الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده وَهُوَ
3 -
(الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَتَيْنِ)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الرجز
(لَا هثيم اللّيلة للمطيّ)
على أَن لَا النافية للْجِنْس لَا تدخل على الْعلم وَهَذَا مؤوّل إمّا بِتَقْدِير مُضَاف وَهُوَ مثل وإمّا بِتَأْوِيل الْعلم باسم الْجِنْس. وَقد بيّنهما الشَّارِح المحقّق.
وَقد أوردهُ صَاحب الكشّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: فَلَنْ يقبل من أحدهم ملْء الأَرْض ذَهَبا على أنّه على تَقْدِير مثل ملْء الأَرْض فَحذف مثل كَمَا حذفت من لَا هَيْثَم اللّيلة.
قَالَ الْفَاضِل اليمنيّ: وَقد اعْترض هَذَا بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: الْتزم الْعَرَب تجرّد الِاسْم الْمُسْتَعْمل عَن الْألف وَاللَّام وَلم يجوّزوا قَضِيَّة وَلَا أَبَا الْحسن كَمَا جوّزوا وَلَا أَبَا حسن وَلَو كَانَت إِضَافَة مثل منوّية لم يحْتَج إِلَى ذَلِك.
وَالثَّانِي: إِخْبَار الْعَرَب عَن الْمُسْتَعْمل ذَلِك الِاسْتِعْمَال بِمثل كَقَوْل الشَّاعِر: الطَّوِيل
(تبْكي على زيدٍ وَلَا زيد مثله
…
بريءٌ من الحمّى سليم الجوانح)
أَقُول: لَا يضر هَذَا الِالْتِزَام فإنّه واردٌ على أحد الجائزين فإنّ أل
للمح الأَصْل وَالْغَالِب عدم ذكرهَا مَعَ أنّها عَلامَة لفظيّة للتعريف. وتعريف العلميّة وَإِن كَانَ أقوى مِنْهَا إلاّ أنّه معنوي فَلَو وجدت مَعَ لَا لَكَانَ الْقبْح ظَاهرا.
ثمَّ رَأَيْت فِي تذكرة أبي حيّان مَا نصّه: قَالَ الفرّاء من قَالَ قضيّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا لَا يَقُول وَلَا أَبَا الْحسن لَهَا بِالْألف وَاللَّام لأنّها تمحّض التَّعْرِيف فِي ذَا الْمَعْنى وَتبطل مَذْهَب التنكير. وَقَالَ: إنّما أجزنا لَا عبد الله لَك بِالنّصب لأنّه حرف مُسْتَعْمل يُقَال لكلّ أحد عبد الله وَلَا نجيز لَا عبد الرَّحْمَن وَلَا عبد الرَّحِيم لِأَن اسْتِعْمَال لم يلْزم هذَيْن كلزومه الأول. وَكَانَ الْكسَائي يقيس عبد الرَّحْمَن وَعبد الْعَزِيز على عبد الله وَمَا لذَلِك صحّة اه.
وَأما جعله بِتَأْوِيل اسْم الْجِنْس فقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالُوا قَضِيَّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا قَالَ الْخَلِيل: نجعله نكرَة. فَقلت: كَيفَ يكون هَذَا وإنّما أَرَادوا عليّاً عليه السلام فَقَالَ: لأنّه لَا يجوز لَك أَن تعْمل لَا إلاّ فِي نكرَة فَإِذا جعلت أَبَا حسن نكرَة حسن لَك أَن تعْمل لَا وَعلم الْمُخَاطب أنّه قد دخل فِي هَؤُلَاءِ المنكورين. وهَيْثَم اسْم رجل كَانَ حسن الحداء لِلْإِبِلِ وَقيل كَانَ جيّد الرّعية والسياق يدلّ للأوّل كَمَا)
يظْهر. وَكَذَلِكَ قَالَ بعض شرّاح أَبْيَات المفصّل: المُرَاد هَيْثَم بن الأشتر وَكَانَ مَشْهُورا بَين الْعَرَب بِحسن الصَّوْت فِي حدائه الْإِبِل وَكَانَ أعرف أهل زَمَانه بِالْبَيْدَاءِ والفلوات وسوق الْإِبِل. وللمطيّ خبر لَا وَهُوَ ظرف مُسْتَقر عَامل فِي اللّيلة وَبعده: وَلَا فَتى مثل ابْن خبيري
ّ قَالَ الصّاغانيّ فِي الْعباب: ذكر مثل هُنَا يعيّن أَن يكون مَا قبله بِتَقْدِير لَا مثل هَيْثَم وَابْن خبيريّ: قَالَ ابْن الكلبيّ فِي جمهرة نسب عذرة: فَمن بني ضبيس جميل بن عبد الله بن معمر بن الْحَارِث بن خبيريّ بن ظبْيَان اه.
وَجَمِيل هَذَا هُوَ صَاحب بثينة الْمَشْهُور وَهُوَ المُرَاد بِابْن خبيريّ: فَيكون نسب إِلَى أحد أجداده. ومدحه بالفتوّة لأنّه كَانَ شجيعاً يحمي أدبار المطيّ من الْأَعْدَاء.
وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بِابْن خبيريّ عليّ رضي الله عنه وَالْإِضَافَة للملابسة. وَهَذَا لَا أصل لَهُ.
وَقيل: أَرَادَ بِهِ مرْحَبًا وَهُوَ الَّذِي بارزه عليّ رضي الله عنه يَوْم خَيْبَر فَقتله.
وَهَذَا الشَّاهِد من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعيّن قَائِلهَا. وَقد أورد هذَيْن الْبَيْتَيْنِ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المصنّف مَعَ أَبْيَات قبلهمَا وَهِي: الرجز
(قد حشّها اللّيل بعصلبيّ
…
مهَاجر لَيْسَ بأعرابيّ)
(أروع خرّاج من الدّوّيّ
…
عمرّسٍ كالمرس الملويّ)
قَالَ الصاغانيّ فِي الْعباب: العصلبيّ بِفَتْح الْعين وَسُكُون الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: الشَّديد الْبَاقِي على الْمَشْي وَالْعَمَل. وَأنْشد الأبيات على الفرّاء فِي نوادره لبَعض بني دبير بِضَم الدَّال وَفتح الْمُوَحدَة مُصَغرًا وَهِي قَبيلَة من بني أَسد.
وَقَالَ شَارِح شَوَاهِد الْغَرِيب ابْن السّيرافيّ: يُقَال حشّ النّار يحشّها حشّاً إِذا بَالغ فِي إيقادها وإحمائها. وَإِنَّمَا يُرِيد أنّ الْإِبِل قد رميت بِرَجُل
عصلبيّ يسْرع سوقها وَلَا يَدعهَا تفتر كَمَا تحشّ النّار. وحشّ بحاء مُهْملَة وشين مُعْجمَة.
ويروى:
قد لفّها اللّيل أَي: اللَّيْل جعل هَذَا الرّجل ملتفاً بهَا. وإنّما نسب الْفِعْل إِلَى اللّيل لأنّ اللَّيْل حمله على الجدّ فِي السّير. وَجعله مُهَاجرا وَالْمُهَاجِر الَّذِي هَاجر إِلَى الْأَمْصَار من الْبَادِيَة فَأَقَامَ بهَا وَصَارَ من أَهلهَا)
ليَكُون سيره أشدّ. وخصّ المُهَاجر لأنّه من أهل الْمصر الَّذِي يَقْصِدهُ فَلهُ بِالْمِصْرِ مَا يَدعُوهُ إِلَى إسراع السّير وَيجوز أَن يكون خصّ المُهَاجر لأنّه أعلم بالأمور من الأعرابيّ وَأبْصر بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ. والأروع: الْحَدِيد الْفُؤَاد. والدّوّيّ: جمع دوّيّة يُرِيد أنّه ذُو هِدَايَة وبصر بِقطع الفلوات وَالْخُرُوج مِنْهَا. والعمرّس: الشَّديد بِفَتْح الْعين وَالْمِيم وَتَشْديد الرَّاء وبالسين المهملات. والدّوّيّ بتَشْديد الْوَاو وَالْيَاء قَالَ فِي الصِّحَاح: الدوّ والدوّيّ: الْمَفَازَة وَكَذَلِكَ الدوّيّة لأنّها مفازة مثلهَا فنسبت إِلَيْهَا كَقَوْلِهِم دهرٌ دوّار ودوّاريّ. وَعرف بِهَذَا السّياق أنّه مدحٌ لهيثم فِي جودة حدائه المنشط لِلْإِبِلِ فِي سَيرهَا وأنّه لَا يقوم أحدٌ مقلمه وَلَا يسدّ مسدّه فِي حدائها.
وَظهر مِنْهُ أَيْضا أَن المُرَاد لَا مثل هَيْثَم لَا تَأْوِيله باسم الْجِنْس لشهرته فِي صفة الحداء فتأمّل.
وَزعم بعض فضلاء الْعَجم فِي شرح أَبْيَات المفصّل أنّ هَذَا الْكَلَام تأسّف وتحسرّ عَلَيْهِمَا.
وكأنّه فهم أَنَّهُمَا مَاتَا وَالشعر مرثية فيهمَا. أَو هما غائبان عَن المطيّ فِي تِلْكَ اللّيلة.