الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متى يُبَدَّع المخالف
تم هذا المجلس في الثاني والعشرين من ذي القعدة 1413 هـالموافق: الثاني عشر من الشهر الخامس 1993 م ميلادي.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
فضيلة الشيخ جزاكم الله خيراً لدي بعض المسائل قد أشكلت علي وعلى غيري من أهل المدينة، فلو تفضلتم مشكورين وجزاكم الله خيراً بالإجابة عليها بتفصيل مظنون بكم، منها: مسألة: متى يُخرج الرجل من أهل السنة، هل إذا اعتقد اعتقاداً غير اعتقادهم، وإذا وقع في شيء من الأمور المخالفة لأهل السنة هل يجوز إطلاق البدعة عليه مباشرة أو بعد إقامة الحجة، وإذا كانت إقامة الحجة غير متيسرة؛ إما لموت ذلك الرجل أو لبعد الزمان به، أو لأن ذلك الرجل غير ممكن المقابلة معه حتى تقام عليه الحجة، فأفيدونا مشكورين؟
الشيخ: سؤالك بارك الله فيك يتضمن أسئلة كثيرة، فلو أنك فرقت بين سؤال وسؤال؛ أو تضع الورقة أمامي حتى أعطيك الجواب عن هذه الفروع من الأسئلة الكثيرة التي يتضمنها السؤال الواحد.
مداخلة: طيب يا شيخ أنا أعيد المسألة نقطة نقطة.
الشيخ: نقطة .. نقطة.
مداخلة: طيب.
الشيخ: السؤال الأول؟
مداخلة: السؤال الأول: متى يخرج الرجل من أهل السنة، هل إذا اعتقد اعتقاداً غير اعتقادهم، أو إذا وقع في شيء قليل مما يخالف اعتقادهم؟
الشيخ: نعم، أقول والله عز وجل أسأله التوفيق إلى الصواب فيما أقول: لقد اشتهر بين كثير من العلماء قديماً وحديثاً أن المسلم إذا أخطأ فيما يسمى عند العلماء بالفروع يعذر، أما إذا أخطأ في الأصول في العقيدة فلا يعذر، نحن نعتقد أن هذا التفريق أولاً ليس له دليل من الشرع، وثانياً: نعتقد أن المسلم ومن الواجب عليه أن يتقصد دائماً وأبداً أن يعرف الحق مما اختلف فيه الناس، سواء كان ذلك متعلقاً في الأصول أو الفروع، أو في العقائد أو في الأحكام، فإذا أفرغ جهده لمعرفة الحق فيما اختلفوا فيه، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد كما هو معلوم من حديث الرسول عليه السلام المروي في الصحيح:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» ، هذا هو الأصل أولاً.
ثانياً: إذا المسلم كان حريصاً على معرفة الحق، ثم أخطأه ولو كان في العقيدة أو في الأصول فهو غير مؤاخذ أولاً، بل هو مأجور على خطئه أجراً واحداً ثانياً لما سبق ذكره، يؤكد هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في الصحيح أيضاً من حديث حذيفة بن اليمان وغيره من الأصحاب الكرام، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كان فيمن
قبلكم رجل لم يعمل خيراً قط، فلما حضرته الوفاة جمع بنيه حوله، فقال لهم: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني مذنب مع ربي، ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً، فإذا أنا مت فخذوني وحرقوني بالنار، ثم ذروا نصفي في الماء .. في البحر، ونصفي في الريح، فمات الرجل وحرقوه بالنار، وذروا نصفه في البحر، ونصفه في الريح، قال الله عز وجل له: كن فلاناً، فكان بشراً سوياً، قال له: أي عبدي ما حملك على ما فعلت؟ قال: رب خشيتك، قال: فإني قد غفرت لك»، فالله عز وجل قد غفر لهذا الإنسان مع أنه وقع في الكفر وفي الشرك؛ لأنه بوصيته هذه التي ربما لا يكون لها مثيل في كل الوصايا التي علمناها، ووصل إلى علمنا من حيث جورها وظلمها، فالله لم يؤاخذه، بل غفر له؛ لأنه علم بأنه ما أوصى بهذه الوصية الجائرة إلا خوفاً منه.
فإذاً: المسلم الآن يأتي خلاصة الجواب: إذا كان المسلم يبتغي وجه الله عز وجل في كل ما يدين الله به ويعتقد فيه، لكنه أخطأ الصواب، فلا شك أن الله عز وجل يغفر له خطأه، بل ويأجره أجراً واحداً، هذا الذي ندين الله به، ونفتي به دائماً وأبداً، وخلاصة ذلك: أنه خلاف الأصل والقاعدة، أن الله لا يؤاخذ الإنسان على ما أخطأ، وإنما على ما تعمده، وثانياً: لمثل هذا الحديث الصحيح، هذا جواب السؤال الأول. فماذا بعده؟
مداخلة: وبعده ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في الاقتضاء: ذكر أن الرجل قد يثاب عند حضوره في مولد أو بدعة على حسب قصده ونيته، فما تقولون في ذلك؟
الشيخ: هذا ليس سؤال، هذا لم يقرأ آنفاً، أنت قرأت سؤالاً تضمن فروعاً
كثيرة.
مداخلة: أي نعم.
الشيخ: فعلك قفزت قفز الغزلان.
مداخلة: إيه قفزت.
الشيخ: لماذا قفزت؟
مداخلة: عد إلى الأول.
مداخلة: نعود إلى الأول؟
الشيخ: إننا قلنا: سؤالك الأول تضمن أسئلة، فالفرع الأول الآن أعدته علي وأعطيتك الجواب؛ لأنك بنيت على السؤال الأول أنه: هل هو يخرج من أهل السنة والجماعة وأسئلة كثيرة جاءت في نفس السؤال الأول.
مداخلة: طيب.
الشيخ: نعم؟
مداخلة: الآن هل تريد
…
الآن؟
الشيخ: يعني في أشياء أنت الآن قفزت ..
مداخلة: أي نعم يا شيخ نعم.
الشيخ: ما أدري إذا أنت استغنيت عنها فهذا شأنك، لكن أنا شاعر بأنك بحاجة إلى بقية الأسئلة.
مداخلة: نعم، قلنا: متى يخرج الرجل من أهل السنة، هل إذا اعتقد اعتقاداً غير اعتقادهم، وإذا وقع في شيء مخالفاً لما كان عليه أهل السنة ولو كان في فرع واحد، هل يطلق عليه أنه مبتدع؟
الشيخ: هاه، هذا سؤال مهم، لكن يمكن أن يفهم جوابه على ضوء الجواب عن السؤال السابق، فنقول: إن كان ابتغى وجه الحق والصواب فأخطأ هو فلا يجوز أن يقال: إنه ليس من أهل السنة والجماعة بمجرد أنه وقع في خطأ أو لنقل كما جاء في سؤالك: وقع في بدعة.
كثير كما يعلم طلاب العلم فضلاً عن أهل العلم، كثير من العلماء يقعون في الحرام، ولكن هل يقصدون الحرام؟ حاشاهم، فهل يأثمون بذلك؟ الجواب: لا، لا فرق إذاً بين عالم يقع في استحلال ما حرم الله باجتهاد هو مأجور عليه، أو بين عالم آخر وقع في بدعة دون أن يقصدها، وإنما قصد السنة فأخطأها، لا فرق بين هذا وهذا، ولذلك فنحن نشكو الآن من هذه الثورة التي ثارت في السعودية الآن بين أهل السنة أنفسهم، حيث أنه ظهر فيهم من يظن بأنه خالف أهل السنة في بعض المسائل، فبدعوه وخرجوه عن أهل السنة، حسبهم أن يقولوا: بأنه أخطأ أولاً، ثم عليهم أن يقيموا الحجة من الكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالح ثانياً، أما أن يزيدوا في الفرقة فرقة وخلافاً، فهذا ليس من عادة أهل السنة والجماعة أبداً، لذلك فلا يجوز أن ينبذ من قد يخطئ في مسألة على التفصيل السابق، سواء كانت أصلية أو فرعية، كانت عقدية أو فقهية، لا يجوز أن يضلل، وإنما يعامل بالذي هو أحسن. غيره.
مداخلة: وإذا تمكن أهل السنة من إحضار ذلك الشخص وإقامة الحجة عليه
فيما خالف فيه منهج أهل السنة، ومع ذلك أبى الرجوع إلى ما هم عليه من الحق، فهل يبدع أو لا؟
الشيخ: هذا أيضاً جوابه مفهوم، إذا عاند وأصر فَيُبَدَّع، أما إذا قال: لم يظهر لي وجه الصواب فيما تقولون: بل هو يعكس ذلك عليهم، وهو يخطئهم بدوره، فتبقى المسألة مسألة خلافية بينهم وبينه، ولا ينبغي أن نعتقد أننا علمنا أنه اعتقد في قلبه خلاف ما يبوح هو بلسانه فيكون منافقاً، لسنا نحن كما أشار الرسول عليه السلام في الحديث الصحيح:«هلا شققت عن قلبه» حينما أعلن ذلك المشرك الذي وقع تحت ضرب سيف المسلم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فما بالاه وقتله، ومعروفة القصة، فقال عليه السلام:«فأين أنت وقول: لا إله إلا الله، قال: يا رسول الله، ما قالها إلا تقية أو خوفاً من القتل، فكان كلامه عليه السلام أن قال: هلا شققت عن قلبه؟ » وهو مشرك، والظاهرة تشعر بلا شك أنه قالها خوفاً من القتل، فما بالنا بالمسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقول بالكتاب وبالسنة ومنهج السلف الصالح، لكنه أخطأ في مسألة وأقيمت عليه الحجة، وهذا نقوله بشيء من التحفظ؛ لأنه ليس كل من يجادل يكون على علم، لكننا نفترض أنه فعلاً أقيمت عليه الحجة من عالم أو من علماء أفاضل، لكنه ما اقتنع بها فحسيبه الله، ولا يجوز نحن أن نغلب خطأً أو أخطاء على جمهرة من الصواب، الأمر في هذه المسألة العلمية هو تماماً فيما يتعلق بالصلاح والطلاح، فلا يمكن لمسلم ألا يقع في مخالفة شرعية، أي: لابد أن يرتكب سيئة أو خطيئة، وكل منا خطاء كما نعلم جميعاً، فهل إذا رأينا رجلاً أخطأ خطيئة ما، أو ارتكب إثماً ما قلنا: عنه فاسق، قلنا عنه: فاجر، والا العبرة بما يغلب؟ بما يغلب، كذلك
المسألة تماماً.
مداخلة: طبعاً ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أهل الجحيم: أن الرجل قد يحضر في مناسبة كمولد ونحوه من البدع، ويثاب على حسن قصده وعدم علمه بأن ذلك الأمر الذي حضره أمر مخالف لما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فما قولكم في ذلك؟
الشيخ: لا شك أن هذا كلام رجل عالم وحسبك أن القائل هو شيخ الإسلام ابن تيمية، هو يقول: وهو لا يعلم، فهل نقول له: اعلم كل شيء؟ لكن أنا سأقول شيئاً آخر: يجوز للمسلم أن يحضر موضعاً من مثل هذه المواضع، وهو يعلم أنها مهلكة، وأنها غير مشروعة، لكنه لا يحضرها تزلفاً، ولا يحضرها مراءاة، وإنما يحضرها لكي ينبه على عدم شرعيتها أو إذا لم يتمكن أو يمكنه الوضع العام من أن ينكر أصل هذه البدعة، فهو ينكر ما قد يقع في هذا الأمر، مما إذا أنكره لا يترتب عليه مفسدة هي أكبر من المصلحة التي هو ينبه عليها ويذكر الناس بها، هذا طبعاً انطلاقاً من القاعدة الفقهية المعروفة لدى أهل العلم: أن جلب المصلحة قبل دفع المفسدة، والعكس تماماً إذا كانت المفسدة المظنون وقوعها هي أكثر من المصلحة التي ينشدها، ونحن نعلم أن النبي الله عليه وآله وسلم كان يحضر مجامع المشركين ونواديهم، ولا شك أنه كان يقع فيها منكرات كثيرة وكثيرة جداً، ومن منا لا يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي في المسجد الحرام كان يؤذى وكان يوضع السلى والقذى والنجاسة ربما على ظهره صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي، لكنه كان يحضر المجالس ليقوم بواجب دعوتهم إلى التوحيد كما هو معلوم من سيرته عليه الصلاة والسلام، لكنه إلى جانب هذا حينما فتح الله له مكة ودخل
وصلى في جوف الكعبة، وأرادت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أن تقتدي بنبيها وزوجها فتصلي في جوف الكعبة، قال لها عليه السلام:«صلي في الحجر، فإنه من الكعبة وإن قومك لما قصرت بهم النفقة أخرجوا الحجر عن الكعبة» ، قال
عليه السلام وهنا الشاهد: «ولولا أن قومك حديثي عهد بالشرك لهدمت الكعبة ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه السلام ولجعلت لها بابين مع الأرض؛ باباً يدخلون منه وباباً يخرجون منه» .
فإذاً: هو عليه السلام ترك الكعبة على النقص الذي جددت بناءه العرب في الجاهلية، لماذا؟ قال:«لولا أن قومك حديثي عهد بالشرك لهدمت الكعبة» ، خشي عليه الصلاة والسلام من الذين أسلموا حديثاً أنه لو رأوا الرسول عليه السلام هدم الكعبة هاه! ما ترك لنا شيئاً حتى بيت الله الحرام هدمه؟ ! فإذاً الرسول عليه السلام قد سن لنا حكمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمثل هذه الكلمة الطيبة.
فإذا حضر رجل مشهداً أو موضوعاً فيه منكر فيه محدث لكي يصلح فهو يؤجر على ذلك، أما أنه لا يعلم أنه منكر ومحدث فلا شيء عليه، فهو ونيته كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. أظن أنك أخذت الجواب وزيادة.
(الهدى والنور /734/ 19: 01: 00)
(الهدى والنور /734/ 27: 16: 00)