الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة لجرير بن الخطفى هجا بهَا الفرزدق وَبعده: الْبَسِيط
(للغانيات وصالٌ لست قاطعه
…
على مواعيد من خلفٍ وتلوين)
(إنّي لأرهب تَصْدِيق الوشاة بِنَا
…
وَأَن يَقُول غويّ للنّوى بيني)
(مَاذَا يهيجك من دارٍ تباكرها
…
أَرْوَاح مخترق هوج الأفانين)
وَجَرِير قد تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أول الْكتاب وَالْخطاب لنَفسِهِ. وَقد الْتزم الْإِتْيَان بِالْحَال بعد مَا بَال فجملة وَقد علاك مشيبٌ حَال والظرف الأول مُتَعَلق بجهلك وَالثَّانِي مُتَعَلق بقوله علاك.
وَأنْشد بعده وَهُوَ
3 -
(الشَّاهِد الستّون بعد الْمِائَتَيْنِ)
الرجز
(فِي بِئْر لَا حور سرى وَمَا شعر)
على أنّ لَا فِيهِ زَائِدَة لفظا وَمعنى أوّل من قَالَ بزيادتها فِي هَذَا الْبَيْت أَبُو عُبَيْدَة وَتَبعهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة قَالَ فِيهَا: وَمن أمثالهم: حورٌ فِي محارة يضْرب للرجل الَّذِي لَا يعرف وَجه أمره وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: لَا هُنَا لَغْو. وَمِنْهُم أَبُو مَنْصُور الأزهريّ فِي التَّهْذِيب إلاّ أنّه قَالَ: حور أَصله حؤور مَهْمُوز فخفّفه الشَّاعِر بِحَذْف الْهمزَة.
وَمِنْهُم صَاحب الصِّحَاح قَالَ فِيهِ: حَار يحور حوراً وحؤوراً: رَجَعَ. يُقَال حَار بَعْدَمَا كار ونعوذ بِاللَّه من الْحور بعد الكور أَي: من النُّقْصَان بعد الزِّيَادَة.
وَكَذَلِكَ الْحور بِالضَّمِّ.
وَفِي الْمثل حورٌ فِي محارةٍ: أَي: نُقْصَان يضْرب للرجل إِذا كَانَ أمره يدبر. والْحور أَيْضا: الِاسْم من قَوْلك طحنت الطّاحنة فَمَا أحارت شَيْئا أَي: مَا ردّت شَيْئا من الدّقيق. والحور أَيْضا: الهلكة.
فِي بِئْر لَا جورٍ سرى وَمَا شعر وَلَا زَائِدَة.
وَمِنْهُم صَاحب الْعباب وَنقل كَلَام الصِّحَاح برمتّه وَزَاد فِي الْمثل قَوْلهم: حور فِي محارة هَذَا خلاف مَا روى ابْن الأعرابيّ أنّه بِفَتْح الْحَاء قَالَ ابْن الأعرابيّ: يُقَال: فلانٌ حور فِي محارة هَكَذَا سمعته بِفَتْح الْحَاء يضْرب مثلا للشَّيْء الَّذِي لَا يصلح أَو كَانَ صَالحا ففسد.)
وَمِنْهُم الزّمخشريّ فِي تَفْسِيره وَفِي مفصله قَالَ: لَا فِي سُورَة الْقِيَامَة فِي قَوْله تَعَالَى: لَا أقسم زَائِدَة كَمَا زيدت فِي هَذَا الْبَيْت. وَمِنْهُم ابْن الشجريّ فِي أَمَالِيهِ قَالَ: وَمِمَّا زيدت فِيهِ قَول العجّاج: فِي بِئْر لَا حور سرى وَمَا شعر مَعْنَاهُ فِي بِئْر حورٍ أَي: فِي بِئْر هَلَاك.
وَذهب جمَاعَة إِلَى أنّ لَا هُنَا نَافِيَة لَا زَائِدَة أوّلهم الفرّاء قَالَ فِي آخر سُورَة الْفَاتِحَة من تَفْسِيره: إِذا كَانَت غير فِي معنى سوى لم يجز أَن تكرّ عَلَيْهَا لَا أَلا ترى أنّه لَا يجوز عِنْدِي سوى عبد الله وَلَا زيد.
وَقد قَالَ
بعض من لَا يعرف العربيّة إنّ معنى غير فِي الْحَمد معنى سوى وإنّ لَا صلّة فِي الْكَلَام فِي بِئْر لَا حورٍ سرى وَمَا شعر
وَهَذَا غير جَائِز لِأَن الْمَعْنى وَقع على مَا لَا يتبيّن فِيهِ عمله فَهُوَ جحدٌ مَحْض وإنّما يجوز أَن تجْعَل لَا صلَة إِذا اتّصلت بجحد قبلهَا وَأَرَادَ فِي بِئْر لَا حور فَلَا هِيَ الصَّحِيحَة فِي الْجحْد لأنّه أَرَادَ فِي بِئْر مَاء لَا يحير عَلَيْهِ شَيْئا كَأَنَّك قلت إِلَى غير رشد توجّه وَمَا درى وَالْعرب تَقول: طّحنت الطّاحنة فَمَا أحارت شَيْئا أَي: لم يتبيّن لَهَا أثر عمل. انْتهى.
وَتَبعهُ ابْن الأعرابيّ فِي نوادره.
وَمِنْهُم ابْن جنّي قَالَ فِي الخصائص قَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله: فِي بئرٍ لَا حورٍ سرى وَمَا شعر أَرَادَ حؤور أَي: فِي بِئْر لَا حؤور وَلَا رُجُوع قَالَ: فأسكنت الْوَاو الأولى وحذقت لسكونها وَسُكُون الثَّانِيَة بعْدهَا.
وَرَأَيْت فِي شرح شَوَاهِد الموشّح والمفصّل قَالَ صدر الأفاضل: الْحور هُنَا: جمع حائر من حَار إِذا هلك. وَنَظِيره على مَا حَكَاهُ الغوريّ قُتل: جمع قَاتل وبُزل جمع بازل وقُرح جمع قارح. وَيحْتَمل أَن يكون اسْم جمع حائر أَي هُلّك وَقيل هِيَ بِئْر سكنها الجنّ. انْتهى.
وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة طَوِيلَة للعجّاج وَهِي نَحْو مِائَتي بَيت مدح بهَا
عمر بن عبيد الله بن معمر وَكَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان قد وجّهه لقِتَال أبي فديك الحروريّ فأوقع بِهِ وبأصحابه ومطلعها: الرجز)
(قد جبر الدّين الْإِلَه فجبر
…
وعوّر الرّحمن من ولّى العور)
(فَالْحَمْد لله الَّذِي أعْطى الشّبر
…
موَالِي الحقّ أَن الْمولى شكر)
إِلَى أَن قَالَ:
(وَاخْتَارَ فِي الدّين الحروريّ البطر
…
فِي بِئْر لَا حورٍ سرى وَمَا شعر)
بإفكه حتّى رأى الصبّح جشر الْجَبْر: أَن تغني الرجل من فقره أَو تصلح عظمه من كسر يُقَال: جبر الْعظم جبرا وجبر الْعظم بِنَفسِهِ جبوراً أَي: انجبر وَقد جَمعهمَا العجّاج. وعوّر بِفَتْح الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو أَي: أفسد الله من ولاّه الْفساد. والشّبر: بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة والموحّدة الْخَيْر ويروى الحبر: بِفَتْح الْمُهْملَة والموحّدة وَهُوَ السرُور. وموالي الْخَيْر بِفَتْح الْمِيم يُرِيد العبيد وَهُوَ مفعول ثَان لأعطى وَرُوِيَ موَالِي بِضَم الْمِيم فَيكون من صفة الله ونصبه على الْمَدْح. والْمولى بِالْفَتْح: العَبْد. والحروريّ أَرَادَ بِهِ أَبَا فديك بِالتَّصْغِيرِ الخارجيّ.
قَالَ فِي الصِّحَاح: وحروراء: اسْم قَرْيَة يمد وَيقصر نسبت إِلَيْهَا الحرورية من الْخَوَارِج كَانَ أوّل وَقَوله: بإفكه الخ الْبَاء سَبَبِيَّة مُتَعَلقَة بقوله سرى والْإِفْك الْكَذِب مَأْخُوذ من أفكته إِذا صرفته. وكلّ أمرٍ صرف عَن وَجهه فقد أفك. وجشر الصبّح بِالْجِيم والشين الْمُعْجَمَة يجشر جشوراً إِذا انْفَلق وأضاء.
وروى:
حتّى إِذا الصبّح جشر وملخّص هَذِه القصّة كَمَا فِي نِهَايَة الأرب فِي فنون الْأَدَب للنّويريّ أنّ أَبَا فديك وَهُوَ من الْخَوَارِج واسْمه عبد الله بن ثَوْر بن قيس بن ثَعْلَبَة بن تغلب غلب على الْبَحْرين فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين من الْهِجْرَة فَبعث خَالِد بن عبد الله القسريّ أَمِير الْبَصْرَة أَخَاهُ أُميَّة بن عبد الله فِي جندٍ كثيف فَهَزَمَهُ أَبُو فديك وَأخذ جاريةٍ لَهُ فاتّخذها لنَفسِهِ فَكتب خَالِد إِلَى عبد الْملك بذلك فَأمر عبد الْملك عمر بن عبيد الله بن معمر أَن ينْدب النّاس مَعَ أهل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة ويسير إِلَى قِتَاله فَانْتدبَ عشرَة آلَاف وَسَار بهم.
وَجعل أهل الْكُوفَة على الميمنة وَعَلَيْهِم محمّد بن مُوسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله وَأهل الْبَصْرَة على الميسرة وَعَلَيْهِم عمر بن مُوسَى بن عبيد الله بن معمر وَهُوَ ابْن أخي عمر وَجعل خيله فِي)
الْقلب وَسَارُوا حتّى انْتَهوا إِلَى الْبَحْرين فاصطفّوا
لِلْقِتَالِ. فَحمل أَبُو فديك وَأَصْحَابه حَملَة رجل واحدٍ فكشفوا ميسرَة عمر حتّى أبعدوا إلاّ الْمُغيرَة بن المهلّب وفرسان النَّاس فإنّهم مالوا إِلَى صفّ أهل الْكُوفَة بالميمنة ثمَّ رَجَعَ أهل الميسرة وقاتلوا واشتدّ قِتَالهمْ حتّى دخلُوا عَسْكَر الْخَوَارِج وَحمل أهل الميمنة حتّى استباحوا عَسْكَر الْخَوَارِج وَقتلُوا أَبَا فديك وحصروا أَصْحَابه حتّى نزلُوا على الحكم فَقتل مِنْهُم نَحْو ستّة آلَاف وَأسر ثَمَانمِائَة. ووجدوا جَارِيَة أميّة بن عبد الله حُبْلَى من أبي فديك وعادوا إِلَى الْبَصْرَة وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَسبعين من الْهِجْرَة اه.
وَبِمَا ذكرنَا يطبّق الْمفصل ويصاب المحزّ.
ولّما لم يقف شرّاح الشواهد على مَا مرّ قَالُوا بالتخمين وَرَجَمُوا بالظنون مِنْهُم بعض فضلاء الْعَجم قَالَ فِي شرح أَبْيَات الْمفصل وَتَبعهُ فِي شرح شَوَاهِد
الموشّح: قيل يصف فَاسِقًا أَو كَافِرًا.
وَالْمعْنَى على الأوّل أنّ الْفَاسِق سرى بأفكه وأباطيله فِي بِئْر الْمهْلكَة من الْمعاصِي وَمَا علم لفرط غفلته إِذا صَار فِيهَا حتّى إِذا انْفَلق الصّبح وأضاء الحقّ وانكشف ظلمات الشّبه واطلع علم مُعَاينَة لَكِن لم يَنْفَعهُ ذَلِك الْعلم.
وعَلى الثَّانِي: أَن الْكَافِر سرى بإفكه وبطلانه فِي ورطة الْهَلَاك من كفره وَمَا شعر بذلك لإعراضه عَن الْآخِرَة حتّى إِذا قَامَت الْقِيَامَة علم أَنه كَانَ خابطاً فِي ظلمات الْكفْر وَلكنه لَا خوّاض فِي المهالك سالك فِي مسالك الجنّ. وَهَذَا مّما تتمدّح بِهِ الْعَرَب وأشعارهم ناطقة بذلك. وَمعنى قَوْله: بإفكه أَنه يكذب نَفسه إِذا حدّثها بِشَيْء وَلَا يصدقها فِيهِ وَيَقُول لَهَا: إِن الشَّيْء الَّذِي تطلبينه بعيد لتزداد جدّاً فِي طلبه وَلَا تتوانى فِيهِ ولذاك قَالَ لبيد: الرمل
(اكذب النّفس إِذا حدّثتها
…
إنّ صدق النّفس يزري بالأمل)
وَالْمعْنَى: سَار لَيْلًا هَذَا الرجل لجرأته وجلادته فِي مهاوي الْهَلَاك أَو فِي الْمَوَاضِع الخالية الَّتِي يسكنهَا الجنّ حتّى أَضَاء الصبّح وَمَا شعر بِهِ ذَلِك الَّذِي ألْقى بِيَدِهِ فِي المهالك وَهُوَ غافل عَن ذَلِك لعدم مبالاته. وَهَذَا الْمَعْنى أشبه بِمذهب الْعَرَب. هَذَا كَلَامه.
وترجمة العجّاج تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعِشْرين من أَوَائِل الْكتاب.