الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحجري له وطاء. فقال: أبو الأسود: بهذا تريدين أن تغلبيني على ولدي وقد حملته قبل أن تحمليه، ووضعته قبل أن تضعيه. فقالت: ولا سواء إنك حملته خفا وحملته ثقلا، ووضعته شهوة ووضعته كرها. فقال له زياد: إني أرى امرأة عاقلة فادفع ابنها إليها فأخلق أن تحسن أدبه. توفي أبو الأسود بالبصرة في طاعون الجارف سنة تسع وستين، وعمره خمس وثمانون سنة، وهذا الطاعون كان بالبصرة مات فيه سراة الناس. قيل إنه مات فيه لانس بن مالك رضي الله تعالى عنه ثلاثون ولدا والله تعالى أعلم.
باب الذال المعجمة
ذؤالة
: إسم للذئب كأسامة للأسد، وهو معرفة سمي بذلك لأنه يذأل في مشيته من الذألان، وهو المشي الخفيف، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجارية سوداء ترقص صبيا لها وتقول:
ذؤال يا ابن القرم يا ذؤال.
فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقولي ذؤالة فإنه شر السباع» . وذؤال ترخيم ذؤالة والقرم السيد.
الذباب:
معروف واحدته ذبابة ولا تقل ذبانة. جمعه في القلة أذبة وفي الكثرة ذبان بكسر الذال وتشديد الباء الموحدة وبالنون في آخره كغراب وأغربة وغربان وقراد وأقردة وقردان قال النابغة:
يا واهب الناس بعيرا صلبه
…
ضرّابة بالمشفر الأذبّه
ولا يقال ذبابات إلا في الديون قال الراجز:
أو يقضى الله ذبابات الديون.
وأرض مذبة بفتح الميم والذال أي ذات ذباب. وقال الفراء: أرض مذبوبة، كما يقال أرض موحوشة، أي ذات وحوش. وسمي ذبابا لكثرة حركته واضطرابه، وقيل لأنه كلم ذب آب، وكنيته أبو حفص وأبو حكيم وأبو الحدرس والذباب أجهل الخلق لأنه يلقي نفسه في الهلكة. قال الجوهري: يقال ليس شيء من الطيور يلغ إلا الذباب، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب العين المهملة في العنكبوت قول افلاطون: إن الذباب أحرص الأشياء ولم يخلق للذباب أجفان لصغر أحداقها، ومن شأن الأجفان أن تصقل مرآة الحدقة من الغبار، فجعل الله لها عوضا من الأجفان يدين تصقل بهما مرآة حدقتها، فلهذا ترى الذباب أبدا يمسح بيديه عينيه، وهو أصناف كثيرة متولدة من العفونة. قال «1» الجاحظ: الذباب عند العرب يقع على الزنابير والنحل والبعوض بأنواعه، كالبق والبراغيث والقمل والصؤاب والناموس والفراش والنمل. والذباب المعروف عند الاطلاق العرفي وهو أصناف النعر والقمع والخازباز والشعراء وذباب الكلاب وذباب الرياض وذباب الكلا والذباب الذي يخالط الناس يخلق من الفساد، وقد يخلق من الأجساد، ويقال: إن
الباقلا إذا عتق في موضع استحال كله ذبابا، وطار من الكوى التي في ذلك الموضع ولا يبقى فيه غير القشر انتهى. روى الحاكم عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه أنه قال، وهو على المنبر:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب تمور في جوها، فالله الله في اخوانكم من أهل القبور، فإن أعمالكم تعرض عليهم» . ومعنى تمور تذهب وتجيء، والجوّ ما بين السماء والأرض. وفي مسند أبي يعلى الموصلي، من حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«عمر الذباب أربعون ليلة، والذباب كله في النار، إلا النحل «1» . وهو في الكامل في ترجمة عمرو بن شقيق عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«الذباب كله في النار إلا النحل. قيل كونه في النار ليس بعذاب له، وإنما ليعذب به أهل النار بوقوعه عليهم» «2» . وروى النسائي والحاكم عن أبي المليح عن أبيه أسامة بن عمير بن عامر الأقيش الهذلي البصري قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعثر بعيرنا فقلت: تعس الشيطان.
فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقل تعس الشيطان فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت، ويقول: بقوتي، ولكن قل بسم الله فإنه يصغر حتى يصير مثل الذبابة» «3» . ورواه أبو داود عن أبي المليح عن رجل قال:
كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعثرت دابته فقلت: الخ ورواه ابن السني كما رواه النسائي والحاكم، وصرح فيه بأن أبا المليح رواه عن أبيه أسامة بن مالك. وكلتا الروايتين صحيحة فإن الرجل المجهول في رواية أبي داود صحابي والصحابة كلهم عدول، لا تضر الجهالة بأعيانهم. وقال الإمام العلامة الذهبي: الرجل المجهول المبهم أبو عزة. ورواه خالد الحذاء عن أبي تميمة الهجيمي عن أبيه خالد قال: كنت رديفا للنبي صلى الله عليه وسلم، فعثرت الناقة، فقال إلى آخره. كذا هو في أسد الغاية، في ذكر المنسوبين إلى القبائل. وأما قوله: تعس، فقيل: معناه هلك، وقيل: سقط وقيل: عثر، وقيل لزمه الشر. وتعس بفتح العين وكسرها والفتح أشهر، ولم يذكر الجوهري غير الفتح. وروى الطبراني وابن أبي الدنيا، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه، فمن ذلك سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب، في اليوم الصائف ولو بدوا لكم لرأيتموهم على كل سهل وجبل كل باسط يديه فاغرفاه، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين» . والعرب تجعل الذباب والفراش والنحل والدبر ونحوها كلها واحدا كما تقدم. وجالينوس يقول: إنه ألوان فللإبل ذباب، وللبقر ذباب.
وأصله دود صغار يخرج من أبدانهن فيصير ذبابا وزنابير. وذباب الناس يتولد من الزبل ويكثر الذباب إذا هاجت ريح الجنوب ويخلق في تلك الساعة، وإذا هبت ريح الشمال خف وتلاشى.
وهو من ذوات الخراطيم كالبعوض. انتهى. ومن عجيب أمره أنه يلقي رجيعه على الأبيض أسود، وعلى الأسود أبيض، ولا يقع على شجرة اليقطين. ولذلك أنبتها الله على نبيه يونس عليه الصلاة والسلام، لأنه حين اخرج من بطن الحوت لو وقعت عليه ذبابة لآلمته فمنع الله عنه الذباب بذلك، فلم يزل كذلك حتى تصلب جسمه. ولا يظهر كثيرا إلا في الأماكن العفنة، ومبدأ خلقه
منها ثم من السفاد، وربما بقي الذكر على الأنثى عامة اليوم. وهو من الحيوانات الشمسية، لأنه يخفي شتاء ويظهر صيفا، وبقية أنواعه كالناموس والفراش والنعر والقمع وغيرها، ستذكر في أبوابها إن شاء الله تعالى وما أحسن قول أبي العلاء المعري، ووفاته سنة تسع وأربعين وأربعمائة:
يا طالب الرزق الهنيّ بقوّة
…
هيهات أنت بباطل مشغوف
رعت الأسود بقوة جيف الفلا
…
ورعى الذباب الشهد وهو ضعيف
ولمحمد الأندلسي في المعنى:
مثل الرزق الذي تطلبه
…
مثل الظل الذي يمشي معك
أنت لا تدركه متبعا
…
وإذا وليت عنه تبعك
وفي المعنى «1» أيضا لأبي الخير الكاتب الواسطي:
جرى قلم القضاء بما يكون
…
فسيان التحرك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزق
…
ويرزق في غشاوته الجنين
وقد أجاد الأمير سيف الدين علي بن فليح الظاهري في التحذير من احتقار العدوّ بقوله:
لا تحقرن عدوّا لأن جانبه
…
وإن تراه ضعيف البطش والجلد
فللذبابة في الجرح المديد يد
…
تنال ما قصّرت عنه يد الأسد
وفي تاريخ «2» ابن خلكان، في ترجمة الإمام يوسف بن زهرة الهمذاني الزاهد، صاحب المقامات والكرامات والأحوال الظاهرات، أنه جلس يوما للوعظ فاجتمع إليه العالم، فقام من بينهم فقيه يعرف بابن السقاء وآذاه، وسأله عن مسألة، فقال له الإمام يوسف: اجلس فإني أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك أن تموت على غير دين الإسلام! فقدم رسول ملك الروم إلى الخليفة فخرج ابن السقاء مع الرسول إلى القسطنطينية فتنصر ومات نصرانيا. وكان ابن السقاء قارئا للقرآن، محمودا في تلاوته. وحكى من رآه بالقسطنطينية قال: رأيته مريضا ملقى على دكة، وبيده مروحة يدفع بها الذباب عن وجهه، فقلت له: هل القرآن باق على حفظك؟ فقال: ما أذكر منه إلا آية واحدة وهي رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ
«3» والباقي أنسته. اهـ نعوذ بالله من سخطه وخذلانه، ونسأله حسن الخاتمة. فانظر يا أخي كيف هلك هذا الرجل، وخذل بالانتقاد، وترك الاعتقاد. نسأل الله السلامة، فعليك يا أخي بالاعتقاد، وترك الانتقاد على المشايخ العارفين، والعلماء العاملين، والمؤمنين الصالحين، فإن حرابهم مسمومة. فقل من تعرض لهم وسلم، فسلم تسلم ولا تنتقد تندم، واقتد بإمام العارفين، ورأس الصديقين، وعلامة العلماء العاملين في وقته الشيخ محي الدين عبد القادر الكيلاني رحمه الله تعالى، لما عزم على زيارة قطب