الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثانيهم: جبّار بن عَمْرو الطّائي قَاتل عنترة العبسيّ وهما جاهليّان أَيْضا.
وثالثهم: جبّار بن جُزْء بن ضرار وَهُوَ ابْن أخي الشّمّاخ وَهَذَا إسلاميٌّ ابْن صحابيّ.
وَأنْشد بعده وَهُوَ
3 -
(الشَّاهِد الْخَامِس بعد الثلاثمائة)
الطَّوِيل
(إِلَى الْحول ثمّ اسْم السّلام عَلَيْكُمَا
…
وَمن يبك حولاّ كَامِلا فقد اعتذر)
على أنّ لفظ اسْم مقحم عِنْد بعض النُّحَاة.
قَالَ ابْن جنّي فِي الخصائص: هَذَا قَول أبي عُبَيْدَة وَكَذَلِكَ قَالَ فِي بِسم الله وَنحن نحمل الْكَلَام على أنّ فِيهِ محذوفاً. قَالَ أَبُو عليّ: وإنّما هُوَ على حدّ حذف الْمُضَاف أَي: ثمَّ معنى السَّلَام عَلَيْكُمَا وَاسم معنى السَّلَام هُوَ السَّلَام وَكَأَنَّهُ قَالَ: ثمّ السَّلَام عَلَيْكُمَا.
فَالْمَعْنى لعمري مَا قَالَه أَبُو عُبَيْدَة لكنّه من غير الطَّرِيق الَّتِي أَتَاهُ هُوَ مِنْهَا أَلا
ترَاهُ هُوَ اعْتقد زِيَادَة شَيْء واعتقدنا نَحن نُقْصَان شَيْء. انْتهى.
وَقَالَ ابْن السَّيِّد البطليوسيّ فِي تأليف ألّفه فِي الِاسْم: تَقْدِيره ثمّ مسمّى السّلام عَلَيْكُمَا أَي: ثمَّ الشَّيْء المسمّى سَلاما عَلَيْكُمَا فالاسم هُوَ المسمّى
بِعَيْنِه وهما ينواردان على معنى وَاحِد.
وَذهب أَبُو عُبَيْدَة إِلَى أَن لفظ اسْم هُنَا مقحم. وَعند أبي عليّ فِيهِ مُضَاف مَحْذُوف وَتَقْدِيره وردّ عَلَيْهِ الإِمَام السّهيليّ فِي كِتَابه الْمُعْتَبر فَقَالَ: هَذَا جوابٌ لَا يقوم على سَاق وَلَا يكَاد يفهم لما فِيهِ من الاستغلاق. وَقد تكلّف فِي هَذَا التَّأْلِيف وتعسّف وَمن ألّف فقد استهدف.
وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: لم يرد الشَّاعِر إِيقَاع التَّسْلِيم عَلَيْهَا لحينه وإنّما أَرَادَهُ بعد الْحول. فَلَو قَالَ: ثمَّ)
السّلام عَلَيْكُمَا لَكَانَ مسلّماً فِي وقته الَّذِي نطق بِهِ فِي الْبَيْت فَلَمَّا ذكر الِاسْم الَّذِي هُوَ عبارَة عَن اللَّفْظ أَي: إِنَّمَا لفظ بِالتَّسْلِيمِ بعد الْحول وَذَلِكَ السّلام دعاءٌ فَلَا يتقيّد بِالزَّمَانِ الْمُسْتَقْبل وإنّما هُوَ لحينه فَلَا يُقَال: بعد الْجُمُعَة اللَّهُمَّ ارْحَمْ زيدا وَإِنَّمَا يُقَال: اغْفِر لي بعد الْمَوْت وَبعد ظرف للمغفرة وَالدُّعَاء وَاقع لحينه.
فَإِن أردْت أَن تجْعَل الْوَقْت ظرفا للدّعاء صرّحت بِلَفْظ فَقلت: بعد الْجُمُعَة أَدْعُو بِكَذَا وألفظه وَنَحْوه لأنّ الظّروف إنّما تقيّد بهَا الْأَحْدَاث الْوَاقِعَة خَبرا أَو أمرأً أَو نهيا وَأما غَيرهَا من الْمعَانِي كالعقود وَالْقسم والدّعاء وَالتَّمَنِّي والاستفهام فإنّها وَاقعَة لحين النُّطْق بهَا.
فَإِذا قَالَ: بعد بعد الْحول وَالله لأخرين فقد انْعَقَد الْيَمين حِين ينْطق بِهِ وَلَا يَنْفَعهُ أَن يَقُول: أردْت أَن لَا أوقع الْيَمين إلاّ بعد الْحول فإنّه لَو أَرَادَ ذَلِك قَالَ: بعد الْحول أَحْلف أَو ألفظ بِالْيَمِينِ.
فأمّا الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَبَر فإنّما تقيّدت بالظروف لأنّ الظروف فِي الْحَقِيقَة إنّما يَقع فِيهَا الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ أَو الْمخبر بِهِ دون الْأَمر وَالْخَبَر فإنّهما واقعان لحين النُّطْق بهما فَإِذا قلت: اضْرِب
قلو أنّ لبيداً قَالَ: إِلَى الْحول ثمّ
السّلام عَلَيْكُمَا كَانَ مُسلما لحينه وَقد أَرَادَ إنيّ لَا ألفظ بِالتَّسْلِيمِ والوداع إلاّ بعد الْحول وَلذَا ذكر الِاسْم الَّذِي هُوَ اللَّفْظ ليَكُون بعد الْحول ظرفا. انْتهى كَلَام السُّهيْلي.
وَالْمرَاد من قَوْله: ثمّ اسْم السّلام عَلَيْكُمَا الْكِنَايَة عَن الْأَمر بترك مَا كَانَ أَمرهمَا بِهِ وَهُوَ سَلام توديع. وأتى بثمّ لأنّها للتراخي والمهلة. وَقد تعسّف قومٌ لإِخْرَاج الِاسْم عَن الزِّيَادَة بِجعْل السَّلَام اسْم الله تَعَالَى ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ بَعضهم: عَلَيْكُمَا اسْم فعل أَي: الزما اسْم الله واتركا ذكري.
وَفِيه أنّ تَقْدِيم اسْم العفل لَا يجوز إلاّ عِنْد الكسائيّ على أنّ الرِّوَايَة رفع اسمٍ لَا نَصبه.
وَقَالَ جماعةٌ مِنْهُم شَارِح اللبّ: إنّ الْمَعْنى ثمَّ حفظ الله عَلَيْكُمَا كَمَا يُقَال للشَّيْء المعجب: اسْم الله عَلَيْك تعويذاً لَهُ من السوء. فَفِي ذكر الِاسْم تفخيم وصيانة للمسمّى عَن الذّكر.
وَقَالَ الشّلوبين فِي حَاشِيَة المفصّل: أجَاب بَعضهم بأنّ السّلام هُنَا اسمٌ من أَسمَاء الله تَعَالَى والسّلام عبارةٌ من التَّحِيَّة وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ وَلكنه شرّفه بِأَن أَضَافَهُ إِلَى الله تَعَالَى لأنّه أبلغ فِي التَّحِيَّة كَأَنَّهُ يَقُول: لَو وجدت سَلاما أشرف من هَذَا لحيّيتكم بِهِ ولكنّي لَا أَجِدهُ لِأَنَّهُ اسْم السَّلَام. هَذَا كَلَامه.
وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات المفصّل: قَوْله ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا أَي: حفظ)
الله عَلَيْكُمَا وَالِاسْم مقحم وثمّ تسْتَعْمل فِي معنى التّرْك والإعراض. هَذَا كَلَامه وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الْخبط الظَّاهِر.
وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات للبيد بن ربيعَة بن عَامر الصّحابيّ وَقد تقدّمت
تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة.
رُوِيَ أنّه لما حَضرته الْوَفَاة قَالَ لَا بنتيه:
(تمنّى ابنتاي أَن يعِيش أَبوهُمَا
…
وَهَا أَنا إلاّ من ربيعَة أَو مُضر)
(فقوما وقولا بِالَّذِي تعلمانه
…
وَلَا تخمشا وَجها وَلَا تحلقا شعر)
(وقولا: هُوَ الْمَرْء الَّذِي لَا صديقه
…
أضاع وَلَا خَان الْخَلِيل وَلَا غدر)
إِلَى الْحول ثمّ اسْم السّلام عَلَيْكُمَا
…
...
…
... الْبَيْت وَبعد وَفَاته كَانَتَا تلبسان ثيابهما فِي كلّ يَوْم وتأتيان مجْلِس جَعْفَر بن كلاب قبيلته فترثيانه وَلَا تعولان فأقامتا على ذَلِك حولا كَامِلا ثمَّ انصرفنا.
وَقَوله: تمنّى ابنتاي هُوَ مضارع وَأَصله تتمنّى بتاءين. وَزعم بَعضهم أنّه فعل مَاض وَلَو كَانَ كَمَا زعم لقَالَ تمنت وَلَا مُوجب لحمله على الضَّرُورَة.
وَقَوله: وَهل أَنا الخ أَي: جَمِيع آبَائِي من ربيعَة أَو مُضر قد مَاتُوا وَلم يسلم أحدٌ مِنْهُم من وَقَالَ بعض فضلاء الْعَجم فِي أَبْيَات المفصّل مَعْنَاهُ: وَمَا أَنا إلاّ من الْكِرَام الْأَشْرَاف وَمن كَانَ مِنْهُم لَا يعِيش طَويلا لأنّ الْكِرَام قَليلَة الْأَعْمَار وَهَذَا كَلَامه وَلَيْسَ هَذَا معنى الشّعْر ويكذّبه أَن لبيداً من المعمّرين كَمَا تقدم فِي تَرْجَمته.
وَقَوله: فقوما الْفَاء فصيحةٌ لأنّ الْمَعْنى إِذا ثَبت أَنِّي ربيعَة أموات كَمَا مَاتُوا فقوما بعد موتِي للعزاء وقولا فِي الرثاء مَا تعلمانه من الصِّفَات الحميدة وابكيا إِن أردتما وَلَا تخمشا بأظافير كَمَا وَلَا تحلقا شعركما.
ويقدّر ابكيا لقَوْله وَلَا تخمشا الخ وَذَلِكَ أنّ خَمش الْوَجْه وَحلق الشّعْر لَا يكون إلاّ مَعَ
الْبكاء والبكاء مُبَاح مَا لم يكن فِيهِ خَمش الْوَجْه وَحلق الشّعْر وَلَطم خدّ.
وَقَوله: لَا صديقه مفعول مقدم لقَوْله أضاع ومفعول غذر مَحْذُوف وَهُوَ ضمير الْخَلِيل أَو أنّ غذر منّزل منزلَة اللَّازِم أَي: لم يحصل مِنْهُ غدرٌ لأحد.
وَقَوله: إِلَى الْحول متعلّق بقوله: قوما أَي: امتثلا مَا قلت لَكمَا إِلَى الْحول وإنّما قَالَ إِلَى الْحول)
لأنّ الزَّمَان ساعاتٌ وأيامٌ وجمعٌ وشهورٌ وسنون والسّنون هِيَ النِّهَايَة فالحول وَالسّنة مدّة هِيَ نِهَايَة الزَّمَان فِي التَّقْسِيم إِلَى أَجْزَائِهِ.
وَيُمكن أَن يكون ذَلِك لما رُوِيَ فِي بعض الْآثَار: أَن أَرْوَاح الْمَوْتَى لَا تَنْقَطِع من التردّد إِلَى مَنَازِلهمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى سنة كَامِلَة فكأنّه إنّما أَمرهمَا بِمَا ذكر من الذّكر والدّعاء وَغير ذَلِك ليشاهد ذَلِك مِنْهُمَا وَلذَلِك قَالَ: وَمن يبك جولاً الخ.
وَقَالَ بَعضهم: إنّما وقّت بالحول لأنّه مدّة عزاء الْجَاهِلِيَّة وَهَذَا لَا يصحّ هُنَا لِأَنَّهُ قَائِله صحابيّ واعتذر بِمَعْنى أعذر أَي: صَار ذَا عذر كَذَا فِي الصِّحَاح.
وَالْخطاب فِي قَوْله: عَلَيْكُمَا لابنتيه كَمَا تقدّم وَمِنْه يعلم غَفلَة بعض شرّاح المفصّل فِي قَوْله: الْمَعْنى بَكَيْت عَلَيْكُمَا أَيهَا الخليلان ثمَّ السَّلَام عَلَيْكُمَا يَعْنِي تركت الْبكاء فإنّ من يبكي حولا فقد مضى حقّ الْخَلِيل.
وعجيبٌ من صَاحب الْكَشْف فِي سُورَة الْمُؤمن قَوْله: إنّ لبيداً قَالَ ذَلِك يرثي أَخَاهُ لأمّه وَهُوَ أَرْبَد وَابْن عَمه عَامر بن الطُّفَيْل لما أصابهما مَا أصابهما بدعوة من النَّبِي صلى الله عليه وسلم.