الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ: أَنْت مِنْ فُلَانٍ فَلَيْسَ بِقَذْفٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَهُ: وَقِيلَ هُوَ قَذْفٌ لَهُمَا، لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا فِي أَصْلِ الزِّنَى وَاخْتِصَاصَ الْمُخَاطَبِ بِمَزِيدٍ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا عَدَمُ الْقَذْفِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْقَذْفِ فِيهَا يَكُونُ الْقَائِلُ مُقِرًّا بِالزِّنَى لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَدُفِعَتْ بِأَنَّ النَّاسَ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ فِي الذَّمِّ وَالْمُشَاتَمَةِ لَا يَتَقَيَّدُونَ غَالِبًا بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ لِلَّفْظِ، فَلَا يُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَاهُ وَقَدْ جَاءَ أَفْعَلُ فِي ذَلِكَ لِغَيْرِ الِاشْتِرَاكِ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً لِقَوْلِ يُوسُفَ عليه السلام لِإِخْوَتِهِ {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا} [يوسف: 77]
(وَقَوْلُهُ) لِغَيْرِهِ (زَنَى فَرْجُكَ) بِفَتْحِ الْكَافِ، أَوْ كَسْرِهَا (أَوْ ذَكَرُكَ) أَوْ قُبُلُكَ، أَوْ دُبُرُكَ (قَذْفٌ) لِأَنَّ مَا ذُكِرَ آلَةُ الْوَطْءِ، أَوْ مَحَلُّهُ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّ قَوْلَهُ) زَنَى (يَدُكَ وَعَيْنُكَ) وَرِجْلُكَ، (وَلِوَلَدِهِ: لَسْتَ مِنِّي، أَوْ لَسْتَ ابْنِي كِنَايَةٌ وَلِوَلَدِ غَيْرِهِ: لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ صَرِيحٌ إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ زِنَى الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ اللَّمْسُ وَالْمَشْيُ وَالنَّظَرُ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ زِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَقِيلَ: فِيهَا وَجْهَانِ، أَوْ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَرِيحٌ إلْحَاقًا لَهُ بِالْفَرْجِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ فَمَا ذُكِرَ فِيهِمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلًا فِي الْأُخْرَى، فَحَكَى فِيهِمَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي قَذْفِ أُمِّ الْمُخَاطَبِ لِسَبْقِهِ إلَى الْفَهْمِ وَأَقْيَسُهُمَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِهِ غَيْرَ الْقَذْفِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَأَوَّلَ نَصَّ الْكِنَايَةِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي وَحَمَلَ نَصَّ الْقَذْفِ عَلَى مَا إذَا أَرَادَهُ وَالْأَصَحُّ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَبَ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَأْدِيبِ وَلَدِهِ وَزَجْرِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِنَسَبِهِ يُحْمَلُ مَا قَالَهُ عَلَى التَّأْدِيبِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَيُسْتَفْسَرُ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهُ مِنْ زِنًى فَهُوَ قَاذِفٌ لِأُمِّهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُنِي خَلْقًا، أَوْ خُلُقًا فَيُقْبَلُ بِيَمِينِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ صَرِيحٌ أَيْ لَوْ قَالَ لِلْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ: لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ يَعْنِي الْمُلَاعِنَ، فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي قَذْفِ أُمِّهِ فَلْيُسْأَلْ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت تَصْدِيقَ الْمُلَاعِنِ فِي نِسْبَةِ أُمِّهِ إلَى الزِّنَى فَهُوَ قَاذِفٌ لَهَا، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّ الْمُلَاعِنَ نَفَاهُ أَوْ انْتِفَاءَ نَسَبِهِ شَرْعًا، أَوْ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ خَلْقًا، أَوْ خُلُقًا قُبِلَ بِيَمِينِهِ وَيُعَزَّرُ عَلَيْهِ لِلْإِيذَاءِ.
ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ
حُكْمِ الْقَذْفِ
فَقَالَ: (وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ قَاذِفِ الْمُحْصَنِ وَهُوَ قَاذِفُ غَيْرِ مُحْصَنٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْذُوفُ الزَّوْجَةَ أَوْ غَيْرَهَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحَدِّ وَشَرْطُهُ فِي بَابِهِ، وَبَيَانُ التَّعْزِيرِ فِي آخِرِ الْأَشْرِبَةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]
ــ
[حاشية قليوبي]
الرَّاجِحُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (عَدَمُ الْقَذْفِ) أَيْ صَرِيحًا.
قَوْلُهُ: (لِغَيْرِهِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلَا بُدَّ فِي الْخُنْثَى أَنْ يَقُولَ زَنَى فَرْجَاك كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قُبُلُك) نَعَمْ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: زَنَيْت فِي قُبُلِك لَمْ يَكُنْ قَذْفًا.
قَوْلُهُ: (لِوَلَدِهِ إلَخْ) وَلِأَخِيهِ لَسْت أَخِي كَذَلِكَ قَوْلُهُ: (لَسْت ابْنِي) بِخِلَافِ يَا ابْنَ الزِّنَى وَلَدُ الزِّنَى فَصَرِيحٌ فِي قَذْفِ أُمِّهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَفِي كَلَامِ الْعَلَّامَةِ الْبُرُلُّسِيِّ الْمَيْلُ إلَى عَدَمِ الْقَذْفِ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ وَجِيهٌ.
قَوْلُهُ: (صَرِيحٌ) وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ شُبْهَةٍ فَإِنْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ وَاطِئًا وَادَّعَاهُ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ وَلَوْ نَكَلَ حُلِّفَتْ، وَلَزِمَهُ الْحَدُّ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ:(وَأَوَّلَ نَصَّ الْكِنَايَةِ) وَانْظُرْ مَاذَا تَأْوِيلُهُ.
قَوْلُهُ: (لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَأْدِيبٍ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا وَيُلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَنْ لَهُ التَّأْدِيبُ قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَ إلَخْ) وَإِنْ قَالَ مِنْ شُبْهَةٍ فَقَدْ مَرَّ وَإِنْ قَالَ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِي صُدِّقَ، وَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا - وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ -، وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ مُسْتَعَارٌ صُدِّقَ فِي نَفْيِ وِلَادَتِهِ وَانْتَفَى عَنْهُمَا مَعًا وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ أُلْحِقَ بِهِ، وَإِنْ نَكَلَتْ انْتَفَى عَنْهُمَا أَيْضًا، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِالْوِلَادَةِ، أَوْ لَحِقَهُ بِقَائِفٍ فَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَا قَائِفٌ، أَوْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِهِ رَجَعَ إلَى الْحَلِفِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ قَالَ مَا أَرَدْت شَيْئًا فَلَا حَدَّ قَوْلُهُ:(فَيُقْبَلُ بِيَمِينِهِ) فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ، وَلَزِمَهُ الْحَدُّ أَيْضًا وَلَهُ اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ.
قَوْلُهُ: (بِوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ) وَكَذَا وَطْءُ حَلِيلَتِهِ فِي دُبُرِهَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعِفَّةِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ) أَيْ قَبْلَ اسْتِلْحَاقِهِ، وَإِلَّا فَصَرِيحٌ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت حَالَ نَفْيِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَلَا يُحَدُّ وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَلْيُسْأَلْ) وَلَا يُحَدُّ قَبْلَ السُّؤَالِ.
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (وَدُفِعَتْ) أَيْ هَذِهِ الْعِلَّةُ الَّتِي اسْتَنَدَ إلَيْهَا الْوَجْهُ الْمُقَابِلُ بِالْقَذْفِ.
قَوْلُهُ: (وَلِوَلَدِهِ لَسْتَ مِنِّي) لَوْ قَالَ لِوَلَدِهِ أَنْتَ وَلَدُ زِنًى كَانَ قَاذِفًا لِأُمِّهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ أَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ تَفَقُّهًا وَزَادَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِلْمَشْتُومِ. أَقُولُ كَثِيرًا مَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ عُقُوقِ الْوَلَدِ وَعَدَمِ انْقِيَادِهِ لِأَمْرِ أَبِيهِ وَشُحِّهِ عَلَيْهِ، وَإِيصَالِ بِرِّهِ لِلْأَجَانِبِ دُونَهُ، فَحَيْثُ أَرَادَ الْأَبُ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا إشْكَالَ فِي قَبُولِهِ ظَاهِرًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: أَنْتِ زَانِيَةٌ، ثُمَّ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: وَأَنْتِ أَيْضًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ وَأَنْتِ قَرِيبَةٌ مِنْهَا، قَوْلُهُ:(صَرِيحٌ) اسْتَشْكَلَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَقُولُ قَدْ يُقَالُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ عُرْفًا إرَادَةُ الزِّنَى مَعَ الْإِيذَاءِ التَّامِّ لِلْأُمِّ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَةُ مِثْلِ هَذَا كَمَا أَسْلَفْنَا نَظِيرَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي مَسْأَلَةِ زَنَيْتُ بِك.
فَرْعٌ: قَالَ لِقُرَشِيٍّ: لَسْتَ مِنْ قُرَيْشٍ فَهُوَ كِنَايَةٌ عِنْدَهُمَا وَنَازَعَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ وَنَسَبَ لِلنَّصِّ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَوْ قَالَ لِأَخِيهِ لَسْت أَخِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ
[حُكْمِ الْقَذْفِ]
قَوْلُهُ: (وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ) لَمْ يَذْكُرْ ضَابِطَ الْقَاذِفِ أَعْنِي كَوْنَهُ مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا مُخْتَارًا، لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ وَلِذَا أَهْمَلَ هُنَاكَ شَرْطَ الْمَقْذُوفِ وَأَحَالَهُ عَلَى مَا هُنَا.
(وَالْمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ) أَيْ (حُرٌّ مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ) بِأَنْ لَمْ يَطَأْ أَصْلًا، أَوْ وَطِئَ وَطْئًا لَا يُحَدُّ بِهِ بِخِلَافِ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا يُحَدُّ بِهِ بِأَنْ زَنَى فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ.
(وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ) الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِحْصَانِ (بِوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ) لَهُ كَأُخْتِهِ، أَوْ عَمَّتِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) سَوَاءٌ قِيلَ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ إنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ أَمْ لَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى قِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالزِّنَى، وَهُوَ أَفْحَشُ مِنْ الزِّنَى بِالْأَجْنَبِيَّاتِ وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِهِ عَلَى الثَّانِي لِعَدَمِ الْتِحَاقِهِ بِالزِّنَى وَقَدْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْخِلَافِ الْمُرَتَّبِ بِالْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ اصْطِلَاحِهِ (لَا) بِوَطْءِ (زَوْجَتِهِ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ وَأَمَةِ وَلَدِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ بِلَا وَلِيٍّ) أَوْ بِلَا شُهُودٍ (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْأُولَى وَثُبُوتِ النَّسَبِ فِيمَا بَعْدَهَا حَيْثُ حَصَلَ عُلُوقٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ فِي الْجَمِيعِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِهِ لِحُرْمَتِهِ وَوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مِلْكٍ فِي غَيْرِ الْأُولَى، وَوَطْءُ زَوْجَتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ أَوْ إحْرَامٍ، أَوْ صَوْمٍ، أَوْ اعْتِكَافٍ لَا يُبْطِلُ الْعِفَّةَ، وَقِيلَ فِيهِ الْوَجْهَانِ وَمُقَدِّمَاتُ الْوَطْءِ كَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَغَيْرِهِمَا لَا تُبْطِلُ الْعِفَّةَ بِحَالٍ.
(وَلَوْ زَنَى مَقْذُوفٌ سَقَطَ الْحَدُّ) عَنْ قَاذِفِهِ (أَوْ ارْتَدَّ فَلَا) يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الزِّنَى يُكْتَمُ مَا أَمْكَنَ فَظُهُورُهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِثْلِهِ غَالِبًا، وَالرِّدَّةُ عَقِيدَةٌ وَالْعَقِيدَةُ لَا تَخْفَى غَالِبًا فَإِظْهَارُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الْإِخْفَاءِ غَالِبًا، وَفِي الْأُولَى قَوْلٌ قَدِيمٌ بِعَدَمِ السُّقُوطِ لِطُرُوِّ الزِّنَى كَالرِّدَّةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ بِالسُّقُوطِ كَالزِّنَى.
(وَمَنْ زَنَى مَرَّةً، ثُمَّ صَلُحَ) بِأَنْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ (لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا) فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ سَوَاءٌ قَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَى أَمْ بِزِنًى بَعْدَهُ أَمْ أَطْلَقَ، لِأَنَّ الْعِرْضَ إذَا انْخَرَمَ بِالزِّنَى لَمْ تَنْسَدَّ ثُلْمَتُهُ بِالْعِفَّةِ الطَّارِئَةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: مَا أَرَى هَذَا يَسْلَمُ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ.
(وَحَدُّ الْقَذْفِ يُورَثُ وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ) لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لِتَوَقُّفِ اسْتِيفَائِهِ عَلَى مُطَالَبَةِ الْآدَمِيِّ بِهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ شَأْنُهُ مَا ذُكِرَ وَتَعْزِيرُ الْقَذْفِ كَذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ) حَيْثُ مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ وَالثَّانِي يَرِثُهُ غَيْرُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ وَانْقِطَاعِ وَاسِطَةِ التَّعْبِيرِ، (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْ حَقِّهِ مِنْ الْحَدِّ (فَلِلْبَاقِي) مِنْهُمْ (كُلُّهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (وَالْمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ إلَخْ) وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تُعْتَبَرُ فِي حَالِ الْقَذْفِ، وَلَوْ بِإِسْنَادِهِ إلَى وَقْتٍ.
قَوْلُهُ: (بِوَطْءٍ مُحَرَّمٍ) وَلَوْ فِي دُبُرِهَا قَوْلُهُ: (لِدَلَالَةِ إلَخْ) وَمِنْهُ يُؤْخَذُ إبْطَالُ الْعِفَّةِ بِإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ قَوْلُهُ: (عَلَى خِلَافِ اصْطِلَاحِهِ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ تَبْطُلُ الْعِفَّةُ قَطْعًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لَا بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ) أَيْ فِي قُبُلِهَا فَفِي دُبُرِهَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ بِالزَّوْجَةِ الْحَلِيلَةُ وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدَهَا. قَوْلُهُ:(وَهُوَ أَفْحَشُ) الرَّاجِحُ أَنَّ الزِّنَى أَفْحَشُ. قَوْلُهُ: (وَأَمَةِ وَلَدِهِ) وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ، وَلَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِهِ وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُشْتَرَكَةُ، أَوْ الْمُزَوَّجَةُ، أَوْ مَنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا كَذَلِكَ قَوْلُهُ:(أَوْ بِلَا شُهُودٍ) أَوْ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ مَعًا وَلَوْ عَالِمًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ زَنَى مَقْذُوفٌ) أَيْ مَثَلًا فَالْمُرَادُ فِعْلُ مَا يُبْطِلُ الْعِفَّةَ مِمَّا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ) وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَوْ كَانَ الْقَاذِفُ زَوْجًا لَمْ يُلَاعِنْ إلَّا لِنَفْيِ وَلَدٍ إنْ كَانَ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْأَوْلَى إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ ذِكْرِ الْخِلَافِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ زَنَى) أَيْ مَثَلًا كَمَا مَرَّ وَالْعِلَّةُ لِلْأَغْلَبِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا) قَالَ بَعْضُهُمْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَبَيَّنَ عَدَمُ إحْصَانِهِ، كَمَا تُشِيرُ إلَيْهِ الْعِلَّةُ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ صَلَاحَهُ بَعْدَ زِنَاهُ لَا يُجَدِّدُ لَهُ إحْصَانًا فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) خُصُوصًا إذَا صَارَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: (يُورَثُ) وَلَوْ لِلْإِمَامِ فِيمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصٌّ كَالْقِصَاصِ فَيَسْتَوْفِيهِ مَنْ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ لَوْلَا الرِّدَّةُ. قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ) أَيْ يَسْقُطُ حَقُّ الْعَافِي عَنْهُ، أَوْ الْمُرَادُ بِعَفْوٍ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ.
قَوْلُهُ: (وَتَعْزِيرُ الْقَذْفِ كَذَلِكَ) أَيْ يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ وَاسْتِيفَاءِ الْإِمَامِ لَهُ نَظَرًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ: (لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ) يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَا يَرِثَانِ مِنْ قَذْفِ الْمَيِّتِ شَيْئًا قَوْلُهُ: (عَنْ حَقِّهِ) فَلَوْ عَفَا وَاحِدٌ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ لَغَا وَلَهُ اسْتِيفَاءُ الْكُلِّ. قَوْلُهُ: (فَلِلْبَاقِي) وَلَوْ وَاحِدًا وَلَوْ أَقَلَّهُمْ نَصِيبًا.
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (مُكَلَّفٌ) أَيْ، لِأَنَّ صُورَةَ الزِّنَى مِنْ غَيْرِهِ لَا تُوجِبُ حَدًّا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَسَبَ الْمُكَلَّفَ إلَى وَطْءٍ لَا يُحَدُّ بِهِ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّ الرِّقَّ لَمَّا مَنَعَ كَمَالَ الْحَدِّ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ بِنِسْبَتِهِ لِلزِّنَا قَاصِرَةٌ عَنْ الْحُرِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِحَدِيثِ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَإِنَّمَا جُعِلَ مُحْصَنًا فِي حَدِّ الزِّنَى لِأَنَّهُ إهَانَةٌ لَهُ، وَأَمَّا الْعِفَّةُ فَلِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] ، وَلِأَنَّهُ يُقَالُ شَرْطُ حَدِّ الْقَاذِفِ عَدَمُ إثْبَاتِهِ زِنَا الْمَقْذُوفِ.
فَرْعٌ: لَوْ أَضَافَ زِنَى الْمُرْتَدِّ وَالْمَجْنُونِ إلَى حَالِ الْإِسْلَامِ وَالْإِفَاقَةِ حُدَّ، قَوْلُهُ:(عَفِيفٌ) أَيْ وَلَا يُبْحَثُ عَنْ ثُبُوتِ الْعِفَّةِ وَغَيْرِهَا تَغْلِيظًا عَلَى الْقَاذِفِ.
قَوْلُهُ: (بِلَا وَلِيٍّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، أَوْ جَاهِلًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيّ، ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَاهِلُ كَالْوَاطِئِ بِالشُّبْهَةِ، قَوْلُهُ:(وَإِنْ كَانَ حَرَامًا) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْمَنْكُوحَةِ بِلَا وَلِيٍّ، أَوْ شُهُودٍ أَنَّ الْوَاطِئَ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ، قَوْلُهُ:(مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ وَلِعَدَمِ فَائِدَةِ الْحُرْمَةِ أَيْضًا وَلِعَدَمِ الْفُحْشِ الَّذِي فِي الْمَحْرَمِ الْمَمْلُوكِ، قَوْلُهُ:(وَوَطْءُ زَوْجَتِهِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُفْهَمُ حُكْمُهَا مِنْ الْمَتْنِ بِالْأَوْلَى
قَوْلُهُ: (وَلَوْ زَنَى مَقْذُوفٌ) مِثْلُ الزِّنَى سَائِرُ الْوَطْءِ الْمُسْقِطِ لِلْعِفَّةِ قَوْلُهُ: (فَإِظْهَارُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الْإِخْفَاءِ غَالِبًا) وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مَوْضُوعٌ لِلْحِرَاسَةِ مِنْ الزِّنَى دُونَ الرِّدَّةِ فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِحُدُوثِهِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلِأَنَّ الزِّنَى مَعْنًى يُبْطِلُ مَاضِيهِ الْحَصَانَةَ فِي زَانٍ فَيُسْقِطُهَا مُسْتَقْبَلُهُ، وَالْكُفْرُ لَا يُؤَثِّرُ مَاضِيهِ فَكَذَا مُسْتَقْبَلُهُ كَالْجُنُونِ.
فَائِدَةٌ: يُمْكِنُ تَصَوُّرُ طُرُوُّ الرِّقِّ بَعْدَ الْقَذْفِ كَأَسِيرٍ قَذَفَهُ شَخْصٌ ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّهُ.
قَوْلُهُ: (كُلُّ الْوَرَثَةِ) لَوْ قَذَفَهُ شَخْصٌ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ يَرِثُ أَيْضًا وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا وَجْهَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ.