الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ (مُوجَبُ الْعَمْدِ) فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ (الْقَوَدُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ الْقِصَاصُ وَسُمِّيَ قَوَدًا لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ وَغَيْرِهِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ (وَالدِّيَةُ بَدَلٌ) عَنْهُ (عِنْدَ سُقُوطِهِ) بِغَيْرِ عَفْوٍ أَوْ بِعَفْوٍ عَنْهُ عَلَيْهَا (وَفِي قَوْلٍ) مُوجَبُهُ (أَحَدُهُمْ مُبْهَمًا) وَفِي الْمُحَرَّرِ لَا بِعَيْنِهِ أَيْ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا (وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ) عَنْ الْقَوَدِ (عَلَى الدِّيَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْجَانِي) لِأَنَّهَا بَدَلُ الْقِصَاصِ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَحَدُ مَا صَدَقَ مُوجَبُهُ عَلَى الثَّانِي (وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ) عَنْ الْقَوَدِ بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلدِّيَةِ (فَالْمَذْهَبُ لَا دِيَةَ) وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ طَرِيقٍ تَجِبُ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
تَنْبِيهٌ: مَتَى وَجَبَتْ الدِّيَةُ فَهِيَ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الدَّهْشَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْيَمِينَ فِيهَا الْقَوَدُ إلَّا إنْ ظَنَّ الْقَاطِعُ إجْزَاءَ الْيَسَارِ عَنْهَا أَوْ قَصَدَ أَنَّهَا عِوَضٌ عَنْهَا وَأَنَّ الْيَسَارَ مُهْدَرَةٌ فِي قَصْدِ الْمُخْرِجِ الْإِبَاحَةَ مُطْلَقًا وَفِيهَا الْقَوَدُ إنْ دَهِشَا مَعًا أَوْ عَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ أَوْ ظَنَّ إبَاحَتَهَا وَإِلَّا فَالدِّيَةُ.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُخْرِجَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: قَصْدُ الْإِبَاحَةِ، قَصْدُ الْعِوَضِيَّةِ، الدَّهْشَةُ، عَدَمُ السَّمَاعِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْيَسَارِ إهْدَارُهَا فِي الْأَوَّلِ وَوُجُوبُ دِيَتِهَا فِي الثَّانِي مُطْلَقًا، وَكَذَا فِي الْآخَرَيْنِ إنْ ظَنَّ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَمِينُ أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تُجْزِئُ وَإِلَّا فَفِيهَا الْقَوَدُ وَفِي الْيَمِينِ مَا مَرَّ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
فَصْلٌ: فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ أَيْ فِيمَا يَلْزَمُ الْجَانِيَ فِي جِنَايَةِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ عَمْدًا وَفِي الْعَفْوِ عَنْهَا قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْجِيمِ) أَيْ وَاجِبُهُ أَمَّا بِكَسْرِهَا فَهُوَ الْفِعْلُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ، وَيُقَالُ لَهُ السَّبَبُ وَلِلْآخَرِ الْمُسَبَّبُ.
فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ قَالَ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم تَحَتَّمَ الْقَوَدُ وَفِي شَرِيعَةِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم تَحَتَّمَ الدِّيَةُ فَخَفَّفَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِتَخْيِيرِهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِمَا فِي إلْزَامِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (بَدَلٌ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَوَدِ الَّذِي هُوَ بَدَلُ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ الْوَاجِبُ وَبَدَلُ الْبَدَلِ يُسَمَّى بَدَلًا، فَيَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا دِيَةُ رَجُلٍ وَعَلَى رَجُلٍ قَتَلَ امْرَأَةً دِيَةُ امْرَأَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ قَوْلُهُ:(بِغَيْرِ عَفْوٍ) بِأَنْ مَاتَ الْجَانِي أَمَّا فِي نَحْوِ الْأَبِ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ ابْتِدَاءً، وَقَدْ يُقَالُ وُجُوبُهَا ابْتِدَاءً لِعَارِضٍ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا بَدَلًا كَمَا فِي التَّيَمُّمِ لِلْعَاجِزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَكَمَا فِي الْفِدْيَةِ لِلْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُوَ الْوَجْهُ قَوْلُهُ:(لَا بِعَيْنِهِ) فَهُوَ الْمُرَادُ وَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ اتِّحَادَ مَعْنَاهُ مَعَ إبْهَامٍ فَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ مُرَاعِيًا لِلِاخْتِصَارِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَحَدَ الْمُبْهَمَيْنِ قَدْ لَا يَكُونُ مُغَايِرًا لِحَقِيقَةِ الْآخَرِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ أَيْ الْحِصَّةُ الَّتِي مَتَى نُسِبَتْ إلَى أَحَدِهِمَا كَانَتْ هِيَ الْمَقْصُودَ.
قَوْلُهُ: (لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ) وَمَعْنَاهُ عَلَى الثَّانِي الْعُدُولُ إلَيْهَا وَغَلَبَ عَلَيْهِ مَعْنَى الْأَوَّلِ فَعَدَّى الْعَفْوَ بِعَلَى بِقَوْلِهِ عَلَى الدِّيَةِ أَيْ عَلَى كُلِّ الدِّيَةِ أَوْ بَعْضِهَا قَوْلُهُ: (إنْ قَبِلَ الْجَانِي) أَيْ بِاللَّفْظِ لِأَنَّهُ صُلْحٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ صِيغَةٍ قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلدِّيَةِ) بِأَنْ سَكَتَ بَعْدَ أَنْ قَالَ عَفَوْت لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ مَعًا أَوْ بَعْدَ أَنْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ الْقِصَاصِ زَمَنًا يَقْطَعُ الْقَبُولَ عَنْ الْإِيجَابِ
ــ
[حاشية عميرة]
خَرَجَ مَا لَوْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ أَوْ ظَنَنْت الْإِبَاحَةَ أَوْ دَهَشْت فَإِنَّ قِصَاصَ الْيَسَارِ وَاجِبٌ وَبَقِيَ حَالَةٌ رَابِعَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ إلَّا أَخْرِجْ يَسَارَك فَأَخْرَجْتهَا قَالَ الشَّيْخَانِ فَفِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَحَالَةِ الدَّهْشَةِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْفِعْلَ الْمُطَابِقَ لِلسُّؤَالِ كَالْإِذْنِ يَلْتَحِقُ بِصُورَةِ الْإِبَاحَةِ. اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخْرِجَ إنْ قَصَدَ الْإِبَاحَةَ هُدِرَتْ يَدُهُ، وَإِلَّا فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ إلَّا فِي حَالَةِ الدَّهْشَةِ عَلَى مَا سَلَفَ فَبِالْقِصَاصِ، وَالْيَمِينُ قِصَاصُهَا بَاقٍ إلَّا إذَا أَخَذَ الْيَسَارَ عِوَضًا.
[فَصْلٌ مُوجَبُ الْعَمْدِ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ الْقَوَدُ]
فَصْلٌ مُوجِبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] فَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ وَلَمْ يَذْكُرْ الدِّيَةَ بَلْ جَعَلَ وُجُوبَهَا مَشْرُوطًا، بِالْعَفْوِ وَاسْتَدَلَّ الثَّانِي بِحَدِيثِ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُودِيَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ لَهُ» وَرَدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا، كَمَا أَنَّ مَاسِحَ الْخُفِّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغُسْلِ، وَالْغُسْلُ هُوَ الْأَصْلُ قَالَ الْإِمَامُ، وَلَوْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَلَسْنَا نُنْكِرُ كَوْنَ الْقِصَاصِ مَقْصُودًا لِغَرَضِ الزَّجْرِ، قَوْلُهُ:(بِغَيْرِ عَفْوٍ) كَأَنْ مَاتَ الْجَانِي قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ) يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدًا مُعَيَّنًا مِنْهُمَا وَلَكِنَّهُ مُبْهَمٌ عَلَيْنَا بَلْ هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فِي ضِمْنِ أَيِّ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ) قَالَ الْإِمَامُ رحمه الله إذَا كُنَّا نُخَيِّرُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَنَرْجِعُ لِلدِّيَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَفِي الْعِبَارَةِ الْمَشْهُورَةِ لِتَرْجَمَةِ الْقَوْلَيْنِ تَكَلُّفٌ وَالْعِبَارَةُ النَّاصَّةُ عَلَى الْمَقْصُودِ أَنْ يُقَالَ: الْعَمْدُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمَالِ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنَّهُ مُعَارِضٌ وَمُوَازٍ لِلْقِصَاصِ فَهَلْ يَثْبُتُ تَبَعًا وَبَدَلًا لَا أَصْلًا وَمُعَارِضًا قَوْلَانِ.
قَوْلُهُ: (لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ) لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ السُّلْطَانَ فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ الدِّيَةِ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، قَوْلُهُ:(وَعَلَى الْأَوَّلِ) سَكَتَ عَنْ التَّفْرِيعِ عَلَى الْمَرْجُوحِ لِأَنَّهُ طَوِيلٌ وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ:(فَالْمَذْهَبُ لَا دِيَةَ) لَكِنْ لَهُ اخْتِيَارُهَا عَقِبَ ذَلِكَ وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الثَّانِي تَعَيَّنَتْ
وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ الْبَدَلِيَّةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، (وَلَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ لَغَا) هَذَا الْعَفْوُ (وَلَهُ الْعَفْوُ بَعْدَهُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ اللَّاغِيَ كَالْمَعْدُومِ.
(وَلَوْ عَفَا) عَنْ الْقَوَدِ (عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ ثَبَتَ) الْغَيْرُ الْمَعْفُوُّ عَلَيْهِ (إنْ قَبِلَ الْجَانِي) ذَلِكَ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ (وَإِلَّا فَلَا) يَثْبُتُ (وَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْعِوَضَ لَمْ يَحْصُلْ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ لِرِضَاهُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ وَعَلَى هَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كَمَا لَوْ عَفَا مُطْلَقًا أَيْ فَيَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ (وَلَيْسَ لِمَحْجُورٍ فَلَيْسَ عَفْوٌ عَنْ مَالٍ إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا) لِلتَّفْوِيتِ عَلَى الْغُرَمَاءِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَوْجَبْنَا الْقَوَدَ بِعَيْنِهِ (فَإِنْ عَفَا) عَنْهُ (عَلَى الدِّيَةِ ثَبَتَتْ وَإِنْ أَطْلَقَ) الْعَفْوَ (فَكَمَا سَبَقَ) أَيْ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا دِيَةَ
(وَإِنْ عَفَا عَلَى أَنْ لَا مَالَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ) وَقِيلَ تَجِبُ الدِّيَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ الْعَفْوِ يُوجِبُهَا فَلَيْسَ لَهُ تَفْوِيتُهَا وَدَفَعَ بِأَنَّ الْمُفْلِسَ لَا يُكَلَّفُ الِاكْتِسَابُ (وَالْمُنْذَرُ) بِالْمُعْجَمَةِ (فِي الدِّيَةِ كَمُفْلِسٍ) فَلَا تَجِبُ فِي صُورَتَيْ الْعَفْوِ (وَقِيلَ كَصَبِيٍّ) فَتَجِبُ.
(وَلَوْ تَصَالَحَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى مِائَتَيْ بَعِيرٍ لَغَا إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا) لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَوْجَبْنَا الْقَوَدَ بِعَيْنِهِ (فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْوَاجِبِ بِالِاخْتِيَارِ، وَالثَّانِي يَقُولُ الدِّيَةُ خَلْفُهُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، وَلَوْ قَالَ رَشِيدٌ لِآخَرَ (اقْطَعْنِي فَفَعَلَ فَهَدَرٌ) أَيْ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ (فَإِنْ سَرَى) الْقَطْعُ (أَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي) فَقَتَلَهُ (فَهَدَرٌ) لِلْإِذْنِ (وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ دِيَةٌ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً
(وَلَوْ قُطِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ عُضْوُهُ (فَعَفَا عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ فَإِنْ لَمْ يَسِرْ) الْقَطْعُ (فَلَا شَيْءَ)
ــ
[حاشية قليوبي]
فِي الْبَيْعِ وَإِلَّا وَجَبَتْ. قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ الْبَدَلِيَّةَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ يَمْنَعُ إيجَابَهَا قَوْلُهُ: (بَعْدَهُ) وَلَوْ عَلَى التَّرَاخِي
قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَفَا) عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُهُ: (الْمَحْجُورُ فَلَّسَ) وَمِثْلُهُ الْمَرِيضُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ قَوْلُهُ: (فَكَمَا سَبَقَ) أَيْ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يُكَلَّفُ الْكَسْبَ، وَالْعَفْوُ إسْقَاطٌ لِلْقَوَدِ الثَّابِتِ، وَالدِّيَةُ تَابِعَةٌ لَهُ فِيهِ لَا إثْبَاتٌ لِلدِّيَةِ الْمَعْدُومَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِنَاءً إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ تَجِبُ إلَخْ) قَالَ: بَعْضُهُمْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ، فَلَا يُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالْمَذْهَبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى الطُّرُقِ بِالْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ فَعَلَى أَنَّ الْعَفْوَ يُوجِبُهَا يَجْرِي وَجْهَانِ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَقْطَعُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، فَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ إمَّا طَرِيقُ الْقَطْعِ الْمُوَافِقُ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الْحِكَايَةِ أَوْ عَكْسُهُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لَا يُكَلَّفُ إلَخْ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَصِحُّ عَفْوُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَصَى بِسَبَبِهِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاكْتِسَابُ لَهُ قَوْلُهُ: (فِي الدِّيَةِ) أَيْ فِي إيجَابِهَا بِالْعَفْوِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ) أَيْ مُتَعَيِّنَةٌ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي غَيْرِ الْجِنْسِ قَوْلُهُ:(رَشِيدٌ) الْمُرَادُ بِهِ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ وَلَوْ سَكْرَانَ أَوْ سَفِيهًا فَإِذْنُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ كَالْعَدَمِ، وَإِذْنُ الرَّقِيقِ يُسْقِطُ الْقِصَاصَ لَا الْمَالَ. قَوْلُهُ:(وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ الدِّيَةُ) أَيْ كَامِلَةً فِي الْقَتْلِ وَنِصْفُهَا فِي الْقَطْعِ وَإِنْ سَرَى وَقِيلَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِيهِمَا
قَوْلُهُ: (عَنْ قَوَدِهِ) وَالْعَفْوُ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْأُمِّ لَا لِلْأَرْشِ أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لِكَوْنِهِ قَبْلَ السِّرَايَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ فِي الْعَفْوِ بَعْدَهَا انْصَرَفَ لِلْقَوَدِ أَيْضًا وَتَبِعَهُ الْأَرْشُ فَكَأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ وَالْأَرْشِ مَعًا كَمَا مَرَّ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعَفْوَ صَادِرٌ مِنْ الْمَقْطُوعِ، وَلِذَلِكَ كَانَ تَارَةً بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ وَتَارَةً بِلَفْظِ غَيْرِهَا. كَمَا يَأْتِي فَقَوْلُ شَيْخِنَا صُورَةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: عَفَوْت عَنْ قَوَدِهِ عَلَى الدِّيَةِ أَوْ عَلَى الْأَرْشِ ثُمَّ يَقُولَ عَفَوْت عَلَى أَرْشِهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ الطَّنْدَتَائِيِّ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي فَرَاجِعْهُ، وَحَرِّرْهُ وَخَرَجَ بِالْقَوَدِ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ كَجَائِفَةٍ، وَإِنْ عَفَا عَنْ أَرْشِهَا صَحَّ الْعَفْوُ، وَإِنْ عَفَا عَنْ قَوَدِهَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهَا، وَإِنْ عَفَا عَنْ قَوَدِهَا لَوْ سَرَتْ فَسَرَتْ إلَى النَّفْسِ فَلِلْوَلِيِّ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَيْضًا.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صِيغَةَ عَفْوِهِ لَهَا أَنْوَاعٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقُولَ: عَفَوْت عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ أَوْ يَقُولَ: عَفَوْت عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ وَأَرْشِ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ أَوْ عَفَوْت عَنْ قَوَدِهِ وَأَوْصَيْت لَهُ بِأَرْشِهِ أَوْ عَفَوْت عَنْ قَوَدِهِ وَأَوْصَيْت لَهُ بِأَرْشِهِ وَأَرْشِ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ أَوْ عَفَوْت عَنْ قَوَدِهِ وَأَبْرَأْتُهُ مَثَلًا مِنْ أَرْشِهِ أَوْ مِنْ
ــ
[حاشية عميرة]
الدِّيَةُ، قَوْلُهُ:(لِأَنَّهَا بَدَلُهُ) أَيْ وَلِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الْآيَةَ وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ، قَوْلُهُ:(لَغَا) لَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الثَّانِي تَعَيَّنَ الْقِصَاصُ ثُمَّ لَوْ فَرَضَ بَعْدَ ذَلِكَ مَوْتَ الْجَانِي وَجَبَتْ أَوْ عَفْوَهُ عَلَيْهَا فَلَا قَوَدَ وَلَوْ تَرَاخَى الزَّمَنُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَفَا إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ خِلَافُ مَا تُوهِمُهُ الْعِبَارَةُ أَقُولُ: لَكِنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ الْعِبَارَةَ عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى الْأَوَّلِ خَاصَّةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَيَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فَتَأَمَّلْ عَلَى أَنَّ الزَّرْكَشِيَّ ذَكَرَ آخِرًا مِثْلَ هَذَا.
قَوْلُهُ: (لِرِضَاهُ بِالصُّلْحِ) فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ صَالَحَ عَنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. عَلَى مَالٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّةُ التَّنْظِيرِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ مَعَ الْعِلْمِ بِفَسَادِهِ سَقَطَ الْقَوَدُ قَطْعًا، قَالَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ
قَوْلُهُ: (فَالْمَذْهَبُ إلَخْ) قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ قُلْنَا: مُطْلَقُ عَفْوِهِ لَا يُوجِبُ الْمَالَ فَالْمُقَيَّدُ بِالنَّفْيِ أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ بِهِ فَهُنَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ إذْ لَوْ كَلَّفَهُ الْمُفْلِسُ أَنْ يُطَلِّقَ لِيُثْبِتَ الْمَالَ، لَكَانَ تَكْلِيفًا لِلِاكْتِسَابِ اهـ. فَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِالْمَذْهَبِ قَوْلُهُ:(وَقِيلَ تَجِبُ) لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ لَوَجَبَتْ نَظَرًا لِلْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ النَّفْيُ كَالْإِسْقَاطِ بِمَا لَهُ حُكْمُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ: (فِي الدِّيَةِ) أَيْ بِخِلَافِ الْقَوَدِ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ كَصَبِيٍّ) أَيْ لِأَنَّ حَجْرَهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ فَتَلْغُو عِبَارَتُهُ كَالصَّبِيِّ، قَالَ الْإِمَامُ وَلَا وَجْهَ لِغَيْرِ هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ لَمْ يَصِحَّ رَدُّهُ قَالَ غَيْرُهُ كَمَا لَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْ الْغَنِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ فِي كُلِّ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مِائَتَيْ بَعِيرٍ) أَيْ بِالصِّفَةِ الْوَاجِبَةِ، قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ إلَخْ) أَيْ فَكَانَ كَالصُّلْحِ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مِائَتَيْنِ عَنْ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْقَوَدُ، قَوْلُهُ:(وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ دِيَةٌ) أَيْ كَامِلَةٌ فِي الثَّانِيَةِ وَنِصْفُهَا فِي الْأَوَّلِ أَمَّا الْقَوَدُ فَلَا يَجِبُ
مِنْ قِصَاصٍ أَوْ أَرْشٍ فِيهِ، (وَإِنْ سَرَى) إلَى النَّفْسِ (فَلَا قِصَاصَ) فِيهِ فِي طَرَفٍ، وَلَا نَفْسٍ لِأَنَّ السِّرَايَةَ مِنْ مَعْفُوٍّ عَنْهُ (وَأَمَّا أَرْشُ الْعُضْوِ فَإِنْ جَرَى) فِي لَفْظِ الْعَفْوِ عَنْهُ (لَفْظُ وَصِيَّةٍ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَوَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ) الْأَظْهَرُ صِحَّتُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهَا فَإِنْ أُبْطِلَتْ لَزِمَ أَرْشُ الْعُضْوِ وَإِنْ صُحِّحَتْ سَقَطَ أَرْشُهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا سَقَطَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ (أَوْ) جَرَى (لَفْظُ إبْرَاءٍ أَوْ إسْقَاطٍ أَوْ عَفْوٍ سَقَطَ) قَطْعًا (وَقِيلَ) هُوَ (وَصِيَّةٌ) لِاعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ اتِّفَاقًا وَدُفِعَ بِأَنَّهُ إسْقَاطٌ نَاجِزٌ، وَالْوَصِيَّةُ (مَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) أَيْ الْأَرْشِ (إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ) لِلسِّرَايَةِ.
(وَفِي قَوْلٍ إنْ تَعَرَّضَ فِي عَفْوِهِ) عَنْ الْجِنَايَةِ (لِمَا يَحْدُثُ مِنْهَا سَقَطَتْ) أَيْ الزِّيَادَةُ وَهَذَا وَمُقَابِلُهُ الرَّاجِحُ الْقَوْلَانِ فِي إسْقَاطِ الشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، وَلَوْ كَانَ الْعَفْوُ عَمَّيْ يَحْدُثُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ كَقَوْلِهِ أَوْصَيْت لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَأَرْشِ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ تَسْرِي إلَيْهِ بَنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ وَيَجِيءُ فِي جَمِيعِ الدِّيَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي أَرْشِ الْعُضْوِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ فَعَفَا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ الْوَصِيَّةَ وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِكَمَالِهَا، وَإِنْ صُحِّحَتْ سَقَطَتْ بِكَمَالِهَا إنْ وَفَّى بِهَا الثُّلُثَ سَوَاءٌ صَحَّحْنَا الْإِبْرَاءَ عَمَّا لَمْ يَجِبْ أَمْ لَمْ نُصَحِّحْهُ لِأَنَّ أَرْشَ الْيَدَيْنِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فَلَا يَزِيدُ بِالسِّرَايَةِ شَيْءٌ.
(فَلَوْ سَرَى) قَطْعُ الْعُضْوِ الْمَعْفُوِّ عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ (إلَى عُضْوٍ آخَرَ) كَأَنْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ، فَتَآكَلَ بَاقِي الْكَفِّ (وَانْدَمَلَ) الْقَطْعُ السَّارِي إلَى مَا ذَكَرَ (ضَمِنَ دِيَةَ السِّرَايَةِ فِي الْأَصَحِّ) ، وَالثَّانِي يَنْظُرُ إلَى أَنَّهَا مِنْ مَعْفُوٍّ عَنْهُ وَيَضْمَنُهَا أَيْضًا فِي التَّعَرُّضِ فِي الْعَفْوِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ الْجِنَايَةِ فِي الْأَظْهَرِ السَّابِقِ (وَمَنْ لَهُ قِصَاصُ نَفْسٍ بِسِرَايَةِ طَرَفٍ) قَطَعَ (أَوْ
ــ
[حاشية قليوبي]
أَرْشِهِ وَأَرْشِ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْ قَوَدِ ذَلِكَ الْجُرْحِ مُطْلَقًا وَعَنْ أَرْشِهِ كَذَلِكَ، وَيَسْقُطُ حَالًا إنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ وَصِيَّةٍ وَإِلَّا فَلَهُ حُكْمُهَا وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَمَّا يَسْرِي إلَيْهِ ذَلِكَ الْجُرْحُ مِنْ قَوَدٍ أَوْ أَرْشٍ إلَّا إنْ كَانَ بِلَفْظِ وَصِيَّةٍ وَلَهُ حُكْمُهَا فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَرْشِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوَدِهِ أَيْ فَهُوَ مِنْ الْعَفْوِ عَنْهُ لَكِنْ بِغَيْرِ لَفْظِ وَصِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَرَى إلَخْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ حِينَ عَفَا عَنْ أَرْشِ الْعُضْوِ بَعْدَ الْعَفْوِ عَنْ قَوَدِهِ أَتَى بِلَفْظِ وَصِيَّةٍ، فَلَهُ حُكْمُهَا وَإِلَّا سَقَطَ حَالًا قَوْلُهُ:(سَقَطَ قَطْعًا) أَيْ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ الزَّائِدَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فَهِيَ طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ وَمُقَابِلُهَا الْحَاكِيَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إلَخْ. فَالْخِلَافُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إسْقَاطٌ نَاجِزٌ أَوْ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ وَإِلَّا فَالْأَرْشُ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ كَإِبْرَاءِ الْمَرِيضِ غُرَمَاءَهُ مِنْ دَيْنِهِ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ: (لِلسِّرَايَةِ) أَيْ فِي مُقَابَلَتِهَا أَوْ لِأَجْلِهَا سَوَاءٌ تَعَرَّضَ فِي عَفْوِهِ لِمَا يَحْدُثُ أَوْ لَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ إلَخْ) هُوَ مَفْهُومُ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ: وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ. قَوْلُهُ: (فَعَفَا) وَلَوْ بِلَفْظِ غَيْرِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ حُكْمًا فَسَقَطَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا. قَوْلُهُ: (بِكَمَالِهِمَا إلَخْ) مَحَلُّهُ إنْ تَسَاوَتْ الدِّيَتَانِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ فِي النَّفْسِ يَضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ. قَوْلُهُ: (بِسِرَايَةٍ) قَيْدٌ خَرَجَ بِهِ الْمُبَاشَرَةُ فَلَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ فَعَفْوُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ الْآخَرَ، فَلَوْ قَطَعَ طَرَفَ عَبْدٍ فَعَتَقَ فَحَزَّ رَقَبَتَهُ فَقِصَاصُ الطَّرَفِ لِلسَّيِّدِ وَالنَّفْسِ لِلْوَرَثَةِ قَوْلُهُ:(أَوْ عَفَا) أَيْ وَارِثُهُ أَوْ أَنَّ مِنْ وَاقِعَةٌ عَلَى الْوَارِثِ قَوْلُهُ: (فَلَا قَطْعَ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ.
ــ
[حاشية عميرة]
قَطْعًا.
قَوْلُهُ: (إلَى النَّفْسِ) أَمَّا السِّرَايَةُ إلَى الْعُضْوِ فَسَتَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَا نَفْسَ) شَرْطُ هَذَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، فَلَوْ أَجَافَهُ فَعَفَا عَنْ قَوَدِهَا ثُمَّ سَرَتْ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ قَوَدِ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ قَوْلُهُ:(اتِّفَاقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمْ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ) أَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا بِالْعَفْوِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا لَوْ تَعَرَّضَ فَكَمَا سَيَأْتِي، قَوْلُهُ:(فِي عَفْوِهِ) أَيْ إذَا كَانَ بِلَفْظِ إبْرَاءٍ أَوْ إسْقَاطٍ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي عَنْ الشَّارِحِ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ الْعَفْوُ عَمَّا يَحْدُثُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ تُصَحَّحْ الْوَصِيَّةُ إلَخْ) . كَذَا هُوَ فِي الرَّافِعِيِّ وَسَكَتُوا عَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ لِوُضُوحِ حُكْمِهِ وَهُوَ سُقُوطُ الدِّيَةِ بِكَمَالِهَا إنْ وَفَّى بِهَا الثُّلُثَ سَوَاءٌ صَحَّحْنَا الْإِبْرَاءَ عَمَّا لَمْ يَجِبْ أَمْ لَا هَذَا مَا تَبَيَّنَ لِي وَهُوَ ظَاهِرٌ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ إلَخْ) اُنْظُرْ كَيْفَ وَجَّهَ هَذَا مَعَ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) وَجْهُهُ أَنَّهُ عَفَا عَنْ الْجِنَايَةِ فِي الْحَالِ فَيَقْصُرُ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مَا سَلَفَ فِي سِرَايَةِ النَّفْسِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ دِيَةُ السِّرَايَةِ قَطْعًا، وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِضَعْفِ الْعَفْوِ هُنَا بِوَاسِطَةِ عَدَمِ الِانْدِمَالِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْأَظْهَرِ السَّابِقِ) مُرَادُهُ بِذَلِكَ الْقَوْلَانِ فِي إسْقَاطِ الشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَهُ قِصَاصٌ) ، مَا تَقَدَّمَ فِي عَفْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نَفْسَهُ قَبْلَ السِّرَايَةِ وَهَذَا فِي عَفْوِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ:(بِسِرَايَةٍ) احْتَرَزَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ كَأَنْ قَطَعَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فَإِنَّهُ إذَا عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ الْآخَرُ.
قَوْلُهُ: (مَجَّانًا) كَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ كَانَ عَلَى عِوَضٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ دِيَةٍ) اسْتَثْنَى ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ مَا إذَا كَانَ الْعَفْوُ فِي وَقْتٍ