الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنّه قد عهد تقدّم الْمَفْعُول على الْفَاعِل الْمَرْفُوع لفظا فاستمرّت لَهُ هَذِه الْمرتبَة مَعَ الْفَاعِل تَقْديرا فَإِن الْمصدر لَو كَانَ منوّناً لجَاز تَقْدِيم الْمَفْعُول على فَاعله نَحْو أعجبني ضرب عمرا زيد فَكَذَا فِي الْإِضَافَة.
وَقد ثَبت جَوَاز الْفَصْل بَين حرف الجرّ ومجروره مَعَ شدَّة الِاتِّصَال بَينهمَا أَكثر من شدته بَين المتضايفين كَقَوْلِه تَعَالَى: فبمَا نقضهم ميثاقهم فبمَا رحمةٍ وَالْمَفْعُول المقدّم هُوَ فِي غير مَوْضِعه معنى فَكَأَنَّهُ مُؤخر لفظا. وَلَا الْتِفَات إِلَى قَول من زعم أَنه لم يَأْتِ فِي الْكَلَام المنثور مثله. لأنّه نافٍ وَمن أسْند هَذِه الْقِرَاءَة مثبتٌ وَالْإِثْبَات مرجّح على النَّفْي بِإِجْمَاع. وَلَو نقل إِلَى هَذَا الزاعم عَن بعض الْعَرَب أَنه اسْتَعْملهُ فِي النثر لرجع إِلَيْهِ فماباله لَا يَكْتَفِي بناقل الْقِرَاءَة من التَّابِعين عَن الصَّحَابَة هَذَا زبدة مَا أوردهُ السّمين وَمثله كَلَام الجعبريّ فِي شرح الشاطبيّة وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده وَهُوَ
3 -
(الشَّاهِد الْعشْرُونَ بعد الثلاثمائة)
وَهُوَ من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ:
الْبَسِيط
(تَنْفِي يداها الْحَصَى فِي كلّ هاجرة
…
نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف)
على أنّفيه الْفَصْل بالمفعول أَيْضا بَين المتضايفين فَإِن أَصله: نفي تنقاد الصياريف الدراهيم ففصل بالمفعول وَهُوَ الدراهيم بَين المتضايفين.
وَإِضَافَة نفي إِلَى تنقاد من إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله. وَرُوِيَ أَيْضا بغضافة نفي إِلَى الدراهيم وَرفع تنقاد فَيكون من إِضَافَة الْمصدر. وعَلى هَذِه الرِّوَايَة أنْشدهُ ابْن النَّاظِم وَابْن عقيل فِي شرح الألفيّة.
قَالَ العينيّ: وَفِي شرح الْكتاب: وَيجوز نصب التّنقاد وَرفع الدراهيم فِي الْعَمَل على الْقلب من حَيْثُ أَمن اللّبْس يَعْنِي أنّه رُوِيَ بجرّ الدراهيم بِإِضَافَة نفي إِلَيْهِ وَنصب تنقاد فَيكون من قبيل إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله على تَقْدِير الْقلب بِجعْل الْفَاعِل مَفْعُولا وَالْمَفْعُول فَاعِلا.
وَأوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي اوائل كِتَابه فِي بَاب مَا يحْتَمل الشّعْر قَالَ: وربّما مدّوا فَقَالُوا: مساجيد نفي الدَّنَانِير تنقاد الصّياريف وينشد: نفي الدراهيم. انْتهى كَلَامه ومحلّ الشَّاهِد فِيهِ عِنْد أبي جَعْفَر النّحاس الدَّنَانِير والدراهيم قَالَ: من روى الدنابير فَلَا ضَرُورَة عِنْده فِيهِ لأنّ الأَصْل فِي دِينَار دنّار فَلَمَّا جمعت رَددته إِلَى أَصله فَقلت دَنَانِير. وَمن روى الدراهيم فَذكر أَبُو الْحسن بن كيسَان أَنه قد قيل فِي بعض اللُّغَات درهام قَالَ: فَيكون هَذَا على تَصْحِيح الْجمع. قَالَ: أَو يكون على أَنه زَاده للمد.
قَالَ: وَيكون على الْوَجْه الَّذِي قَالَ سِيبَوَيْهٍ أنّه بنى الْجمع على غير لفظ الْوَاحِد كَمَا أّ قَوْلهم: مذاكير لَيْسَ على لفظ ذكر إِنَّمَا هُوَ على لفظ مذكار وَهُوَ جمع لذكر على غير بِنَاء واحده.
قَالَ: وَلم يُنكر أَن يكون الْجمع على غير بِنَاء الْوَاحِد فَلذَلِك زَاد الْيَاء فِي دراهيم. وَقَالَ لي عَليّ بن سُلَيْمَان: وَاحِد الصياريف صيرف وَكَانَ يجب أَن يَقُول صيارف انْتهى كَلَامه.
وَعند الشنتمري الشَّاهِد فِي الصياريف قَالَ: زَاد الْيَاء فِي الصياريف صرورة تَشْبِيها لَهَا بِمَا جمع فِي الْكَلَام على غير وَاحِد نَحْو ذكر ومذاكير وسمح ومساميح. وَلم يتَعَرَّض للدراهيم وَالدَّنَانِير.)
وَقد جمع ابْن خلف بَينهمَا فَقَالَ: الشَّاهِد فِيهِ على زِيَادَة الْيَاء فِي جمع الدَّرَاهِم والصيارف.
أَقُول: الظَّاهِر كَلَام الأعلم لَا غير وَرُوِيَ الدَّرَاهِم بِلَا يَاء وجميعهم لم يتَعَرَّضُوا إِعْرَاب الدراهيم والتنقاد. والنَّفْي بالنُّون وَالْفَاء قَالَ صَاحب الْمُحكم: كلّ مَا رَددته فقد نفيته ونفيت الدَّرَاهِم: أثرتها للانتقاد. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. ويداها: فَاعل تَنْفِي وَالضَّمِير لناقة الفرزدق. والْحَصَى: مفعول. والهاجرة: وَقت اشتداد الحرّ فِي وَقت الظّهْر. ونفي الدراهيم: مفعول مُطلق تشبيهي وَالْأَصْل تَنْفِي يداها الْحَصَى نفيا كنفي الدراهيم. والتنقاد: بِالْفَتْح من نقد الدَّرَاهِم وَهُوَ التَّمْيِيز بَين جيّدها ورديئها. والصّيارف: مجرور لفظا بِالْإِضَافَة مَرْفُوع محلاّ لأنّه فَاعل تنقاد.
قَالَ الأعلم: وصف الفرزدق نَاقَته بِسُرْعَة السّير فِي الهواجر فَيَقُول: إِن يَديهَا لشدّة وقعها يَفِ الْحَصَى ينفيانه فيقرع بعضه بَعْضًا وَيسمع لَهُ صليل كصليل الدَّنَانِير إِذا انتقدها الصّيرفيّ فنفى رديئها عَن جيّدها وخصّ الهاجرة لتعذّر السّير فِيهَا.