حرام لا يجوز إلا بمقدار ثلاثة أيام فقط، فإذا استمر في ذلك فهو حرام، والأمر كما قال عليه السلام في الحديث السابق:«وخيرهما الذي يبدأ أخاه بالسلام» هذا هو جواب ما سألت، إن شاء الله.
والصلح بين الناس من خير الأعمال، والصلح بين الناس لأهميته بالإسلام، أجاز الرسول أن يكذب في سبيل المصالحة بينهم، هذا أمر ضروري، بس يجب
أن يعرف الأسباب الدقيقة حتى يتمكن من المقاربة والتوفيق بين وجهتي نظر الرجلين المتخاصمين.
(الهدى والنور / 95/ 7.: 24: .. )